مقارنة بين الوصف النبوي وتصور علماء الفضاء للكون

إعجاز نبوي فلكي

ع.ر.د. محمد فرشوخ *

الحمد لله خالق الأكوان ومبدع الألوان، بديع السموات والأرض العلي القدير. والصلاة والسلام على سيد الخلق وحبيب الحق، سيدنا محمد نبي الصدق وعلى آله وصحبه وسلم.

يستند هذا البحث إلى دراسات ومشاهد وتصورات علمية، صادرة عن أكبر مركز علمي فضائي في العالم، وهو مركز النازا الأميركي للأبحاث الفضائية حيث تتضافر جهود نخب وأجيال من العلماء من مختلف الأعراق والأجناس لا يجمعها إلا التفوق العلمي، وحيث وضعت بتصرفهم أدق الأجهزة، وبنيت لتسهيل أبحاثهم أهم المراصد وتوفرت لهم إمكانيات رصد الفضاء ودراسته من الأرض ومن المركبات الفضائية، وخصص لهم من الأموال والجهود ما لا يتوفر إلا لأكبر جيوش الأرض.

ويركز هذا البحث على الخطوط والملامح الكبرى للكون، سواء تلك التي دل عليها العلماء شهوداً أو ما تصوروه اعتقاداً بسبب عجزهم عن رؤيته، فأجمعوا على استنباط هيئته استناداً لما توصلوا إليه من أبحاث ومكتشفات.

وتحين عند كل سانحة المداخلة النبوية لوصف الكون كما أراه الله تعالى لنبيه المصطفى رأي العين، بالصور والأبعاد، قبل ألف وأربعماية سنة حيث لم يكن بوسع إنس ولا جان أن يبلغ بعقله ولا بعلمه ولا بتحصيله مثل هذا العلم ومثل هذه الحقائق والأوصاف.

1-نذكر أولاً وصف النبي صلى الله عليه وسلم لأبعاد الأجرام السماوية وأحجامها بالنسبة لما فوقها، وذلك استناداً للحديث الذي رواه الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: “… يا أبا ذر! ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة،…”[1].

وقد بات من المسلم به علمياً أن مجرتنا المسماة درب اللبانة تحوي على مليارات من النجوم أمثال شمسنا الساطعة وأصغر منها وأكبر بملايين المرات . وأن الكون يحوي مليارات المجرات من أمثال مجرتنا العتيدة.

وتشرح الأحاديث الشريفة هذه النسب بطرق متعددة على حدود أفهام أهل ذلك العصر وقدراتهم على الاستيعاب: 

مثل قوله صلى الله عليه وسلم: إنما سمي العرش عرشا لارتفاعه[2]. وكذلك قوله: ما يقدر قدر العرش إلا الذي خلقه، وإن السموات في خلق العرش مثل قبة في صحراء[3].

وقوله أيضاً: ما أخذت السموات والأرض من العرش إلا كما تأخذ الحلقة من أرض الفلاة[4].

-وعن مجاهد: -ح: ما السماوات والأرض في الكرسي إلا بمنزلة حلقة ملقاة في أرض فلاة. كما ورد أيضاً:-ح: أن السماوات السبع والأرضين السبع وما فيهما وما بينهما بالنسبة للعرش كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض..‏[5] (وتظهر هذه النسب في الصور1و2و3 التالية):

 صورة رقم 1- حجم الأرض بالنسبة لبقية كواكب المجموعة الشمسية

 صورة رقم 2- حجم الأرض بالنسبة لحجم الشمس

 صورة رقم3- حجم الشمس الضئيل بالنسبة لحجم نجوم أخرى

ولا يمكن هنا أن نمر على موضوع النسب والأبعاد والأحجام دون أن نتنبه إلى عبارة  “حلقة” التي وردت في كل الأحاديث والروايات التي تصف الكون والفضاء ، ودون أن نعجب بدقة وصف المجرات، فلا توصف بـ: كرات ولا بمسطحات ولا بغير ذلك، إن هي إلا أشبه بالحلقات وليت المجال يتسع لعرض أبحاث جديدة لعلماء فضاء متفوقين يشددون على أن الكون كله حِلَق، وأن للحلقة  قدرة على التماسك والجذب والتوازن ما لا يتوفر في سواها من الأشكال[6]. فالحلقة تعبير فضائي دقيق.(صورة رقم 4).

 2-ثم يصور المصطفى عليه الصلاة والسلام بعض ما يراه في السماء  على شكل دراهم متناثرة في فضاء واسع: -ح: (ما السموات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كدراهم ألقيت في فلاة من الأرض وما الكرسي في العرش إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض). كما ورد في تفسير الإمام القرطبي للآية 133 من سورة آل عمران.

ومن ينظر إلى (الصورة رقم 5)، المرفقة بالبحث والتي التقطها  التلسكوب “هابل” لإحدى المجرات، يجد أنها تشبه إلى حد كبير قطعة من العملة المعدنية كالدرهم أو الدينار، ولعل تقييد الوصف بالدرهم ما هو إلا للتقريب إلى الأذهان حول شكل المجرة وصغر حجمها بالنسبة للفضاء المحيط بها.

 

صورة رقم 4- مجرة من مليار نجم في حلقة.

صورة رقم 5- مجرة تتجمع نجومها بشكل درهم أو دينار

3- وأهم وصف للنبي المصطفى لمجموعة المجرات هو عندما وصفها مجتمعة داخل الفضاء الرحيب فقال:

-ح: ” ما السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس”[7].

ومن المعروف أن الرقم سبعة عند العرب يفيد الكثرة ولا يتحدد فقط بالسبعة عددا. ولئن نظرنا إلى تصور العلماء للكون منذ أن وجد وإلى يومنا هذا لفوجيء بأن ما تصوروه ليس بعيداً عما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت كدراهم في ترس أو كأس. (الصورة رقم 6).

 

 صورة رقم 6- وجه الشبه  كيف تصور العلماء شكل الكون وكيف رآه الرسول

ولمن يأخذه العجب أو تعتريه الدهشة إكباراً أو استكباراً فيسأل من أين للنبي الكريم بهذه المعلومات أو المشاهدات نقول له:

قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “أَتَانِي اللّيْلَةَ رَبّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى في أَحْسَنِ صُورَةٍ ،(…)، فَقَالَ يَا مُحَمَدُ هَلْ تَدْرِيَ فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلأُ الأَعْلَى؟ قَالَ قُلْتُ لا، قَالَ فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيّ حَتّى وَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيّ (أَوْ قَالَ في نَحْرِي) فَعَلِمْتُ مَا فِي السّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ…..[8]وفي رواية ثانية : ” فتجلى لي كل شيء وعرفت” [9]، وفي رواية ثالثة:” فعلمت ما بين المشرق والمغرب” [10].

ويكفي للتأكيد قول الله تعالى: { مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى }[11].

هذا من أعلام نبوة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ومن فضل الله تعالى عليه وعلى كل من آمن به نبياً، ومن أراه الله تعالى فضاءه الرحيب فوصفه لنا السماء بهذه الدقة، لم يعد غريبا علينا أن نصدقه في خبر الأرض. كل ذلك لتطمئن القلوب إلى حقيقة الدين وصحة المعتقد مصداقاً لقول الله تعالى: فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ[12] . فسبحان الذي أيّد نبيه الأميّ صلى الله عليه وسلم بنصره وبعلمه والحمد لله رب العالمين.


*رئيس منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في لبنان.

[1]  أخرجه إبن حبان في صحيحه وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن الحسن بن سفيان.

[2]  ابن أبي حاتم عن ابن عباس.

[3]  ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس.

[4]  أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد.

[5]  في نظم المتناثر من الحديث المتواتر للشيخ جعفر بن محمد الكتاني.

[6]  -Space rings make the universe go around : www.news.cm.av.

 –Earth & universe :Ring galaxies: universe-earth.blogspot.com      

[7]  أخرجه أبو الشيخ عن عبد الرحمن بن زيد أسلم عن أبيه  في “الدر المنثور في التفسير بالمأثور” للإمام السيوطي (في تفسير {وهو رب العرش العظيم} من الآية 129 من سورة التوبة).

[8]  الإمام أحمد والترمذي وعبد الرزاق عن ابن عباس، وكذلك  إبن منده والبغوي والبيهقي وابن عساكر عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي.

[9]   أحمد والترمذي والحاكم عن معاذ بن جبل.

[10]  الترمذي عن ابن عباس.

[11]  (سورة النجم-آية17 و18).

[12]  سورة النمل-آية 79.