الطفيل بن عمرو الدوسي

رضي الله عنه

الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرِو بْن طريف بْن العاص بن ثعلبة بْن سليم بْن فهم بْن غنم بن دوس بْن عدثان بْن عَبْد الله بْنِ زَهْرَانَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نصر بن الأَزْدِ.

قدوم الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه مكة وخبره مع قريش

جعلت قريش حين منع الله رسوله صلى الله عليه وسلم منهم يحذِّرونه النَّاس ومن قدم عليهم من العرب، وكان طُفيل بن عمرو الدَّوْسي يحدِّث أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها، فمشى إليه رجال من قريش – وكان الطفيل رجلاً شريفاً شاعراً لبيباً – فقالوا له: يا طُفيل، إنَّك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، فرّق جماعتنا، وإنّما قوله كالسحر، يفرِّق بين المرء وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلِّمْه ولا تسمع منه. قال: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت على أن لا أسمع منه شيئاً ولا أكلِّمه، حتى حشوت أذنيَّ حين غدوت إلى المسجد كُرْسُفاً فَرَقاً من أن يبلغني من قوله وأنا لا أريد أن أسمعه. حَتَّى كَانَ يُقَالُ لِي ذُو الْقُطْنَتَيْنِ.

الموفق من وفقه الله:

قال: فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة، قال: فقمت قريباً منه، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله. قال: فسمعت كلاماً حسناً، قال فقلت في نفسي: واثُكلَ أمِّي، إِني لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته، وإن كان قبيحاً تركته.

إسلام الطفيل بن عمرو

فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته، فاتَّبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه،

فقلت: يا محمد، إنَّ قومك قالوا لي كذا وكذا – للذي قالوا لي – فوالله ما بَرحوا يخوِّفونني أمرك حتى سددتُ أذنيَّ بكُرسُف لئلا أسمعَ قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه، فسمعت قولاً حسناً، فاعرضْ عليَّ أمرك. فعرض عليَّ الإِسلام، وتلا عليّ القرآن. قال: فوالله ما سمعت قولاً قط أحسن، ولا أمراً أعدل منه. قال: فأسلمت وشهدت شهادة الحق،

وقيل أنَّ الطفيل لما قدم مكة ذكر له ناس من قريش أمر النبي صلى الله عليه وسلم وسأله أن يختبر حاله، فأتاه فأنشده من شعره، فتلا النبي صلى الله عليه وسلم الإِخلاص والمعوّذتين، فأسلم في الحال.

قال الطفيل: قلت: يا نبي الله، إنِّي امرؤ مطاع في قومي وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإِسلام، فادعُ الله لي أن يجعل لي آية تكون لي عوناً عليهم فيما أدعوهم إليه. قال فقال: «اللهمَّ إجعل له آية» .

آية الله تعالى للطفيل:

قال: فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثَنِيَّة تُطلعني على الحاضر وقع نور بين عينيَّ مثل المصباح، قال: فقلت: اللَّهمَّ في غير وجهي، فإني أخشى أن يظنُّوا أنَّها مُثْلَة وقعت في وجهي لفراق دينهم. قال: فتحوَّل فوقع في رأس سَوْطي، فجعل الحاضر يتراؤون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلَّق وأنا هابط إليهم من الثَنِيَّة، حتى جئتهم فأصبحت فيهم. ولذلك سمي الطفيل من يومها: ذو النور.

دعوة طفيل لأبيه وصاحبته وإسلامهما

فلما نزلت أتاني أبي – وكان شيخاً كبيراً – قال: فقلت: إليكَ عنِّي يا أبت، فلستَ منِّي ولستُ منك. قال: ولمَ أيْ بُني؟ قال قلت: أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم قال أبي: ديني دينك، فاغتسل وطهَّر ثيابه، ثم جاء فعرضت عليه الإِسلام فأسلم. قال ثم أتتني صاحبتي فقلت لها: إليك عني فلستُ منك ولستِ منِّي، قالت: لِمَ بأبي أنت وأُمي؟ قال قلت: فرَّق بيني وبينك الإِسلام، فأسلمتْ، ودعوت دَوْساً إِلى الإِسلام فأبطأوا عليَّ. أسلم أبوه، ولم تسلم أمه، ودعا قومه فأجابه أبو هريرة رضي الله عنه وحده.

دعاء النبي لدوس:

أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء الطفيل ابن عمر الدَّوْسي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم (في مكة)، فقال: إن دَوْساً قد عَصَت وأبت فادْعُ الله عليهم، فاستقبل القبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع يديه، فقال الناس: هلكوا، فقال: «اللهمَّ اهدِ دَوْساً وائتِ بهم، اللهمَّ اهْدِ دَوْساً وائت بهم، اللهمَّ اهدِ دَوْساً وائت بهم» .

قال: فرجعت فلم أزل بأرض دَوْس أدعوهم إلى الإِسلام حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقضى بدراً وأُحداً والخندق. ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم معي من قومي ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتاً من دَوْس. قال الطفيل: ثُمَّ لَحِقْنَا رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِخَيْبَرَ فَأَسْهَمَ لَنَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْنَا مَيْمَنَتَكَ وَاجْعَلْ شِعَارَنَا مَبْرُورًا. فَفَعَلَ. فَشِعَارُ الأَزْدِ كُلِّهَا إِلَى الْيَوْمِ مَبْرُورٌ.

