خالد بن سعيد بن العاص

رضي الله تعالى عنه

هو خالد بن سعيد بن العاص بن أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بن قصي. وأمه أم خَالِد بِنْت خَبَّاب بْن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْن كنانة. وكان لخالد بْن سَعِيد من الولد سَعِيد. وُلِدَ بأرض الحبشة. وكذلك أخته أمَة بِنْت خَالِد ولدت بأرض الحبشة تزوجها الزُّبَيْر بْن الْعَوَّام فولدت له عمرًا وخالدًا. وأمهما (زوجة خالد) همينة بِنْت خَلَفِ بْن أَسْعَدَ بْن عَامِرِ بْن بَيَاضَةَ بْن سُبَيْعِ بْن جعثمة بْنِ سَعْدِ بْنِ مَلِيحِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ خزاعة. وليس لخالد بن سعيد اليوم عقب. وكانت ابنته أُمَّ خَالِدٍ بِنْتَ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ تَقُولُ: كَانَ أَبِي خَامِسًا فِي الإِسْلامِ. وكان تَقَدَّمَهُ علي ابْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأبو بكر ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ.

1- قصة إسلامه:

تقول ابنته: وَأَسْلَمَ أَبِي قَبْلَ الْهِجْرَةِ الأُولَى إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ. وَهَاجَرَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَأَقَامَ بِهَا بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. وولدت أَنَا بِهَا.

وسبب إسلامه أنه رأى في النوم النار ورأى من فظاعتها وأهوالها أمرا مهولا، ورأى أنه على شفيرها، وأن أباه يريد أن يلقيه فيها، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذا بحجزته يمنعه من الوقوع فيها، فقام من نومه فزعا وقال: أحلف بالله أن هذه الرؤيا حق وعلم أن نجاته من النار تكون على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى أبا بكر فذكر له ذلك، فقال له: أريد بك خير، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه، فأتاه فقال يا محمد إلا م تدعو؟ قال: أدعو إلى الله وحده، لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وتخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع، فأسلم خالد.

وفي الوفاء عن أم خالد بنت خالد بن سعيد أنها قالت: كان خالد بن سعيد ذات ليلة نائما، قبيل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: رأيت كأنه غشيت مكة ظلمة حتى لا يبصر امرؤ كفه، فبينما هو كذلك إذ خرج نور أي من زمزم، ثم علا في السماء فأضاء في البيت، ثم أصاب مكة كلها، ثم تحول إلى يثرب فأصابها حتى أني لأنظر إلى البسر في النخل، فاستيقظت فقصصتها على أخي عمرو بن سعيد وكان جزل الرأي، فقال: يا أخي إن هذا الأمر يكون في بني عبد المطلب ألا ترى أنه خرج من حَفر أبيهم (بئر زمزم) ثم إنه ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي بعد مبعثه، فقال: يا خالد أنا والله ذلك النور، وأنا رسول الله، وقص عليه ما بعثه الله به فأسلم خالد، وعلم أبوه بذلك، أبوه وهو سعيد أبو أجيحة وكان من عظماء قريش، كان إذا اعتمّ لم يعتم قرشي إعظاما له، ومن ثم قال فيه القائل:

أبا أجيحة من يغتم عمته … يضرب وإن كان ذا مال وذا عدد

وعند إسلام ولده خالد أرسل في طلبه فانتهره وضربه: أي بمقرعة كانت في يده حتى كسرها على رأسه، ثم قال: اتبعت محمدا وأنت ترى خلافه لقومه، وما جاء به من عيب آلهتهم وعيب من مضى من آبائهم، فقال: والله تبعته على ما جاء به، فغضب أبوه وقال: اذهب يا لكع حيث شئت، وقال: والله لأمنعنك القوت، قال إن منعتني فإن الله يرزقني ما أعيش به، فأخرجه وقال لبنيه ولم يكونوا أسلموا: لا يكلمه أحد منكم إلا صنعت به، فانصرف خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يلزمه ويعيش معه، ويغيب عن أبيه في نواحي مكة، حتى خرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية، فكان خالد أول من هاجر إليها.

