سعد بن معاذ

رضي الله عنه

سعد بن معاذ الأشهلي من الأوس كنيته أبو عمرو.

كان يقال: كان سعد بن معاذ في الأنصار كأبي بكر في المهاجرين.

سَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل. ويكنى أَبَا عَمْرو. وأمه كبشة بِنْت رافع بْن مُعَاوِيَة بْن عُبَيْد بْن الأبجر. وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج وهي من المبايعات. وكان لسعد بْن مُعَاذ من الولد عَمْرو وعبد الله وأمهما هند بنت سماك بن عتيك بن امرئ القيس بْن زَيْد بْن عَبْد الأشهل. وهي من المبايعات خلف عليها سعد بعد أَخِيهِ أوس بْن مُعَاذ. وهي عمة أسيد بْن حضير بْن سماك. وكان لعمرو بْن سعد بْن مُعَاذ من الولد تسعة نفر وثلاث نسوة منهم عَبْد الله بْن عَمْرو قُتِلَ يوم الحرة. ولسعد بن معاذ الْيَوْمَ عَقِبٌ.

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ: كَانَ إِسْلامُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَأُسَيْدِ بْنِ الْحُضَيْرِ عَلَى يَدِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ الْعَبْدَرِيِّ. وَكَانَ مُصْعَبٌ قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَبْلَ السَّبْعِينَ أَصْحَابِ الْعَقَبَةِ الآخِرَةِ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى الإِسْلامِ وَيُقْرِئُهُمُ الْقُرْآنَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَلَمَّا أسلم سَعْدُ بْنُ معاد لَمْ يَبْقَ فِي بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ أَحَدٌ إِلا أسلم يَوْمَئِذٍ فَكَانَتْ دَارُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ أَوَّلُ دَارٍ مِنَ الأَنْصَارِ أَسْلَمُوا جَمِيعًا رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ. وَحَوَّلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأَبَا أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ إِلَى دَارِهِ فَكَانَا يَدْعُوَانِ النَّاسَ إِلَى الإِسْلامِ فِي دَارِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ ابْنَيْ خَالَةٍ. وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ يَكْسِرَانِ أَصْنَامِ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ.

وآخى رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بَيْنَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ

و كَانَ لِوَاءُ الأَوْسِ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. وَشَهِدَ سَعْدٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يوم

أُحُدٍ وَثَبَتَ مَعَهُ حِينَ وَلَّى النَّاسُ. وَشَهِدَ الْخَنْدَقَ.

وفي الحديث، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ذَكَرَ الْحُمَّى فَقَالَ: مَنْ كَانَتْ بِهِ فَهِيَ حَظُّهُ مِنَ النَّارِ. فَسَأَلَهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رَبَّهُ فَلَزِمَتْهُ فَلَمْ تُفَارِقْهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا.

إسلام سعد:

أسلم سعد بن معاذ وابن عمه أسيد بن حضير رضي الله تعالى عنهما على يد مصعب بن عمير، وكان إسلام أسيد قبل سعد في يومه.

فعن ابن إسحاق أن أسعد بن زرارة رضي الله تعالى عنه خرج بمصعب بن عمير إلى حائط: أي بستان من حوائط بني ظفر، فجلسا فيه واجتمع إليهما رجال ممن أسلم، وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير يومئذ سيدا قومهما: أي بني عبد الأشهل، وكلاهما مشرك على دين قومه، فقال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير: لا أبالك، انطلق بنا إلى هذين الرجلين؛ يعني أسعد بن زرارة ومصعب بن عمير اللذين أتيا دارينا تثنية دار، وهي المحلة، والمراد قبيلتنا وعشيرتنا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما وانههما: أي وفي لفظ قال له: ائت أسعد بن زرارة فازجره عنا فليكف عنا ما نكره، فإنه بلغني أنه قد جاء بهذا الرجل الغريب يسفه سفهاءنا وضعفاءنا، فإنه لولا أسعد بن زرارة مني حيث علمت لكفيتك ذلك، هو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدما، فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير: هذا سيد قومه قد جاءك فأصدق الله فيه، ثم قال مصعب: إن يجلس هذا كلمته. قال: فوقف عليهما متشمتا، قال: ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة، وفي لفظ قال: يا أسعد ما لنا ولك؟ تأتينا بهذا الرجل الغريب تسفه به سفهاءنا وضعفاءنا.

وفي رواية: علام أتيتنا في دورنا بهذا الرجل الوحيد الغريب الطريد يسفه ضعفاءنا بالباطل ويدعوهم إليه. فقال له مصعب: أو تجلس بفتح الواو استفهاما فتسمع بالنصب في جواب الاستفهام، فإن رضيت أمرا قبلته، وإن كرهته كفّ عنك ما تكره: أي منعنا عنك ما تكره، قال أنصفت، ثم ركز حربته وجلس إليها، فكلمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن، فقال: ما أحسن هذا وأجمله بالنصب على التعجب، كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل وتتطهر وتغسل ثوبك ثم تشهد بشهادة الحق ثم تصلي، فقام واغتسل وطهر ثوبه وشهد بشهادة الحق، ثم قام فركع ركعتين: أي وهما صلاة التوبة.

