عبد الله ابن عمرو بن العاص

رضي الله عنهما

أبو محمد، عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وائل بن هاشم بن سَعِيد بْن سهم. وأمه رَيْطَةَ بِنْت مُنَبِّهِ بْن الْحَجَّاجِ بْن عَامِرِ بْن حُذَيْفة بْن سعد بْن سهم. وأمها من خثعم. أسلمت امه يوم الفتح وَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَبَايَعَتْهُ.
وكان لعبد الله ابْن عَمْرو من الولد مُحَمَّد وبه كان يكنى وأمه بِنْت محمية بْن جزء الزُّبَيْديّ. وهشام وهاشم وعمران وأم أياس وأم عبد الله وأم سَعِيد وأمهم أم هاشم الكندية من بني وهب بن الحارث.
قيل أن عَبْد الله ابن عَمْرو أسلم قبل أَبِيهِ. وكان خيّرًا فاضلًا.
كان رَجُلاً أَحْمَرَ عَظِيمَ الْبَطْنِ طُوَالا. ورؤي وهو يَعْتَمُّ بِعِمَامَةِ حَرْقَانِيَّةٍ وَيُرْخِيهَا شبرا وأقل من شبر.
ولما كبرت سنه أبقى عَبْد اللَّهِ ابْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ على شيبته فرؤي أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ.
وطَافَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَمْرٍو بالبيت بعد ما عَمِيَ.
كَانَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَمْرٍو يَأْتِي الْجُمُعَةَ مِنَ الْمَغْمَسِ فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَرْتَفِعُ إِلَى الْحِجْرِ فَيُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. ثُمَّ يَقُومُ فِي جَوْفِ الْحِجْرِ فَيَجْلِسُ إِلَيْهِ النَّاسُ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَمْرٍو: لَوَدِدْتُ أَنِّي هَذِهِ السَّارِيَةُ.
رُبَّمَا ارتجز عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بسيفه في الحرب.
كَانَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَمْرٍو إِذَا جَلَسَ لَمْ تَنْطِقْ قُرَيْشٌ. قَالَ فَقَالَ يَوْمًا: كَيْفَ أَنْتُمْ بِخَلِيفَةٍ يَمْلِكُكُمْ لَيْسَ هُوَ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: فَأَيْنَ قريش يومئذ؟ قال: يفنيها السيف.
ووقف بمَنْزِلَه في الحج قَرِيبٌ مِنْ ثَلاثِمِائَةِ رَاحِلَةٍ. حَجَّ عليها عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَمْرٍو هُوَ وَمَوَالِيهِ وَأَحِبَّاؤُهُ. وكَانَ يَضْرِبُ فُسْطَاطَهُ فِي الْحِلِّ وَيَجْعَلُ مُصَلاهُ فِي الْحَرَمِ فَقِيلَ لَهُ: لَمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ قَالَ: لأَنَّ الأَحْدَاثَ فِي الْحَرَمِ أَشَدُّ مِنْهَا فِي الْحِلِّ.
والْتَقَى كَعْبُ الأَحْبَارِ وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَمْرٍو فَقَالَ كَعْبٌ: أَتَطَيَّرُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ اللَّهُمَّ لا طَيْرَ إِلا طَيْرُكَ وَلا خَيْرَ إِلا خَيْرُكَ وَلا رَبَّ غَيْرُكَ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِكَ. فَقَالَ: أَنْتَ أَفْقَهُ الْعَرَبِ. إِنَّهَا لَمَكْتُوبَةٌ فِي التَّوْرَاةِ كَمَا قُلْتَ.
كان عَبْد اللَّهِ ابْنَ عَمْرٍو يَقْرَأُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ: عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صِفَةِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي التَّوْرَاةِ فَقَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ مَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِصِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً» الأحزاب: 45. وَهِيَ فِي التَّوْرَاةِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ. أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ. لَيْسَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ وَلا صَخَّابٍ بِالأَسْوَاقِ. وَلا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ. وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ. وَلَنْ أَقْبِضَهُ حَتَّى أُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ. بِأَنْ يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. فَيَفْتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا. وَآذَانًا صُمًّا. وَقُلُوبًا غُلْفًا. بِأَنْ يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ.
عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)} [البقرة: 159، 160]، قَالَ: هُمُ الْيَهُودُ كَتَمُوا مُحَمَّدًا – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ. قَالَ: «وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ» قَالَ: مِنْ مَلائِكَةِ اللَّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ.
أول من كتب الحديث عن رسول الله وبإذن منه عليه الصلاة والسلام:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرٍو قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي كتاب مَا سَمِعْتُ مِنْهُ. قَالَ فَأَذِنَ لِي فَكَتَبْتُهُ. فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُسَمِّي صَحِيفَتَهُ تِلْكَ الصَّادِقَةَ. وعنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ أَحَادِيثَ أَحَبُّ أَنْ أَعِيَهَا فَأَسْتَعِينُ بِيَدِي مَعَ قَلْبِي. يَعْنِي أَكْتُبُهَا. قَالَ: نَعَمْ] .
وعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: رَأَيْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ صَحِيفَةً فَسَأَلْتُ عَنْهَا فَقَالَ: هَذِهِ الصَّادِقَةُ! فِيهَا مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِيهَا أَحَدٌ.
تشديده على نفسه في العبادة:
وعن أبي سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ [لي رسول الله. ص: يَا عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ عَمْرٍو لا تَكُنْ مِثْلَ فُلانٍ. كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ] .
وعنه رضي الله عنه قال: أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِنِّي أَقُولُ لأَصُومَنَّ الدَّهْرَ وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ [فَقَالَ لِي رسول الله. ص: أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ؟ قَالَ: قَدْ قُلْتُ ذَلِكَ يَا رسول الله. فقال رسول الله. ص: إِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فَأَفْطِرْ وَصُمْ وَنَمْ وَقُمْ. يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرٍو بَلَغَنِي أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ فَلا تَفْعَلْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَظًّا (أو حقا) وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَظًّا (وَإِنَّ لزورك عَلَيْكَ حَقًّا). وَإِنَّ لِعَيْنَيْكَ عَلَيْكَ حَظًّا. صُمْ وَأَفْطِرْ. صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةً فَذَلِكَ صَوْمُ الدَّهْرِ.. (وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ). قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَجِدُ بِي قُوَّةً. قَالَ: صُمْ صَوْمَ دَاوُدَ. صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا. قَالَ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: لا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ: فَيَا لَيْتَنِي أَخَذْتُ بِالرُّخْصَةِ] .
عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَمْرٍو لما أسن ليتني أَخَذْتُ بِرُخْصَةِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ وَكَانَ مِنْ تِلْكَ الأَيَّامِ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَدَعَاهُ عَمْرٌو فَقَالَ: هَلُمَّ إِلَى الْغَدَاءِ. قَالَ: إِنِّي صَائِمٌ. قَالَ: لَيْسَ لَكَ ذَلِكَ لأَنَّهَا أَيَّامُ أَكَلٍ وَشُرْبٍ. قَالَ وَسَأَلَهُ: كَيْفَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: أَقْرَأَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ. قَالَ: أَفَلا تَقْرَأُهُ فِي كُلِّ عَشْرٍ؟ قَالَ: أَنَا أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ سِتٍّ.
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ. قَالَ فَقُلْتُ: أَيُّ شَيْءٍ تَقْرَأُ؟ قَالَ: جُزْئِي الَّذِي أَقُومُ بِهِ اللَّيْلَةَ.
كتب بين يدي عمر بن الخطاب الخليفة: حين طعن عمر سقي لبناً فخرج اللبن من جرحه فعلم الطبيب أن الجرح قاتل فَقَالَ لعمر: مَا أَرَى أَنْ تُمْسِيَ فَمَا كُنْتَ فَاعِلا فَافْعَلْ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ ابن عمرو نَاوِلْنِي الْكَتِفَ فَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُمْضِيَ مَا فِيهَا أَمْضَاهُ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرُ: أَنَا أَكْفِيكَ مَحْوَهَا. فَقَالَ: لا وَاللَّهِ لا يَمْحُوهَا أَحَدٌ غَيْرِي. فَمَحَاهَا عُمَرُ بِيَدِهِ وَكَانَ فِيهَا فَرِيضَةُ الْجَدِّ.
في فتنة صفين ومقتل عمار بن ياسر:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: إِنَّنِي لأَسِيرُ مَعَ مُعَاوِيَةَ فِي مُنْصَرَفِهِ عَنْ صِفِّينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَمْرٍو: يَا أَبَتِ [سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ لِعَمَّارٍ وَيْحَكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ؟] قَالَ: فَقَالَ عَمْرُو لِمُعَاوِيَةَ: أَلا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا تَزَالُ تَأْتِينَا بِهَنَةٍ تَدْحَضُ بِهَا فِي بَوْلِكَ. أَنَحْنُ قتلناه؟ إنما قتله الذين جاؤوا به.
وعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ الْعَنَزِيِّ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلانِ يَخْتَصِمَانِ فِي رَأْسِ عَمَّارٍ. يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَا قَتَلْتُهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَمْرٍو: لِيَطِبْ بِهِ أَحَدُكُمَا نَفْسًا لِصَاحِبِهِ. [فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم – يقول: تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ. قَالَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَلا تُغْنِي عَنَّا مَجْنُونَكَ يَا عَمْرُو فَمَا بَالُكَ مَعَنَا؟ قَالَ: إِنَّ أَبِي شَكَانِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ: أَطِعْ أَبَاكَ حَيًّا وَلا تَعْصِهِ. فَأَنَا مَعَكُمْ وَلَسْتُ أُقَاتِلُ] .
وعن نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَمْرٍو: مَا لِي وَلِصِفِّينَ. مَا لِي وَلِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ. لَوَدِدْتُ أَنِّي مِتُّ قَبْلَهُ بِعَشْرِ سِنِينَ. أَمَا وَاللَّهِ عَلَى ذَلِكَ مَا ضَرَبْتُ بِسَيْفٍ وَلا طَعَنْتُ بِرُمْحٍ وَلا رَمَيْتُ بِسَهْمٍ. وَمَا رَجُلٌ أَجْهَدُ مِنِّي مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
مما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم:
عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرٍو وَهُوَ يَقُولُ: [إِنَّ نَبِيَّكُمْ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلا مُتَفَحِّشًا وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ أَخْلاقًا] .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرٍو قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يوم بدر بثلاثمائة وَخَمْسَةَ عَشَرَ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ. كَمَا خَرَجَ طَالُوتُ. فَدَعَا لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حين خَرَجُوا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ حُفَاةٌ فَاحْمِلْهُمُ. اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ عُرَاةٌ فَاكْسُهُمُ. اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ جِيَاعٌ فَأَشْبِعْهُمْ. فَفَتَحَ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ. فَانْقَلَبُوا حِينَ انْقَلَبُوا. وَمَا فِيهِمْ رَجُلٌ إِلا قَدْ رَجَعَ بِحِمْلٍ أَوْ حِمْلَيْنِ وَاكْتَسَوْا وَشَبِعُوا.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – رَأَى عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ: [إِنَّ هَذِهِ الثِّيَابَ ثِيَابُ الْكُفَّارِ فَلا تَلْبِسْهَا] .
وعَنْ طاووس قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَلَى عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرٍو ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ: [أُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا؟ فَقَالَ: أَغْسِلُهُمَا يَا رسول الله. فقال رسول الله. ص: حَرِّقْهُمَا] .
عَنْ سعيد بن المسبب [عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – دَخَلَ عَلَى جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ لَهَا: أَصُمْتِ أَمْسِ؟ قَالَتْ: لا. قَالَ: أَفَتُرِيدِينَ الصَّوْمَ غَدًا؟ قَالَتْ: لا. قَالَ: فَأَفْطِرِي إِذًا] .
مما ذكره عن كبار الصحابة الكرام:
رَوَى عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. وكَانَ يَقُولُ حَدِّثُونَا عَنِ الْعَاقِلَيْنَ. فَيُقَالُ: مَنِ الْعَاقِلانِ؟ فَيَقُولُ: مُعَاذٌ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ.
وعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: ابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمُنَا بِمَا مَضَى وَأَفْقَهُنَا فِيمَا نَزَلَ مِمَّا لَمْ يَأْتِ فِيهِ شَيْءٌ. قَالَ عِكْرِمَةُ: فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدَهُ لَعِلْمًا وَلَقَدْ كَانَ يَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَنِ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رسول الله. ص: خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ] .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرٍو قَالَ: [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ وَلا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ مِنْ رَجُلٍ أصدق من أبي ذر] .
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَحَزِنَ عَلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يُوَسْوِسُ. فَكُنْتُ مِمَّنْ حَزِنَ عَلَيْهِ. فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ وَقَدْ بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ إِذْ مَرَّ بِي عُمَرُ فَلَمْ أَشْعُرْ بِهِ لِمَا بِي مِنَ الْحُزْنِ. فَانْطَلَقَ عُمَرُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ. أَلا أُعَجِّبُكَ؟ مَرَرْتُ عَلَى عُثْمَانَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلامَ! فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِيَدِ عُمَرَ فَأَقْبَلا جَمِيعًا حَتَّى أَتَيَانِي فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ: يَا عُثْمَانُ جَاءَنِي أَخُوكَ فَزَعَمَ أَنَّهُ مَرَّ بِكَ فَسَلَّمَ عَلَيْكَ فَلَمْ تُرَدَّ عَلَيْهِ. فَمَا الَّذِي حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ مَا فَعَلْتُ! فَقَالَ عُمَرُ: بَلَى وَاللَّهِ وَلَكِنَّهَا عُبِّيَّتُكُمْ يَا بَنِي أُمَيَّةَ! فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا شَعَرْتُ أَنَّكَ مَرَرْتَ بِي وَلا سَلَّمْتَ عَلَيَّ! فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ. أَرَاكَ وَاللَّهِ شُغِلْتَ عَنْ ذَلِكَ بِأَمْرٍ حَدَّثْتَ بِهِ نَفْسَكَ! قَالَ: فَقُلْتُ أَجَلْ! قَالَ: فَمَا هو؟ فقلت: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَلَمْ أَسْأَلْهُ عَنْ نَجَاةِ هَذِهِ الأُمَّةِ مَا هُوَ. وَكُنْتُ أُحَدِّثُ بِذَلِكَ نَفْسِي وَأَعْجَبُ مِنْ تَفْرِيطِي فِي ذَلِكَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَنِي بِهِ. فَقَالَ عُثْمَانُ: مَا هُوَ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَأَلْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَجَاةُ هَذِهِ الأُمَّةِ؟ فَقَالَ:
[مَنْ قَبِلَ مِنِّي الْكَلِمَةَ الَّتِي عَرَضْتُهَا عَلَى عَمِّي فَرَدَّهَا عَلَيَّ فَهِيَ لَهُ نَجَاةٌ. وَالْكَلِمَةُ الَّتِي عَرْضَهَا عَلَى عَمِّهِ: شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا أَرْسَلَهُ اللَّهُ] .
عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا يَوْمًا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ مِنْ هَذَا الْفَجِّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ، قَالَ: فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ عَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ فَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأَوَّلِ، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي، فَأَقْسَمْتُ أَلَّا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ الثَّلَاثُ فَعَلْتَ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ أَنَسٌ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ انْقَلَبَ عَلَى فِرَاشِهِ، وَذَكَرَ اللَّهَ وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: غير أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُ، وَكِدْتُ أَحْتَقِرُ عَمَلَهُ، قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ وَالِدِي هِجْرَةٌ وَلَا غَضَبٌ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: «يَطْلُعُ الْآنَ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ، فَطَلَعْتَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لَأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ، فَأَقْتَدِيَ بِكَ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَبِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ قَالَ: فَانْصَرَفْتُ عَنْهُ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلَا أَحْسُدُهُ عَلَى مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ هِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ.
وفاته: تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِالشَّامِ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَهُوَ يَوْمَئِذِ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وتسعين سَنَةً.