إسلام أخيه عَمْرُو بْنُ سعيد بعده:

لَمَّا أَسْلَمَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ وَصَنَعَ بِهِ أَبُوهُ أُحَيْحَةُ مَا صَنَعَ فَلَمْ يَرْجِعْ خَالِدٌ عَنْ دِينِهِ وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حَتَّى خَرَجَ إِلَى الْحَبَشَةِ فِي الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةِ غَاظَ ذَلِكَ أَبَا أُحَيْحَةَ وَغَمَّهُ وَقَالَ: لأَعْتَزِلَنَّ فِي مَالِي لا أَسْمَعُ شَتْمَ آبَائِي وَلا عَيْبَ آلهتي هو أحب إلي من المقام مع هَؤُلاءِ الصُّبَاةِ. فَاعْتَزَلَ فِي مَالِهِ بِالظُّرَيْبَةِ نَحْوَ الطَّائِفِ. وَكَانَ ابْنُهُ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ عَلَى دِينِهِ. وَكَانَ يُحِبُّهُ وَيُعْجِبُهُ. فَقَالَ أَبُو أُحَيْحَةَ:

أَلا لَيْتَ شَعْرِي عَنْكَ يَا عَمْرُو سَائِلا … إِذَا شَبَّ وَاشْتَدَّتْ يداه وسلحا

أتترك أمر القوم فِيهِ بَلابِلٌ … وَتَكْشِفُ غَيْظًا كَانَ فِي الصَّدْرِ موجحا؟

فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو أُحَيْحَةَ إِلَى مَالِهِ بِالظُّرَيْبَةِ أَسْلَمَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ وَلَحِقَ بِأَخِيهِ خَالِدِ بن سعيد بأرض الحبشة. وأسلم من بني سعيد أيضا أبان والحكم الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله.

وعن أم خالد، أمة بنت خالد قَالَتْ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَمِّي عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ أرض الْحَبَشَةِ بَعْدَ مَقْدَمِ أَبِي بِسَنَتَيْنِ فَلَمْ يَزَلْ هُنَاكَ حَتَّى حُمِلَ فِي السَّفِينَتَيْنِ مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَهُوَ بخير سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. فَشَهِدَ عَمْرٌو مَعَ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الْفَتْحَ وحنين وَالطَّائِفَ وَتَبُوكَ.

وذكر عن والدهم سعيد أنه مرض فقال: إن رفعني الله من مرضي هذا لا يعبد إله ابن أبي كبشة بمكة أبدا، فقال خالد ابنه عند ذلك: اللهم لا ترفعه، فتوفي في مرضه ذلك.

2- مهاجره إلى الحبشة:

اختارته أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما وكيلاً لها لتزويجها من النبي صلى الله عليه وسلم، تزوجها: أي عقد عليها وهي بالحبشة، فإنها كانت ممن هاجر الهجرة الثانية للحبشة مع زوجها عبد الله بن جحش فارتد عن الإسلام هناك وتنصر ومات على ذلك، وبقيت هي على إسلامها كما تقدم. وقد أرسل صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه في المحرم افتتاح سنة سبع إلى النجاشي ليزوجها منه صلى الله عليه وسلم، قالت أم حبيبة رضي الله عنها: رأيت في المنام كأن قائلا يقول لي: يا أم المؤمنين ففزعت، فأولتها بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجني، قالت: فما شعرت إلا وقد دخلت عليّ جارية النجاشي، فقالت لي: إن الملك يقول لك: كتب إليه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجك منه، فقلت لها: بشره الله بالخير، ويقول لك: وكلي من يزوجك، فأرسلت بالوكالة إلى خالد بن سعيد رضي الله عنه وهو ابن عم أبيها، أي وأعطت تلك الجارية سوارين وخدمتين، أي خلخالين وخواتيم فضة سرورا بما بشرت به، فلما كان العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومن معه من المسلمين فحضروا وخطب النجاشي رضي الله عنه، فقال «الحمد لله الملك القدوس» أي في لفظ بدل ذلك «المؤمن المهيمن، العزيز الجبار. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأنه الذي بشر به عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام أما بعد- فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، فأجبنا إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أصدقها أربعمائة دينار، أي وفي لفظ أربعمائة مثقال ذهب ثم سكب الدنانير بين يدي القوم، فتكلم خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه، فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. أما بعد: فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان، فبارك الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم» ، أي ودفع النجاشي الدنانير لخالد بن سعيد، فقبضها منه، وقيل إنه أنقدها لها النجاشي على يد جاريته التي بشرتها، فلما جاءتها بتلك الدنانير أعطتها خمسين دينارا.

ثم لما أرادوا أن يقوموا بعد العقد قال لهم النجاشي: اجلسوا، فإن من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج؛ فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا، قالت أم حبيبة رضي الله عنها: فلما كان من الغد جاءتني جارية النجاشي فردت عليّ جميع ما أعطيتها وقالت: إن الملك عزم عليّ أن لا أرزأك شيئا، وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر، فجاءت بورس وعنبر وزباد كثير، وقالت: حاجتي إليك أن تقرئي رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام وتعلميه أني قد اتبعت دينه، وكانت كلما دخلت عليّ تقول لا تنسي حاجتي إليك، ثم أرسل النجاشي أم حبيبة مع شرحبيل ابن حسنة، أي قالت أم حبيبة: ولما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته كيف كانت الخطبة وما فعلت معي جارية النجاشي وأقرأته منها السلام، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: وعليها السلام ورحمة الله وبركاته.

3- خدمته لدين الله:

قالت ابنته أم خالد: وَقَدِمَ والدي عَلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِخَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ فَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الْمُسْلِمِينَ فَأَسْهَمُوا لَنَا. ثُمَّ رَجَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَقَمْنَا. وَخَرَجَ أَبِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ وَغَزَا مَعَهُ إِلَى الْفَتْحِ هُوَ وَعَمِّي. يَعْنِي عَمْرًا. وَخَرَجَا مَعَهُ إِلَى تَبُوكَ.

أَقَامَ خَالِدٌ بَعْدَ أَنْ قَدِمَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِالْمَدِينَةِ. وَكَانَ يَكْتُبُ لَهُ. وَهُوَ الَّذِي كَتَبَ كِتَابَ أَهْلِ الطَّائِفِ لِوَفْدِ ثَقِيفٍ. وَهُوَ الَّذِي مَشَى فِي الصُّلْحِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –

وكان رضي الله عنه يكتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، الكتب للملوك والأمراء والقبائل، وهو أول من كتب بسم الله الرحمن الرحيم، وكتب العهد بين النبي وبين يهود المدينة، كما كتب رد النبي لمسيلمة الكذاب.

والخاتم الذي كان في يد النبي صلى الله عليه وسلم ، كان الخاتم الحديد الذي كان ملويا عليه الفضة، وكان في يد خالد بن سعيد، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما نقش هذا الخاتم، قال: محمد رسول الله، قال: اطرحه إليّ، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبسه. وتوارثه من بعده أبو بكر وعمر وعثمان إلى أن فقده عثمان في البئر.

وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَبِي عَامِلا عَلَى صَدَقَاتِ الْيَمَنِ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَأَبِي باليمن. وذلك لما وفِد فروة بن مسيك المرادي، على رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقا لملوك كندة (في اليمن)، فأسلم وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة فكان معه في بلاده حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن أخبار استقامته وتقيده: أن تميم بْن جُراشة الثقفي، وفِد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورويَ عنه، أَنَّهُ قال: قدمت عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وفد ثقيف، فأسلمنا وسألناه أن يكتب لنا كتابًا فيه شروط، فقال: اكتبوا ما بدا لكم، ثم ائتوني به، فسألناه في كتابه أن يحل لنا الربا، والزنا، فأبى علي رضي اللَّه عنه أن يكتب لنا، فسألناه خَالِد بْن سَعِيد بْن العاص، فقال له علي: تدري ما تكتب؟ قال: أكتب ما قَالُوا، ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولى بأمره، فذهبنا بالكتاب إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال للقارئ: اقرأ، فلما انتهى إِلَى الربا، قال: ضع يدي عليها في الكتاب فوضع يده، فقال: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} الآية. ثم محاها، وألقيت علينا السكينة، فما راجعناه، فلما بلغ الزنا وضع يده عليها، وقال: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} الآية، ثم محاه، وأمر بكتابنا أن ينسخ لنا.

4- مواقفه بعد وفاة رسول الله:

قَالَت أُمَّ خَالِدٍ بِنْتَ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ تَقُولُ: قَدِمَ أَبِي مِنَ الْيَمَنِ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ أَنْ بُويِعَ لأَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لِعَلِيٍّ وَعُثْمَانَ: أَرَضِيتُمْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَنْ يَلِيَ هَذَا الأَمْرَ عَلَيْكُمْ غَيْرُكُمْ؟ فَنَقَلَهَا عُمَرُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَحْمِلْهَا أَبُو بَكْرٍ عَلَى خَالِدٍ وَحَمَلَهَا عُمَرُ عَلَيْهِ. وَأَقَامَ خَالِدٌ ثَلاثَةَ أَشْهُرٍ لَمْ يُبَايِعْ أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ مَرَّ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ مظهرا وهو في داره فسلم فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: أَتُحِبُّ أَنْ أُبَايِعَكَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَحَبُّ أَنْ تَدْخُلَ فِي صُلْحٍ مَا دَخَلَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ. قَالَ: مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةَ أُبَايِعُكَ. فَجَاءَ وَأَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ فَبَايَعَهُ. وكان رأي أبي بكر فيه حَسَنًا. وَكَانَ مُعَظِّمًا لَهُ. فَلَمَّا بَعَثَ أَبُو بكر الجنود على الشام عقد له على الْمُسْلِمِينَ وَجَاءَ بِاللِّوَاءِ إِلَى بَيْتِهِ. فَكَلَّمَ عُمَرُ أَبَا بَكْرِ وَقَالَ: تُوَلِّي خَالِدًا وَهُوَ الْقَائِلَ مَا قَالَ؟ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَرْسَلَ أَبَا أَرْوَى الدَّوْسِيَّ فَقَالَ: إِنَّ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ لَكَ ارْدُدْ إِلَيْنَا لِوَاءَنَا. فَأَخْرَجَهُ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا سَرَّتْنَا وِلايَتُكُمْ وَلا سَاءَنَا عَزْلُكُمْ وإن المليم لغيرك. فَمَا شَعَرْتُ إِلا بِأَبِي بَكْرٍ دَاخِلٌ عَلَى أَبِي يَعْتَذِرُ إِلَيْهِ وَيَعْزِمُ عَلَيْهِ أَلا يَذْكُرَ عمر بحرف. فو الله مَا زَالَ أَبِي يَتَرَحَّمُ عَلَى عُمَرَ حَتَّى مات.

ولَمَّا عَزَلَهُ أَبُو بَكْرٍ كَتَبَ إِلَيْهِ: أَيُّ الأُمَرَاءِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ فَقَالَ: ابْنُ عَمِّي أَحَبُّ إِلَيَّ فِي قَرَابَتِهِ وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ فِي دِينِي فَإِنَّ هَذَا أَخِي فِي دِينِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَنَاصِرِي عَلَى ابْنِ عمي. فاستحب أن يكون مع شرحبيل بن حسنة.

لَمَّا عَزَلَ أَبُو بَكْرٍ خَالِدًا وَلَّى يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ جُنْدَهُ وَدَفَعَ لِوَاءَهُ إلى يزيد. وأوصى به شرحبيل بن حَسَنَةَ. وَكَانَ أَحَدَ الأُمَرَاءِ. فَقَالَ: انْظُرْ خَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ فَاعْرِفْ لَهُ مِنَ الْحَقِّ عَلَيْكَ مِثْلَ مَا كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ يَعْرِفَهُ لَكَ مِنَ الْحَقِّ عَلَيْهِ لَوْ خَرَجَ وَالِيًا عَلَيْكَ. وَقَدْ عَرَفْتَ مَكَانَهُ مِنَ الإِسْلامِ. وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تُوُفِّيَ وَهُوَ لَهُ وَالٍ. وَقَدْ كُنْتُ وَلَّيْتُهُ ثُمَّ رَأَيْتُ عَزَلَهُ.

وَعَسَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُ فِي دِينِهِ. مَا أُغْبِطَ أَحَدًا بِالإِمَارَةِ. وَقَدْ خَيَّرْتُهُ فِي أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ فَاخْتَارَكَ عَلَى غَيْرِكَ عَلَى ابْنِ عَمِّهِ. فَإِذَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تحتاج فيه إلى رأي التقي الناصح فليكن أَوَّلَ مَنْ تُبَدَّأُ بِهِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ. وَلْيَكُ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ ثَالِثًا. فَإِنَّكَ وَاجِدٌ عِنْدَهُمْ نُصْحًا وَخَيْرًا. وَإِيَّاكَ وَاسْتِبْدَادَ الرَّأْيِ عَنْهُمْ أَوْ تَطْوِي عَنْهُمْ بَعْضَ الْخَبَرِ.

5- جهاده رضي الله عنه:

وَخَرَجَ خالد مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ وَغَزَا مَعَهُ إِلَى الْفَتْحِ أخوه عمرو. ثم خَرَجَا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى تَبُوكَ.

وفي حرب الردة قتل خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَبِسَ سَلَبَهُ دِيبَاجًا أَوْ حَرِيرًا فَنَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَهُوَ مَعَ عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ: مَا تَنْظُرُونَ؟ مَنْ شَاءَ فَلْيَعْمَلْ مِثْلَ عَمَلِ خالد ثم يتلبس لباس خالد.

ولَمَّا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الشَّامِ كَانَ عمرو بن سعيد فِيمَنْ خَرَجَ فَقُتِلَ يَوْمَ أَجْنَادِينَ شَهِيدًا فِي خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي جُمَادَى الأُولَى سَنَةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ. وَكَانَ عَلَى النَّاسِ يَوْمَئِذٍ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ.

وشَهِدَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ فَتْحَ أَجْنَادِينَ مع أخيه والمسلمين وَفِحْلٍ وَمَرْجِ الصُّفَّرِ.

6- زفافه واستشهاده:

وَكَانَتْ أُمُّ الْحَكِيمِ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ فَقُتِلَ عَنْهَا بِأَجْنَادِينَ فَأَعْدَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَكَانَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ يَخْطُبُهَا. وَكَانَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ يُرْسِلُ إِلَيْهَا فِي عِدَّتِهَا يَتَعَرَّضُ لِلْخِطْبَةِ. فَحَطَّتْ إِلَى خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ فَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ. فَلَمَّا نَزَلَ الْمُسْلِمُونَ مَرْجَ الصُّفَّرِ أَرَادَ خَالِدٌ أَنْ يُعَرِّسَ بِأُمِّ حَكِيمٍ فَجَعَلَتْ تَقُولُ: لَوْ أَخَّرْتَ الدُّخُولَ حَتَّى يَفُضَّ اللَّهُ هَذِهِ الْجُمُوعَ. فَقَالَ خَالِدٌ: إِنَّ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي أَنِّي أُصَابُ فِي جُمُوعِهِمْ. قَالَتْ: فَدُونَكَ. فَأَعْرَسَ بِهَا عِنْدَ الْقَنْطَرَةِ الَّتِي بِالصُّفَّرِ فَبِهَا سُمِّيَتْ قَنْطَرَةَ أُمِّ حَكِيمٍ. وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا فِي صُبْحِ مُدْخَلِهِ فَدَعَا أَصْحَابَهُ عَلَى طَعَامٍ فَمَا فَرَغُوا مِنَ الطَّعَامِ حَتَّى صَفَّتِ الرُّومُ صُفُوفُهَا صُفُوفًا خَلْفَ صُفُوفٍ وَبَرَزَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مُعَلَّمٌ يَدْعُو إِلَى الْبَرَازِ فَبَرَزَ إِلَيْهِ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الْعَامِرِيُّ فَنَهَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ. فَبَرَزَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَتَلَهُ حَبِيبٌ وَرَجَعَ إِلَى مَوْضِعِهِ. وَبَرَزَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ فَقَاتَلَ فَقُتِلَ.

وَشَدَّتْ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا وَعَدَتْ وَإِنَّ عَلَيْهَا لَدِرْعَ الْحَلُوقِ فِي وَجْهِهَا. فَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ الْقِتَالِ عَلَى النَّهَرِ وَصَبَرَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا وَأَخَذْتِ السُّيُوفُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَلا يُرْمَى بِسَهْمٍ وَلا يُطْعَنُ بِرُمْحٍ وَلا يُرْمَى بِحَجَرٍ وَلا يُسْمَعُ إِلا وَقَعُ السُّيُوفِ عَلَى الْحَدِيدِ وَهَامَ الرِّجَالُ وَأَبْدَانُهُمْ. وَقَتَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ يَوْمَئِذٍ سَبْعَةً بِعَمُودِ الْفُسْطَاطِ الَّذِي بَاتَ فِيهِ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ مُعَرِّسًا بِهَا. وَكَانَتْ وَقْعَةُ مَرْجِ الصُّفَّرِ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فِي خِلافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.

7- إبنته أمة:

ولد لخَالِد بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ خلال هجرته بالحبشة بنت سماها أمة. وَتَحَرَّكَتْ وَتَكَلَّمَتْ هُنَاكَ. ثُمَّ إِنَّ خَالِدًا أَقْبَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَقَدْ فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لتوه من غزوة خيبر. فَأَقْبَلَ يَمْشِي وَمَعَهُ ابْنَتُهُ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ نَشْهَدْ مَعَكَ … [فَقَالَ: أَوَمَا تَرْضَى يَا خَالِدُ أَنْ يَكُونَ لِلنَّاسِ هِجْرَةٌ وَلَكُمْ هِجْرَتَانِ ثِنْتَانِ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَذَاكَ لَكُمْ] . ثُمَّ إِنَّ خَالِدًا قَالَ لابْنَتِهِ: اذْهَبِي إِلَى عَمِّكِ. اذْهَبِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَسَلِّمِي عَلَيْهِ. فَذَهَبَتِ الْجُوَيْرِيَّةُ حَتَّى أَتَتْهُ مِنْ خَلْفِهِ فَأَكَبَّتْ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهَا قَمِيصٌ أَصْفَرُ. فَأَشَارَتْ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تُرِيهِ فَقَالَ: سِنَهْ سِنَهْ سِنَهْ. يَعْنِي حَسَنٌ يَعْنِي بِالْحَبَشِيَّةِ أَبْلِي وَأَخْلِقِي ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي.