عبد الله ابن مسعود

رضي الله عنه

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ غَافِلِ بْنِ حَبِيبِ بن شمخ بْن فار بْن مخزوم بْن صاهلة بْن كاهل بْنِ الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هذيل بْن مدركة. واسم مدركة عَمْرو بْن إلياس بْن مضر. ويكنى أَبَا عَبْد الرَّحْمَن.

حالف مَسْعُود بْن غافل عَبْد بْن الْحَارِث بْن زهرة فِي الجاهلية. وأم عَبْد الله بْن مَسْعُود أم عَبْد بِنْت عَبْد ود بْن سواء بْن قريم بْن صاهلة بْن كاهل بْن الْحَارِث بْن تميم ابن سعد بْن هذيل. وأمها هند بِنْت عَبْد بْن الْحَارِث بْن زهرة بْن كلاب.

كان عَبْد اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَجُلا خَفِيفَ اللَّحْمِ. دقيق العظم نحيف الساقين. مِنْ أَجْوَدِ النَّاسِ ثَوْبًا أَبْيَضَ. مِنْ أَطْيَبِ النَّاسِ رِيحًا. كَانَ عَبْدُ اللَّهِ رَجُلا نَحِيفًا قَصِيرًا أَشَدَّ الأُدْمَةِ. وَكَانَ لا يُغَيِّرُ.

كَانَ شَعْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَبْلُغُ تَرْقُوَتَهُ فَرَأَيْتُهُ إِذَا صَلَّى يَجْعَلُهُ وَرَاءَ أُذُنَيْهِ.

إسلامه رضي الله عنه:

قَالَ: كُنْتُ غُلامًا يَافِعًا أَرْعَى غنما لعقبة ابن أَبِي مُعَيْطٍ فَجَاءَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَأَبُو بَكْرٍ وَقَدْ فَرَّا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالا: يَا غُلامُ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ لَبَنٍ تَسْقِيَنَا؟ فَقُلْتُ: إِنِّي مُؤْتَمَنٌ وَلَسْتُ سَاقِيَكُمَا. [فَقَالَ النبي. ص: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ جَذَعَةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ؟] قُلْتُ: نَعَمْ. فَأَتَيْتُهُمَا بِهَا فَاعْتَقَلَهَا النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –

وَمَسَحَ الضَّرْعَ وَدَعَا فَحَفَّلَ الضَّرْعُ ثُمَّ أَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِصَخْرَةٍ مُتَقَعِّرَةٍ فَاحْتَلَبَ فِيهَا فَشَرِبَ أَبُو بَكْرٍ. ثُمَّ شَرِبْتُ ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ اقْلِصْ فَقَلَصَ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقُلْتُ: عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ. قَالَ: إِنَّكَ غُلامٌ مُعَلَّمٌ. فَأَخَذْتُ مِنْ فِيهِ سَبْعِينَ سُورَةً لا يُنَازِعُنِي فِيهَا أَحَدٌ.

كَانَ إسلامه قديمًا أول الْإِسْلَام، حيث أسلم سَعِيد بْن زَيْد وزوجته فاطمة بْنت الخطاب، وذلك قبل إسلام عُمَر بْن الخطاب بزمان. رَوَى الأَعْمَشُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ” لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَادِسَ سِتَّةٍ، مَا عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ مُسْلِمٌ غَيْرَنَا “.

أسلم قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم رافق ابن مسعود الدعوة من بدايتها، وعرف السبعة الأوائل في الإسلام، كَانَ أَوَّلُ مَنْ جهر بالْقُرْآنَ بِمَكَّةَ مِنْ فِيَّ رَسُولِ الله.

جهاده في الدعوة إلى الله:

كَانَ أَوَّلَ مَنْ جَهَرَ بِالْقُرْآنِ بِمَكَّةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، اجْتَمَعَ يَوْمًا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا سَمِعَتْ قُرَيْشٌ هَذَا الْقُرْآنَ يُجْهَرُ لَهَا بِهِ قَطُّ، فَمَنْ رَجُلٌ يُسْمِعُهُمْ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَنَا، فَقَالُوا: إِنَّا نَخْشَاهُمْ عَلَيْكَ، إِنَّمَا نُرِيدُ رَجُلا لَهُ عَشِيرَةٌ تَمْنَعُهُ مِنَ الْقَوْمِ إِنْ أَرَادُوهُ، فَقَالَ: دَعُونِي، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَمْنَعُنِي، فَغَدَا عَبْدُ اللَّهِ حَتَّى أَتَى الْمَقَامَ فِي الضُّحَى وَقُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهَا، حَتَّى قَامَ عِنْدَ الْمَقَامِ، فَقَالَ رَافِعًا صَوْتَهُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْءَانَ، فَاسْتَقْبَلَهَا فَقَرَأَ بِهَا فَتَأَمَّلُوا، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: مَا يَقُولُ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ؟ ثُمَّ قَالُوا: إِنَّهُ لَيَتْلُو بَعْضَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ، فَقَامُوا فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ فِي وَجْهِهِ، وَجَعَلَ يَقْرَأُ حَتَّى بَلَغَ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَبْلُغَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَقَدْ أَثَّرُوا بِوَجْهٍ، فَقَالُوا: هَذَا الَّذِي خَشِينَا عَلَيْكَ، فَقَالَ: مَا كَانَ أَعْدَاءُ اللَّهِ قَطُّ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْهُمُ الآنَ، وَلَئِنْ شِئْتُمْ غَادَيْتُهُمْ بِمِثْلِهَا غَدًا؟ قَالَ: حَسْبُكَ، قَدْ أَسْمَعْتُهُمْ مَا يَكْرَهُونَ ولما أسلم عَبْد اللَّه أخذ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْه، وكان يخدمه، وقَالَ لَهُ: ” إذنك عليّ أن تسمع سوادي ويرفع الحجاب “، فكان يلج عَلَيْهِ، ويلبسه نعليه، ويمشي معه وأمامه، ويستره إِذَا اغتسل، ويوقظه إِذَا نام، وكان يعرف فِي الصحابة بصاحب السواد، والسواك.

