أسيد بن حضير

الأنصاري الأوسي رضي الله عنه

أسيد بن حضير: أسيد بضم الهمزة أيضًا، هو أسيد بْن حضير بْن سماك بْن عتيك بْن امرئ القيس بْن زيد بْن عبد الأشهل بْن جشم بْن الحارث بْن الخزرج بْن عمرو بْن مالك بْن الأوس الأنصاري الأوسي الأشهلي. يكنى: أبا يحيى، بابنه يحيى، وقيل: أبا عِيسَى، كناه بها النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقيل: كنيته أَبُو عتيك، وقيل: أَبُو حضير، وقيل: أَبُو عمرو. سكن المدينة. وكان نقيب بني [عبد الأشهل] لا عقب له.

كان أبوه حضير فارس الأوس في حروبهم مع الخزرج، وكان له حصن واقم، وكان رئيس الأوس يَوْم بعاث، وأسلم أسيد قبل سعد بْن معاذ عَلَى يد مصعب بْن عمير بالمدينة، وكان إسلامه بعد العقبة الأولى، اختلف في شهوده بدرًا، وشهد أحدًا، وما بعدها من المشاهد، وكان أَبُو بكر الصديق، رضي اللَّه عنه، يكرمه ولا يقدم عليه واحدًا، ويقول: إنه لا خلاف عنده. وشهد مع عمر فتح البيت المقدس.

روى عنه: كعب بْن مالك، وَأَبُو سَعِيد الخدري، وأنس بْن مالك، وعائشة رضي اللَّه عنها.

وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين زيد بْن ثابت بْن حارثة، وكان من أحسن الناس صوتًا بالقرآن، وكان أحد العقلاء الكملة أهل الرأي.

عن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ

دعوة مصعب بن عمير رضي الله عنه لأسيد بن حُضَير وإسلامه:

خرج أسعد بن زُرارة بمصعب بن عمير يريد به دار بني ظَفَر – وكان سعد بن معاذ ابنَ خالة أسعد بن زرارة – فدخل به حائطاً من حوائط بني ظَفَر على بئر يقال له بئر مَرَق. فجلسا في الحائط واجتمع إليهما رجال ممَّن أسلم – وسعد بن معاذ وأُسَيد بن حُضَير يومئذٍ سيِّدا قومهما من بني عبد الأشهل وكلاهما مشرك على دين قومه – فلمَّا سمعا به قال سعد لأُسَيد: لا أبا لك، انطلق إلى هذين الرجلين اللَّذين قد أتيا دارَيْنا ليسفِّها ضعفاءنا فازجرهما وانهَهُما أن يأتيا دارَيْنا، فإنَّه لولا أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتُك ذلك، هو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدَّماً. قال: فأخذ أسيد بن حُضَير حربته ثم أقبل إليهما. فلمَّا رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب: هذا سيِّد قومه وقد جاءك فأصدق الله فيه. قال مصعب: إن يجلس أكلمه. قال فوقف عليهما مُتَشَتِّماً فقال: ما جاء بكما إلينا تسفِّهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة. فقال له مصعب: أوَ تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهتَه كُفّ عنك ما تكره. قال: أنصفتَ، قل ثم ركز حربته وجلس إليهما، فكلَّمه مصعب بالإِسلام، وقرأ عليه القرآن. فقالا فيما يُذكر عنهما: والله لَعَرفنا في وجهه الإِسلام قبل أن يتكلَّم في إشراقه وتسهُّله، ثم قال؛ ما أحسن هذا وأجمله كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل فتطَّهَّر وتُطهِّر ثوبَيْك، ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلِّي. فقام فاغتسل وطهَّر ثوبيه وتشهَّد شهادة الحق ثم قام فركع ركعتين ثم قال لهما: إنَّ ورائي رجلاً إن اتَّبَعكما لم يتخلَّف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن: سعدَ بن معاذ.

روى عنه أنس بْن مالك، أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للأنصار: إنكم سترون بعدي أثرة، قَالُوا: فما تأمرنا يا رَسُول اللَّهِ؟ قال: اصبروا حتى تلقوني عَلَى الحوض. وهذه قصته:

قربه من النبي صلى الله عليه وسلم:

1- جاء أُسيد بن حضير رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان قسم طعاماً، فذكر له أهل بيت من الأنصار من بني ظَفَر فيهم حاجة، وجُلّ أهل ذلك البيت نِسوة. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «تركتنا – يا أُسيد – حتى ذهب ما في أيدينا، فإذا سمعت بشيء قد جاءنا، فاذكر لي أهل ذلك البيت» . فجاءه بعد ذلك طعام من خيبر شعيراً وتمراً، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، وقسم في الأنصار وأجزل، وقسم في أهل ذلك البيت فأجزل. فقال أُسيد بن حضير متشكِّراً: جزاك الله أيْ نبي الله أطيب الجزاء – أو قال: خيراً – فقال النبي صلى الله عليه وسلم «وأنتم معشر الأنصار، فجزاكم الله أطيب الجزاء – أو قال: خيراً، فإنكم ما علمت أعِفَّة صُبُرٌ، وسترون بعدي أَثَرَة في الأمر والقَسْم، فاصبروا حتى تلقَوني على الحوض» .

