خبّاب بن الأرت

رضي الله عنه

مقدمة: هو أبو عبد الله خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ بْنِ جَنْدَلَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ كَعْبٍ. من بني سعد بْن زيد مناة بن تميم. وهو عربي، لحقه سباء في الجاهلية فبيع بمكة، وقيل: هو حليف بني زهرة. وهو من السابقين الأولين إِلَى الإسلام ، كان سادس ستة في الإسلام، وممن عذِّب في اللَّه تعالى.

كان أصابه سِبًا فبيع بمكّة فاشترته أم أنمار وهي أم سباع الخزاعية وكانت ختانة بمكّة وهي الّتي عنى حَمْزَة بْن عَبْد المطلب يوم أحد حين قَالَ لسباع بْن عَبْد العزى وأمه أم أنمار: هلم إِلَيّ يا ابن مقطعة البظور. فانضم خَبَّاب بْن الأرت إِلَى آل سباع وادعى حلف بني زهرة بهذا السبب.

إسلامه: أسلم خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلْ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – دَارَ الأَرْقَمِ وَقَبْلَ أَنْ يَدْعُوَ فِيهَا، وكان قينا يطبع السيوف، وكان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يألفه ويأتيه، فأخبرت مولاته بذلك، فكانت تأخذ الحديدة المحماة فتضعها عَلَى رأسه، فشكا ذلك إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ” اللهم انصر خبابًا “، فاشتكت مولاته أم أنمار رأسها، فكانت تعوي مثل الكلاب، فقيل لها: اكتوي، فكان خباب يأخذ الحديدة المحماة فيكوي بها رأسها.

كان خبّاب رضي الله عنه مستضعفاً، وعَنْه قَالَ: كُنْتُ رَجُلا قَيْنًا وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ فَقَالَ لِي: لَنْ أَقْضِيَكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: لَنْ أَكْفُرَ بِهِ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: إِنِّي لَمَبْعُوثٌ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ فَسَوْفَ أَقْضِيكَ إِذَا رَجَعْتُ إِلَى مَالٍ وَوَلَدٍ. قَالَ: فَنَزَلَ فِيهِ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)} [مريم: 77 – 80]

تعذيبه في الله: كان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جلس مع المستضعفين: خباب، وعمار، وأبي فكيهة يسار مولى صفوان بن أمية وأشباههم، هزئت منهم قريش.

عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ يُعَذَّبُونَ بِمَكَّةَ لِيَرْجِعَ عَنْ دِينِهِ. قال الشعبي: إن خبابا صبر ولم يعط الكفار ما سألوا، فجعلوا يلزقون ظهره بالرضف، حتى ذهب لحم متنه.

دخل خباب بن الأرت يوماً عَلَى الخليفة عُمَرَ بِنِ الْخَطَّابِ فَأَجْلَسَهُ عَلَى مُتَّكَئِهِ وَقَالَ: مَا عَلَى الأَرْضِ أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا الْمَجْلِسِ مِنْ هَذَا إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ. قَالَ لَهُ خَبَّابٌ: مَنْ هُوَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: بِلالٌ. قَالَ فَقَالَ لَهُ خَبَّابٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا هُوَ بِأَحَقِّ مِنِّي. إِنَّ بِلالا كَانَ لَهُ فِي الْمُشْرِكِينَ مَنْ يَمْنَعُهُ اللَّهُ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِي أَحَدٌ يَمْنَعُنِي. فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمًا أَخَذُونِي وَأَوْقَدُوا لِي نَارًا ثُمَّ سَلَقُونِي فِيهَا ثُمَّ وَضَعَ رَجُلٌ رِجْلَهُ عَلَى صَدْرِي فَمَا اتَّقَيْتُ الأَرْضَ. أَوْ قَالَ بَرْدَ الأَرْضِ. إِلا بِظَهْرِي. قَالَ ثُمَّ كَشَفَ عَنْ ظَهْرِهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ بَرِصَ.

سأل عمر بْن الخطاب خبابًا رضي اللَّه عنهما، عما لقي من المشركين فقال: يا أمير المؤمنين، انظر إِلَى ظهري. فنظر، فقال: ما رأيت كاليوم ظهر رجل، قال خباب: لقد أوقدت نار وسحبت عليها فما أطفأها إلا ودك ظهري.