دعوته النبي صلى الله عليه وسلم للهجرة إلى دوس:

أتى الطفيل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل لك في حِصْن حصين وَمَنَعة؟ يعني أرض دَوْس. قال: ولما دعا النبي صلى الله عليه وسلم لهم قال له الطفيل: ما كنت أحبُّ هذا، فقال: «إنَّ فيهم مثلك كثيراً» . قال وكان جندب بن عمرو بن حممة بن عوف الدَّوْسي يقول في الجاهلية: إنَّ للخلق خالقاً لكني لا أدري من هو؟ فلما سمع بخبر النبي صلى الله عليه وسلم خرج ومعه خمسة وسبعون رجلاً من قومه فأسلم وأسلموا. قال أبو هريرة: فكان جندب يقدِّمهم رجلاً رجلاً .

وقدم الدوسيون فيهم أَبُو هريرة وقدم الطفيل بْن عَمْرو وقدم الأَشْعَرِيُّونَ وَرَسُولُ اللَّه – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِخَيْبَرَ فلحقوه بها فَكَلَّمَ رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أصحابه فيهم أن يشركوهم فِي الغنيمة ففعلوا.

شفافية روح الطفيل:

فلما هاجر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة فمرض فجزع، فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتى مات فرآه الطفيل بن عمرو في منامه في هيئة حسنة، ورآه مغطيا يديه فقال: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى المدينة. قال: مالي أراك مغطيا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت. فقصها الطفيل على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” اللهم وليديه فاغفر “

الطفيل يبذل ليتعلم القرآن:

عن الطفيل بن عمرو الدوسي قال: أقرأني أبي بن كعب القرآن فأهديت له قوسا فقد رآني النبي صلى الله عليه وسلم متقلدها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ” من سلحك هذه القوس يا أبي؟ ” فقال: الطفيل بن عمرو الدوسي، أقرأته القرآن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” تقلدها شنؤة (رجل مقزز) من جهنم ” فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم الله إنا نأكل من طعامهم. قال: ” أما طعام صنع لغيرك فحضرته فلا بأس أن تأكله وأما ما صنع لك فلا فإنك إن أكلته فإنما تأكل بخلاقك، (أي بحظك زنصيبك من الدين).

سرية الطفيل بْن عَمْرو الدوسي إلى ذي الكفين

قَالَ الطُّفَيْلُ: ثُمَّ لَمْ أَزَلْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حتى فَتْحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَكَّةَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْعَثْنِي إِلَى ذِي الْكَفَّيْنِ صَنَمِ عَمْرو بْن حُمَمَةَ حَتَّى أَحْرِقَهُ.

ولَمَّا أَرَادَ رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – السير إلى الطائف بعث الطفيل بْن عَمْرو إِلَى ذِي الْكَفَّيْنِ. وهو صَنَمِ عَمْرو بْن حُمَمَةَ الدوسي. وذلك فِي شوال سنة ثمان للهجرة، ليهدم وأمره أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف. فخرج سريعا إلى قومه فهدم ذا الكفين وجعل يحش النار فِي وجهه ويحرقه ويقول:

يا ذا الكفين لست من عبادكا … ميلادنا أقدم من ميلادكا

إني حششت النار فِي فؤادكا

قَالَ: وانحدر معه من قومه أربعمائة سراعا فوافوا النَّبِيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام. وقدم بدبابة ومنجنيق وَقَالَ: يا معشر الأزد من يحمل رايتكم؟ فَقَالَ الطفيل: من كَانَ يحملها فِي الجاهلية النعمان بْن بازية اللهبي. قَالَ: أصبتم.

قَالَ: فَلَمَّا أَحْرَقْتُ ذَا الْكَفَّيْنِ بَانَ لِمَنْ بَقِيَ مِمَّنْ تَمَسَّكَ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى شَيْءٍ فَأَسْلَمُوا جَمِيعًا. وَرَجَعَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَكَانَ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى قُبِضَ.

خروج الطفيل وابنه إلى اليمامة- رؤيا الطفيل وإستشهاده وإصابة ابنه عمرو :

لما ارتدت العرب خرج مع المسلمين إلى اليمامة ومعه ابنه عمرو بن الطفيل، فَرَأَى الطُّفَيْلُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسَهُ قَدْ حُلِقَ، وَكَأَنَّ امْرَأَةً أَدْخَلَتْهُ فِي فَرْجِهَا، وَكَأَنَّ ابْنَهُ يَجْتَهِدُ أَنْ يَلْحَقَهُ فَلَمْ يَصِلْ. فَأَوَّلَهَا بِأَنَّهُ سَيُقْتَلُ وَيُدْفَنُ، وَأَنَّ ابْنَهُ يَحْرِصُ عَلَى الشَّهَادَةِ فَلَا يَنَالُهَا عَامَهُ ذَلِكَ. وَقَدْ وَقَعَ الْأَمْرُ كَمَا أَوَّلَهَا. وجُرح معه ابنه عمرو بن الطفيل وقُطعت يده في المعركة إلى أن قتل شهيداً في معركة اليرموك في عهد عمر.

وقد استشهد كثير من المهاجرين والأنصار في هذه المعركة الفاصلة. وكانت المدينة على الرغم من فرحها بانتصار المسلمين على المرتدين ما زالت تبكي شهداءها؛ ففي حرب اليمامة وحدها قتل من المسلمين مائتان وألف، منهم عدد من كبار الصحابة وفيهم أكثر حفاظ القرآن؛ نحو أربعين من القراء. فامتزج حزن المسلمين على موتاهم بفرحهم بنصر الله تعالى.

إكرام عمر لابنه عمرو بن الطفيل:

فبينا هو عند عمر بن الخطاب إذ أُتي بطعام فتنحَّى عنه، فقال عمر: مالك (لعلك) تنحيت لمكان يدك؟ قال: أجل، قال: لا والله لا أذوقه حتى تسوطَه بيدك، فوالله ما في القوم أحد بعضه في الجنة غيرك. ثم خرج عام اليرموك مع المسلمين فقتل شهيداً.