آخَى رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بَيْنَ الزُّبَيْرِ وَبَيْنَ ابْنِ مَسْعُودٍ. وشهد إيذاء قريش للنبي وأصحابه. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ» آل عمران: 172. قَالَ: كُنَّا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلا.

وهاجر الهجرتين جميعًا إِلَى الحبشة، وَإِلى المدينة، وعرف الجوع والفقر ورأى من كان يغشى عليه من الصحابة في الصلاة فيخر من الجوع. وصلى القبلتين، وشهد بدرًا وأُحدًا والخندق وبيعة الرضوان، وسائر المشاهد مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشهد اليرموك بعد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الَّذِي أجهز عَلَى أَبِي جهل، وشهد لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجنة.

وهاجر إلى الحبشة الهجرتين الأولى والثانية وتعجل في العودة قبل أن يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا. دَخَلُوا مَكَّةَ وَلَمْ يَدْخُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلا بِجِوَارٍ. إِلا ابْنَ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ مَكَثَ يَسِيرًا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ(الهجرة الثانية). عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أُخِذَ فِي أَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي شَيْءٍ. فَرَشَا دِينَارَيْنِ.

هجرته رضي الله عنه إلى المدينة:

لَمَّا هَاجَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ: نَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ حِينَ هَاجَرَ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، ثم نَزَلَ عَلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ. وآخَى رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ. وآخى النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم بين أنس وابن مسعود.

إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – خَطَّ الدُّورَ فَخَطَّ لِبَنِي زُهْرَةَ فِي نَاحِيَةِ مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ فَجَعَلَ لِعَبْدِ اللَّهِ وَعُتْبَةَ ابْنَيْ مَسْعُودٍ هَذِهِ الْخِطَّةَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ. فَقَالَ حَيُّ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَبْدِ بْنِ زُهْرَةَ: نَكِّبْ عَنَّا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ. فَقَالَ رسول الله. ص: فَلِمَ؟ أَيَبْعَثُنِي اللَّهُ إِذًا؟ إِنَّ اللَّهَ لا يُقَدِّسُ قَوْمًا لا يُعْطَى الضَّعِيفُ مِنْهُمْ حَقَّهُ] .

تعجل ابن مسعود من هجرته الثانية إلى الحبشة حتى شهد بدراً وَشَهِدَ أُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وسار معه إلى تبوك ولم يتخلف يوماً عن غزوة.

وحضر نعي رسول الله نفسه وزاره في مرضه الذي توفي فيه وسمع وصيته.

مقتل أبي جهل يوم بدر:

قَالَ معاذ بْن عَمْرو بْن الجموح أخو بني سلمة: ” سمعت القوم وَأَبُو جهل فِي مثل الحرجة يقولون: أَبُو الحكم، لا يخلص إليه، قَالَ: فجعلته من شأني، فصمدت نحوه، فحملت عَلَيْهِ، فضربته ضربة فأطنت قدمه”. وحاول عكرمة أن يحمي أباه فضرب يد معاذ فقطعها وبقيت معلقة بجلدها، ثم أثبته ابْنَا عفراء فقتلا، وضرب ابن مسعود عُنُقَهُ فِي آخِرِ رَمَقٍ، فَكُلّ قَدْ شَرِكَ فِي قَتْلِهِ.

وَلَمّا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنْ يُلْتَمَسَ أَبُو جَهْلٍ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَوَجَدْته فِي آخِرِ رَمَقٍ، فَوَضَعْت رِجْلِي على عنقه فَقُلْت: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَخْزَاك! قَالَ: إنّمَا أخزى اللهُ عَبْدَ ابْنِ أُمّ عَبْدٍ! لَقَدْ ارْتَقَيْت مُرْتَقًى صَعْبًا يَا رُوَيْعِيَ الْغَنَمِ، لِمَنْ الدّائِرَةُ [ النصر] ؟ قُلْت: لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَأَقْتَلِعُ بَيْضَتَهُ عَنْ قَفَاهُ، فَقُلْت: إنّي قَاتِلُك يَا أَبَا جَهْلٍ! قَالَ: لَسْت بِأَوّلِ عَبْدٍ قَتَلَ سَيّدَهُ! أَمَا إنّ أَشَدّ مَا لَقِيته الْيَوْمَ فِي نَفْسِي لِقَتْلِك إيّايَ، أَلَا يَكُونُ وَلِيَ قَتْلِي رَجُلٌ مِنْ الْأَحْلَافِ أَوْ مِنْ الْمُطَيّبِينَ!

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «ضَرَبْتُ أَبَا جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ بِسَيْفِي فَلَمْ يُغْنِ شَيْئًا فَأَخَذْتُ سَيْفَهُ فَضَرَبْتُهُ بِهِ» فَضَرَبَهُ عَبْدُ اللهِ ضَرْبَةً، وَوَقَعَ رَأْسُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمّ سَلَبُهُ، فَلَمّا نَظَرَ إلَى جَسَدِهِ، نَظَرَ إلَى خصرِهِ كَأَنّهَا السّيَاطُ. وَأَقْبَلَ بِسِلَاحِهِ، وَدِرْعِهِ، وَبَيْضَتِهِ، فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَبْشِرْ، يَا نَبِيّ اللهِ بِقَتْلِ عَدُوّ اللهِ أَبِي جَهْلٍ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم: أحقّا، يا عبد الله؟ فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُوَ أَحَبّ إلَيّ مِنْ حُمُرِ النّعَمِ- أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ: وَذَكَرْت لِلنّبِيّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مَا بِهِ مِنْ الْآثَارِ، فَقَالَ: ذَلِكَ ضَرْبُ الْمَلَائِكَةِ.

وعاتبه أحدهم بقوله: جَرّدْته! وَلَمْ يُجَرّدْ قُرَشِيّ غَيْرُهُ! قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَاَللهِ، إنّهُ لَمْ يَكُنْ فِي قُرَيْشٍ وَلَا فِي حُلَفَائِهَا أَحَدٌ أَعْدَى لِلّهِ وَلَا لِرَسُولِهِ مِنْهُ، وَمَا أَعْتَذِرُ مِنْ شَيْءٍ صَنَعْته بِهِ.

فَأُسْكِتَ الرجل فجعل بَعْدَ ذَلِكَ يَسْتَغْفِرُ مِنْ كَلَامِهِ فِي أَبِي جَهْلٍ.

وكان آل ابن مسعود يَقُولُونَ: سَيْفُ أَبِي جَهْلٍ عِنْدَنَا، مُحَلّى بِفِضّةٍ، غَنِمَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَوْمَئِذٍ.

قَالُوا: وَوَقَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى مَصْرَعِ ابْنَيْ عَفْرَاءَ فَقَالَ: يَرْحَمُ اللهُ ابْنَيْ عَفْرَاءَ، فَإِنّهُمَا قَدْ شَرِكَا فِي قَتْلِ فِرْعَوْنَ هَذِهِ الْأُمّةِ وَرَأْسِ أَئِمّةِ الْكُفْرِ! فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ قَتَلَهُ مَعَهُمَا؟ قَالَ: الْمَلَائِكَةَ، وَذَافّهُ [أجهز عليه ] ابْنُ مَسْعُودٍ، فَكُلّ قَدْ شَرِكَ فِي قَتْلِهِ.

وَفَرِحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِقَتْلِ أَبِي جَهْلٍ، وَقَالَ: اللهُمّ، قَدْ أَنْجَزْت مَا وَعَدْتنِي، فَتَمّمْ عَلَيّ نِعْمَتَك!

تقريب رسول الله صلى الله عليه وسلم له:

عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كَانَ مُسَافِرًا فَذَهَبَ يُرِيدُ أَنْ يَتَبَرَّزَ أَوْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ. فَلَمْ يَجِدْ شيئا يتوارى بِهِ مِنَ النَّاسِ. [فَرَأَى شَجَرَتَيْنِ بَعِيدَتَيْنِ. فَقَالَ لابْنِ مَسْعُودٍ: اذْهَبْ فَقُمْ بَيْنَهُمَا فَقُلْ لَهُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمَا أَنْ تَجْتَمِعَا حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ وَرَاءَكُمَا. فَذَهَبَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ لَهُمَا. فَأَقْبَلَتْ إِحْدَاهُمَا إِلَى الأُخْرَى فَقَضَى حَاجَتَهُ وَرَاءَهُمَا] .

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَخَذْتُ مِنْ فِيَّ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – سَبْعِينَ سُورَةً لا يُنَازِعُنِي فِيهَا أَحَدٌ.

جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم – سِتَّةُ نَفَرٍ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَسَعْدٌ وَأَبُو زَيْدٍ. قَالَ: وَكَانَ مُجَمِّعُ بْنُ جَارِيَةَ قَدْ جَمَعَ الْقُرْآنَ إِلا سُورَتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا. وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ قَدْ أَخَذَ بِضْعًا وَتِسْعِينَ سُورَةً وَتَعَلَّمَ بَقِيَّةَ الْقُرْآنِ مِنْ مُجَمِّعٍ.

كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ صَاحِبَ سَوَادِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَعْنِي سِرَّهُ. وَوِسَادِهِ. يَعْنِي فِرَاشَهُ. وَسِوَاكِهِ وَنَعْلَيْهِ وَطَهُورِهِ. وَهَذَا يَكُونُ فِي السَّفَرِ.

كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَسْتُرُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِذَا اغْتَسَلَ وَيُوقِظُهُ إِذَا نَامَ وَيَمْشِي مَعَهُ فِي الأَرْضِ وَحْشًا.

كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُلْبِسُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – نَعْلَيْهِ ثُمَّ يَمْشِي أَمَامَهُ بِالْعَصَا حَتَّى إِذَا أَتَى مَجْلِسَهُ نَزَعَ نَعْلَيْهِ فَأَدْخَلَهُمَا فِي ذِرَاعَيْهِ وَأَعْطَاهُ الْعَصَا. فَإِذَا أراد رسول الله. ص. أن يقوم ألبسه ثُمَّ مَشَى بِالْعَصَا أَمَامَهُ حَتَّى يَدْخُلَ الْحُجْرَةَ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: [قَالَ لِي رَسُولُ الله. ص: إِذْنُكَ عَلَيَّ أَنْ تَرْفَعَ الْحِجَابَ وَأَنْ تَسْمَعَ سِوَادِيَ حَتَّى أَنْهَاكَ] . قَالَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ: لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَمَا أَرَى إِلا ابْنَ مَسْعُودٍ مِنْ أَهْلِهِ.

وعَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُشَبَّهُ بِالنَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي هَدْيِهِ وَدَلِّهِ وَسَمْتِهِ].

وعن حُذَيْفَةَ يَقُولُ إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ هَدْيًا وَدَلا وَسَمْتًا بِمُحَمَّدٍ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ. مِنْ حِينَ يَخْرُجُ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ لا أَدْرِي مَا يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ.

أَمَرَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ابْنَ مَسْعُودٍ أَنْ يَصْعَدَ شَجَرَةً فَيَأْتِيَهُ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَنَظَرَ أَصْحَابُهُ إِلَى حُمُوشَةِ سَاقَيْهِ فَضَحِكُوا مِنْهَا. فقال النبي. ص: مَا تَضْحَكُونَ! لَرِجْلُ عَبْدِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ أُحُدٍ] .

-ح: «إنِّي لا أدري قَدْر بقائي فيكم فاقتدوا باللَّذْين من بعدي – وأَشار إِلى أَبي بكر وعمر رضي الله عنهما – واهتدوا بِهَدْي عمَّار، وما حدَّثكم ابن مسعود فصدِّقوه» .

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” اقْرَأْ عَلَيَّ سُورَةَ النِّسَاءِ “، قَالَ: قُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: ” إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي “، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ حَتَّى بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} ….إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَاضَتْ عَيْنَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

-ح: ” خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ “.

كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِرَاءٍ، فَذَكَرَ عَشَرَةً فِي الْجَنَّةِ: ” أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ “وسعيد بن زيد.

قال عمرو بن العاص: رجلان مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحبهما: عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر رضي الله عنهم.

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: ” لا يَكْثُرْ هَمُّكَ، مَا يُقَدَّرُ يَكُنْ، وَمَا تُرْزَقْ يَأْتِكَ “.

عن ابن مسعود، قَالَ: انطلقت مع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الجن حَتَّى أتى الحجون، فخط عَليّ خطا، ثُمَّ تقدم إليهم فازدحموا عَلَيْهِ، فقال سيد لَهُم يقال لَهُ: وردان: ألا أرحلهم عنك يا رسول الله؟ فقال: ” {لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ} “.

قال ابن مسعود: مررت برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو جالس على قبر وهو يدفن، فسمعته يقول: ” ” اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه “. فسألت: من هو؟ فقيل: عبد الله ذو البجادين قال ابن مسعود: فليتني كنت صاحب الحفرة.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَيُّ الْقِرَاءَتَيْنِ تَعُدُّونَ أَوْلَى؟ قَالَ: قُلْنَا قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ! فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم – كَانَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ مَرَّةً إِلا الْعَامَ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ فَإِنَّهُ عُرِضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ. فَحَضَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَشَهِدَ مَا نُسِخَ مِنْهُ وَمَا بُدِّلَ.

أدبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لما استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة قال: «اجلسوا فسمع ذلك ابن مسعود رضي الله عنه فجلس عند باب المسجد فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «تعال يا عبد الله بن مسعود. أدخل.

ولما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟» فجعل أبو بكر وعمر وابن عوف يشيرون عليه، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

أنتم عَالَة فلا ينفلتنَّ أحد إلا بِفداء أو ضربة عنق» . قال عبد الله فقلت: يا رسول الله، إلا سهل بن بيضاء فإني قد سمعته يذكر الإِسلام. قال: فسكت. قال: فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع عليّ حجارة من السماء (مني) (في) ذلك اليوم، حتى قال: «إلا سهل بن بيضاء. قال: فأنزل الله: {مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} – إلى آخر الآيتين -.

عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: اخْتَلَفْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ سَنَةً مَا سَمِعْتُهُ [يُحَدِّثُ فِيهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَلا يَقُولُ فِيهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِلا أَنَّهُ حَدَّثَ ذَاتَ يَوْمٍ بِحَدِيثٍ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَعَلاهُ الْكَرْبُ حَتَّى رَأَيْتُ الْعَرَقَ يَتَحَدَّرُ عَنْ جَبْهَتِهِ. قال علقمة: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى عَصًا فَنَظَرْتُ إِلَى الْعَصَا تَزَعْزَعُ.

بعد النبي صلى الله عليه وسلم:

كان الناس عِنْدَ عُمَرَ جلوساً، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ نَحِيفٌ قَلِيلٌ. فَجَعَلَ عُمَرُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيَتَهَلَّلُ وجهه ثم قال: كنيف مليء علما. كنيف مليء علما. كنيف مليء عِلْمًا. فَإِذَا هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ] . كنيف مليء علما آثرت به أهل القادسية.

وجاء ابْنُ مَسْعُود إلى مجلس عمر يكاد الجلوس يوارونه من قصره، فضحك عُمَر حين رآه، فجعل يكلم عُمَر ويضاحكه وهو قائم، ثُمَّ ولى فأتبعه عُمَر بصرة حتى توارى، فَقَالَ: كنيف مليء علمًا.

كان مُهَاجَرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كَانَ بِحِمْصَ فَحَدَرَهُ عُمَرُ إِلَى الْكُوفَةِ وَكَتَبَ إِلَيْهِمْ إِنِّي وَاللَّهِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ آثَرْتُكُمْ بِهِ عَلَى نَفْسِي فَخُذُوا مِنْهُ. قُرِئَ كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ على اهل الكوفة: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أَمِيرًا وَابْنَ مَسْعُودٍ مُعَلِّمًا وَوَزِيرًا. وَقَدْ جَعَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى بَيْتِ مَالِكُمْ. وَإِنَّهُمَا لَمِنَ النُّجَبَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ. فَاسْمَعُوا لَهُمَا وَأَطِيعُوا وَاقْتَدُوا بِهِمَا. وَقَدْ آثَرْتُكُمْ بِابْنِ أُمِّ عَبْدٍ عَلَى نَفْسِي…

ومن مناقبه أَنَّهُ بعد وفاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهد المشاهد العظيمة، منها أَنَّهُ: شهد اليرموك بالشام، وكان عَلَى النفل،

عَنْ أَبِي خالد رجل مِنْ أَصْحَابِ عُمَرَ قَالَ: وَفَدْنَا إِلَى عُمَرَ فَأَجَازَنَا فَفَضَّلَ أَهْلَ الشَّامِ عَلَيْنَا فِي الْجَائِزَةِ فَقُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينِ أَتُفُضِّلَ أَهْلَ الشَّامِ عَلَيْنَا؟ فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ أَجَزِعْتُمْ أَنْ فَضَّلْتُ أَهْلَ الشَّامِ عَلَيْكُمْ لِبُعْدِ شُقَّتِهِمْ؟ لَقَدْ آثرتكم بابن أم عبد.

لما بعث عثمان إِلَى عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود يأمره بالقدوم عَلَيْهِ بالمدينة، وكان بالكوفة، اجتمع النَّاس عَلَيْهِ، فقالوا: أقم، ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه، فَقَالَ عَبْد اللَّه: إن لَهُ حق الطاعة، وَإِنها ستكون أمور وفتن، فلا أحب أن أكون أول من فتحها، فرد النَّاس وخرج إِلَيْه.

تقديره للصحابة وتوقيرهم له:

أخرج ابن عساكر عن أبي وائل أن ابن مسعود رضي الله عنه رأى رجلاً قد أسبل فقال: ارفع إزارك، فقال: وأنت يا ابن مسعود ارفع إزارك، فقال له عبد الله: إني لست مثلك إن بساقيَّ حُموشةً وأنا أؤم الناس. فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه، فجعل يضرب الرجل ويقول: أتردُّ على ابن مسعود؟

وكان عمر على دار لابن مسعود – رضي الله عنه – بالمدينة ينظر إلى بنائها. فقال رجل من قريش: يا أمير المؤمنين إنك تُكفى هذا، فأخذ لبنة فرمى بها، وقال: أترغب بي عن عبد الله؟ لما بنى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه داره قال لعمار رضي الله عنه: هلمَّ أنظر إلى ما بنيت، فانطلق عمَّر فنظر إليه فقال: بنيتَ شديداً، وأمَّلْتَ بعيداً – أو تَأمُل بعيداً – وتموت قريباً.

كان ابن مسعود رضي الله عنه جالساً بعد الصبح في حَلْقة قال: أنشد الله قطع رحم لمَّا قام عنّا، فإنّا نريد أن ندعو ربنا، وإن أبواب السماءُ مُرتَجَة دون قاطع رحم.

لما أتت عبد الله – يعني ابن مسعود – رضي الله عنه وفاة عتبة رضي الله عنه – يعني أخاه – دمعت عيناه فقال: إن هذه رحمة جعلها الله لا يملكها ابن آدم. ثم بكى فقيل له: أتبكي؟ قال: كان أخي في انسب، وصاحبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أحب مع ذلك أن كنتب قبله. أن يموت فأحتسبه أحب إليَّ من أن أموت فيحتسبني.

قَالَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ لا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ. يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ.

عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالا: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إِنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً! قَالَ لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نَوْفَلٍ: نَسِيَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ. إِبْرَاهِيمَ تَعْنِي؟ قَالَ: وَهَلْ سَمِعْتَنِي ذَكَرْتُ إِبْرَاهِيمَ؟ إِنَّا كُنَّا نُشَبِّهُ مُعَاذًا بِإِبْرَاهِيمَ أَوْ كَانَ يُشَبَّهُ بِهِ. قَالَ: وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا الأُمَّةُ؟ فَقَالَ: الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ. وَالْقَانِتُ الَّذِي يُطِيعُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.

عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قال رسول الله. ص: لَوْ كُنْتُ مُؤَمِّرًا أَحَدًا دُونَ شُورَى الْمُسْلِمِينَ لأَمَّرْتُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ] .

عَنْ حَبَّةَ بْنِ جُوَيْنٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَلِيٍّ فَذَكَرْنَا بَعْضَ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَثْنَى الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا رأينا رجلا أَحْسَنَ خُلُقًا وَلا أَرْفَقَ تَعْلِيمًا وَلا أَحْسَنَ مُجَالَسَةً وَلا أَشَدَّ وَرَعًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. فَقَالَ عَلِيٌّ: نَشَدْتُكُمُ اللَّهَ. إِنَّهُ لَصِدْقٌ مِنْ قُلُوبِكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَقُولُ فِيهِ مِثْلَ مَا قَالُوا أَوْ أَفْضَلَ] . قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَحَلَّ حَلالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ. فَقِيهٌ فِي الدِّينِ. عَالِمٌ بِالسُّنَّةِ.

سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ قُلْنَا لِحُذَيْفَةَ أَخْبِرْنَا بِرَجُلٍ قَرِيبِ السَّمْتِ وَالْهَدْيِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – نَأْخُذُ عَنْهُ. فَقَالَ: مَا أَعْرِفُ أَحَدًا أَقْرَبَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلا بِرَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مِنْ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ حَتَّى يُوَارِيَهُ جِدَارُ بَيْتٍ. قَالَ: وَلَقَدْ عَلِمَ الْمَحْفُوظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ مِنْ أَقْرَبِهِمْ إِلَى اللَّهِ وَسِيلَةً.( أَنَّ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ هُوَ مِنْ أَقْرَبِهِمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ).

قدم علينا (يقصد أهل الكوفة) عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فنَعى إلينا عمر، فلم أرَ يوماً كان أكثر باكياً ولا حزيناً منه، ثم قال: والله لو أعلم عمر كان يحب كلباً لإحببته، والله إني أحسب العِضاه قد وَجَدَ فَقْد عمر.

من أفعاله رضي الله عنه:

وقَالَ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه: كَانَ عَبْد اللَّه إِذَا هدأت العيون قام، فسمعت لَهُ دويًا كدوي النحل حتَّى يصبح.

وخرج ابن مسعود رضي الله عنه إلى المسجد، فجعل يهرول فقيل له: أتفعل هذا وأنت تنهى عنه؟ قال: إنما أردت حدَّ الصلاة: التكبيرة الأولى؛

عن عبد الرحمن بن يزيد قال: ساعةٌ، ما أتيت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فيها إلا وجدته يصلِّي؛ ما بين المغرب والعشاء، فسألت عبد الله فقلت: ساعة ما أتيتك فيها إلا وجدتك تصلِّي فيها، قال: إنها ساعة غَفْلة.

رأى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رجلاً يضحك في جنازة فقال: أتضحك وأنت مع جنازة؟ والله لا أكلمك أبداً.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمر، وعثمان – صَدْراً من خلافته – كانوا يصلُّون بمكة ومِنى ركعتين، ثم إن عثمان صلاها أربعاً، فبلغ ذلك ابن مسعود، فاسترجع ثم قام فصلَّى أربعاً. فقيل له: إسترجعت ثم صليت أربعاً؟ قال: الخلاف شر.

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي الأحوص قال: دخلنا على ابن مسعود رضي الله عنه وعنده بنون ثلاثة كأمثال الدنانير، فجعلنا ننظر إليهم ففطن بنا، فقال: كأنكم تغبطوني بهم؟ قلنا: وهل يُغبط الرجل إلا بمثل هؤلاء؟ فرفع رأسه إلى سقف بيت له قصير قد عشَّش فيه خُطَّاف، فقال: لأن أكون نفضت يديَّ من تراب قبورهم أحب إليَّ من أن يقع بيض هذا الخطاف فينكسر. وعن أبي عثمان عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يجالسه بالكوفة، فبينما هو يوم في صخفَّة له وتحته فلانة وفلانة – امرأتان ذواتا منصب وجمال – وله منهما ولد كأحسن الولد؛ إذ شقشق على رأسه عصور ثم قذف أذى بطنه، فنكته بيده قوال: لأن يموت آل عبد الله ثم أتبعهم أحب إليَّ من أن يموت هذا العصفور.

كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا دَخَلَ الدَّارَ اسْتَأْنَسَ وَرَفَعَ كَلامَهُ كَيْ يَسْتَأْنِسُوا. وسمِعْ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَا نِمْتُ الضُّحَى مُنْذُ أَسْلَمْتُ.

كَانَ يَصُومُ الاثْنَيْنَ وَالْخَمِيسَ ولا يزيد فَقِيلَ لَهُ: لِمَ لا تَصُومُ؟ فَقَالَ: إِنِّي أَخْتَارُ الصَّلاةَ عَنِ الصَّوْمِ فَإِذَا صُمْتُ ضَعُفْتُ عَنِ الصَّلاةِ.

عن عَبْد اللَّهِ بْنُ مِرْدَاسٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَخْطُبُنَا كُلَّ خَمِيسٍ فَيَتَكَلَّمُ بِكَلِمَاتٍ فَيَسْكُتُ حِينَ يَسْكُتْ وَنَحْنُ نَشْتَهِي أَنْ يَزِيدَنَا.

كان معلماً فقيهاً:

عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ إِلا وَأَنَا أَعْلَمُ فِيمَا نَزَلَتْ. وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ تَبْلُغُهُ الإِبِلُ أَوِ الْمَطَايَا لأَتَيْتُهُ.

أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أتى أبا موسى الأشعري رضي الله عنه في منزله، فحضرت الصلاة، فقال أبو موسى: تقدّم يا أبا عبد الرحمن فإنك أقدم سناً وأعلم، قال: بل أنت تقدم؛ فإنما أتيناك في منزلك ومسجدك فأنت أحق؛ قال: فتقدّم أبو موسى فخلع نعليه، فلما سلّم قال له: ما أردت إلى خلعهما؟ أبالوادي المقدّس أنت؟

كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ الذين يقرؤون وَيُفْتُونَ سِتَّةً: عَلْقَمَةُ وَالأَسْوَدُ وَمَسْرُوقٌ وَعَبِيدَةُ وَالْحَارِثُ بن قيس وعمرو بن شرحبيل.

قَالَ الشَّعْبِيُّ ما دخلها (الكوفة) أحد مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنْفَعُ عِلْمًا وَلا أَفْقَهُ صَاحِبًا مِنْهُ. يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ. وقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَعْظَمَ حِلْمًا وَلا أَكْثَرَ عِلْمًا وَلا أَكَفَّ عَنِ الدِّمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ إِلا مَا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم –

وروى عَنْ: النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ من الصحابة: ابْنُ عَبَّاس، وابن عُمَر، وَأَبُو مُوسَى، وعمران بْن حصين، وابن الزُّبَيْر، وجابر، وأنس، وَأَبُو سَعِيد، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو رافع، وغيرهم.

وروى عَنْهُ من التابعين: علقمة، وَأَبُو وائل، والأسود، ومسروق، وعبيدة، وقيس بْن أَبِي حازم، وغيرهم.

أخرج الطبراني في الكبير عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه رأى قوماً قد أسندوا ظهورهم إلى قبلة المسجد بين أذان الفجر والإقامة، فقال: لا تحولوا بين الملائكة وبين صلاتها.

عن مرّة الهمداني: قال: حدثت نفسي أن أصلِّي خلف كل سارية من مسجد الكوفة ركعتين، فبينا أنا أصلي إذ أنا بابن مسعود رضي الله عنه في المسجد، فأتيته لأخبره بأمري، فسبقني رجل فأخبره بالذي أصنع، فقال ابن مسعود: لو يعلم أن الله عز وجل عند أدنى سارية ما جاوزها حتى يقضي صلاته.

ومن سرعة خاطره وفقهه رضي الله عنه: قال له رجل يدعى عَبْد الواحد: أرأيت حيث يَقُولُ اللَّه، عَزَّ وَجَلَّ فِي كتابه: {تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} أنثى، ألم يكن يعرف نعجة أنهن إناث! ! قَالَ ابْنُ مَسْعُود: أرأيت حيث يَقُولُ اللَّه: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} ألم يكن يعرف أن سبعة وثلاثة عشرة “.

من فقهه أنه حكم كما حكم رسول الله دون علمه بذلك: عن ابْنِ مَسْعُودٍ: ” أَنَّهُ سُئِلَ عن رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَهَا مِثْلُ مَهْرِ نِسَائِهَا، لا وَكْسَ وَلا شَطَطَ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ، فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الأَشْجَعِيُّ، فَقَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ امْرَأَةٍ مِنَّا مِثْلَ مَا قَضَيْتَ، فَفَرِحَ ابْنُ مَسْعُودٍ “.

عن ابن مسعود، قال: كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها: أم قيس، فأبت أن تزوجه حتى يهاجر، فهاجر فتزوجها، فكنا نسميه: مهاجر أم قيس.

من أقواله رضي الله عنه:

وأَخرج أبو نُعَيْم في الحلية عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (أنتم أَكثرُ صياماً وأَكثرُ صلاةً وأَكثرُ اجتهاداً من أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم كانوا خيراً منكم قالوا: لِمَ يا أبا عبد الرحمن، قال: هم كانوا أزهد في الدنيا وأَرغب في الآخرة) .

أخرج الطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنَّها حبل الله الذي أمر به، وإنّ ما تكرهون في الجماعة خيرٌ ممَّا تحبون في الفُرقة؛ فإن الله عزّ وجلّ لم يخلُق شيئاً إلا خلق له نهاية ينتهي إليها، وإن الإِسلام قد أقبل له ثبات، وإنه يوشك أن يبلغ نهايته، ثم يزيد وينقص إلى يوم القيامة، وآية ذلك الفاقة وتفظُع حتى لا يجد الفقير من يعود عليه، وحتى يرى الغني أنه لا يكفيه ما عنده، حتى إنَّ الرجل يشكو إلى أخيه وابن عمه فلا يعود عليه بشيء، وحتى إنَّ السائل ليمشي بين الجمعتين فلا يوضع في يده شيء حتى إذا كان ذلك خارت الأرض خَوْرة لا يرى أهل كل ساحة إلا أنها خارت بساحتهم، ثم تهدأ عليهم ما شاء الله، ثم تتقاحم الأرض تقيء أفلاذ كبدها. قيل: يا أبا عبد الرحمن، ما أفلاذ كبدها؟ قال: أساطين ذهب وفضة، فمِن يومئذٍ لا يُنْتَفَع بذهب ولا فضة إلى يوم القيامة.

وأخرج ابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إذا رأيتم أخاكم قارف ذنباً فلا تكونوا أعواناً للشيطان عليه تقولوا: اللهمَّ اخزه، اللهم العنه، ولكن سَلُوا الله العافية، فإنا أصحابَ محمد صلى الله عليه وسلم كنا لا نقول في أحد شيئاً حتى نعلم علامَ يموت، فإن خُتم له بخير علمنا أنه قد أصاب خيراً، وإن خُتم له بشر خفنا عليه.

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لأصحابه حين قدموا عليه: هل تَجَالَسون؟ قال: لا نترك ذلك، قال: فهل تَزَاوَرون؟ قالوا: نعم يا أبا عبد الرحمن، إنَّ الرجل منا ليفقِد أخاه فيمشي على رجليه إلى آخر الكوفة حتى يلقاه، قال: إنكم لن تزالوا بخير ما فعلتم ذلك.

وفي التقوى قال ابن مسعود رضي الله عنه: لأن أكون أعلم أن الله يقبل مني عملاً أحب إليَّ من أن يكون لي ملء الأرض ذهبا.

قال رجل عند عبد الله رضي الله عنه: ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين، أكون من المقرَّبين أحب إليَّ. قال: فقال عبد الله: لكنْ ههنا رجل ودَّ لو أَّنه إذا مات لم يبعث – يعني نفسه -.

وقال رضي الله عنه: لو وقفت بين الجنة والنار، فقيل لي: اختر نخيرك من أيهما أحب ليك أو تكون رماداً؛ لأحببت أن أكون رماداً.

وارتقى عبد الله رضي الله عنه الصفا فأخذ بلسانه فقال: يا لسان، قل خيراً تغنم، واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” أكثر خطايا ابن آدم من لسانه”.

وقال: والذي لا إله إلا هو ما على ظهر الأرض شيء أحوجَ إلى طول سَجن من لسان.

أخرج أبو نُعيم في الحيلة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما دمتَ في صلاة فأنت تقرع باب الملك، ومن يقرع باب المَلِك يُفتح له. وعند عبد الرزاق عنه قال: احملوا حوائجكم على المكتوبة. وعنده أيضاً عنه قال: الصلوات كفَّارات لما بينهنَّ ما اجتُنبت الكبائر. وعند ابن عساكر عنه قال: الصلوات كفارات لما بعدهنَّ، إن آدم خرجت به شأفة في إبهام رجله، ثم ارتفعت إلى أصل قدميه، ثم ارتفعت إلى ركبتيه، ثم ارتفعت إلى أصل حَقْويه؛ ثم ارتفعت إلى أصل عنقه، فقام فصلَّى فنزلت عن منكبيه، ثم صلَّى فنزلت إلى حَقويه، ثم صلَّى فنزلت إلى ركبتيه، ثم صلَّى فنزلت إلى قدميه، ثم صلَّى ذهبت.

أخرج الطبراني في اكبير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما أحب أن يكون مؤذنوكم عميانكم، قال: ولا قراؤكم.

وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من سرّه أن يلقى الله غداً مسلماً، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادى بهن؛ فإن الله تعالى شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سُنَنَ الهدى وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صلَّيتم في بيوتكم كما يصلِّي هذا المتخلِّفُ في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهَّر فيحسن الطُّهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتى به يُهادَى بين الرجلين حتى يقام في الصف.

وعنه قال: لقد رأيتنا وما تُقام الصلاة حتى تَكَاملَ بنا الصفوف. وقال: ما كانوا يعدِلون شيئاً من صلاة النهار بصلاة الليل إلا أربعاً قبل الظهر فإنهم كانوا يرون أنهن بمنزلتهن من الليل.

أهله واولاده:

قال أبو موسى الأشعري: ” لَقَدْ قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ الْيَمَنِ، وَمَا نَرَى إِلا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا نَرَى مِنْ دُخُولِهِ وَدُخُولِ أُمِّهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “.

أم عبد والدته. روت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها رأته يقنت في الوتر قبل الركوع.

زوجتاه: رائطة بنت عبد الله، وزَيْنَبَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيَّةِ: عن عروة بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله، عن رائطة امرأة عبد الله بن مسعود أم ولده وكانت امرأة صناعا، وليس لعبد الله بن مسعود مال، فكانت تنفق عليه وعلى ولده من ثمن صنعتها فقالت: والله لقد شغلتني أنت وولدك عن الصدقة! فقال: ما أحب إن لم يكن لك أجر أن تفعلي.

فسألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: إني امرأة ذات صنعة فأبيع، وليس لي ولا لوالدي ولا لزوجي شيء، ويشغلونني فلا أتصدق، فهل لي في النفقة عليهم من أجر؟ فقال: ” لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم، فأنفقي عليهم “. وورد هذا الحديث أيضاً عن زوجته زينب الثقفية.

فذكر الحديث في النفقة على أزواجهما وأيتام في حجورهما، فقال لهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” نعم، لكما أجران: أجر الصدقة، وأجر القرابة “.

وأخرج أحمد عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قالت: كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق كراهة أن يهجم منا على أمر يكرهه، قالت: وإنه جاء ذات يوم فتنحنح وعندي عجوز ترقيني من الحمرة، فأدخلتها تحت السرير، قالت: فدخل فجلس إلى جانبي فرأى في عنقي خيطاً، فقال: ما هذا الخيط؟ قالت قلت: خيط رُقي لي فيه، فأخذه فقطعه ثم قال: إن أهل عبد الله لأغنياء عن الشرك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الرقى والتمائم والتَّوَلة شرك» ، قالت قلت له: لمتقول هذا وقد كانت عيني تقذف فكنت اختلف إلى فلان اليهودي يرقيها فكان إذا رقاها سكنت؟ فقال: إنما ذاك من الشيطان كان ينخسها بيدهه فإذا رقاها كفَّ عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «اذهب البأس ربَّ الناس، اشفِ الشافي لا شفاء إلاَّ شفؤك، شفاء لا يغادر سقماً».

أولاده: عبد الرحمن وعبيد الله وزينب وأميمة.

أوصى ابن مسعود ابنه أبا عبيدة بثلاث كلمات: أي بني، أوصيك بتقوى الله، وليسعْك بيتك، وابك على خطيئتك.

وصيته ووفاته رضي الله عنه:

مَرِضَ مَرَضًا فَجَزِعَ فِيهِ. قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ مَا رَأَيْنَاكَ جَزِعْتَ فِي مَرَضٍ مَا جَزِعْتَ فِي مَرَضِكَ هَذَا. فَقَالَ: إِنَّهُ أَخَذَنِي وَأَقْرَبَ بِي مِنَ الْغَفْلَةِ. وقَالَ وَدِدْتُ أَنِّي إِذَا مَا مُتُّ لَمْ أُبْعَثْ.

لقي رجلٌ ابْنُ مَسْعُود، فأخبره قَالَ: رأيتك في المنام البارحة، ورأيت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى منبر مرتفع وأنت دونه، وهو يَقُولُ: ” يا ابْنُ مَسْعُود، هلم إليَّ فقد جُفيت بعدي، فَقَالَ: والله لأنت رَأَيْت هَذَا؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فعزمت أن لا تخرج من المدينة حتَّى تصلي عليّ، فما لبث أيامًا حتَّى مات.

مرض عَبْد اللَّه، فعاده عثمان بْن عفان، فَقَالَ ما تشتكي؟ قَالَ: ذنوبي، قَالَ: فما تشتهي؟ قَالَ: رحمة ربي، قَالَ: ألا آمر لَكَ بطبيب؟ قَالَ: الطبيب أمرضني، قَالَ: آلا آمر لَكَ بعطاء؟ قَالَ: لا حاجة لي فِيهِ، قَالَ: يكون لبناتك، قَالَ: أتخشى عَلَى بناتي الفقر، إني أمرت بناتي أن يقرآن كل ليلة سورة الواقعة، إني سَمِعْتُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” من قَرَأَ الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقه أبدًا “. وإنما قَالَ لَهُ عثمان: ألا آمر لَكَ بعطائك؟ لأنَّ عَبْد اللَّه كَانَ قَدْ ترك العطاء استغناء عَنْهُ

وأَوْصَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ إِلَى الزُّبَيْرِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – آخَى بَيْنَهُمَا فَأَوْصَى إِلَيْهِ وَإِلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَكَتَبَ فِي وَصِيَّتِهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: هَذَا مَا أَوْصَى عَبْدُ الله بن مسعود. إن حدث به حدث فِي مَرَضِهِ إِنَّ مَرْجِعَ وَصِيَّتِهِ إِلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَإِلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَإِنَّهُمَا فِي حِلٍّ وَبِلٍّ فِيمَا وَلِيَا مِنْ ذَلِكَ وَقَضَيَا مِنْ ذَلِكَ لا حَرَجَ عَلَيْهِمَا فِي شَيْءٍ مِنْهُ. وَإِنَّهُ لا تُزَوَّجُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ إِلا بِعِلْمِهِمَا وَلا يُحْجَرُ ذَلِكَ عَنِ امْرَأَتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيَّةِ. وَكَانَ فِيمَا أَوْصَى بِهِ فِي رَقِيقِهِ: إِذَا أَدَّى فُلانٌ خَمْسُمِائَةٍ فَهُوَ حُرٌّ.

وأَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي حُلَّةٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ. وقَالَ: ادْفِنُونِي عِنْدَ قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ.

مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِالْمَدِينَةِ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاثِينَ. وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. وصَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. ودُفِنَ لَيْلا. عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى قَبْرِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ دُفِنَ فَرَأَيْتُهُ مَرْشُوشًا. وتَرَكَ ابْنُ مَسْعُودٍ تِسْعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.

ولما نُعي إِلَى أَبِي الدرداء، قَالَ: ما ترك عبد الله بعده مثله.

والمواعظ من سيرة ابن مسعود كثيرة كما رأينا:

الشجاعة في القلب وليست في الجسم

وظف المعلم نجابة تلميذه في حفظ القرآن

قرب إليه المخلص المتعفف فصار كأهل بيته.

أحب من أحبه رسول الله وكره من كرهه

أحسن الأدب بالرغم من القرب.

بقي على العهد مع الحبيب بعد وفاته كما كان في حياته.

وقى الفتن وحافظ على الجماعة وصمت حين امتعض.

كان له مجلس في الكوفة مساء كل خميس يعظ فيه.