وأخرج البخاري عن خبّاب رضي الله عنه يقول: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّد ببردةٍ وهو في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: ألا تدعو الله؟ فقعد – وهو محمرٌّ وجهه – فقال: «لقد كان مَنْ قبلكم ليُمشط بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله عزّ وجلّ – زاد بيان: والذئب على غنمه -، ولكنكم تستعجلون» . وأخرجه أيضاً أبو داود، والنِّسائي كما في العيني، والحاكم بمعناه.

خباب يقريء أخت عمر وصهره القرآن:

خرج عمر رضي الله عنه متقلداً السيف فلقيه رجل من بني زُهْرة قال: أين تعمد يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمداً. فقال: وكيف تأمن من بني هاشم وبني زُهْرة إذا قتلت محمداً؟ قال: فقال له عمر: ما أراك إلا قد صبأت وتركت دينك الذي كنت عليه فقال أفلا أدلك على ما هو أعجب من ذلك؟ قال: وما هو؟ قال: أختك وخَتنُك قد صَبَوا وتركا دينك الذي أنت عليه. قال: فمشى عمر ذامراً حتى أتاهما وعندما رجل من المهاجرين يقال له خبَّاب قال: فلما سمع خباب حِسَّ عمر توارى في لبيت، فدخل عليهما فقال: ما هذه الهَيْنَمة التي سمعتها عندكم؟ قال: وكانوا يقرؤون: «طه» ، فقالا: ما عدا حديثاً تحدَّثناه بيننا، قال: فلعلكما قد صبوتما قال: فقال له ختنة: أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟ فوثب عمر على خَتَنة فوطأه وطأً شديداً، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها بيده نفحة فدمَّى وجهها. فقالت – وهي غضبَى -: يا عمر، إن كان الحق في غير دينك أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما يئس عمر قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه. قال: – وكان عمر يقرأ الكتب – فقالت أخته؛ إنك رِجْس ولا يمسه إلا المطهَّرون، فقم فاغتسل أو توضأ. قال: قام عمر فتوضأ، ثم أخذ الكتاب فقرأ «طه» حتى انتهى – إلى قوله -: {إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لآ اله إِلآ أَنَاْ فَاعْبُدْنِى وَأَقِمِ الصلاةَ لِذِكْرِى} (طه: 14) قال فقال عمر: دلُّوني على محمد. فلما سمع خبّاب قول عمر خرج من البيت فقال: أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس: «اللَّهمَّ أعز الإِسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام» . قال: «ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصفا، فانطلق عمر حتى أتى الدار(دار الأرقم)…

هجرته وكفاحه:

لَمَّا هَاجَرَ خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهِدْمِ مع الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو فَلَمْ يَبْرَحَا مَنْزِلَهُ حَتَّى تُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِلَى بَدْرٍ بِيَسِيرٍ. فَتَحَوَّلا فَنَزَلا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَلَمْ يَزَالا عِنْدَهُ حَتَّى فُتِحَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ.

وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين تميم مولى خراش بْن الصمة، وبينه وبين جبر بْن عتيك. وَشَهِدَ خَبَّابٌ بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد كلها مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –

جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفَزَاري فوجدا النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً مع عمار وصهيب وبلال وخباب بن الأرت – رضي الله عنهم – في أناس من ضعفاء المؤمنين، فلما رأوهم حقروهم فخلوا به فقالوا: إن وفود العرب تأتيك فنستحي أن يرانا العرب قعوداً مع هذه الأعبُد، فإذا جئناك فأقمهم عنا، قال: «نعم» ، قالوا: فاكتب لنا عليك كتاباً، فدعا بالصحيفة ودعا علياً ليكتب – ونحن قعود في ناحية – إذ نزل جبريل عليه السلام فقال: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَىْء وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَىْء} {فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} {وَكَذالِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لّيَقُولواْ} {أَهَؤُلآء مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مّن بَيْنِنَآ} {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} {وإذ جاءك الذين يؤمنون بآياتنا} (سورة الأنعام، الآيات: 52 – 54) – الآية، فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحيفة ودعانا فأتيناه وهو يقول: «سلام عليكم» فدنونا منه حتى وضعنا ركبنا على ركبته، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} {وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} (سورة الكهف، الآية: 28) قال: فكنا بعد ذلك نقعد مع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بلغنا الساعة التي كان يقوم فيها قمنا وتركناه وإلا صبر أبداً حتى نقوم.

روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

روى عنه: ابنه عَبْد اللَّهِ، ومسروق، وقيس بْن أَبِي حازم، وشقيق، وعبد اللَّه بْن سخبرة، وَأَبُو ميسرة بْن شرحبيل، والشعبي، وحارثة بْن مضرب، وغيرهم.

وعن الزُّهْرِيِّ، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، عن أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةً فَأَطَالَهَا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّيْتَ صَلاةً لَمْ تَكُنْ تُصَلِّيهَا؟ قَالَ: ” أَجَلْ، إِنَّهَا صَلاةُ رَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ، إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا ثَلاثًا، فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُهُ أَنْ لا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِسَنَةٍ، فَأُعْطِيتُهَا، سَأَلْتُهُ أَنْ لا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَمَنَعَنِيهَا “.

بِنْتُ خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ: بْنِ جَنْدَلَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ كعب بن سعد من بني سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم. أسلمت وأدركت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وروت عنه. وأخبرت أن والدها خَبَّاباً: خَرَجَ فِي غَزْوَةٍ وَلَمْ يَتْرُكْ لَنَا إِلا شَاةً وَقَالَ: إِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَحْلِبُوهَا فَأْتُوا بِهَا أَهْلَ الصُّفَّةِ. قَالَتْ: فَانْطَلَقْنَا بِهَا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – جَالِسٌ فَأَخَذَهَا فَاعْتَقَلَهَا فَحَلَبَ ثُمَّ قَالَ: ائْتُونِي بِأَعْظَمِ إِنَاءٍ عِنْدَكُمْ. فَذَهَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ إِلا الْجَفْنَةَ الَّتِي نَعْجِنُ فِيهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَحَلَبَ حَتَّى مَلأَهَا.قَالَ: اذْهَبُوا فَاشْرَبُوا وَأَمِيهُوا جِيرَانَكُمْ فَإِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَحْلِبُوا فَأْتُونِي بِهَا.

قالت: فَكُنَّا نَخْتَلِفُ بِهَا إِلَيْهِ فَأَخْصَبْنَا حَتَّى قَدِمَ أَبِي فَأَخَذَهَا فَاعْتَقَلَهَا فَصَارَتْ إلى لبنها. فقالت أمي: أفسدت عَلَيْنَا شَاتَنَا. قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: إِنْ كَانَتْ لَتَحْلِبُ مِلْءَ هَذِهِ الْجَفْنَةِ. قَالَ: وَمَنْ كَانَ يَحْلُبُهَا؟ قَالَتْ: رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: وَقَدْ عَدَلْتِنِي بِهِ! هُوَ والله أعظم بركة يدا مني.

مرضه الذي مات فيه:

عاش خباب طيلة عهود الخلفاء الأربع و ونزل الكوفة وابتنى بها دارا في جهار سوج خنيس. قال حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ أَعُودُهُ وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعَ كَيَّاتٍ. قَالَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَوْلا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ لأَلْفَانِي قَدْ تَمَنَّيْتُهُ. وَقَدْ أُتِيَ بِكَفَنِهِ قَبَاطِيُّ فَبَكَى ثُمَّ قَالَ: هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله؛ فمنا من مضى أو ذهب لم يأكل من أجره شيئاً، كان منهم مصعب بن عمير قُتل يوم أُحد لم يترك إِلا نَمرة، كنا إذا غطَّينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غُطِّي بها رجلاه خرج رأسه، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم «غطّوا بها رأسه واجعلوا على رجله الإِذْخِر» . ومنا من ينعت له ثمرته فهو يَهدبُها. وكذلك حَمْزَةَ عم النبي صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ فَإِذَا مُدَّتْ عَلَى قَدَمَيْهِ قَلَصَتْ عَنْ رَأْسِهِ وَإِذَا مُدَّتْ عَلَى رَأْسِهِ قَلَصَتْ عَنْ قَدَمَيْهِ حَتَّى جُعِلَ عَلَيْهِ إِذْخِرٌ. وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مَا أَمْلِكُ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وَإِنَّ فِي نَاحِيَةِ بَيْتِي فِي تَابُوتِي لأَرْبَعِينَ أَلْفٍ وَافٍ. والله، ما شددت لها من خيط ولا منعتها من سائل، ثم بكى فقلنا: ما يبكيك؟ قال: أبكى أنَّ أصحابي مَضَوا ولم تَنقصهم الدنيا شيئاً، وإِنا بقينا بعدهم حتى لم نجد لها موضعاً إلا التراب. وَلَقَدْ خَشِيتُ أَنْ تَكُونَ قَدْ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا.

