أبو حذيفة بن عتبة

رضي الله عنه

أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ ربيعة بْنُ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قصي. واسمه هشام وهُشَيْم. وأمه أم صفوان. واسمها فاطمة بِنْت صفوان بْن أمية بْن محرث الكناني.

إسلامه رضي الله عنه:

وَأَبُو حذيفة بن عتبة بن ربيعة كَانَ من فضلاء الصحابة، من السابقين إلى الإسلام، جمع الله لَهُ الشرف والفضل، أسلم أَبُو حُذَيْفَةَ قَبْلَ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – دَارَ الأَرْقَمِ يَدْعُو فِيهَا. وقيل أسلم بعد ثلاثة وأربعين إنسانا.

هجراته في سبيل الله:

كَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ فِي الْهِجْرَتَيْنِ جَمِيعًا وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو. وَوَلَدَتْ لَهُ هُنَاكَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ.

ولَمَّا هَاجَرَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ وَسَالِمُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ نَزَلا عَلَى عَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ، وآخَى رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بَيْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَعَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ. وَقُتِلا جَمِيعًا بِالْيَمَامَةِ.

جهاده رضي الله عنه:

شَهِدَ أَبُو حُذَيْفَةَ بَدْرًا وَدَعَا أَبَاهُ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ إِلَى الْبِرَازِ فقالت أخته هند لَمَّا دَعَا أَبَاهُ إِلَى الْبِرَازِ:

الأَحْوَلُ الأَثْعَلُ الْمَشْؤُومُ طَائِرُهُ … أَبُو حُذَيْفَةَ شَرُّ النَّاسِ فِي الدِّينِ

أَمَا شَكَرْتَ أَبًا رَبَّاكَ مِنْ صِغَرٍ … حَتَّى شَبَبْتَ شَبَابًا غَيْرَ مَحْجُونِ؟

قَالَ: وَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ رَجُلا طُوَالا حَسَنَ الْوَجْهِ مُرَادِفَ الأَسْنَانِ وَهُوَ الأَثْعَلُ.

وَكَانَ أَحْوَلُ. وشهد أيضا أحدًا والخندق والمشاهد كلها مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وقتل يَوْمَ الْيَمَامَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً. وَذَلِكَ فِي خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

إرضاع سَالِمُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ من سهلة زوجته:

من أَهْل إصطخر في فارس. وهو مَوْلَى ثبيتة بِنْت يعار الأنصارية وَكَانَتْ تَحْتُ أَبِي حُذَيْفَةَ فَأَعْتَقْتُهُ سَائِبَةً فَتَوَلَّى أَبَا حُذَيْفَةَ. وَتَبَنَّاهُ أَبُو حُذَيْفَةَ. فَكَانَ يقال سالم ابن أَبِي حُذَيْفَةَ.

قَالَتِ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو: جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ. ص. بعد أن نزلت الآيَةُ: «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ» الأحزاب: 5. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كَانَ سَالِمٌ عِنْدَنَا وَلَدًا. وإِنَّ سَالِمًا بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ، وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا، وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا، وَقَالَتْ: إِنِّي أَرَى ذَاكَ فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةِ. وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ وَيَذْهَبُ مَا فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ “. فَقَالَتْ: إِنَّهُ ذُو لِحْيَةٍ. قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ ذُو لِحْيَةٍ. (نبت الشعر في ذقنه أي بلغ سن المراهقة). قَالَ: فَأَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ يَدْخُلْ عَلَيْكِ. قَالَتْ: فَأَرْضَعْتُهُ وَهُوَ كَبِيرٌ. ثم رَجَعَتْ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ. وَزَوَّجَهُ أَبُو حُذَيْفَةَ بِنْتَ أَخِيهِ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ.

أخرج عن الواقدي، عن محمد بن عبد اللَّه ابن أخي الزهري، عن أبيه، قال: كانت تحلب في مسعط أو إناء قدر رضعة فيشربه سالم في كل يوم حتى مضت خمسة أيام، فكان بعد يدخل عليها وهي حاسر، رخصة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لسهلة.

