سعد بن عبادة

رضى الله عنه

سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج [بن الحارث بن الخزرج بن حارثة..سيد الخزرج هو وعبد الله بن أبي بن سلول.

من بنى ساعدة، من الخزرج. ويكنى: أبا ثابت، وكان يكتب في الجاهلية، ويحسن العوم والرّمى، وكان يسمى:الكامل، والكامل من يجمع إِلَى الكتاب الرمي والعوم، ومن الكملة رافع ابن مَالِك وسعد بْن عبادة وأسيد بْن حضير وعبد اللَّه بْن أَبِي وأوس بْن خولي

وكان سعد بن عبادة وعدة من آباء له قبله في الجاهلية ينادي على أطمهم: من أحب الشحم واللحم فليأت أطم دليم بن حارثة، وكان ينادي على أطم أَبِيهِ أيضا.

ولم يشهد سعد بدرا، لأنه كان نٌهِش (لسعته حيّة) ، ثم شهد المشاهد كلها.

وخرج إلى الشام بعد وفاة رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فتوفى بحوران، لسنتين ونصف من خلافة «عمر»، وكان سبب موته، أنه جلس يبول في نفق، فلدغ وقيل أن الجنّ قتلته لبوله في النفق، فمات من ساعته، واخضرّ جلده.

إسلام سعد:

أول تضحية للأنصار في الإسلام: على أثر بيعة العقبة بلغ قريشا النبأ فأتى نفر منهم عبد الله بن ابى بن سلول يتحققون فقال لهم: إن هذا لأمر جسيم، ما كان قومي ليتفوتوا علي بمثل هذا وما علمته كان فانصرفوا عنه، وتفرق الناس من منى، فتنطس القوم الخبر فوجدوه قد كان، وخرجوا في طلب القوم، فأدركوا سعد بن عبادة بالحاجر، والمنذر بن عمرو أخا بنى ساعده ابن كعب بن الخزرج، وكلاهما كان نقيبا، فأما المنذر فأعجز القوم، وأما سعد فأخذوه، وربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله، ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة، يضربونه ويجبذونه بجمته- وكان ذا شعر كثير- فقال سعد: فو الله إني لفي أيديهم، إذ طلع علي نفر من قريش، فيهم رجل أبيض وضيء شعشاع حلو من الرجال،(وهو سهيل بن عمرو الحكيم)، قال: قلت: إن يكن عند أحد من القوم خير فعند هذا، فلما دنا مني رفع يديه فلطمني لطمة شديدة.

قال: قلت في نفسي: والله ما عندهم بعد هذا خير قال: فو الله إني لفي أيديهم يسحبونني، إذ أوى إلي رجل منهم ممن معهم، فقال: ويحك! أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد! قال: قلت: بلى والله، لقد كنت أجير لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف «تجاره،»

وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي، وللحارث بن أُمَيَّة بن عبد شمس بن عبد مناف قال: ويحك! فاهتف باسم الرجلين، واذكر ما بينك وبينهما. قال: ففعلت، وخرج ذلك الرجل إليهما، فوجدهما في المسجد عند الكعبة، فقال لهما: إن رجلا من الخزرج الآن يضرب بالأبطح، وإنه ليهتف بكما، ويذكر أن بينه وبينكما جوارا، قالا: ومن هو؟ قال: سعد بن عبادة، قالا: صدق والله إن كان ليجير تجارنا، ويمنعهم أن يظلموا ببلده. قال: فجاءا فخلصا سعدا من أيديهم وانطلق.

قرية (ضاحية) بني ساعدة:

وَكَانَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو دُجَانَةَ لَمَّا أَسْلَمُوا يَكْسِرُونَ أَصْنَامَ بَنِي سَاعِدَةَ.

وَمَسْجِد بني سَاعِدَة من الْخَزْرَج رَهْط سعد بن عبَادَة، ذكر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِيهِ وَجلسَ فِي السَّقِيفَة.

عَن سُهَيْل بن سعد عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: جلس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سقيفتنا الَّتِي عِنْد الْمَسْجِد واستقى، فخصت لَهُ وَطْأَة فَشرب ثمَّ قَالَ: زِدْنِي، فخصت لَهُ أُخْرَى فَشرب ثمَّ قَالَ: كَانَت الأولى أطيب. وقرية بني سَاعِدَة عِنْد بِئْر بضَاعَة.

أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بني ساعد فقال إني جئتكم في حاجة تعطوني مكان مقابركم فأجعلها سوقا فصار عرض سوق المدينة ما بين المصلى أي من القبلة إلى جرار سعد بن عبادة وهي جرار كان يسقى الناس فيها الماء بعد موت أمه أي أن الجرار كانت في حده من جهة الشام قرب ثنية الوداع.

سعد يبرر للنبي فعلة المنافق إبن أبي بن سلول:

«عن أسامة بن زيد أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ركب على حمار عليه قطيفة فدكية وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة ببني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر حتى مرّ على مجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول وذلك قبل أن يسلم ابن أُبَيّ، وإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان وأهل الكتاب اليهود والمسلمين وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمَّر عبد الله بن أبي أنفه بردائه وقال: لا تغبروا علينا، فسلم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ثم وقف فنزل ودعاهم إلى الله عَزَّ وَجَلَّ وقرأ عليهم القرآن فقال عبد الله بن أبي: أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تُؤْذنا في مجالسنا، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبد الله بن رواحة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك، فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يخفضهم حتى سكتوا، ثم ركب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» يا سعد «ألم تسمع إلى ما قاله أبو حباب» ؟ يريد عبد الله بن أبي، قال: كذا وكذا فقال سعد: يا رسول الله اعفُ عنه واصفح فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاءك الله بالحق الذي نزل عليك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله شرق بذلك، فذلك الذي فعل به ما رأيت. فعفا عنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «.

فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} الْآيَةَ.