ومرض خباب مرضًا شديدًا طويلًا. ومات سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاثِينَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً. وهُوَ أَوَّلُ مَنْ قَبَرَهُ عَلِيٌّ بِالْكُوفَةِ وَصَلَّى عَلَيْهِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ صِفِّينَ. وكَانَ النَّاسُ يُدْفَنُونَ مَوْتَاهُمْ بِالْكُوفَةِ فِي جَبَابِينِهِمْ. فَلَمَّا ثَقُلَ خَبَّابٌ قَالَ لابنه عبد الله: أَيْ بُنَيَّ إِذَا أَنَا مُتُّ فَادْفِنِّي بِهَذَا الظَّهْرِ فَإِنَّكَ لَوْ قَدْ دَفَنْتَنِي بِالظَّهْرِ قِيلَ دُفِنَ بِالظَّهْرِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَدَفَنَ النَّاسُ مَوْتَاهُمْ. فَلَمَّا مَاتَ خَبَّابٌ. رَحِمَهُ اللَّهُ. دُفِنَ بِالظَّهْرِ فَكَانَ أَوَّلُ مَدْفُونٍ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ خَبَّابٌ. فرثاه علي رضي اللَّه عنه: رحم اللَّه خبابًا، أسلم راغبًا، وهاجر طائعًا، وعاش مجاهدًا، وابتلى في جسمه، ولن يضيع اللَّه أجر من أحسن عملًا.

استشهاد عبد الله ابن خباب: حين رفع جيش الشام المصاحف لتحكيم القرآن: خرجت على علي رضي الله عنه الْخَوَارِجُ مِنْ أَصْحَابِهِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ وقالوا: لا حكم إلّا اللَّه. وعسكروا بحروراء. فبذلك سموا الحرورية. فبعث إليهم علي عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وغيره فخاصمهم وحاجهم فرجع منهم قوم كثير وثبت قوم على رأيهم وساروا إِلَى النهروان فعرضوا للسبيل، أَخْبَرَ رَجُل مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ كَانَ مَعَ الْخَوَارِجِ ثُمَّ فَارَقَهُمْ قَالَ: دَخَلُوا قَرْيَةً فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ ذُعْرًا. قَالُوا: لَنْ تُرَاعَ. قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رُعْتُمُونِي. قَالُوا: لَنْ تُرَاعَ. قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رُعْتُمُونِي. قَالُوا: أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا:فَهَلْ سَمِعْتَ مِنْ أَبِيكَ حَدِيثًا يُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تُحَدِّثُنَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.[سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ذِكْرَ فِتْنَةٍ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي وَالْمَاشِي فِيهَا خير من الساعي. قال: فإن أدركت ذلك فَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ .وَلا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ]. قَالُوا: أَسَمِعْتَ هَذَا مِنْ أَبِيكَ يُحَدِّثُهُ عن رسول الله. ص؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ فَقَدَّمُوهُ عَلَى ضَفَّةِ النَّهَرِ فَضَرَبُوا عُنُقَهُ فَسَالَ دَمُهُ كَأَنَّهُ شِرَاكُ نَعْلٍ مَا امْذَقَرَّ. وَبَقَرُوا أُمَّ وَلَدِهِ فَبِهَذَا اسْتَحَلَّ عَلِيٌّ قِتَالَهُمْ. فسار إليهم عليّ فقتلهم بالنهروان وقتل منهم ذا الثدية. وذلك سنة ثمانٍ وثلاثين. ثُمَّ انصرف عليّ إِلَى الكوفة فلم يزل بها يخافون عليه الخوارج من يومئذ إِلَى أن قُتِلَ رحمه الله.