البراء بن مالك

رضي الله عنه

مقدمة:

” الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ ضَمْضَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، وَأُمُّهُ: أُمُّ سُلَيْمِ بِنْتِ مِلْحَانَ وَهُوَ أَخُو أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ لِأَبِيهِ وَأُمُّهُ، شَهِدَ أُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ شُجَاعًا لَهُ فِي الْحَرْبِ مَكَانَةٌ ونكاية “.

شهد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة:

قال البراء: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم – مصعب ابن عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَجَعَلا يُقْرِئَانِ النَّاسَ الْقُرْآنَ. قَالَ: ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ وَبِلالٌ وَسَعْدٌ.

قَالَ: ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ. قَالَ: ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ النَّاسَ فَرِحُوا بِشَيْءٍ قَطُّ فَرَحَهُمْ بِهِ حَتَّى رَأَيْتَ الْوَلائِدَ وَالصِّبْيَانَ يَقُولُونَ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ قَدْ جَاءَ! قَدْ جَاءَ!.فَمَا قَدِمَ حَتَّى قَرَأْتُ: «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى»، وَسُوَرًا مِنَ الْمُفَصَّلِ.

قاتل البراء مع رسول الله في غزوة أحد وهو في سن المراهقة كان مربوعاً مقداماً. ثم شهد منذ تلك الغزوة المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قيل أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، وَكَانَ طَيِّبَ الْقَلْبِ، يَمِيلُ إِلَى السَّمَاعِ، وَيَسْتَلِذُّ التَّرَنُّمَ، أَحَدُ الشُّجْعَانِ وَالْفُرْسَانِ. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ، كَانَ يَحْدُو بِالرِّجَالِ، (حادي العيس). وكَانَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ رَجُلًا حَسَنَ الصَّوْتِ.

أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي: «هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيْءٌ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «هِيهِ» ، فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا ثُمَّ قَالَ: «هِيهِ» ، فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ: «هِيهِ» ، حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ.

وانشده بعضهم من شعر لبيد: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ وكل نعيم لا محالة زائل

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالْكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: “كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ منهم البراء بن مالك”.

شجاعة البراء بعض من شجاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

قال البراء: ولقد كنّا إذا حمي البأس نتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الشجاع الذي يحاذِي به.

وعلم الناس كيف كان سجود رسول الله صلى الله عليه وسلم:

وَصَفَ لَنَا الْبَرَاءَ فَاعْتَمَدَ عَلَى كَفَّيْهِ وَرَفَعَ لِي عَجِيزَتَهُ وَقَالَ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يسجد.

ويصف للناس هيئته ولباسه وجماله:

عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – شعر يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ.

قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ وَهِشَامٌ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالا: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَصِفُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: كَانَ شَعْرُهُ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ.

أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ما رأيت مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِنَّ جُمَّتَهُ لَتَضْرِبُ قَرِيبًا مِنْ مَنْكِبَيْهِ.

أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ. أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَجْمَلَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مُتَرَجِّلا فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ. شَعْرُهُ قَرِيبٌ مِنْ عَاتِقَيْهِ.

وعن الْبَرَاءِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: ” اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ “.

قتاله في عهد أبي بكر: قتاله عام الردة:

عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: لَقِيَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ حِمَارُ الْيَمَامَةَ قَالَ: «رَجُلٌ طُوَالٌ فِي يَدِهِ سَيْفٌ أَبْيَضُ» قَالَ: «وَكَانَ الْبَرَاءُ رَجُلًا قَصِيرًا فَضَرَبَ الْبَرَاءُ رِجْلَيْهِ بِالسَّيْفِ، فَكَأَنَّمَا أَخْطَأَهُ فَوَقَعَ عَلَى قَفَاهُ» قَالَ: «فَأَخَذْتُ سَيْفَهُ، وأَغْمَدْتُ سَيْفِي فَمَا ضَرَبْتُ إِلَّا ضَرْبَةً وَاحِدَةً، حَتَّى انْقَطَعَ فَأَلْقَيْتُهُ، وَأَخَذْتُ سَيْفِي».

ورمى البراء رضي الله عنه بنفسه عليهم – أي على أهل الحديقة يوم قتال مسَيْلِمَة -، فقاتلهم حتى فتح الباب؛ وبه بضع وثمانون جراحة من بني رمية بسهم وضربة. فحمل إلى رَحْله يُداوَى، وأقام عليه خالد رضي الله عنه شهراً.

وعن أنس: أنّ خالد بن الوليد قال للبراء يوم اليمامة: قم يا براء. قال: فركب فرسه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أهل المدينة، لا مدينة لكم اليوم، وإنما هو الله وحدَه والجنة؛ ثم حمل وحمل الناس معه، فانهزم أهل اليمامة.

إقتحامه الحديقة من الجدار وقتاله مع القوم وحده

وعند ابن عبد البرّ في الاستيعاب عن ابن إسحاق قال: زحف المسلمون إلى المشركين (- في اليمامة -) حتى ألجأوهم إلى الحديقة وفيها عدوّ الله مسيلمة. فقال (البراء) : يا معشر المسلمين ألقوني عليهم، فاحتمل حتى إذا أشرف على الجدار إقتحم، فقاتلهم على الحديقة حتى فتحها على المسلمين، ودخل عليهم المسلمون، فقتل الله مسيلمة.

وأخرجه البيهقي عن محمد بن سيرين: أن المسلمين انتهَوا إلى حائط قد أُغلق بابه فيه رجال من المشركين. فجلس البراء بن مالك رضي الله عنه على ترس فقال: إرفعوني برماحكم، فألقوني إِليهم. فرفعوه برماحهم، فألقَوه من وراء الحائط، فأدركوه قد قتل منهم عشرة.