2- ولما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم بين الناس فبعث إِليّ منها بحُلّة، فاستصغرتها. فبينا أنا أصلي إذ مرّ بي شاب من قريش عليه حُلَّة من تلك الحلل يجرّها، فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنكم ستلقَون أَثَرَةً بعدي» فقلت: صدق الله ورسوله؛ فانطلق رجل إلى عمر رضي الله عنه فأخبره. فجاء وأنا أصلِّي فقال: صلِّ يا أسيد. فلما قضيت صلاتي قال: كيف قلت؟ فأخبرته. فقال: تلك حُلَّة بعثت بها إلى فلان وهو بدريّ أحديّ عَقَبيّ، فأتاه هذا الفتى فابتاعها منه، فلبسها، فظننت أن ذلك يكون في زماني؟ قال قلت: قد – والله – يا أمير المؤمنين، ظننت أن ذلك لا يكون في زمانك.

3- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” نعم الرجل أسيد بن حضير.

4- دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء الأوس إلى أسيد بْن حضير في غزوتي أحد وحنين.

5- كان أسيد بن حضير رضي الله عنه رجلاً صالحاً ضاحكاً مليحاً، فبينما هو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدِّث القوم ويضحكهم، فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصرته. فقال: أوجعتني، قال: «اقتص» ، قال: يا رسول الله إنَّ عليك قميصاً ولم يكن عليَّ قميص. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فاحتضنه ثم جعل يقبل كشحه، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أردتُ هذا.

6- عَنْ أَنَسٍ، ” أَنَّ الْيَهُودَ، كَانَتْ إِذَا حَاضَتْ مِنْهُمُ الْمَرْأَةُ أَخْرَجُوهَا مِنَ الْبَيْتِ، وَلَمْ يُؤاكِلُوهَا، وَلَمْ يُشَارِبُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبَيْتِ، فَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤاكِلُوهُنَّ وَيُشَارِبُوهُنَّ وَيُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، وَيَفْعَلُوا مَا شَاءُوا إِلَّا الْجِمَاعَ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِنَا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ، فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، فَذَكَرَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِ الْيَهُودِ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلَا نُجَامِعُهَا؟ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ظَنَّا أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةُ لَبَنٍ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمَا حَتَّى سَقَاهُمَا مِنَ اللَّبَنِ، فَظَنَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا.

7- عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالُوا: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَبِالنَّاسِ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ، فَقَالَ: أَحَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ وَالنَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ؟ قَالَتْ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ أن يقول، فجعل يَطْعَنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَلَى فَخِذِي، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 43].

فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ، فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ.

صلاحه وتقواه:

– عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عن أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ، قَالَ: قَرَأْتُ لَيْلَةً سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَفَرَسٌ لِي مَرْبُوطٌ، وَيَحْيَى ابْنِي مُضْطَجِعٌ قَرِيبٌ مِنِّي وَهُوَ غُلامٌ، فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَقُمْتُ، وَلَيْسَ لِي هُمٌّ إِلا ابْنِي، ثُمَّ قَرَأْتُ، فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَقُمْتُ وَلَيْسَ لِي هَمٌّ إِلا ابْنِي، ثُمَّ قَرَأْتُ فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا شَيْءٌ كَهَيْئَةِ الظُّلَّةِ فِي مِثْلِ الْمَصَابِيحِ، مُقْبِلٌ مِنَ السَّمَاءِ فَهَالَنِي، فَسَكَتُّ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: اقْرَأْ يَا أَبَا يَحْيَى، فَقُلْتُ: قَدْ قَرَأْتُ، فَجَالَتْ فَقُمْتُ لَيْسَ هُمٌّ لِي إِلا ابْنِي، فَقَالَ لِي: اقْرَأْ يَا أَبَا يَحْيَى، فَقُلْتُ: قَدْ قَرَأْتُ فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَقَالَ: اقْرَأْ أَبَا حُضَيْرٍ، فَقْلُت: قَدْ قَرَأْتُ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا كَهَيْئَةِ الظُّلَّةِ فِيهَا الْمَصَابِيحُ فَهَالَنِي، فَقَالَ: تِلْكَ الْمَلائِكَةُ دَنَوْا لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ حَتَّى تُصْبِحَ لأَصْبَحَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ. وفي رواية «تِلْكَ السَّكِينَةُ جَاءَتْ تَسْمَعُ لِقِرَاءَتِكَ». وفي رواية أخرى «اقْرَأْ أُسَيْدُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَلَكٌ اسْتَمَعَ الْقُرْآنَ» والمغزى في كل الروايات واحد.

– كان أسيد بن حُضَير رضي الله عنه من أفاضل الناس وكان يقول: لو أني أكون كما أكون على حال من أحوال ثلاثة لكنت من أهل الجنة وما شككت في ذلك: حين أقرأ القرآن وحين أسمعه يُقرأ، وإذا سمعت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا شهدت جنازة، وما شهدت جنازة قط فحدثتُ نفسي سوى ما هو مفعول بها وما هي صائرة إليه.

– وفي قصة المرأة التي سرقت متاعاً لقوم في حجة الوداع : أنَّهَا خَرَجَتْ مِنَ اللَّيْلِ وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَوَقَفَتْ بِرَكْبِ نُزُولٍ فَأَخَذَتْ عَيْبَةً لَهُمْ فَأَخَذَهَا الْقَوْمُ فَأَوْثَقُوهَا. فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَتَوْا بِهَا النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَعَاذَتْ بِحَقْوَيْ أُمِّ سلمة بنت أبي أمية زوج النبي – صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَأَمَرَ بِهَا فَافْتَكَّتْ يَدَاهَا مِنْ حَقْوَيْهَا [وَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْتُهَا.] ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ يَدُهَا فَخَرَجَتْ تَقْطُرُ يَدُهَا دَمًا حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى امْرَأَةِ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ فَعَرَفَتْهَا فَآوَتْهَا إِلَيْهَا وَصَنَعَتْ لَهَا طَعَامًا سُخْنًا فَأَقْبَلَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَنَادَى امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ: يَا فُلانَةُ هَلْ عَلِمْتِ مَا لَقِيَتْ أُمُّ عَمْرِو بِنْتُ سُفْيَانَ؟ قَالَتْ: هَا هِيَ هَذِهِ عِنْدِي. فَرَجَعَ أُسَيْدٌ أَدْرَاجَهُ فَأُخْبِرَ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ: رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللَّهُ.

مواقفه السليمة عند الأزمات:

1- موقفه من منافقي المدينة: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة المُرَيْسيع، – وهي التي هدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها مناة الطاغية التي كانت بين قفا المشلَّل وبين البحر – حيث بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه فكسر مَناة، فاقتتل رجلان في غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك، أحدهما من المهاجرين والآخر من بَهْز – وهم حلفاء الأنصار – فاستعلى الرجل الذي من المهاجرين على البهزيّ، فقال: يا معشر الأنصار، فنصره رجال من المهاجرين، حتى كان بين أولئك الرجال من المهاجرين والرجال من الأنصار شيء من القتال. ثم حُجز بينهم، فانكفأ كل منافق أو رجل في قلبه مرض إلى عبد الله بن أبيّ بن سلول. فقال: قد كنت تُرجى وتَدفع فأصبحت لا تضرّ ولا تنفع، قد تناصرت علينا الجلابيب – وكانوا يَدْعون كل حديثِ الهجرة الجلابيب – فقال عبد الله بن أُبيّ – عدو الله – والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. قال مالك بن الدُّخشْن – وكان من المنافقين -: ألم أقل لكم لا تنفقوا على من عندَ رسول الله حتى ينفَضُّوا؟ فسمع بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأقبل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إئذن لي في هذا الرجل الذي قد أفتن الناس أضربْ عنقه – يريد عمر رضي الله عنه عبد الله بن أُبيّ -. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: «أوَ قاتله أنت إن أمرتك بقتله؟» فقال: عمر: نعم – والله – لئن أمرتني بقتله لأضربنَّ عنقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلس. فأقبل أُسَيد بن حُضَير رضي الله عنه وهو أحد الأنصار ثم أحد بني عبيد الأشهل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إئذن لي في هذا الرجل الذي قد أفتن الناس أضربْ عنقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوَقاتله أنت إن أمرتك بقتله؟ قل: نعم – والله – لئن أمرتني بقتله لأضربنّ بالسيف تحت قُرْط أُذنيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلس؛ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «آذنوا بالرحيل» ، فهجَّر بالناس، فسار يومه وليلته والغد حتى متع النهار؛ ثم نزل ثم هجَّر بالناس مثلها حتى صبَّح في ثلاث سارها من قفا المشلّل. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أرسل إلى عمر فدعاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أيْ عمر، أكنت قاتله لو أمرتك بقتله؟» فقال عمر: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لو قتلته يومئذٍ لأرغمت أنوف رجال، لو أمرتهم اليوم بقتله لقتلوه، فيتحدّث الناس أنِّي قد وقعت على أصحابي فأقتلهم صَبْراً وأنزل الله عزّ وجلّ:

{هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)} [سورة المنافقون].