فقد روى أصحاب السنن، وقال الترمذي حديث حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال «ما من عبد يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله عز وجل إلا غفر له» ثم قال لهما: إن ورائي رجلا إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه وسأرسله إليكما الآن، وهو سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه، ثم أخذ حربته فانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد مقبلا قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بن حضير بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلما وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين، فوالله ما رأيت بهما بأسا، وقد نهيتهما، فقالا: نفعل ما أحببت. وقد حدثت أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليخفروك: أي ينقضوا عهدك، فقام سعد مغضبا مبادرا فأخذ الحربة من يده وقال: والله ما أراك أغنيت شيئا، ثم خرج إليهما، ولما أقبل سعد قال أسعد لمصعب: لقد جاءك والله سيد من وراءه من قومه، إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان، فلما رآهما سعد مطمئنين عرف سعد أن أسيدا إنما أراد منه أن يسمع منهما، فوقف عليهما متشتما، ثم قال لأسعد بن زرارة: يا أبا أمامة والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت مني هذا، هذا يغشانا في دارنا بما نكره، فقال له مصعب: أو تقعد تسمع؟ فإن رضيت أمرا قبلته، وإن كرهت عزلنا عنك ما تكره، فقال سعد: أنصفت، ثم ركز الحربة وجلس، فعرض عليه الإسلام وعرض عليه القرآن، فقال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ فقال: تغتسل وتتطهر وتطهر ثوبك ثم تشهد شهادة الحق ثم تركع ركعتين، فقام سعد فاغتسل وطهر ثوبه ثم شهد شهادة الحق ثم ركع ركعتين ثم أخذ حربته فأقبل عامدا إلى نادي قومه، ومعه: أي مع ذلك النادي أسيد بن حضير. فلما رآه قومه مقبلا، قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا سيدنا، وأفضلنا رأيا، وأيمننا وأبركنا نقيبة أي نفسا وأمرا؛ قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله، قال: فو الله ما أمسي في دار: أي قبيلة بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما ومسلمة فأسلموا في يوم واحد كلهم، وكان ذلك بعد العقبة الأولى وقبل العقبة الثانية، إلا ما كان من الأصيرم وهو عمرو بن ثابت من بني عبد الأشهل فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد فأسلم واستشهد، ولم يسجد لله سجدة، وأخبره صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة.

أكرم الأنصار المهاجرين وآووهم حباً وكرامة حتى قال المهاجرون: «يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أحسن بذلا في كثير، كفونا المؤنة وأشركونا في المهنة. أي الخدمة «حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله» قال: لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم لهم» أي فإن ثناءكم عليهم ودعاءكم لهم حصل منكم به نوع مكافأة.

عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَكَانَ وَاقِدٌ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ وَأَطْوَلِهِمْ. فَقَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ قُلْتُ: أَنَا واقد بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. قَالَ فَقَالَ: إِنَّكَ بِسَعْدٍ لَشَبِيهٌ. ثُمَّ بَكَى وَأَكْثَرَ الْبُكَاءَ. ثُمَّ قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ سَعْدًا. كَانَ سَعْدٌ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ وَأَطْوَلِهِمْ. ثُمَّ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ جَيْشًا إِلَى أُكَيْدِرِ دُومَةَ فَبَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ بِجُبَّةٍ مِنْ دِيبَاجٍ مَنْسُوجًا بِالذَّهَبِ فَلَبِسَهَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَجَعَلَ النَّاسُ يَمْسَحُونَهَا وَيَنْظُرُونَ إليها فقال [رسول الله. ص: أَتَعْجَبُونَ مَنْ هَذِهِ الْجُبَّةِ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْنَا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا. قَالَ: فو الله لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِمَّا تَرَوْنَ] . الطبقات الكبرى ط العلمية (3/ 333)

سعد في زيارة لشريكه المشرك امية بن خلف في مكة:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: انْطَلَقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا، قَالَ: فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ أَبِي صَفْوَانَ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّأْمِ، فَمَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، فَقَالَ أُمَيَّةُ، لِسَعْدٍ: انْتَظِرْ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ، وَغَفَلَ النَّاسُ انْطَلَقْتُ فَطُفْتُ، فَبَيْنَا سَعْدٌ يَطُوفُ إِذَا أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِي يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ؟ فَقَالَ سَعْدٌ: أَنَا سَعْدٌ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: تَطُوفُ بِالكَعْبَةِ آمِنًا، وَقَدْ آوَيْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَتَلاَحَيَا بَيْنَهُمَا، فَقَالَ أُمَيَّةُ لسَعْدٍ: لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الحَكَمِ، فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ الوَادِي، ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ لَأَقْطَعَنَّ مَتْجَرَكَ بِالشَّامِ، قَالَ: فَجَعَلَ أُمَيَّةُ يَقُولُ لِسَعْدٍ: لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ، وَجَعَلَ يُمْسِكُهُ، فَغَضِبَ سَعْدٌ فَقَالَ: دَعْنَا عَنْكَ «فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ»، قَالَ: إِيَّايَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ إِذَا حَدَّثَ فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمِينَ مَا قَالَ لِي أَخِي اليَثْرِبِيُّ، قَالَتْ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلِي، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى بَدْرٍ، وَجَاءَ الصَّرِيخُ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَمَا ذَكَرْتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ اليَثْرِبِيُّ، قَالَ: فَأَرَادَ أَنْ لاَ يَخْرُجَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ الوَادِي فَسِرْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، فَسَارَ مَعَهُمْ، فَقَتَلَهُ اللَّهُ. صحيح البخاري (4/ 205)