قتاله في عهد عمر بن الخطاب:

خاف عمر بْنُ الْخَطَّابِ على جند المسلمين من شدة شجاعة البراء وتهوره في القتال فكَتَبَ عُمَرُ ، «أَنْ لَا تَسْتَعْمِلُوا الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ عَلَى جَيْشٍ مِنْ جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ مَهْلَكَةٌ مِنَ الْمَهَالِكِ يَقْدَمُ بِهِمْ».

و” بَيْنَمَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَخُوهُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ عِنْدَ حِصْنٍ مِنْ حُصُونِ الْعَدُوِّ، وَالْعَدُوُّ يُلْقُونَ كَلَالِيبَ فِي سَلَاسِلَ مُحْمَاةٍ، فَتَعْلَقُ بِالْإِنْسَانِ فَيَرْفَعُونَهُ إِلَيْهِمْ، فَعَلِقَ بَعْضُ تِلْكَ الْكَلَالِيبِ، بِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَرَفَعُوهُ حَتَّى أَقَلُّوهُ مِن الْأَرْضَ فَأَتَى أَخُوهُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ فَقِيلَ: أَدْرِكْ أَخَاكَ، وَهُوَ يُقَاتِلُ في النَّاسِ فَأَقْبَلَ يَسْعَى حَتَّى نَزَا فِي الْجِدَارِ، ثُمَّ قَبَضَ بِيَدِهِ عَلَى السِّلْسِلَةِ وَهِي تُدَارُ، فَمَا بَرِحَ يَجُرُّهُمْ وَيَدَاهُ، تُدَخِّنَانِ حَتَّى قَطَعَ الْحَبْلَ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى يَدَيْهِ، فَإِذَا عِظَامُهَا تَلُوحُ قَدْ ذَهَبَ مَا عَلَيْهَا مِنَ اللَّحْمِ، وأَنْجَى الله عَزَّ وَجَلَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ بِذَاكَ “

غنيمة البراء من المبارزة:

عن أنس بن مالك: أن البراء بن مالك حدثه أنه بارز مرزبان الزأرة فبارز رجلا منكرا قال: فاعبرتنا، قال: فسمعت العلج قدرنا وهي تحتي فعالجته فصرعته فحلست على صدره وأخذت خنجره فذبحته به وأخذت سواريه وأخذت منطقته فقوم ثلاثين ألفا وأخذت أداة كانت معه فكتب في السواري والمنطقة إلى عمر بن الخطاب، فقال: هذا، قال: كثير فأقسمه واترك له بقيته فكان أول سلب خمس في الإسلام.

إستشهاد البراء:

كان البراء رجلاً حسن الصوت، وكان متيقنا من استشهاده، فعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: اسْتَلْقَى الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى ظَهْرِهِ، ثُمَّ تَرَنَّمَ (بالشعر)، فَقَالَ لَهُ أَنَسٌ: اذْكُرِ اللَّهَ أَيْ أَخِي، فَاسْتَوَى جَالِسًا، فَقَالَ: «أَيْ أَنَسٌ، أَتُرَانِي أَمُوتُ عَلَى فِرَاشِي وَقَدْ قَتَلْتُ مِائَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ مُبَارَزَةً، سِوَى مَنْ شَارَكْتُ فِي قَتْلِهِ».

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمْ مِنْ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ ذِي طِمْرَيْنِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّ قَسَمَهُ مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ، فَإِنَّ الْبَرَاءَ لَقِيَ زَحْفًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ أَوْجَعَ الْمُشْرِكُونَ فِي الْمُسْلِمِينَ» ، فَقَالُوا: يَا بَرَاءُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّكَ لَوْ أَقْسَمْتَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّكَ، فَأَقْسِمْ عَلَى رَبِّكَ» ، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا رَبِّ لِمَا مَنَحْتَنَا أَكْتَافَهُمْ، ثُمَّ الْتَقَوْا عَلَى قَنْطَرَةِ السُّوسِ، فَأَوْجَعُوا فِي الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا لَهُ: يَا بَرَاءُ، أَقْسِمْ عَلَى رَبِّكَ، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا رَبِّ لِمَا مَنَحْتَنَا أَكْتَافَهُمْ، وَأَلْحَقْتَنِي بِنَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمُنِحُوا أَكْتَافَهُمْ،

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: ” لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْعَقَبَةِ بِفَارِسٍ وَقَدْ زَوَى النَّاسُ، قَامَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ فَرَكِبَ فَرَسَهُ وَهِيَ تُزْجِي، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: بِئْسَ مَا عَوَّدْتُمْ أَقْرَانَكُمْ عَلَيْكُمْ، فَحَمَلَ عَلَى الْعَدُوِّ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاسْتُشْهِدَ الْبَرَاءُ يَوْمَئِذٍ “.

قَالَ أَبُو عِمْرَانَ مُوسَى بْنُ هَارُونَ: «إِنَّ الْبَرَاءَ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ تُسْتَرَ وَهِيَ مِنْ فَارِسَ، وَإِنَّمَا اسْتُشْهِدَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ»

مجزأة بْن ثور :وله أثر عظيم فِي قتال الفرس، قتل يَوْم فتح تستر مائة من الفرس، فقتله الهرمزان وقتل معه البراء بْن مالك، فلما أسر الهرمزان وحمل إِلَى عمر أراد قتله، فقيل: قد أمنته، قَالَ: لا أؤمن قاتل مجزأة بْن ثور والبراء بْن مالك، فأسلم الهرمزان، فتركه عمر.