2- في حديث الإفك:

قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبهم – ولا أعلم بذلك – فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أيها الناس، ما بال رجال يؤذونني في أهلي ويقولون عليهم غير الحق، والله ما علمتُ منهم إِلا خيراً، ويقولون ذلك لرجل – والله – ما علمت منه إلا خيراً، ولا يدخل بيتاً من بيوتي إِلا وهو معي» . قالت: وكان كِبْر ذلك عند عبد الله بن أبيّ بن سلول في رجال من الخزرج مع الذي قال مِسْطح وحَمْنة بنت جحش، وذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكن إمرأة من نسائه تناصيني في المنزلة عنده غيرها. فأما زينب فعصمها الله بدينها، فلم تقل إِلا خيراً، وأما حمنة فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضادّني لأختها، فَشَقِيَتْ بذلك. فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة قال أسيد بن حضير رضي الله عنه: يا رسول الله إِن يكونوا من الأوس نكفِكَهم، وإن يكونوا من أخواننا من الخزرج فمرنا أمرك، فوالله إِنهم أن تضرب أعناقهم. قالت: فقام سعد بن عبادة – وكان قبل ذلك يرى رجلاً صالحاً – فقال: كذبت – لعمر الله – ما تُضرب أعناقهم، أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا. فقال أسَيد بن حُضَير رضي الله عنه: كذبت – لعمر الله – ولكنَّك منافق تجادل عن المنافقين. قالت: وتساوَرَ الناس حتى كاد يكون بين هذين الحيَّين من الأوس والخزرج شر.

أزمة سقيفة بني ساعدة: استذكارا لما حدث في سقيفة بني ساعدة بعيد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لج الحباب بن المنذر في الخصومة، واستعمل في خطبته ألفاظا شديدة وحرض الأنصار على إجلاء المهاجرين من المدينة إذا لم يولوهم الخلافة وتوعدهم بالشر لذلك قال له عمر محتدا: إذن يقتلك الله، قال: بل إياك يقتل.

قال أبو عبيدة: يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من غير وبدل.

وعندئذ قام بشير بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس الخزرجي الأنصاري، ويكنى أبا النعمان فقال:

يا معشر الأنصار إنا والله كنا أولي فضيلة في جهاد المشركين وسابقة في هذا الدين، ما أردنا به إلا رضا ربنا، وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا، فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك، ألا إن محمدا صلى الله عليه وسلم من قريش وقومه أحق به وأولى، وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدا، فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم.

فأراد أبو بكر بحكمته أن يضع حدا لهذا الخلاف خشية استحكامه فرشح للخلافة اثنين من المهاجرين قائلا: هذا عمر وهذا أبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا.

فقالا: لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك، فإنك أفضل المهاجرين وثاني اثنين إذ هما في الغار وخليفة رسول الله على الصلاة والصلاة أفضل دين المسلمين فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك، أو يتولى هذا الأمر عليك أبسط يدك نبايعك، فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه، فهو على ذلك أول من بايع أبا بكر الصديق، ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد، وما تدعو إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة، قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن حضير وكان أحد المشهود لهم بالعقل:

والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا فقوموا فبايعوا أبا بكر. فقاموا إليه فبايعوه، فأنكر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم. وقطع الله دابر الفتنة الأولى ببشير بن سعد الأنصاري الخزرجي وبأسيد بن حضير الأنصاري الأوسي رضي الله عنهما.

وفاته وعقبه رضي الله عنه:

توفي أسيد بْن حضير في شعبان سنة عشرين، وحمل عمر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه السرير حتى وضعه بالبقيع، وصلى عليه، وأوصى إِلَى عمر، فنظر عمر في وصيته، فوجد عليه أربعة آلاف دينار، فقال: لا يباع مال ابن حضير فباع ثمر نخله أربع سنين بأربعة آلاف، وقضى دينه.

توفي ولا عقب له إلا ابنته هند:

عن هند بنت أسيد بن حضير: عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يخطب بالقرآن، قالت: وما تعلمت ق وَالْقُرْءَانِ الْمَجِيدِ إلا من كثرة ما كنت أسمعها عندما يخطبُ بها على المنبر.