 

 

 

عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ»، صحيح البخاري (5/ 35)

 

عَنْ مُعَاذِ بْنِ سَعْدٍ أَوْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، أَخْبَرَهُ: أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا بِسَلْعٍ، فَأُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْهَا، فَأَدْرَكَتْهَا فَذَبَحَتْهَا بِحَجَرٍ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «كُلُوهَا» صحيح البخاري (7/ 92)

 

آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي عبيدة وبين سعد بن معاذ.

أن لواء المهاجرين كان مع علي بن أبي طالب أو مصعب بن عمير، ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر، ولواء الأوس مع سعد بن معاذ.

والمعروف أن سعد بن معاذ كان على حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش يوم بدر

قبيل غزوة بدر:

فقال أشيروا عليّ أيها الناس ففهمت الأنصار أنه يعنيهم، وذلك لأنهم عدد الناس: أي أكثرهم عددا ومن ثم قيل: وإنما كرر رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستشارة: أي في ذلك المجلس ليعرف حال الأنصار، فإنه تخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه أي جاءه على حين غفلة بالمدينة من عدوه وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم عملا بظاهر قولهم له صلى الله عليه وسلم حين بايعوه عند العقبة «يا رسول الله إناء براء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا، فإذا وصلت إليها فأنت في ذمتنا، نمنعك بما نمنع به أبناءنا ونساءنا، ومن ثم قال له سعد بن معاذ سيد الأوس: لعلك تريدنا معاشر الأنصار يا رسول الله، فقال أجل قال قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، زاد في رواية ولعلك يا رسول الله تخشى أن تكون الأنصار ترى عليها أن لا ينصروك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار، وأجيب عنهم، فاظعن حيث شئت، وصل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت. وفي لفظ وصل جبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وسالم من شئت، وعاد من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا وإنا لصبر في الحرب، صدق اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك. وفي لفظ: بعض ما تقربه عينك فسر بنا على بركة الله تعالى، فنحن عن يمينك وشمالك وبين يديك ومن خلفك، فسر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، أي وأشرق وجهه بقول سعد ونشطه ذلك، ثم قال صلى الله عليه وسلم: سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، أي وهما عير قريش ومن خرج من مكة من قريش يريد حماية ذلك العير «فوالله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم» أي فقد أعلمه الله تعالى بعد وعده بذلك الظفر بالطائفة الثانية، وأراه مصارعهم فعلم القوم أنهم ملاقون القتال وأن العير لا تحصل لهم.

إقتراح سعد لمركز القيادة:

وقال سعد بن معاذ: يا نبي الله ألا نبني عريشا» أي وهو شيء كالخيمة من جريد يستظل به «تكون فيه ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله تعالى وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا، فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبا منهم ولا أطوع لك منهم، لهم رغبة في الجهاد ونية، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك، إنما ظنوا أنها العير يمنعك الله بهم ويناصحونك ويجاهدون معك، فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير، أي وقال: أو يقضي الله خيرا من ذلك يا سعد أي وهو نصرهم وظهورهم على عدوهم ثم بني» أي ذلك العريش «لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي فوق تل مشرف على المعركة كان فيه» .

ووقف أبو بكر وسعد بن معاذ قائمين على باب العريش في نفر من الأنصار.

في التعاطي مع أسرى بدر:

أن سعد بن معاذ كره ذلك قبل عمر، فقد تقدم أن المسلمين لما وضعوا أيديهم يأسرون رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ فوجد في وجهه الكراهية لما يصنع القوم.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم، قال أجل والله يا رسول الله كانت أول وقعة أوقعها الله تعالى بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل أحب إليّ من استبقاء الرجال، ومن ثم قال «لو نزل عذاب لم يفلت منه إلا ابن الخطاب وسعد بن معاذ» . وفيه أن ابن رواحة كرهه بل أشار بإحراقهم بالنار. فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)} [الأنفال: 67، 68].

غزوة أحد:

تحركت قريش من مكة بثلاثة آلاف رجل فبث رسول الله صلى الله عليه وسلم العيون، وحرست المدينة، وبات سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة وعليهم السلاح في المسجد بباب رسول الله حتى أصبحوا. وفي اليوم التالي:

صلى النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة بالناس ثم وعظهم وأمرهم بالجد والاجتهاد وأخبرهم أن لهم النصرة ما صبروا، وأمرهم بالتهيؤ لعدوّهم، ففرح الناس بذلك، ثم صلّى بالناس العصر وقد حشدوا: أي اجتمعوا؛ وقد حضر أهل العوالي ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فعمماه وألبساه، وصف الناس ينتظرون خروجه صلى الله عليه وسلم، فقال لهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير: استكرهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج فردّوا الأمر إليك، أي فما أمركم به وما رأيتم له فيه هوى ورأيا فأطيعوه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد لبس لأمته وظاهر بين درعين أي لبس درعا فوق درع،

وتقلد صلى الله عليه وسلم السيف، وألقى الترس في ظهره، أي وفي رواية: فركب صلى الله عليه وسلم فرسه السكب، وتقلد القوس، وأخذ قناته بيده، أي ولا مانع أن يكون جمع بين ذلك، فقالوا له: ما كان لنا أن نخالفك. ولا نستكرهك على الخروج فاصنع ما شئت. وفي رواية: فإن شئت فاقعد، أي وقال: قد دعوتكم إلى القعود فأبيتم وما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه، أي وفي رواية: حتى يقاتل.