وعن الزهري عن عروة عن عائشة إِنَّمَا أَخَذْتُ بِذَلِكَ مِنْ بَيْنِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ بْنِ الأَسْوَدِ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي أُمِّي عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ أَحَدٌ بِهَذَا الرَّضَاعِ وَقُلْنَ إِنَّمَا هَذَا رُخْصَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِسَالِمٍ خَاصَّةً.

حال أبي حذيفة حين رأى أباه يسحب على القليب يوم بدر

كان أبو حذيفة قد دعا أباه عتبة بن ربيعة إلى البراز كما أسلفنا، وكان اول من قتل من المشركين ببدر عتبة أبوه والوليد بن عتبة أخوه وشيبة بن ربيعة عمه.

ولما سحب المسلمون قتلى المشركين، ليرموا في القليب، وقف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم وقال: ” يا عتبة، ويا شيبة، ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل، يعدد كل من فِي القليب، هَلْ وجدتم ما وعدكم ربكم حقا، فقد وجدت ما وعدني ربي حقا؟ ” فنظر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند مقالته هَذِه فِي وجه أبي حذيفة بن عتبة فرآه كئيبا قد تغير، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لعلك دخلك من شأن أبيك شيء؟ ” قَالَ: لا، والله ما شككت فِي أبي ولا فِي مصرعه، ولكني كنت أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا، فكنت أرجو أن يقربه ذَلِكَ إلى الإسلام، فلما رأيت ما أصابه وذكرت ما مات عَلَيْهِ من الكفر بعد الَّذِي كنت أرجو لَهُ، حزنني ذَلِكَ، فدعا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي حذيفة بخير.

رأفته بأختيه عند فتح مكة:

عن فاطمة بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس – رضي الله عنها – أن أبا حُذَيفة بن عتبة رضي الله عنه أتى به وبهند إبنة عتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه. فقالت: أخذَ علينا فشرط علينا. قالت: قلت له: يا ابن عم، هل علمت في قومك من هذه العاهات أو الهَنات شيئاً؟ قال أبو حذيفة: إيهاً فبايعيه فإنَّ بهذا يُبايع وهكذا يشترط. فقالت هند: لا أُبايعك على السرقة، إِنِّي أسرق من مال زوجي، فكف النبي صلى الله عليه وسلم يده وكفت يدها، حتى أرسل إلى أبي سفيان فتحلَّل لها منه. فقال أبو سفيان: أما الرُّطَب فنعم، وأما اليابس فلا، ولا نعمة. قالت: فبايعناه. ثم قالت فاطمة: ما كانت قبةٌ أبغضَ إليَّ من قبتك ولا أحبَّ أن يبيحها الله وما فيها، ووالله ما من قبة أحبّ إِليَّ أن يعمرها الله ويبارك فيها من قبتك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وأيضاً – والله – لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده» .

عائلة أبي حذيفة

وكان لأبي حذيفة من الولد مُحَمَّد وأمه سهلة بنت سهيل بن عمرو من بني عامر بن لؤي.

وعاصم بْن أبي حُذَيْفة وأمه آمنة بِنْت عَمْرو بْن حرب بْن أمية.

ومحمد بن أبي حذيفة خال معاوية بْن أَبِي سفيان، ولما قتل أبوه أَبُو حذيفة، أخذ عثمان بْن عفان مُحَمَّدا إليه فكفله إِلَى أن كبر ثُمَّ سار إِلَى مصر فصار من أشد الناس تأليبا عَلَى عثمان.

أن مُحَمَّدا كَانَ بمصر لِمَا قتل عثمان، وهو الَّذِي ألب أهل مصر عَلَى عثمان حَتَّى ساروا إليه، فلما ساروا إليه كَانَ عَبْد اللَّهِ بْن سعد أمير مصر لعثمان قد سار عنها، واستخلف عليها خليفة لَهُ فثار مُحَمَّد عَلَى الوالي بمصر لعبد اللَّه، فأخرجه واستولى على مصر.

فلما قتل عثمان أرسل عَليّ إِلَى مصر قيس بْن سعد أميرا، وعزل مُحَمَّدا، ولما استولى معاوية عَلَى مصر، أخذ مُحَمَّدا فِي الرهن وحبسه، فهرب من السجن، فظفر بِهِ رشدين مولى معاوية، فقتله، وقيل لحقوا به إلى جبل لبنان أو جبل الجليل حيث قتل.

وقد انقرض وُلِدَ أبي حُذَيْفة فلم يبق منهم أحد. وانقرض وُلِدَ أبيه عُتْبة بْن ربيعة جميعًا إلّا وُلِدَ المغيرة بْن عِمْرَانَ بْن عاصم بْن الْوَلِيد بْن عُتْبة بْن ربيعة فإنهم بِالشَّامِ.

كان أبو حذيفة قد زوج فاطمة ابنة أخيه الوليد إلى مولاه سالم فلما استشهدا تزوجت من عَقِيلُ بْنُ أبي طَالِبٍ. وَكَانَتْ كَبِيرَةَ الْمَالِ فَقَالَتْ: أَتَزَوَّجُ بِكَ عَلَى أَنْ تَضْمَنَ لِي وَأُنْفِقَ عَلَيْكَ. قَالَ: فَتَزَوَّجَهَا فَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَالَتْ: أَيْنَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ أَيْنَ شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ؟ قَالَ: فَدَخَلَ يَوْمًا وَهُوَ بَرِمٌ فَقَالَتْ: أَيْنَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ أَيْنَ شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ؟ قَالَ: عَلَى يَسَارِكِ إِذَا دَخَلْتِ النَّارَ. قَالَ: فَشَدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا وَقَالَتْ: لا يَجْمَعُ رَأْسِي وَرَأْسَكَ شَيْءٌ. فَأَتَتْ عُثْمَانَ فَبَعَثَ معاوية وَابْنَ عَبَّاسٍ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاللَّهِ لأُفَرِّقَنَّ بينهما. وقال معاوية: ما كنت لأفرق بَيْنَ شَيْخَيْنِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ. قَالَ: فَأَتَيَا وَقَدْ شَدَّا عَلَيْهِمَا أَثْوَابَهُمَا فَأَصْلَحَا أَمْرَهُمَا.

خوف أبي حذيفة من كلمة قالها يوم بدر:

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإصحابه يومئذٍ – يوم بدر : «إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أُخْرِجوا كَرْهاً، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البَخْتري بن هاشم بن الحارث بن أسد فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب عمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقتله فإنه إنما خرج مُستكرَهاً» . فقال أبو حذيفة بن عُتبة بن ربيعة رضي الله عنه: أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا ونترك العباس؟ والله لئن لقيته لأَلحمنَّه بالسيف، قَالَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ: وَاللَّهِ لا أَلْقَى رَجُلا مِنْهُمْ أَلا قَتَلْتُهُ.

فبلغ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر رضي الله عنه: «يا أبا حَفْص – قال عمر: والله إنَّه لأول يوم كَنَّاني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حَفْص – أيُضرب وجه عم رسول الله بالسيف؟» فقال عمر: يا رسول الله دَعْني فَلأَضْرِب عنقه بالسيف، فقال رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لأبي حذيفة: [أَنْتَ الْقَائِلُ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. شَقَّ عَلَيَّ إِذَا رَأَيْتُ أَبِي وَعَمِّي وَأَخِي مُقَتَّلِينَ فَقُلْتُ الَّذِي قُلْتُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ أَبَاكَ وَعَمَّكَ وَأَخَاكَ خَرَجُوا جَادِّينَ فِي قِتَالِنَا طَائِعِينَ غَيْرَ مُكْرَهِينَ وَإِنَّ هَؤُلاءِ أُخْرِجُوا مُكْرَهِينَ غَيْرَ طَائِعِينَ لِقِتَالِنَا] .

فقال أبو حُذَيفة: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلتُ يومئذٍ، ولا أزال منها خائفاً إلا أن تكفِّرها عني الشهادة، فقُتل يوم اليمامة شهيداً. وهو يشجع المسلمين على القتال ويقول: يا أهل القرآن زيّنوا القرآن بالفعال.