سعد بْن عبادة صاحب راية رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

عَنْ ثعلبة بْن أَبِي مَالِك، قَالَ: كَانَ سعد بْن عبادة صاحب راية رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المواطن كلها، فإذا كَانَ وقت القتال أخذها عليّ بْن أَبِي طَالِب

راية الأنصار مع سعد: يوم الخندق كان لواء الأنصار مع سعد بن عبادة

إستخلف رسول الله سعداً على المدينة في غزوة الأبواء:

غزوة الأبواء- ويقال ودان- وبينهما ستة أميال هي بحذائها، واستخلف رسول الله ص على المدينة حين خرج إليها سعد بن عبادة بن دليم في السنة الثانية للهجرة في ربيع الأول.

السنة الثانية من الهجرة وتعرف «بسنة الأمر» لأنه أمر فيها بالقتال

ثم غزوة غزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صفر في المهاجرين خاصة، حتى بلغ ودّان والأبواء وبينهما ثمانية أميال، يعترض عير قريش. فرجع ولم يلق كيدا، فكانت غيبته خمس عشرة ليلة، واستخلف على المدينة سعد بن عبادة ابن دليم الأنصاري ثم الخزرجي،

سعد قائد سرية: ثم سرية سعد بن عبادة الخزرجي إلى الموضع المعروف بالغميم س 6ه.

سعد على المدينة في غياب النبي في غزاة الغابة:

وهي على بريد من المدينة على طريق الشام في ربيع الأول. س6ه.

قالوا: كانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم-[وهي] عشرون لقحة- ترعى بالغابة [وكان أبو ذر فيها] فأغار عليها عيينة بن حصن ليلة الأربعاء في أربعين [فارسا] فاستاقوها وقتلوا راعيها ، واستخلف [رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي المدينة] عبد الله بن أم مكتوم، وخلّف سعد بن عبادة في ثلاثمائة [من قومه] يحرسون المدينة .

وبعث إليه سعد بن عبادة بأحمال تمر وبعشر جزائر، ورجع رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى المدينة يوم الاثنين، وقد غاب خمس ليال.

توزيع الرايات في غزوة خيبر:

ولواؤه أبيض ودفعه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سعد بن عبادة،

راية الخزرج لسعد: وَفي غزوة وادي القرى بعيد غزوة خيبر دَفَعَ لِوَاءَهُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَدَفَعَ رَايَةً إِلَى الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَرَايَةً إِلَى سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ.

غزوة بَنِي الْمُصْطَلِقِ : راية الأنصار

خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَيْلَتَيْنِ مضتا مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فِي سَبْعِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَكَانُوا حُلَفَاءَ بَنِي مُدْلِجٍ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ دَفَعَ رَايَةَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَيُقَالُ إِلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَرَايَةَ الْأَنْصَارِ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ،

كرم سعد وبذله في سبيل الله:

أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو وَخَبَّابَ بْنَ الأَرَتِّ لَمَّا هَاجَرَا إِلَى الْمَدِينَةِ نَزَلا عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهَدْمِ فَلَمْ يَبْرَحَا مَنْزِلَهُ حَتَّى تُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِلَى بَدْرٍ بِيَسِيرٍ. فَتَحَوَّلا فَنَزَلا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَلَمْ يَزَالا عِنْدَهُ حَتَّى فُتِحَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ.

كان أهل الصفة إذا أمسوا ينطلق الرجل بالرجل، والرجل بالرجلين، والرجل بالخمسة، فأما سعد بْن عبادة فكان ينطلق بثمانين كل ليلة.

وكان سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ وَيَقُولُ: اللَّهمّ وَسِّعْ عَلَيَّ، فَإِنَّهُ لا يَسَعُنِي إِلا الْكَثِيرُ.

وكَانَ يَدْعُو: اللَّهمّ هَبْ لِي حَمْدًا وَمَجْدًا، لا مَجْدَ إِلا بِفِعَالٍ، وَلا فِعَالٍ إِلا بِمَالٍ، اللَّهمّ لا يُصْلِحُنِي الْقَلِيلُ، وَلا أَصْلُحُ عَلَيْهِ.

في التحضير لغزوة تبوك خطب رسول الله وحض المسلمين على الإنفاق لتجهيز الغزوة فحمل كبار القوم من مهاجرين وأنصار أموالا وجهز عثمان ثالث الجيش وكان سعد بن عبادة ممن حمل مالا كثيرا.

جفنة سعد الشهيرة:

كان المنادي ينادي على أُطُم سعد: من أحب شحمًا ولحمًا فليأت سعد بْن عبادة. وكان ابنه قيس يفعل ذلك.

كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ سَعْدٍ كُلَّ يَوْمٍ جَفْنَةٌ تَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ، وَكَانَ يَقُولُ: اللَّهمّ ارْزُقْنِي مَالا فَلا يَصْلُحُ الْفِعَالُ إِلا بِمَالٍ.

قَالَ: وكان يبعث كل يوم بجفنة إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قدم المدينة، [كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِذَا خَطَبَ الْمَرْأَةَ قَالَ: اذْكُرُوا لَهَا جَفْنَةَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ] .

-كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم من سعد بن عبادة رضي الله عنه جفنة من ثريد كل يوم تدور معه أينما دار من نسائه. وَكَانَتْ جَفْنَةُ سَعْدٍ تَدُورُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مُنْذُ يَوْمَ نَزَلَ الْمَدِينَةَ فِي الْهِجْرَةِ إِلَى يَوْمِ تُوُفِّيَ. وَغَيْرُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ مِنَ الأَنْصَارِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ.

سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بصحفة – أو جفنة – مملوءة مخاً، فقال: «يا أبا ثابت، ما هذا؟» قال: والذي بعثك بالحق لقد نحرت أربعين ذات كبد، فأحببت أن أشبعك من المخ. فأكل النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له بخير.

لقاح النبي صلى الله عليه وسلم:

كانت لرسول الله ص لِقَاحٌ، وَهِيَ عِشْرُونَ لُقْحَةً، وَكَانَتِ الَّتِي يَعِيشُ بِهَا اهل رسول الله ص يُرَاحُ إِلَيْهِ كُلَّ لَيْلَةٍ بَقِرْبَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ لَبَنٍ فِيهَا لِقَاحٌ غِزَارٌ: الْحَنَّاءُ، وَالسَّمُرَاءُ، وَالْعِرِّيسُ، وَالسَّعْدِيَّةُ، وَالْبَغُومُ، وَالْيَسِيرَةُ، وَالرَّيَّا.