أن عبد الله بن أبي ابن سلول رجع معه ثلاثمائة، فبقي سبعمائة من أصحابه صلى الله عليه وسلم منهم مائة دارع. وخرج السعدان أمامه صلى الله عليه وسلم يعدوان: سعد بن معاذ وسعد بن عبادة دارعين.

على أثر أحد:

وجاءت أم سعد بن معاذ تعدو نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على فرسه وسعد بن معاذ آخذ بلجامها. فقال له سعد: يا رسول الله أمي؛ فقال صلى الله عليه وسلم: مرحبا بها، فوقف لها، فدنت حتى تأملت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنها عمرو بن معاذ. فقالت: أما إذا رأيتك سالما فقد اشتويت المصيبة: أي استقليتها؛ ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل من قتل بأحد: أي بعد أن قال لأم سعد: يا أم سعد أبشري، وبشري أهلهم أن قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعا، وقد شفعوا في أهلهم جميعا، قالت: رضينا يا رسول الله، ومن يبكي عليهم بعد هذا؟!. ثم قالت: يا رسول الله ادع لمن خلفوا. فقال: اللهم أذهب حزن قلوبهم، واجبر مصيبتهم، وأحسن الخلف على من خلفوا.

وسمع صلى الله عليه وسلم نساء الأنصار يبكين على أزواجهنّ، أي وأبنائهنّ وإخوانهنّ. فقال:

حمزة لا بواكي له، أي وبكى صلى الله عليه وسلم، ولعله رضي الله عنه لم يكن له بالمدينة لا زوجة ولا بنت، فأمر سعد بن معاذ نساءه ونساء قومه أن يذهبن إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكين حمزة بين المغرب والعشاء. أي وكذلك أسيد بن حضير أمر نسائه ونساء قومه أن يذهبن إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكين حمزة.

أي ولما جاء صلى الله عليه وسلم بيته حمله السعدان وأنزلاه عن فرسه ثم اتكأ عليهما حتى دخل بيته، ثم أذن بلال لصلاة المغرب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل تلك الحال يتوكأ على السعدين، فصلى صلى الله عليه وسلم، فلما رجع من المسجد من صلاة المغرب سمع البكاء، فقال: ما هذا؟ فقيل نساء الأنصار يبكين حمزة، فقال: رضي الله عنكن وعن أولادكن، وأمر أن تردّ النساء إلى منازلهن.

-وأعطى صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ سيف بن أبي الحقيق أحد سادات بني النضير وكان سيفا له ذكر عندهم.

مصالحة بين سيدي الأوس والخزرج:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث أياما. ثم أخذ بيد سعد بن معاذ في نفر حتى دخل على سعد بن عبادة فتحدثوا ساعة وقرّب لهم سعد بن عبادة طعاما فأصابوا منه ثم انصرفوا، فمكث أياما ثم أخذ بيد سعد بن عبادة في نفر فانطلقوا حتى دخلوا منزل سعد بن معاذ فتحدثوا ساعة وقرّب لهم سعد بن معاذ طعاما فأصابوا منه، ثم خرجوا، فذهب من أنفسهم ما كان،

السعدان وابن رواحة في التقصي عن بني قريظة: راجع الجلسة الأخيرة لسعد بن عبادة.

تصفية أعدى اعداء الله، باستشارة سعد: فَخرج مُحَمَّد بْن مسلمة وَمَعَهُ أَرْبَعَة نفر أَبُو عبس بْن جبر وَعباد بْن بشر بْن وقش وَأَبُو نائلة سلكان بْن سَلامَة بْن وقش والْحَارث بْن أَوْس بْن معَاذ بن أخي سعد بْن معَاذ فَانْتَهوا إِلَى كَعْب بْن الْأَشْرَف وَهُوَ فِي أَطَم من آطام الْمَدِينَة فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ إِن مُحَمَّدًا يَأْخُذ صَدَقَة أموالننا وَأَرَادَ المَال مِنْهُ ثمَّ قَالَ لَهُ أَتَيْتُك أستسلفك فأرهن السِّلَاح ثمَّ جَاءَ يغمر رَأسه فَلَمَّا استكمن مِنْهُ ضربه وضربوه حَتَّى قتل واحتزوا رَأسه وَجَاءُوا بِهِ إِلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

في غزوة الخندق:

لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة الأمر بعث إلى عيينة بن حصن الفزاري وإلى الحارث بن عوف المري في أن يقطعهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه. فجاآ مستخفيين من أبي سفيان فوافقاه على ذلك، أي بعد أن طلبا النصف فأبى عليهما إلا الثلث، فرضيا وكتبا بذلك صحيفة.

أحضرت الصحيفة والدواة ليكتب عثمان بن عفان رضي الله عنه الصلح. فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوقع الصلح على ذلك، بعث إلى سعد ابن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما، فذكر لهما ذلك واستشارهما فيه، فقالا: يا رسول الله أمرا تحبه فتصنعه، أم شيئا أمرك الله به لا بدّ لنا من العمل به، أم شيئا تصنعه لنا؟ أي وفي لفظ: إن كان أمرا من السماء فامض له، وإن كان أمرا لم تؤمر به ولك فيه هوى فسمع وطاعة، وإن كان إنما هو الرأي، فما لهم عندنا إلا السيف.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أمرني الله ما شاورتكما، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر شوكتهم إلى أمرّ ما. فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم:

أي غطفان على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منا ثمرة إلا قرى أو بيعا، أي وإن كانوا ليأكلون العلهز في الجاهلية من الجهد، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نقطعهم أموالنا. أي وفي لفظ: نعطي الدنية ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنت وذاك. فأخذ سعد الصحيفة فمحى ما فيها من الكتابة. أي وهذا إنما يناسب الرواية الأولى، وكذا ما جاء في لفظ. «فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شق الكتاب، فشقه سعد، وقال لعيينة والحارث: ارجعا بيننا وبينكم السيف رافعا صوته. ثم قال لسعد ليجهدوا علينا» .

سعد وسعد وابن رواحة يتقصون خبر بني قريظة:

غزوة الأحزاب(الخندق):

أخلف كعب بن أسد القرظي العهد الذي قطعه يهود المدينة والحلف مع رسول الله بعد أن اكثر عليه حيي بن أخطب وزين له النكث بالعهد والتآمر مع قريش والقبائل التي قدمت لحصار المدينة والمسلمين.

انتهى الى رسول الله ص الخبر والى المسلمين، بعث رسول الله ص سَعْدَ بْنَ مُعَاذِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ أَحَدَ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الأَوْسِ- وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمٍ، أَحَدَ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ- وَمَعْهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَخَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَنْظُرُوا: أَحَقٌّ مَا بَلَغَنَا عن هَؤُلاءِ الْقَوْمِ أَمْ لا؟ فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَالْحِنُوا لِي لَحْنًا نَعْرِفُهُ، وَلا تَفُتُّوا فِي أَعْضَادِ النَّاسِ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى الْوَفَاءِ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْهَرُوا بِهِ لِلنَّاسِ.

فَخَرَجُوا حَتَّى أَتَوْهُمْ فَوَجَدُوهُمْ عَلَى أَخْبَثِ مَا بَلَغَهُمْ عَنْهُمْ، ونالوا من رسول الله ص، وَقَالُوا: لا عَقْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ وَلا عَهْدَ.

فَشَاتَمَهُمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَشَاتَمُوهُ، وَكَانَ رجلا فيه حد، فقال له سعد ابن مُعَاذٍ: دَعْ عَنْكَ مُشَاتَمَتَهُمْ، فَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَرْبَى مِنَ الْمُشَاتَمَةِ.

ثُمَّ أَقْبَلَ سَعْدٌ وَسَعْدٌ ومن معهما الى رسول الله ص فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالُوا: عَضَلٌ وَالْقَارَّةُ أَيْ كَغَدْرِ عَضَلٍ وَالْقَارَّةِ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابِ الرَّجِيعِ، خُبَيْبِ بْنِ عدى واصحابه [فقال رسول الله ص: اللَّهُ أَكْبَرُ! أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ،] وَعَظُمَ عِنْدَ ذَلِكَ الْبَلاءُ، وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ، وَأَتَاهُمْ عَدُّوهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ حَتَّى ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ كُلَّ ظَنٍّ، وَنَجَمَ النِّفَاقُ مِنْ بَعْضِ المنافقين، … فَأَقَامَ رَسُولُ الله ص، وَأَقَامَ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْقَوْمِ حَرْبٌ إِلا الرَّمْيُ بِالنَّبْلِ وَالْحِصَارُ. إلى أن فرّج الله تعالى عن المسلمين بالنصر ورجع الأحزاب خائبين.

إصابة سعد:

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْتُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَقْفُو آثَارَ النَّاسِ فَسَمِعْتُ وَئِيدَ الأَرْضِ وَرَائِي. تَعْنِي حِسَّ الأَرْضِ. فَالْتَفَتُ فَإِذَا أَنَا بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ يَحْمِلُ مِجَنَّهُ. فَجَلَسْتُ إِلَى الأَرْضِ. قَالَتْ فَمَرَّ سَعْدٌ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:

لَبِّثْ قَلِيلا يُدْرِكُ الْهَيْجَا حَمَلْ … مَا أَحْسَنَ الْمَوْتَ إِذَا حَانَ الأَجَلْ!

قَالَتْ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهُ أَطْرَافُهُ فَأَنَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أَطْرَافِ سَعْدٍ. وَكَانَ سَعْدٌ مِنْ أَطْوَلِ الناس وأعظمهم. قَالَتْ فَقُمْتُ فَاقْتَحَمْتُ حَدِيقَةً فَإِذَا فِيهَا نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. رَحِمَهُ اللَّهُ. وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ تَسْبِغَةٌ لَهُ.. تَعْنِي الْمِغْفَرَ. قَالَتْ فَقَالَ لِي عُمَرُ: مَا جَاءَ بك؟ والله إنك لجرئة. وَمَا يُؤْمِنُكِ أَنْ يَكُونَ تَحَوُّزٌ أَوْ بَلاءٌ؟ قَالَتْ فَمَا زَالَ يَلُومُنِي حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنَّ الأَرْضَ انْشَقَّتْ سَاعَتَئِذٍ فَدَخَلْتُ فِيهَا.

قَالَتْ فَرَفَعَ الرَّجُلُ التَّسْبَغَةَ عَنْ وَجْهِهِ فَإِذَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ. قَالَتْ فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا عُمَرُ إِنَّكَ قَدْ أَكْثَرْتَ مُنْذُ الْيَوْمِ. وَأَيْنَ التَّحَوُّزُ أَوِ الْفِرَارُ إِلا إِلَى اللَّهِ؟ قَالَتْ وَيَرْمِي سَعْدًا رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرِقَةِ بِسَهْمٍ فَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ! فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ .( وهو عرق في الذراع تتشعب منه عروق البدن، ولعله محل الفصد الذي يقال له المشترك، أي ويقال لهذا العرق عرق الحياة.). فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال: عرّق الله وجهه في النار.

فَدَعَا اللَّهَ سَعْدٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لا تُمِتْنِي حَتَّى تَشْفِيَنِي مِنْ قُرَيْظَةَ. وَكَانُوا مَوَالِيهِ وَحُلَفَاءَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَتْ فَرَقَأَ كَلْمُهُ. تَعْنِي جُرْحَهُ. وَبَعَثَ اللَّهُ. تَبَارَكَ وَتَعَالَى. الرِّيحَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا. فَلَحِقَ أَبُو سُفْيَانَ بِمَنْ مَعَهُ بِتِهَامَةَ. وَلَحِقَ عُيَيْنَةُ بِمَنْ معه بنجد. ورجعت قُرَيْظَةَ فَتَحَصَّنُوا فِي صَيَاصِيهِمْ. وَرَجَعَ رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَمَرَ بِقُبَّةٍ فَضُرِبَتْ عَلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَتْ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَعَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ فَقَالَ: أَقَدْ وَضَعْتَ السلاح؟ فو الله مَا وَضَعَتِ الْمَلائِكَةُ السِّلاحَ بَعْدُ. اخْرُجْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَاتِلْهُمْ. قَالَتْ فَلَبِسَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لأْمَتَهُ وَأَذَّنْ فِي الناس بالرحيل. قَالَتْ فَلَبِسَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –

عَلَى بَنِي غَنْمٍ وَهُمْ جِيرَانُ الْمَسْجِدِ فَقَالَ لَهُمْ: مَنْ مَرَّ بِكُمْ؟ قَالُوا: مَرَّ بِنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ. وَكَانَ دِحْيَةُ تُشْبِهُ لِحْيَتُهُ وسنة وجهه بجبريل. ع. قالت فأتاهم رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَحَاصَرَهُمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً. فَلَمَّا اشْتَدَّ حَصْرُهُمْ وَاشْتَدَّ الْبَلاءُ عَلَيْهِمْ قِيلَ لَهُمُ انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَاسْتَشَارُوا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنَّهُ الذَّبْحُ. فَقَالُوا: نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ:

انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِلَى سَعْدٍ فَحُمِلَ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ إِكَافٌ مِنْ لِيفٍ وَحَفَّ به قومه فجعلوا يقولون: يا أبا عمرو حُلَفَاؤُكَ وَمَوَالِيكَ وَأَهْلُ النِّكَابَةِ وَمَنْ قَدْ عَلِمْتَ. وَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا. حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ دُورِهِمُ الْتَفَتَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: قَدْ أَنَى لِي أَنْ لا أُبَالِيَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: فَلَمَّا طَلَعَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم -[قَالَ: قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ فَأَنْزِلُوهُ. فَقَالَ عُمَرُ: سَيِّدُنَا اللَّهُ. فَقَالَ: أَنْزِلُوهُ. فَأَنْزَلُوهُ فَقَالَ لَهُ رسول الله. ص: احْكُمْ فِيهِمْ] .

قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ. [فَقَالَ رسول الله. ص: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ رَسُولِهِ] . قَالَتْ ثُمَّ دَعَا اللَّهَ سَعْدٌ فَقَالَ:

اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ عَلَى نَبِيِّكَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا فَأَبْقِنِي لَهَا. وَإِنْ كُنْتَ قَطَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ. قَالَتْ فَانْفَجَرَ كَلْمُهُ وَقَدْ كَانَ بَرَأَ حَتَّى مَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ إِلا مِثْلَ الْخَرْصِ. وَرَجَعَ إِلَى قُبَّتِهِ الَّتِي ضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَتْ فَحَضَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. قالت فو الذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لأَعْرِفُ بُكَاءَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بُكَاءِ عُمَرَ وَأَنَا فِي حُجْرَتِي. وكانوا كما قال رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ. قَالَ فَقُلْتُ: فَكَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَصْنَعُ؟ قَالَتْ: كَانَتْ عَيْنُهُ لا تَدْمَعُ عَلَى أَحَدٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ إِذَا وَجَدَ فَإِنَّمَا هُوَ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ.

وقيل: فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَأَتَاهُ مَلَكٌ. أَوْ قَالَ جِبْرِيلُ. حِينَ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ: مَنْ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِكَ مَاتَ اللَّيْلَةَ اسْتَبْشَرَ بِمَوْتِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ؟ قَالَ: لا أَعْلَمُ إِلا أَنَّ سَعْدًا أَمْسَى دَنِفًا. مَا فَعَلَ سَعْدٌ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قُبِضَ. وَجَاءَهُ فَاحْتَمَلُوهُ إِلَى دِيَارِهِمْ. قَالَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الصُّبْحَ ثُمَّ خَرَجَ وَمَعَهُ النَّاسُ فَبَتَّ النَّاسَ مَشْيًا حَتَّى إِنَّ شُسُوعَ نِعَالِهِمْ لَتَنْقَطِعُ مِنْ أَرْجُلِهِمْ وَإِنَّ أَرْدِيَتَهُمْ لَتَقَعُ عَنْ عَوَاتِقِهِمْ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: [يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَتَتَّ النَّاسَ. قَالَ فَقَالَ: إِنِّي أَخْشَى أَنْ تَسْبِقَنَا إِلَيْهِ الْمَلائِكَةُ كَمَا سَبَقَتْنَا إِلَى حَنْظَلَةَ] .

ولما بكت ام سعد ابنها أنشدت: وَيْلُ أُمِّ سَعْدٍ سَعْدَا … بَرَاعَةً وَنَجْدًا

بَعْدَ أَيَادٍ يَا لَهُ وَمَجْدَا … مُقَدَّمًا سَدَّ بِهِ مَسَدَّا

[فقال رسول الله. ص: كُلُّ الْبَوَاكِي يَكْذِبْنَ إِلا أُمَّ سَعْدٍ] .

وانفجر جرح سعد بن معاذ، أي الذي في يده وسال الدم واحتضنه صلى الله عليه وسلم فجعلت الدماء تسيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات منه وحمل إلى منزله ولم يعلم صلى الله عليه وسلم بموته، فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم من الليل معتجرا بعمامة من استبرق، فقال: يا محمد من هذا العبد الصالح، وفي لفظ: من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش؟ وفي رواية عرش الرحمن: أي فتحت أبواب السماء لصعود روحه، واهتز العرش: أي تحرك فرحا بذلك. وقال النووي: اهتزاز العرش هو فرح الملائكة بقدوم روحه.

وفيه أن هذا لا يحتاج إليه إلا لو كان تحرك العرش مستحيلا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا يجر ثوبه إلى سعد بن معاذ فوجده قد مات.

وعن سلمة بن أسلم بن حريش رضي الله عنه. قال «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في البيت أحد إلا سعدا مسجى، فرأيته يتخطى وأومأ صلى الله عليه وسلم إليّ قف، فوقفت ورددت من ورائي وجلس صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم خرج فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيت أحدا ورأيتك تتخطى، فقال: ما قدرت على مجلس حتى قبض لي ملك من الملائكة أحد جناحيه» .

ولما حملوا نعش سعد رضي الله عنه، وكان جسيما وجدوا له خفة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن له حملة غيركم؛ أي من الملائكة؛ لقد نزل سبعون ألف ملك شهدوا سعدا: أي جنازته؛ ومنهم جملة ما وطؤوا الأرض إلا يومهم هذا.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال: كنت ممن حفر لسعد رضي الله عنه قبره؛ فكان يفوح علينا المسك؛ كلما حفرنا قبره من تراب.

وجاء «لو كان أحد ناجيا من ضمة القبر لنجا منها سعد ضم ضمة؛ ثم فرج الله عنه» وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال «لما دفن سعد رضي الله عنه ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبح الناس معه؛ ثم كبر فكبر الناس معه؛ فقالوا: يا رسول الله لم سبحت؛ أي وكبرت؟ قال: لقد تضايق على هذا العبد الصالح قبره حتى فرجه الله عنه» .

وجاء «إن بعض أهل سعد رضي الله عنه سئل: ما بلغكم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم» أي في سبب تضايق القبر على سعد كما يرشد إليه جوابهم بقولهم، فقالوا: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك، فقال: كان يقصر في بعض الطهور من البول بعض التقصير» وهذا قد يخالف ما في الخصائص الصغرى: وخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لا يضغط في قبره وكذلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولم يسلم من الضغطة صالح ولا غيره سواهم، وكذا ما في التذكرة للقرطبي إلا فاطمة بنت أسد ببركته صلى الله عليه وسلم، أي حيث اضطجع صلى الله عليه وسلم في قبرها. ويحتاج للجمع بينه وبين ما في الخصائص.

وجاء عن عائشة رضي الله عنها «أنها قالت: يا رسول الله ما انتفعت بشيء منذ سمعتك تذكر ضغطة القبر وضمته، فقال: يا عائشة إن ضغطة القبر على المؤمن كضمة الأم الشفيقة يديها على رأس ابنها يشكو إليها الصداع، وضرب منكر ونكير عليه كالكحل في العين، ولكن يا عائشة ويل للشاكين الكفارين، أولئك الذين يضغطون في قبورهم ضغطا يقبض على الصخر» أي وحينئذ يكون المراد بالمؤمن الذي هذا شأنه الذي لم يحصل منه تقصير.

وبعث صاحب دومة الجندل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبة من سندس كما سيأتي، فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم يعجبون من تلك الجبة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن» يعني من هذا، ومن المعلوم أن المنديل أدنى الثياب، لأنه معد للامتهان، فثيابه رضي الله عنه في الجنة أعلى وأغلى. وقد وهب صلى الله عليه وسلم تلك الجبة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه،

وضعه عليه السلام سعد بن معاذ في المسجد حين جرح يوم الخندق

عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيسٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَنَحْنُ عَلَى الْبَابِ نُرِيدُ أَنْ نَدْخُلَ عَلَى أَثَرِهِ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَمَا فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلا سَعْدٌ مُسَجًّى. قَالَ فَرَأَيْتُهُ يَتَخَطَّى فَلَمَّا رَأَيْتُهُ وَقَفْتُ. وَأَوْمَأَ إِلَيَّ: قِفْ. فَوَقَفْتُ وَرَدَدْتُ مَنْ وَرَائِي. وَجَلَسَ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا وَقَدْ رَأَيْتُكَ تتخطى. [فقال رسول الله. ص: مَا قَدَرْتُ عَلَى مَجْلِسٍ حَتَّى قَبَضَ لِي مَلَكٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ أَحَدَ جَنَاحَيْهِ فَجَلَسْتُ. وَرَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: هَنِيئًا لك يا أَبَا عَمْرٍو.

هَنِيئًا لَكَ أَبَا عَمْرٍو. هَنِيئًا لك أبا عَمْرٍو] .

عَنْ نَافِعٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ شَهِدَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَمْ يَنْزِلُوا إِلَى الأرض. [وقال رسول الله. ص: لَقَدْ ضُمَّ صَاحِبُكُمْ ضَمَّةً ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ] .

لَمَّا دَفَنَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – سَعْدًا قَالَ: [لَوْ نَجَا أَحَدٌ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ لَنَجَا سَعْدٌ. وَلَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً اخْتَلَفَتْ مِنْهَا أَضْلاعُهُ مِنْ أَثَرِ الْبَوْلِ] .

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَمْشِي أَمَامَ جَنَازَةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ.

و عَنْ شُيُوخٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حَمَلَ جَنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ مِنْ بَيْتِهِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ حَتَّى خَرَجَ بِهِ مِنَ الدَّارِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَالدَّارُ تَكُونُ ثَلاثِينَ ذِرَاعًا.

وَطَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْنَا فَوَضَعَهُ عِنْدَ قَبْرِهِ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ. فَلَقَدْ رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ مَا ملأ البقيع.

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا انْتَهَوْا إِلَى قَبْرِ سَعْدٍ نَزَلَ فِيهِ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ: الْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ وَأَبُو نَائِلَةَ سِلْكَانُ بْنُ سَلامَةَ وَسَلَمَةُ بْنُ سَلامَةَ بْنِ وَقْشٍ. وَرَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَاقِفٌ عَلَى قَدَمَيْهِ. فَلَمَّا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ تَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَسَبِّحَ ثَلاثًا فَسَبَّحَ الْمُسْلِمُونَ ثَلاثًا حَتَّى ارْتَجَّ الْبَقِيعُ. ثُمَّ كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ثَلاثًا وَكَبَّرَ أَصْحَابُهُ ثَلاثًا حَتَّى ارْتَجَّ الْبَقِيعُ بِتَكْبِيرِهِ.

فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَا بِوَجْهِكَ تَغَيُّرًا وَسَبَّحْتَ ثَلاثًا. [قَالَ: تَضَايَقَ عَلَى صَاحِبِكُمْ قَبْرُهُ وَضُمَّ ضَمَّةً لَوْ نَجَا مِنْهَا أَحَدٌ لَنَجَا سَعْدٌ مِنْهَا ثُمَّ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ] .

خاتمة:

جاء في الحديث: «لكل نبي خليل من أمته، وإن خليلي أبو بكر، وإن الله اتخذ صاحبكم خليلا» وفي رواية «وإن خليلي عثمان بن عفان» وجاء «لكل نبي خليل، وخليلي سعد بن معاذ» .

كَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رَجُلا أَبْيَضَ. طُوَالا. جَمِيلا. حَسَنَ الْوَجْهِ. أَعْيَنَ. حَسَنَ اللِّحْيَةِ. فَرُمِيَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فَمَاتَ مِنْ رَمْيَتِهِ تِلْكَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ سَبْعٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً. فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ.

لَمَّا أَجْمَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى تَدْوِينِ الدِّيوَانِ وَذَلِكَ فِي الْمُحْرِمِ سَنَةَ عِشْرِينَ بَدَأَ بِبَنِي هَاشِمٍ فِي الدَّعْوَةِ. ثُمَّ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ بِرَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَكَانَ الْقَوْمُ إِذَا اسْتَوَوْا فِي الْقَرَابَةِ بِرَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَدَّمَ أَهْلَ السَّابِقَةِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الأَنْصَارِ فَقَالُوا: بِمَنْ نَبْدَأُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: ابْدَءُوا بِرَهْطِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الأَشْهَلَيِّ ثُمَّ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ.