الإعجاز الغيبي في وصف قتال اليهود من وراء الجُدُر

د. محمود عبد الله نجا*

صورة للجدار العازل في الضفة الغربية الذي بناه اليهود في فلسطين
 

قال تعالى (لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ) 14 الحشر.

 قال ابن عاشور فى تفسيره التحرير و التنوير (هذه الآية بدل اشتمال من الآية السابقة لها (لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ) الحشر13, لأن شدة الرهبة من المسلمين تشتمل على شدة التحصن لقتالهم إياهم أي لا يقدرون على قتالكم إلا في هذه الأحوال).

هذه الآية الكريمة تكشف عن الطبيعة النفسية لليهود,‏ فقد برع اليهود في التعصب الأعمى ضد كل من سواهم‏,‏ بل ضد الإنسانية بصفة عامة‏,‏ كما برعوا في تدبير المؤامرات‏,‏ ونقض المعاهدات‏,‏ وتزييف التاريخ‏,‏ وتحريف الدين‏,‏ والافتراء على الله,‏ وعلى كتبه، وأنبيائه ورسله‏,‏ وفي سلب الأراضي من أهلها, وفي تربية ناشئتهم على الاستعلاء الكاذب فوق الخلق‏.‏ ولذلك كان خوفهم من الأمم المحيطة بهم شعوراً مسيطراً دوماً عليهم، فعاشوا عبر التاريخ وراء القُرى المحصنة‏,‏ والجُدران المرتفعة‏,‏ والموانع والعوائق المتعددة‏,‏ أو في أحياء مغلقة‏‏.‏ وتاريخ اليهود يؤكد صدق القرآن الكريم بهذه الإشارة الربانية الصادعة (لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُر), و قد أفاض أهل العلم في بيان طبيعة القرى المحصنة لليهود عبر التاريخ, و التي كان من أحدثها خط بارليف الذي أقامته “إسرائيل” بعد انتصارها في حرب 1967, و الجدار العازل الذي شرعت في إقامته سنة 2003 بعد أن سيطرت على أغلب الأراضي الفلسطينية, و امتلكت من السلاح و العتاد ما لا يعلمه إلا الله, فكان ذلك أكبر دليل على الخوف المسيطر على نفوس اليهود و الذي لا ينفك عنهم حتى و لو انتصروا على عدوهم. و ينبغي أن نلتفت إلى أن الآية الكريمة لم تنفِ أن يكون اليهود من المقاتلين أو أن يمتلكوا القوة التي تمكنهم من مهاجمة غيرهم من الأمم أو أن يكونوا ذوي مكر و دهاء, فقول الله (لا يقاتلونكم) فيه دلالة على وقوع القتال بين فريقين كل منهما ينشد الانتصار على الآخر و يسعي في طلب الآخر, بل إن الله يبين في موضع آخر أن اليهود سيتفوقون على المسلمين و يكونون أكثر نفيرا {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } الإسراء6, و عليه فهذه الآية ما نزلت لتتهم اليهود بأنهم ليسوا أهل قتال و لكن لتبين الطبيعة النفسية لهم في أثناء قتالهم, و أنها طبيعة واهية تخاف الموت و تحرص على الحياة, فلا ينبغي للمسلم أن يهابها في اثناء القتال حتى لو كانت الغلبة في العدة و العتاد لصالحهم. و ما لفت نظري في هذه الآية الكريمة (لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ), أن ما من قرية مُحصنة إلا والجُدران عامل أساسي في تحصينها, قال القرطبي فى تفسير القرى المحصنة (أي محصنة بالحيطان والدور, يظنون أنها تمنعهم منكم), فلماذا أضاف الله كلمة (جُدُر) بعد ذكر القرى المحصنة طالما أنها تشتمل الجدران, فقد رأينا كيف أحاطوا قراهم بخط بارليف ليفصلهم عن المصريين, ثم أحاطوها بالجدار العازل ليفصلهم عن الفلسطينيين, فالجدران هي جزء من تحصينهم الأساسي, فهل هناك إضافة جديدة من ذكر الجُدُر بعد القرى المحصنة. قد يقول البعض لعل هذا من قبيل ذكر الخاص بعد العام للتأكيد على أهميته, و بالفعل للجدران موقع خاص في تحصين قرى اليهود, و في ثقافتهم عبر العصور المختلفة, ولكن نلاحظ أن الله فصل بين القرى المحصنة و الجُدُر بحرف العطف (أو), و المعهودُ منْ عطفِ الخاصِّ على العامِّ أنْ يكونَ بالواوِ دونَ سائرِ حروفِ العطفِ, و لذا فلابد أن للعطف بأو فائدة أخرى, وهي كما نرى من سياق الآية تفيد بناء الكلامِ على التقسيمِ والتنويعِ. أي أن اليهود حين يقاتلونكم, فان لهم في قتالكم حالتين, الأولى أن يتحصنوا منكم بداخل قُراهم التي بالغوا في تحصينها, أما الثانية فالخروج للقائكم و ذلك يستلزم ترك القرى المحصنة و لما كانوا أجبن من ذلك, فقد كانت فكرة الجدار هي الأنسب لهم لكي يتمكنوا من التحرك خارج حصونهم. جاء في صفوة البيان لمعاني القرآن (‏ لا يقاتلونكم‏)‏ أي اليهود الذين‏ لا يقدرون على قتالكم,‏ (‏ جميعا‏)‏ أي مجتمعين, (‏ إلا في قرى محصنة‏)‏ أي بالخنادق والحصون والمدرعات المحصنة ونحوها‏, (‏ أو من وراء جدر‏)‏ أي يتسترون بها دون أن يظهروا لكم ويبارزوكم لفرط رهبتهم منكم‏. ففي قتالنا مع اليهود إما أن نطلبهم فيتحصنون في القرى لشدة خوفهم, و إما أن يطلبونا فيتحصنون بالجُدُر في أثناء سعيهم إلينا من فرط جبنهم و حرصهم على الحياة, قال تعالى {لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ }الحشر13.

 

 صورة لجندي إسرائيلي يستعمل سلاح طلقة الزاوية
 

و هذا ما رأيناه واضحاً جلياً في حربهم ضد المقاومة في لبنان و في حربهم ضد أهل غزة, فطالما أنهم وراء دباباتهم و غواصاتهم و سفنهم و طائرتهم فهم يهاجمون بضراوة, أما أن ينزلوا من خلف الجُدُر ليقاتلوا وجها لوجه و ليستولوا على الأرض, فهذا هو ما لم يستطيعوا فعله لفرط جبنهم, و لفرط حرصهم على الحياة, و معلوم أن الانتصار الحقيقي في أي معركة يعتمد على اكتساب الأرض و اسقاط القيادة المُعادية, و هو ما لم يحدث في العصر الحديث فى لبنان أو في غزة. …فهذا من الإعجاز الغيبي أن يصف الله اليهود بالجبن في كل أحوالهم مع المسلمين حتى و إن كانت القوة معهم. فحتى لو ترك اليهودي قريته المحصنة فحرصه على الجدار كأشد ما يكون, فكل أحواله معنا ما بين قرية محصنة أو جدار يختبئ خلفه, و لما كانت رهبتنا في قلوبهم شديدة فالواحد منهم حريص على ألا يظهر أي جزء منه للمسلم حتى و إن كان اليهودي مدججًا بالسلاح و يلبس شتى أنواع السترات الواقية, فهو يخاف من منظر المسلم و نظرته بل ربما ارتعد من صوته, و كم رأينا صور جنودهم المدججين بالسلاح يختبئون خلف جدران دباباتهم و مدراعاتهم خوفا من أطفال وشباب فلسطين العزل الذين لا يملكون الا الثقة فى الله.

…وكأنهم لهذا الخوف على حياتهم لا يقاتلونكم حتى يضعوا أكبر عددٍ ممكنٍ من الجدران ليقاتلوكم من خلفها ، وهذا مصداق قوله تعالى ( ولتجدنهم أحرص الناسِ على حياةٍ) البقرة 96, و التنكير في حياة يدل على أي أية حياة مهما كانت تافهة.

 و الناظر إلى كافة أسلحة اليهود يجد أن هذه العقيدة الجدارية واضحة بجلاء شديد, و من أكثر الأمثلة وضوحا السلاح المُسمى بندقية طلقة الزاوية ( CORNER SHOT‏), و على الرغم من انتشار هذا السلاح في العديد من الدول إلا أن مخترعه يهودي يُدعي Amos Golan, كان من مقاتلي الجيش الإسرائيلي, و ذلك بالتعاون مع شركة أسلحة أمريكية تعرف باسم Corner Shot Holdings, LLC.

و تعتبر هذه البندقية سلاح فعال ضد الأهداف القاتلة التي تترصد الجندي خلف الزوايا في الحالات التكتيكية المتغيرة التي تصادف الوحدات الخاصة وقوات الشرطة التي تعمل في المناطق المبنية.

و كما حكم الله على أبي لهب و امرأته بالموت على الكفر و بأن لهما العذاب الشديد … فقد حكم الله على اليهود بالجُدُر وبالجبن الذي لا فكاك منه حتى تقوم الساعة, فقال تعالى (لا يقاتلونكم) فاستخدم الله النفي بلا, و هي هنا حرف نفي غير عامل لدخولها على الجملة الفعلية التي فعلها مضارع (يقاتلونكم) , فتنفي زمنه في الحاضر و المستقبل, أي في زمن النبي صلي الله عليه و سلم و بعد زمنه إلى قيام الساعة, فياله من إعجاز غيبي جاء به القرآن قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان ليصف مقاتلي اليهود بالجبن و حب التخفي وراء الجدران, فصدقه واقع اليهود قديماً و حديثاً, بل و حتى قيام الساعة, و صدق النبي صلي الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى حين قال (‏ ‏لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون ‏‏ اليهود ‏ ‏فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا ‏‏ الغرقد ‏ ‏فإنه من شجر ‏‏ اليهود) رواه مسلم, فها هي العقيدة الجدارية لليهود التي تخشى من قتال المسلم في المستقبل فتوسعت في زراعة شجر الغرقد ليكون لهم بمثابة الجدار الواقي حين تخذلهم كل الجدران التي يختبئون خلفها و التي تنادي على المسلم ليقتل اليهودي, فلا يجدون إلا جدار الغرقد فانه من شجرهم, أسأل الله أن يُعجل بهذا اليوم الذي يُعزُ فيه المسلمين, و يُخزي الكافرين.

_________________________

* وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.quran-m.com

المراجع:

1. القرآن الكريم

2. صحيح مسلم

3. تفسير القرطبي

4. تفسير صفوة البيان

5. تفسير التحرير و التنوير

6. العدول في التعبير القرآني : د.عامر مهدي صالح العلواني.

http://www.dahsha.com/viewarticle.php?id=6299 .7.

8. وصف سلاح طلقة الزاوية http://en.wikipedia.org/wiki/CornerShot.

9. مصدر الصور:  http://www.hanein.info/vb/showthread.php?129344-((-)