وكانت أُمَّ سَلَمَةَ، تَقُولُ: كَانَ عَيْشُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ اللَّبَنَ- أَوْ قَالَتْ أَكْثَرَ عَيْشِنَا- كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ لِقَاحٌ بِالْغَابَةِ كَانَ قَدْ فَرَّقَهَا عَلَى نِسَائِهِ، فَكَانَتْ فِيهَا لِقْحَةٌ تُدْعَى الْعِرِّيسَ، وَكُنَّا مِنْهَا فِيمَا شِئْنَا مِنَ اللَّبَنِ، وَكَانَتْ لِعَائِشَةَ لِقْحَةٌ تُدْعَى السَّمُرَاءَ غَزِيرَةٌ،

ومنها لِقْحَةٌ تُدْعَى مُهْرَةً، أَرْسَلَ بِهَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مِنْ نَعَمِ بَنِي عُقَيْلٍ وَكَانَتْ غَزِيرَةً، وَكَانَتِ الرَّيَّا وَالشَّقْرَاءُ ابْتَاعَهُمَا بِسُوقِ النَّبَطِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، وَكَانَتْ بُرْدَةُ، وَالسَّمُرَاءُ، وَالعِرِّيسُ، وَالْيَسِيرَةُ، وَالْحَنَّاءُ، يُحْلَبْنَ وَيُرَاحُ إِلَيْهِ بِلَبَنِهِنَّ كُلَّ ليله، وكان فيها غلام للنبي ص اسْمُهُ يَسَارٌ.

فطنة سعد:

وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِهَا، فَلَمَّا سَمِعَتْهُمُ الْيَهُودُ يَقُولُونَهَا لِلنَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ وَكَانَ {رَاعِنَا} فِي كلام اليهود سبًّا قبيحًا فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا نَسُبُّ مُحَمَّدًا سِرًّا فَالْآنَ أَعْلَنُوا السَّبَّ لِمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِهِمْ، فَكَانُوا يَأْتُونَ نَبِيَّ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ {رَاعِنَا} وَيَضْحَكُونَ فَفَطِنَ بِهَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَكَانَ عَارِفًا بلغة اليهود وقال:

يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَئِنْ سَمِعْتُهَا مِنْ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ فَقَالُوا: أَلَسْتُمْ تَقُولُونَهَا لَهُ؟ فَأَنْزَلَ الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [البقرة: 104].

غيرة سعد:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [النور: 4]، قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْأَنْصَارِ: أَهَكَذَا أُنْزِلَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – “أَلَا تَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ؟ ” قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ رَجُلٌ غَيُورٌ، وَاللَّهِ مَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً قَطُّ إلا بكرًا وما طَلَّقَ امْرَأَةً قَطُّ فَاجْتَرَأَ رَجُلٌ مِنَّا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مِنْ شِدَّةِ غَيْرَتِهِ، فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهَا حَقٌّ وَأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، ولَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ،(بحده لا بسطحه) فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي». (أي غضب الله من ارتكاب الناس الفواحش، وغضب الله تعالى على دينه).

رعونة سعد في حديث الإفك:

قَامَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بن سَلُولَ، فَقَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: “يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي”؛ فَقَامَ أسيد بن حضير الْأَنْصَارِيُّ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ (الذي كان قد استشهد بعيد غزوة بني قريظة)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ، إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا ففعلنا أمرك، قال: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ، فَقَالَ لأسيد: كذبت لعمرالله، لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ. فَقَال أسيد بن الحضير لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لنقتلنه، إنك منافق تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ. فَثَارَ الْحَيَّانِ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ،..

بأس الأنصار وكرامتهم (قبيل غزوة الخندق): جاء الحارث الغطفاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، شاطرنا تمر المدينة، فقال: حتى استأمر السعود، فبعث إلى: سعد بن معاذ، سعد بن عبادة، سعد بن الربيع، سعد بن مسعود – رضي الله عنهم -، فقال: «إني قد علمت أن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وإن الحارث سألكم تشاطروه تمر المدينة، فإن أردتم أن تدفعوه عامكم هذا في أمركم بعد» . فقالوا: يا رسول الله، أوَحيٌ من السماء فالتسليم لأمر الله، أو عن رأيك وهواك؛ فرأينا تَبَعُ هواك ورأيك، فإن كنت إنما تريد الإِبقاء علينا فوالله لقد رأيتنا وإياهم على سواء، ما ينالون منا تمرة إلا شراءً أو قِرىً. والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أنت وذاك» . فتناول سعد بن معاذ رضي الله عنه الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال: ليَجْهدوا علينا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هوذا، تسمعون ما يقولون، قالوا: غدرت يا محمد» .

غزوة الأحزاب(الخندق):

أخلف كعب بن أسد القرظي العهد الذي قطعه يهود المدينة والحلف مع رسول الله بعد أن اكثر عليه حيي بن أخطب وزين له النكث بالعهد والتآمر مع قريش والقبائل التي قدمت لحصار المدينة والمسلمين.

انتهى الى رسول الله ص الخبر والى المسلمين، بعث رسول الله ص سَعْدَ بْنَ مُعَاذِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ أَحَدَ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الأَوْسِ- وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمٍ، أَحَدَ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ- وَمَعْهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَخَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَنْظُرُوا: أَحَقٌّ مَا بَلَغَنَا عن هَؤُلاءِ الْقَوْمِ أَمْ لا؟ فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَالْحِنُوا لِي لَحْنًا نَعْرِفُهُ، وَلا تَفُتُّوا فِي أَعْضَادِ النَّاسِ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى الْوَفَاءِ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْهَرُوا بِهِ لِلنَّاسِ.

فَخَرَجُوا حَتَّى أَتَوْهُمْ فَوَجَدُوهُمْ عَلَى أَخْبَثِ مَا بَلَغَهُمْ عَنْهُمْ، ونالوا من رسول الله ص، وَقَالُوا: لا عَقْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ وَلا عَهْدَ.

فَشَاتَمَهُمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَشَاتَمُوهُ، وَكَانَ رجلا فيه حد، فقال له سعد ابن مُعَاذٍ: دَعْ عَنْكَ مُشَاتَمَتَهُمْ، فَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَرْبَى مِنَ الْمُشَاتَمَةِ.

ثُمَّ أَقْبَلَ سَعْدٌ وَسَعْدٌ ومن معهما الى رسول الله ص فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالُوا: عَضَلٌ وَالْقَارَّةُ أَيْ كَغَدْرِ عَضَلٍ وَالْقَارَّةِ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابِ الرَّجِيعِ، خُبَيْبِ بْنِ عدى واصحابه [فقال رسول الله ص: اللَّهُ أَكْبَرُ! أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ،] وَعَظُمَ عِنْدَ ذَلِكَ الْبَلاءُ، وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ، وَأَتَاهُمْ عَدُّوهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ حَتَّى ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ كُلَّ ظَنٍّ، وَنَجَمَ النِّفَاقُ مِنْ بَعْضِ المنافقين، … فَأَقَامَ رَسُولُ الله ص، وَأَقَامَ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْقَوْمِ حَرْبٌ إِلا الرَّمْيُ بِالنَّبْلِ وَالْحِصَارُ. إلى أن فرّج الله تعالى عن المسلمين بالنصر ورجع الأحزاب خائبين. ونال بني قريظة ما نالهم من القتل والتشريد.

في فتح مكة:

ان النبي ص حِينَ فَرَّقَ جَيْشَهُ مِنْ ذِي طُوًى، أَمَرَ الزُّبَيْرَ أَنْ يَدْخُلَ فِي بَعْضِ النَّاسِ مِنْ كُدًى، وَكَانَ الزُّبَيْرُ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُسْرَى، فَأَمَرَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ أَنْ يَدْخُلَ فِي بَعْضِ النَّاسِ مِنْ كَدَاءَ فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ سَعْدًا قَالَ حِينَ وُجِّهَ دَاخِلا: الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمُ تُسْتَحَلُّ الْحُرْمَةُ فَسَمِعَهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، [فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْمَعْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمَا نَأْمَنُ أَنْ تَكُونَ لَهُ فِي قُرَيْشٍ صَوْلَةٌ! فقال له رسول الله ص:

ادع إلى قيس بن سعد بن سعد بن عبادة”؛ فجاء الرسول وهو واقف مع أبيه، والراية في يد أبيه، وقال قيس: يدعوك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه؛ فقال: “يا قيس”. قال: لبيك يا رسول الله، فقال: “اذهب فخذ الراية من سعد” قال: نعم يا رسول الله، فجاء قيس أباه والأنصار حوله؛ فقال: أعطني الراية، فأبى سعد أن يسلِّم اللواء إلا بالأمارة من النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه بعمامته فعرفها سعد، فدفع اللواء إلى ابنه قيس. ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ اللواء لم يخرج من سعد حين صار لابنه.

سعد والأنصار وجدوا في أنفسهم بعد حنين:

على أثر غزوتي حنين والطائف غنم المسلمون مغانم كثيرة وبعد أن أعطى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما أعطي من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة، حتى قال قائلهم: لقي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قومه فدخل عليه سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله إن هذا الحي قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار شيء. قال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال: يا رسول الله ما أنا إلا امرؤ من قومي وما أنا. قال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة. قال: فخرج سعد فجمع الناس في تلك الحظيرة. قال: فجاء رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا وجاء آخرون فردهم، فلما اجتمعوا أتاه سعد فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار قال: فأتاهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو له أهل. ثم قال: يا معشر الأنصار ما قَالَةٌ بلغتني عنكم وجدَةٌ وجدتموها في أنفسكم، ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم. قالوا: بل الله ورسوله أمنُّ وأفضل. قال: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟ قالوا: وبماذا نجيبك يا رسول الله ولله ولرسوله المنُّ والفضل؟ قال: أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم وصدقتم، أتيتنا مكَذَّباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فأغنيناك.

أي: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ذكر لهم ثلاثة أشياء من فضل الإسلام عليهم، وهي أنه نقلهم من الضلال إلى الهدى، ومن الفقر إلى الغنى، ومن العداوة إلى الأخوة والمحبة.

وعندما تحدث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن فضل الأنصار على الدعوة ذكر أربع فضائل، وهي أن أهل مكة كانوا قد حاولوا قتل الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فهاجر منها فآواه أهل المدينة، وجاء الرسول والمؤمنون إلى المدينة لا يملكون شيئاً، فأعطاهم الأنصار من أموالهم وزوجاتهم، وكان الكفار يحاولون قتل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فأمَّنه الأنصار، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قد خذله قومه من قريش فنصره الأنصار.

عندما سمع الأنصار قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في ذكر مفاخرهم. قالوا: المنة لله ولرسوله، أي: إننا معشر الأنصار لا نقول هذا الكلام الذي قلته أبداً؛ لأن حلاوة الإيمان وجزاء الإيمان أكبر من هذا بكثير، وبهذا لا يكونون هم الذين أعطوا، بل الإيمان هو الذي أعطاهم. فالإيمان نَفْعُه نَفْع أبدي. والحق تبارك وتعالى يقول: {قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ للإيمان} [الحجرات: 17] .

وعندما قال الأنصار لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: بل المنة لله ولرسوله، قال لهم رسول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ:

«أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألَّفْتُ بها قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم، أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعون برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في رحالكم، فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار، ولو سلك الناس شعْباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعبْ الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار» فلماَ سمعوا هذا القول من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بَكَوْا حتى اخضلَّتْ لحاهم وقالوا: رضينا بالله وبرسوله قسماً وحظاً.

وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أمر سقيفة بني ساعدة:

أخرجت جماعة من الأنصار سعدا إلى سقيفة بني ساعدة وهو مريض، لتنصيبه خليفة على المسلمين وأخذ البيعة له. فلما اجتمعوا قَالَ لابنه أو بعض بني عمه: إني لا أقدر لشكواي أن أسمع القوم كلهم كلامي، ولكن تلق مني قولي فأسمعهموه، … فَقَالَ بعد أن حمد الله وأثنى عَلَيْهِ: يا معشر الأنصار، لكم سابقة فِي الدين وفضيلة فِي الإسلام ليست لقبيله من العرب، ان محمدا ع لبث بضع عشرة سنة فِي قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان، فما آمن به من قومه إلا رجال قليل، وَكَانَ ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رَسُول اللَّهِ، ولا أن يعزوا دينه، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيما عموا به، حَتَّى إذا أراد بكم الفضيلة، ساق إليكم الكرامة وخصكم بالنعمة، فرزقكم اللَّه الإيمان به وبرسوله، والمنع لَهُ ولأصحابه، والإعزاز لَهُ ولدينه، والجهاد لأعدائه، فكنتم أشد الناس على عدوه منكم، وأثقله على عدوه من غيركم، حَتَّى استقامت العرب لأمر الله طوعا وكرها، وأعطى البعيد المقادة صاغرا داخرا، حَتَّى أثخن الله عز وجل لرسوله بكم الأرض، ودانت بأسيافكم لَهُ العرب، وتوفاه اللَّه وهو عنكم راض، وبكم قرير عين استبدوا بهذا الأمر فإنه لكم دون الناس. فأجابوه بأجمعهم: أن قد وفقت فِي الرأي وأصبت فِي القول، ولن نعدو ما رأيت، ونوليك هذا الأمر، فإنك فينا مقنع ولصالح المؤمنين رضا ثُمَّ إنهم ترادوا الكلام بينهم، فقالوا: فإن أبت مهاجرة قريش، فقالوا:

نحن المهاجرون وصحابة رَسُول اللَّهِ الأولون، ونحن عشيرته وأولياؤه، فعلام تنازعوننا هذا الأمر بعده! فقالت طائفة منهم: فإنا نقول إذا: منا أمير ومنكم أمير، فَقَالَ سعد بْن عبادة حين سمعها: هذا أول الوهن! (أي ضعف رأي الأنصار واختلف)، وأتى عمر الخبر، قال عمر:

وَإِنَّهُ كَانَ من خبرنا حين توفى الله نبيه ص أَنَّ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَمَنْ مَعَهُمَا تَخَلَّفُوا عَنَّا فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ، وَتَخَلَّفَتْ عَنَّا الأَنْصَارُ بِأَسْرِهَا، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا هَؤُلاءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نَؤُمُّهُمْ، فَلَقِيَنَا رَجُلانِ صَالِحَانِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا، فَقَالا: أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقُلْنَا: نُرِيدُ إِخْوَانَنَا هَؤُلاءِ مِنَ الأَنْصَارِ قَالا: فَارْجِعُوا فَاقْضُوا أَمْرَكُمْ بَيْنَكُمْ فَقُلْنَا: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ، قَالَ: فَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ قَالَ: وَإِذَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ رَجُلٌ مُزَّمِّلٌ، قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُهُ؟ قَالُوا: وَجِعٌ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَنَحْنُ الأَنْصَارُ وَكَتِيبَةُ الإِسْلامِ، وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ رَهْطُ نَبِيِّنَا، وَقَدْ دَفَّتْ إِلَيْنَا مِنْ قَوْمِكُمْ دَافَّةٌ قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا، وَيَغْصِبُونَا الأَمْرَ وَقَدْ كُنْتُ زَوِرْتُ فِي نَفْسِي مَقَالَةً أُقَدِّمُهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَقَدْ كُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بعض الحد، وَكَانَ هُوَ أَوْقَرَ مِنِّي وَأَحْلَمَ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، قَالَ:

عَلَى رِسْلِكَ! فَكَرِهْتُ أَنْ أَعْصِيَهُ، فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، فَمَا تَرَكَ شَيْئًا كُنْتُ زَوِرْتُ فِي نَفْسِي أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهِ لَوْ تَكَلَّمْتُ، إِلا قَدْ جَاءَ بِهِ أَوْ بِأَحْسَنَ مِنْهُ.

وَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، فَإِنَّكُمْ لا تَذْكُرُونَ مِنْكُمْ فَضْلا إِلا وَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَإِنَّ الْعَرَبَ لا تَعْرِفُ هَذَا الأَمْرَ إِلا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَنَسَبًا، وَلَكِنْ قَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ.

وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا كَرِهْتُ مِنْ كَلامِهِ شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، إِنْ كُنْتُ لأُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي فِيمَا لا يُقَرِّبُنِي إِلَى إِثْمٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُؤَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا قَضَى أَبُو بَكْرٍ كَلامَهُ، قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ، وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ.

قَالَ: فَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ، وَكَثُرَ اللَّغَطُ، فَلَمَّا أَشْفَقْتُ الاخْتِلافَ، قُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: ابْسُطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ، وَبَايَعَهُ الأَنْصَارُ ثُمَّ نَزَوْنَا عَلَى سَعْدٍ، حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَقُلْتُ: قَتَلَ اللَّهُ سَعْدًا! وَإِنَّا وَاللَّهِ مَا وَجَدْنَا أَمْرًا هُوَ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ فَارَقَنَا الْقَوْمُ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُحْدِثُوا بَعْدَنَا بَيْعَةً، فَإِمَّا أَنْ نُتَابِعَهُمْ عَلَى مَا نَرْضَى، أَوْ نُخَالِفَهُمْ فَيَكُونَ فَسَادٌ

عن تحريض الأنصار ليبايعوا أبا بكر:

قام بشير بْن سعد أبو النعمان بْن بشير فَقَالَ: يا معشر الأنصار، إنا والله لئن كنا أولي فضيلة فِي جهاد المشركين، وسابقة فِي هذا الدين، ما أردنا به إلا رضا ربنا وطاعة نبينا، والكدح لأنفسنا، فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك، ولا نبتغي به من الدنيا عرضا، فإن الله ولي المنة علينا بذلك، ألا ان محمدا ص من قريش، وقومه أحق به وأولى وايم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدا، فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم! فَقَالَ أبو بكر: هذا عمر، وهذا أبو عبيدة، فأيهما شئتم فبايعوا فقالا:

لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك، فإنك أفضل المهاجرين وثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ، وخليفة رَسُول اللَّهِ على الصلاة، والصلاة أفضل دين الْمُسْلِمين، فمن ذا ينبغي لَهُ أن يتقدمك أو يتولى هذا الأمر عليك! ابسط يدك نبايعك.

فلما ذهبا ليبايعاه، سبقهما إليه بشير بن سعد، فبايعه، فناداه الحباب ابن المنذر: يا بشير بن سعد: عقتك عقاق، ما أحوجك إلى ما صنعت، أنفست على ابن عمك الإمارة! فَقَالَ: لا والله، ولكني كرهت أن أنازع قوما حقا جعله اللَّه لهم.

ولما رأت الأوس ما صنع بشير بْن سعد، وما تدعو إليه قريش، وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بْن عباده، قال بعضهم لبعض، وفيهم اسيد ابن حضير- وَكَانَ أحد النقباء: والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا، فقوموا فبايعوا

ولما تمت البيعة لأبي بكر تزاحم عليه الناس حتى كادوا يطأون سعداً من شدة الزحام فنادى احدهم: يَا هَؤُلاءِ، اتَّقُوا سَعْدًا فَإِنَّهُ عَلِيلٌ، شَدِيدُ الْعِلَّةِ،…

أمرضه الله تعالى يومها حتى لا تأخذه رعونة وهو سيد الخزرج فيخرج عن الإجماع.

بايع أبا بكر المهاجرون والأنصار كلهم غير سعد بن عبادة، لأن الأنصار كانت قد أرادت أن تجعل البيعة له، فقال له عمر: لا تدعه حتى يبايع، فقال له بشير بن سعد أبو النعمان وكان أول من صفق على يدي أبي بكر: إنه قد لج وليس بمبايعكم أو يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته، فإن تركتموه فليس تركه بضاركم، إنما هو واحد، فقبل أبو بكر نصيحة بشير ومشورته، وكف عَن سعد، فكان سعد لا يصلي بصلاتهم، ولا يصوم بصيامهم، وإذا حج لم يفض بإفاضتهم، فلم يزل كذلك حتى توفي أبو بكر وولي عمر، فلم يلبث إلا يسيرا حتى خرج [مجاهدا] إلى الشام فمات بحوران في أول خلافة عمر، ولم يبايع أحدا.

عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: إِنَّ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لَقَوْا مِنَ الأَنْصَارِ حِينَ ذَهَبُوا إِلَى السَّقِيفَةِ، عُوَيْمُ بْن سَاعِدَةَ وَالآخَرَ مَعْنُ بْنُ عَدِيِّ، أَخُو بَنِي الْعَجَلانِ، فَأَمَّا عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ فَهُوَ الَّذِي بَلَغَنَا أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ص: [مَنِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ لَهُمْ: «فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ» ؟ فقال رسول الله ص: نِعْمَ الْمَرْءُ مِنْهُمْ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ!] وَأَمَّا مَعْنٌ فَبَلَغَنَا أَنَّ النَّاسَ بَكَوْا عَلَى رَسُولِ الله ص حِينَ تَوَفَّاهُ اللَّهُ، وَقَالُوا: وَاللَّهِ لَوَدَدْنَا أَنَّا مِتْنَا قَبْلَهُ، إِنَّا نَخْشَى أَنْ نُفْتَتَنَ بَعْدَهُ فَقَالَ مَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ: وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنِّي مِتُّ قَبْلَهُ حَتَّى أُصَدِّقَهُ مَيِّتًا كَمَا صَدَّقْتُهُ حَيًّا فَقُتِلَ مَعْنٌ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا فِي خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ. أبا بكر فقاموا إليه فبايعوه، فانكسر على سعد بْن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا أجمعوا لَهُ من أمرهم.

قَالَ هشام: قَالَ أبو مخنف: فحدثني أبو بكر بْن محمد الخزاعي، أن أسلم أقبلت بجماعتها حَتَّى تضايق بهم السكك، فبايعوا أبا بكر، فكان عمر يقول: ما هو إلا أن رأيت أسلم، فأيقنت بالنصر.

قَالَ هِشَام، عن أبي مخنف: قَالَ عَبْد اللَّه بْن عبد الرحمن: فأقبل الناس من كل جانب يبايعون أبا بكر، وكادوا يطئون سعد بْن عبادة، فَقَالَ ناس من أصحاب سعد: اتقوا سعدا لا تطئوه، فَقَالَ عمر: اقتلوه قتله اللَّه! ثُمَّ قام على رأسه، فَقَالَ: لقد هممت أن أطأك حَتَّى تندر عضدك، فأخذ سعد بلحية عمر، فَقَالَ: والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة، فَقَالَ أبو بكر: مهلا يا عمر! الرفق هاهنا أبلغ فأعرض عنه عمر وقال سعد: أما والله لو أن بي قوة ما، أقوى على النهوض، لسمعت مني فِي أقطارها وسككها زئيرا يجحرك وأصحابك، أما والله إذا لألحقنك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع! احملوني من هذا المكان، فحملوه فأدخلوه فِي داره، وترك أياما ثُمَّ بعث إليه أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك، فَقَالَ: أما والله حَتَّى أرميكم بما فِي كنانتي من نبلي، وأخضب سنان رمحي، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي، فلا أفعل، وايم الله لو أن الجن اجتمعت لكم مَعَ الإنس ما بايعتكم، حَتَّى أعرض على ربي، وأعلم ما حسابي.

فلما أتى أبو بكر بذلك قَالَ لَهُ عمر: لا تدعه حَتَّى يبايع فَقَالَ لَهُ بشير بْن سعد: إنه قد لج وأبى، وليس بمبايعكم حَتَّى يقتل، وليس بمقتول حَتَّى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته، فاتركوه فليس تركه بضاركم، إنما هو رجل واحد فتركوه وقبلوا مشورة بشير بْن سعد واستنصحوه لما بدا لهم منه، فكان سعد لا يصلي بصلاتهم، ولا يجمع معهم ويحج ولا يفيض معهم بإفاضتهم، فلم يزل كذلك حَتَّى هلك أبو بكر رحمه الله.

روى عن النبي ص احد وعشرين حديثا:منها

عن سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ سَعْدِ بن عباده، [عن رسول الله ص، قَالَ: إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ خَمْسَ خِلالٍ: فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُهْبِطَ إِلَى الأَرْضِ، وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يَسْأَلُ الْعَبْدُ فِيهَا رَبَّهُ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، مَا لَمْ يَسْأَلْ إِثْمًا أَوْ قَطِيعَةً، وَفِيهِ: تَقُومُ السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلا سَمَاءٍ وَلا جَبَلٍ وَلا أَرْضٍ وَلا رِيحٍ، إِلا مُشْفِقٌ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ] .

لَمَّا أُصِيبَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَتَاهُمُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ فَجَهَشَتْ بِنْتُ زَيْدٍ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حَتَّى انْتَحَبَ فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا شَوْقُ الْحَبِيبِ إِلَى حَبِيبِهِ] .

حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ اللَّهَ أَجْذَمَ”.

عن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه استأذن وهو مستقبل الباب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «لا تستأذن الباب» . وفي رواية قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت، فقمت مقابل الباب فاستأذنت، فأشار إليَّ أن تباعد، ثم جئت فاستأذنت فقال: «وهل الاستئذان إلا من أجل النظر» .

حدة سعد في عمرة القضاء:

فلما أصبح من اليوم الرابع أتاه سُهَيْلُ بْن عَمْرو وغيره، فصاح حُوَيْطِب بْن عَبْد العُزَّى: نناشدك الله والعقد لما خرجتَ من أرضنا فقد مضت الثلاث. فقال سعد بْن عُبَادة: كذبتَ لا أُمّ لك لَيْسَ بأرضك ولا بأرض آبائك، [والله] لا نخرج. ثُمَّ نادى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُهَيلًا وحُوَيْطبًا، فقال: «إنّي قد نكحت فيكم امرأةً فما يضرّكم أن أمكث حتى أدخل بِهَا، ونصنع الطعام فنأكل وتأكلون معنا» . قَالُوا: نناشدك الله والعقد، إلّا خرجت عنّا. فأمر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أبا رافع فأذّن بالرحيل.

عتب سعد: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ، ثُمَّ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ “، فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم خَيَّرَ الْأَنْصَارَ فَجَعَلَنَا آخِرًا، فوجد سعد في نفسه، فقال: خلفنا فكنا آخر الأربعة، اسرجوا لي حماري، آتي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له ابن أخيه سهل: تذهب ترد عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله؟

فَأَدْرَكَ سَعْدٌ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَيَّرْتَ دُورَ الْأَنْصَارِ فَجَعَلْتَنَا آخِرًا؟ قَالَ: ” أَوَ لَيْسَ بِحَسْبِكُمْ أن تكونوا من الأخيار “.

إكرام النبي صلى الله عليه وسلم لسعد وبنيه:

عمرة بنت مسعود، أم سعد بن عبادة:

توفيت أم سعد بْن عبادة بالمدينة وسعد غائب مع رسول الله ص إلى دومة الجندل س 5 ه. فلما قدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتي قبرها فصلى عليها/ وسأله سعد عن نذر كان عليها فقال: «اقضه عنها» . فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَفَيَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِي الْمِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَنْهَا.

دخل سعد بن عبادة رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم معه إبنه فسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ها هنا وها هنا» ، وأجلسه عن يمينه، وقال: «مرحباً بالأنصار، مرحباً بالأنصار» وأقام إبنه بين يديه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إجلس» فجلس فقال: «إدنُ» فدنا فقبَّل يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلَه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «وأنا من الأنصار وأنا من فراخ الأنصار» . فقال سعد رضي الله عنه: أكرمك الله كما أكرمتنا. فقال: «إنَّ الله أكرمكم قبل كرامتي، إنكم ستلقَون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقَوني على الحوض».

زيارات النبي لدار سعد بن عبادة:

وأخرج ابن عساكر عن أنس رضي الله عنه أن سعد بن عبادة دعا النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه بتمر وكِسَر فأكل، ثم أتاه بقَدَح من لبن فشرب، فقال: «أكل طعامكم الأبرار، وأفطر عندكم الصائمون، وصلّت عليكم الملائكة، اللهمّ إجعل صلواتك على آل سعد بن عبادة» .

واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم على سعد بن عبادة رضي الله عنه فقال: «السلام عليكم ورحمة الله» فقال سعد: وعليك السلام ورحمة الله، ولم يُسمع النبي صلى الله عليه وسلم ـ حتى سلم ثلاثاً – ورد عليه سعد ثلاثاً ولم يُسمعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «قضينا ما علينا» ورجع، فاتَّبعه سعد، فقال: يا رسول الله – بأبي أنت وأمي – ما سلمتَ تسليمة إلاَّ وهي بأذني، ولقد رددت عليك ولم أسمعك، أحببت أن أستثكر من سلامك ومن البركة، ثم أدخله البيت فقرَّب إليه زيتاً فأكل النبي صلى الله عليه وسلم فلما فرغ قال: «أكل طعامكم الأبرار، وصلَّت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون».

عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ: أَتَانَا النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَوَضَعْنَا لَهُ غُسْلا فَاغْتَسَلَ. ثُمَّ أَتَيْنَاهُ بِمِلْحَفَةٍ وَرْسِيَّةٍ فَاشْتَمَلَ بِهَا. فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَثَرِ الْوَرْسِ عَلَى عُكَنِهِ.

سيوف الرسول:

كَانَ سِلَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَا الْفَقَارِ، وَكَانَ سَيْفًا أَصَابَهُ يَوْمَ بَدْرٍ. وَكَانَ لَهُ سَيْفٌ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ.

وَأَعْطَاهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ سَيْفًا يُقَالُ لَهُ الْعَضْبُ.(حين سار إلى بدر)، وَكَانَتْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْعٌ يُقَالُ لَهَا «ذَاتُ الْفُضُولِ» ، لِطُولِهَا، أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ حِينَ سَارَ إلى بدر.

وَأَصَابَ مِنْ سِلَاحِ بَنِي قَيْنُقَاعَ سَيْفًا قَلَعِيًّا، وَفِي رِوَايَةٍ يُقَالُ لَهُ البتّار والحتف، وكان له المخذم، وَالرَّسُوبُ ، وَكَانَتْ ثَمَانِيَةَ أَسْيَافٍ.

وجاهة سعد بين العرب:

كان رضي الله عنه من كبار الوجهاء المعروفين والموثوقين في المدينة وضواحيها فيشهد على العهود التي يقطعها رسول الله مع القبائل:

وَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِبَنِي جَنَابٍ مِنْ كَلْبٍ: هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ لِبَنِي جَنَابٍ وَأَحْلافِهِمْ وَمَنْ ظَاهَرَهُمْ عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالتَّمَسُّكِ بِالإِيمَانِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَعَلَيْهِمْ فِي الْهَامِلَةِ الرَّاعِيَةِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ غَيْرَ ذَاتِ عَوَارٍ وَالْحَمُولَةُ الْمَائِرَةُ لَهُمْ لاغِيَةٌ وَالسَّقْيُ الرِّوَاءُ وَالْعَذْيُ مِنَ الأَرْضِ يُقِيمُهُ الأَمِينُ وَظِيفَةً لا يُزَادُ عَلَيْهِمْ. شَهِدَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ وَدِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ.

وَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِوَفْدِ ثُمَالَةَ وَالْحُدَّانِ: هَذَا كِتَابٌ مِنْ محمد رَسُولِ اللَّهِ لِبَادِيَةِ الأَسْيَافِ وَنَازِلَةِ الأَجْوَافِ مِمَّا حَازَتْ صُحَارَ لَيْسَ عَلَيْهِمْ فِي النَّخْلِ خِرَاصٌ وَلا مِكْيَالٌ مُطْبِقٌ حَتَّى يُوضَعَ فِي الْفَدَاءِ وَعَلَيْهِمْ فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَوْسَاقٍ وَسْقٌ.

وَكَاتِبُ الصَّحِيفَةِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ. شَهِدَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ.

وشهد كذلك على كتاب النبي لوفد ثمالة والحدان.

قَدِمَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ الْمُرَادِيُّ وَافِدًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مُفَارِقًا لِمُلُوكِ كِنْدَةَ وَمُتَابِعًا لِلنَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَنَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ.

وَكَانَ يَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ وَفَرَائِضَ الإِسْلامِ وَشَرَائِعَهُ. وَأَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً. وَحَمَلَهُ عَلَى بَعِيرٍ نَجِيبٍ. وَأَعْطَاهُ حُلَّةً مِنْ نَسْجِ عُمَانَ. وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى مُرَادٍ وَزُبَيْدٍ وَمَذْحِجٍ وَبَعَثَ مَعَهُ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى الصَّدَقَاتِ. وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا فِيهِ فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ. وَلَمْ يَزَلْ عَلَى الصَّدَقَةِ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –

قدم عمر بن معديكرب الزُّبَيْدِيُّ فِي عَشَرَةِ نَفَرٍ مِنْ زُبَيْدٍ الْمَدِينَةَ. فَقَالَ: مَنْ سَيِّدُ أَهْلِ هَذِهِ الْبَحْرَةِ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ؟ فَقِيلَ لَهُ: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ. فَأَقْبَلَ يَقُودُ رَاحِلَتَهُ حَتَّى أَنَاخَ بِبَابِهِ. فَخَرَجَ إِلَيْهِ سَعْدٌ فَرَحَّبَ بِهِ وَأَمَرَ بِرَحْلِهِ فَحُطَّ وَأَكْرَمَهُ وَحَبَاهُ. ثُمَّ رَاحَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم – فَأَسْلَمَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ.

وَأَقَامَ أَيَّامًا. ثُمَّ أَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِجَائِزَةٍ وَانْصَرَفَ إِلَى بِلادِهِ وَأَقَامَ مَعَ قَوْمِهِ عَلَى الإِسْلامِ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ارْتَدَّ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الإِسْلامِ وَأَبْلَى يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ وَغَيْرِهَا.

وفاة أبي ثَابت سعد بن عبَادَة

لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ لَقِيَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: إِيهِ يَا سَعْدُ. فَقَالَ سَعْدٌ: إِيهِ يَا عُمَرُ. فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ صَاحِبُ مَا أَنْتَ صَاحِبُهُ؟ فَقَالَ سَعْدٌ: نَعَمْ أَنَا ذَاكَ وَقَدْ أَفْضَى إِلَيْكَ هَذَا الأَمْرُ. كَانَ وَاللَّهِ صَاحِبُكَ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْكَ وَقَدْ وَاللَّهِ أَصْبَحْتُ كَارِهًا لِجِوَارِكَ. فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ مَنْ كَرِهَ جِوَارَ جَارِهِ تَحَوَّلَ عَنْهُ فَقَالَ سَعْدٌ: أَمَا أَنِّي غَيْرُ مُسْتَسر بِذَلِكَ وَأَنَا مُتَحَوِّلٌ إِلَى جِوَارِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ.

قَالَ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلا قَلِيلا حَتَّى خَرَجَ مُهَاجِرًا إِلَى الشَّامِ فِي أَوَّلِ خِلافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَمَاتَ بِحَوْرَانَ.

سنة 14 ه. فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَاتَ أَبُو قُحَافَةَ وَالِدُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بَعْدَ مَوْتِ ابْنِهِ.

وَفِيهَا مَاتَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ. تُوفِّي بحوران من أَرض الشَّام سنة خمس عشرَة جلس يَبُول فِي نفق فاعتل فَمَاتَ من سَاعَته

وَكَانَ لَهُ من الْوَلَد سعيد وَمُحَمّد وَعبد الرَّحْمَن وَقيس وأمامة وسدوس فكهية بنت عبيد بن دليم زَوْجَة سعد بن عبَادَة فكيهة بنت الْمطلب بن خَالِد تكنى أم الحكم

كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ مِنَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرَطِ مِنَ الْأَمِيرِ، وَقَدْ كَانَ قَيْسٌ هَذَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَطْوَلِ الرِّجَالِ.