عثمان بن مظعون

رضي الله عنه

أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة

عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ ويكنى أَبَا السائب وأمه سخيلة بِنْت العنبس بْن وهبان بْن وهب بن حذافة بن جمح. وكان لعثمان من الولد عَبْد الرَّحْمَن والسائب وأمهما خَوْلَةُ بِنْت حَكِيمِ بْن أُمَيَّةَ بْن حَارِثَةَ بْن الأوقص السلمية. كَانَ عُثْمَانُ شَدِيدَ الأُدْمَةِ لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلا بِالطَّوِيلِ. كَبِيرَ اللِّحْيَةِ عَرِيضَهَا.

إسلامه رضي الله عنه:

كان عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ ممن حرم الخمر على نفسه فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَالَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: إِنِّي لا أَشْرَبُ شَيْئًا يُذْهِبُ عَقْلِي وَيُضْحِكُ بِي مَنْ هُوَ أَدْنَى مِنِّي وَيَحْمِلُنِي عَلَى أَنْ أُنْكِحَ كَرِيمَتَيَّ مَنْ لا أُرِيدُ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ فِي الْخَمْرِ. فَمَرَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ. وَتَلا عَلَيْهِ الآيَةَ فَقَالَ: تَبًّا لَهَا قَدْ كَانَ بَصَرِي فِيهَا ثَابِتًا.

وبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِفِنَاءِ بَيْتِهِ بِمَكَّةَ جَالِسًا إِذْ مَرَّ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ. فَكَشَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى الله عليه وسلم – فقال له رسول الله. ص: أَلا تَجْلِسُ؟ قَالَ: بَلَى. فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مُسْتَقْبِلَهُ. فَبَيْنَمَا هُوَ يُحَدِّثُهُ إِذْ شَخَصَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَنَظَرَ سَاعَةً إِلَى السَّمَاءِ. فَأَخَذَ يَضَعُ بَصَرَهُ حَتَّى وَضَعَهُ عَلَى يَمِينِهِ فِي الأَرْضِ. فَتَحَرَّفَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَنْ جَلِيسِهِ عُثْمَانَ إِلَى حَيْثُ وَضَعَ بَصَرَهُ. فَأَخَذَ يُنْغِضُ رَأْسَهُ كَأَنَّهُ يَسْتَفْقِهُ مَا يُقَالُ لَهُ. وَابْنُ مَظْعُونٍ يَنْظُرُ. فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ وَاسْتَفْقَهُ مَا يُقَالُ لَهُ. وَشَخَصَ بَصَرُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى السَّمَاءِ كَمَا شَخَصَ أَوَّلَ مَرَّةٍ. فَأَتْبَعَهُ بَصَرَهُ حَتَّى تَوَارَى فِي السَّمَاءِ. فَأَقْبَلَ عَلَى عُثْمَانَ بِجِلْسَتِهِ الأُولَى. فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا مُحَمَّدُ فِيمَا كُنْتُ أُجَالِسُكَ وَآتِيكَ مَا رَأَيْتُكَ تَفْعَلُ كَفِعْلِكَ الْغَدَاةَ. قَالَ: وَمَا رَأَيْتَنِي فَعَلْتُ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ تَشْخَصُ بَصَرَكَ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ وَضَعْتَهُ عَلَى يَمِينِكَ فَتَحَرَّفْتَ إِلَيْهِ وَتَرَكْتَنِي. فَأَخَذْتَ تُنْغِضُ رَأْسَكَ كَأَنَّكَ تَسْتَفْقِهُ شَيْئًا يُقَالُ لَكَ. قَالَ: أَوَفَطِنْتَ لِذَاكَ؟ قَالَ عُثْمَانُ: نعم. قال: فقال رسول الله. ص: أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ آنِفًا وَأَنْتَ جَالِسٌ. قُلْتُ: رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. قَالَ عُثْمَانُ: فَذَلِكَ حِينَ اسْتَقَرَّ الإِيمَانَ فِي قَلْبِي وَأَحْبَبْتُ مُحَمَّدًا] .

قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ قَالَ: انْطَلَقَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فعرض عَلَيْهِمُ الإِسْلامَ وَأَنْبَأَهُمْ بِشَرَائِعِهِ فَأَسْلَمُوا جَمِيعًا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَلِكَ قَبْلَ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – دَارَ الأَرْقَمِ. وَقَبْلَ أَنْ يَدْعُوَ فِيهَا. فأسلم عثمان بْن مظعون بْعد ثلاثة عشر رجلًا.

هجراته رضي الله عنه:

وَهَاجَرَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ الْهِجْرَتَيْنِ جَمِيعًا. وهاجر إِلَى الحبشة هُوَ وابنه السائب الهجرة الأولى مَعَ جماعة من المسلمين، فبلغهم وهم فِي الحبشة أن قريشًا قَدْ أسلمت فعادوا.

فلما بلغ من بالحبشة سجود أهل مكَّة مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقبلوا، ومن شاء اللَّه منهم، وهم يرون أنهم قَدْ تابعوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما ادنوا من مكَّة بلغهم الأمر، فثقل عليهم أن يرجعوا، وتخوفوا أن يدخلوا مكَّة بغير جوار، فمكثوا حتَّى دخل كل رَجُل منهم بجوار من بعض أهل مكَّة، وقدم عثمان بْن مظعون بجوار الْوَلِيد بْن المغيرة

ولما رَأَى عثمان ما يلقى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه من الأذى، وهو يغدو ويروح بأمان الْوَلِيد بْن المغيرة، قَالَ عثمان: والله إن غدوي ورواحي آمنًا بجوار رَجُل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل بيتي يلقون البلاء والأذى فِي اللَّه ما لا يصيبني لنقص شديد فِي نفسي، فمضى إِلَى الْوَلِيد بْن المغيرة، فَقَالَ: يا أبا عَبْد شمس، وفت ذمتك، قَدْ كنت فِي جوارك، وَقَدْ أحببت أن أخرج مِنْهُ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلي بِهِ وأصحابه أسوة، فَقَالَ الْوَلِيد: فلعلك، يا ابْنُ أخي، أوذيت أَوْ انتهكت؟ قَالَ: لا، ولكن أرضى بجوار اللَّه، ولا أريد أن أستجير بغيره! قَالَ: فانطلق إِلَى المسجد، فاردد عَلَى جواري علانية كما أجرتك علانية! فَقَالَ: انطلق، فخرجا حتَّى أتيا المسجد، فَقَالَ الْوَلِيد: هَذَا عثمان بْن مظعون قَدْ جاء ليرد عليّ جواري، فَقَالَ عثمان: صدق، وَقَدْ وجدته وفيًا كريم الجوار، وَقَدْ أحببت أن لا أستجير بغير اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ رددت عليهم جواره، ثُمَّ انصرف عثمان بْن مظعون، ولبيد بْن رَبِيعة بْن جَعْفَر بْن كلاب القيسي فِي مجلس قريش، فجلس معهم عثمان، فَقَالَ لبيد وهو ينشدهم: ألا كل شيء ما خلا اللَّه باطل فَقَالَ عثمان: صدقت، قَالَ لبيد: وكل نعيم لا محالة زائل فَقَالَ عثمان: كذبت، فالتفت القوم إِلَيْه، فقالوا للبيد: أعد علينا، فأعاد لبيد، وأعاد لَهُ عثمان بتكذيبه مرة وبتصديقه مرة، وَإِنما يعني عثمان، إِذَا قَالَ: كذبت، يعني نعيم الجنة لا يزول، فَقَالَ لبيد: والله يا معشر قريش ما كانت مجالسكم هكذا! فقام سفيه منهم إِلَى عثمان ابْنُ مظعون فلطم عينه، فاخضرت، فَقَالَ لَهُ من حوله: والله يا عثمان لقد كنت فِي ذمة منيعة وكانت عينك غنية عما لقيت! فَقَالَ عثمان: جوار اللَّه آمن وأعز وعيني الصحيحة فقرة إِلَى ما لقيت أختها ولي برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبمن آمن معه أسوة، لا فقال الْوَلِيد: هل لك في جواري؟ فقال عثمان: لا أرب لي فِي جوار أحد إلا فِي جوار اللَّه

وبعد ذلك إلى المدينة المنورة: وَآلُ مَظْعُونٍ مِمَّنْ أَوْعَبَ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْهِجْرَةِ رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ بِمَكَّةَ أَحَدٌ حَتَّى غُلِّقَتْ دُورُهُمْ.

نَزَلَ عُثْمَانُ وَقُدَامَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بَنُو مَظْعُونٍ وَالسَّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَمَعْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ حِينَ هَاجَرُوا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ الْعَجْلانِيِّ.

عَنْ أُمِّ الْعَلاءِ قَالَتْ: نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَالْمُهَاجِرُونَ مَعَهُ الْمَدِينَةَ فِي الْهِجْرَةِ فَتَشَاحَّتِ الأَنْصَارُ فِيهِمْ أَنْ يُنْزِلُوهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ حَتَّى اقْتَرَعُوا عَلَيْهِمْ. فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ عَلَى الْقُرْعَةِ. تَعْنِي وَقَعَ فِي سَهْمِنَا. وخَطَّ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَإِخْوَتِهِ مَوْضِعَ دَارِهِمُ

وآخَى رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بَيْنَه وبين وَأَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ. وقيل بينه وبين عباس بن عبادة الأنصاري ، ولم يشهد الأخير بدرًا، وقتل يَوْم أحد شهيدًا.

أخلاقه وفضائله رضي الله عنه:

أَتَى عُثْمَان بْنَ مَظْعُونٍ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لا أُحِبُّ أَنْ تَرَى امْرَأَتِي عُرْيَتِي. قال رسول الله. ص: وَلِمَ؟ قَالَ:أَسْتَحْيِي مِنْ ذَلِكَ وَأَكْرَهُهُ. قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَعَلَهَا لَكَ لِبَاسًا وَجَعَلَكَ لَهَا لِبَاسًا وَأَهْلِي يَرَوْنَ عُرْيَتِي. وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ مِنْهُمْ. قَالَ: أَنْتَ تَفْعَلُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَنْ بعدك] .[فلما أدبر قال رسول الله. ص: إِنَّ ابْنَ مَظْعُونٍ لَحَيِيٌّ سِتِّيرٌ] .

كان من أشد النَّاس اجتهادًا فِي العبادة، يصوم النهار ويقوم الليل، ويجتنب الشهوات، وأراد عُثْمَان بْنَ مَظْعُونٍ أَرَادَ أَنْ يَخْتَصِي وَيَسِيحَ في الأرض فقال له رسول الله. ص: [أَلَيْسَ لَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟ فَأَنَا آتِي النِّسَاءَ وَآكُلُ اللَّحْمَ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ. إِنَّ خِصَاءَ أُمَّتِي الصِّيَامُ وَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ خَصَى أو اختصى.]

عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: لَقَدْ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ لاخْتَصَى.

ودَخَلَتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَرَأَيْنَهَا سَيِّئَةَ الْهَيْئَةِ فَقُلْنَ لَهَا: مَا لَكِ؟ فَمَا فِي قُرَيْشٍ أَغْنَى مِنْ بَعْلِكِ. قَالَتْ: مَا لَنَا مِنْهُ شَيْءٌ. أَمَّا لَيْلَهُ فَقَائِمٌ وَأَمَّا نَهَارَهُ فَصَائِمٌ. فَدَخَلَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَذَكَرْنَ ذَلِكَ لَهُ. [فَلَقِيَهُ فَقَالَ: يَا عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ أَمَا لَكَ بِيَّ أسوة؟ فقال: يا بِأَبِي وَأُمِّي. وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ. قَالَ: إِنِّي لأَفْعَلُ.

قَالَ: لا تَفْعَلْ. إِنَّ لِعَيْنَيْكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِجَسَدِكَ حَقًّا وَإِنَّ لأَهْلِكَ حَقًّا فَصَلِّ وَنَمْ وَصُمْ وَأَفْطِرْ. قَالَ فَأَتَتْهُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَطِرَةً كَأَنَّهَا عَرُوسٌ فَقُلْنَ لَهَا: مَهْ؟ قَالَتْ: أَصَابَنَا مَا أَصَابَ النَّاسَ] .

وفي رواية: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ اتَّخَذَ بَيْتًا فَقَعَدَ يَتَعَبَّدُ فِيهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَأَتَاهُ فَأَخَذَ بِعِضَادَتَيْ بَابِ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي بِالرَّهْبَانِيَّةِ. مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا. وَإِنَّ خَيْرَ الدِّينِ عِنْدَ اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ] .

عن عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ تَشُقُّ عَلَيَّ هَذِهِ الْعُزْبَةُ فِي الْمَغَازِي فَتَأْذَنُ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي الْخِصَاءِ فَأَخْتَصِيَ؟ قَالَ: [لا. وَلَكِنْ عَلَيْكَ يَا ابْنَ مَظْعُونٍ بِالصِّيَامِ فَإِنَّهُ مُجْفِرٌ]

وَالْمُجْفِرُ الَّذِي إِذَا أَتَى النِّسَاءَ فَإِذَا قَامَ انْقَطَعَ ذَلِكَ.

زوجته خولة بنت حكيم السلمية واولاده:

كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن أنفسهن للنبي – صلى الله عليه وسلم – فأرجأها. وكانت تخدم النبي – صلى الله عليه وسلم – وتزوجها عثمان بن مظعون فمات عنها.

-جَاءَتْ [خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمِ بْنِ الأَوْقَصِ السُّلَمِيَّةُ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ إِلَى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنِّي أَرَاكَ قَدْ دَخَلَتْكَ خَلَّةٌ لِفَقْدِ خَدِيجَةَ. فَقَالَ: أَجَلْ. كَانَتْ أُمَّ الْعِيَالِ وَرَبَّةَ الْبَيْتِ.

قَالَتْ: أَفَلا أَخْطِبُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: بَلَى فَإِنَّكُنَّ مَعْشَرَ النِّسَاءِ أَرْفَقُ بِذَلِكَ. فَخَطَبْتُ عَلَيْهِ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ فتزوجها بمكة.

أخته زينب بنت مظعون زوجة عم وام حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها.

أم العلاء الأنصارية. أسلمت وبايعت رسول الله وروت عنه. وهي التي قالت: إن الأنصار تنافسوا في المهاجرين حتى اقترعوا عليهم فطار لنا في القرعة عثمان بن مظعون. وشهدت أم العلاء مع رسول الله خيبر.

ولده البكر السائب بْن عثمان بْن مظعون أسلم أول الإسلام وهاجر مع أبيه وعمه قادمة، وعبد اللَّه، إِلَى أرض الحبشة الهجرة الثانية، وذكره فيمن شهد بدرًا وجميع المشاهد، وقتل السائب يَوْم اليمامة شهيدًا، وهو ابن بضع وثلاثين سنة.

عن سعد هو ابن أبي وقاص، عن خولة بنت حكيم السلمية، قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ” من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك “.

بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون كانت تعتكف مع عمر، (وقد كبرا في السن).

وفاته رضي الله عنه:

كان قد شهد بدراً مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم مرض بعد ذلك فمرضته نساء المدينة، وهو أول رَجُل مات بالمدينة من المهاجرين، مات سنة اثنتين من الهجرة، قيل: توفي بعد اثنين وعشرين شهرًا بعد شهوده بدرًا، وهو أول من دفن بالبقيع.

دخل عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يحتضر، فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثوب فسجي عليه، وكان عثمان نازلاً على امرأة من الأنصار، يقال لها أم معاذ، مكث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متكئاً عليه طويلا، ثم تنحى فبكى، فبكى أهل البيت، قالت عائشة: فَرَأَيْتُ دُمُوعَ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تَسِيلُ عَلَى خَدِّ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ. ثُمَّ رفع رأسه، وله شهيق، وقَالَ: ” اذهب عنك أبا السائب، خرجت منها ولم تلبس مِنْهَا بشيء “. وقال: ” إلى رحمة الله أبا السائب “. قالت أم معاذ: هنيئاً لك أبا السائب الجنة. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” وما يدريك يا أم معاذ، ما هو فقد جاءه اليقين، ولا نعلم إلا خيراً “. قالت: لا، والله لا أقولها لأحد بعده أبداً.

وقالت أم العلاء: رَأَيْت لعثمان بْن مظعون عينًا تجري، فجئت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته، فَقَالَ: ” ذاك عمله “.

وعَنِ ابْنِ عَبَّاس، قَالَ: لما مات عثمان بْن مظعون، قَالَتْ امرأته: هنيئًا لَكَ الجنة! فنظر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظر المغضب، وقَالَ: ” وما يدريك؟ “، فقالت: يا رَسُول اللَّه فارسك وصاحبك! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” إني رَسُول اللَّه، وما أدري ما يفعل بي! “.

ولما توفي إِبْرَاهِيم ابْنُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” الحق بالسلف الصالح عثمان بْن مظعون “، وروى أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذاك لابنة له عند دفنها.

أمر البقيع مدفن الصحابة الكرام وتعليم القبور:

كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَرْتَادُ لأَصْحَابِهِ مَقْبَرَةً يُدْفَنُونَ فِيهَا فَكَانَ قَدْ جَاءَ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ وَأَطْرَافِهَا. قَالَ ثُمَّ قَالَ: أُمِرْتُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ. يَعْنِي الْبَقِيعَ. وَكَانَ يُقَالُ لَهُ بَقِيعُ الْخَبْخَبَةِ. وَكَانَ أَكْثَرُ نَبَاتِهِ الْغَرْقَدَ وَبِهِ نِجَالٌ كَثِيرَةٌ. وَالنَّجْلُ النَّزُّ. وَأَثْلٌ وَطَرْفَاءُ. وَبِهِ بَعُوضٌ كَالدُّخَانِ إِذَا أَمْسَوْا. فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ قُبِرَ هُنَاكَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ. فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حَجَرًا عِنْدَ رَأْسِهِ وَقَالَ: هَذَا فَرَطُنَا. فَكَانَ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ بَعْدَهُ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ نَدْفِنُهُ؟ فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ: عِنْدَ فَرَطِنَا عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ] . فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِشَيْءٍ فَوُضِعَ عِنْدَ رَأْسِهِ وَقَالَ: هَذَا عَلامَةُ قَبْرِهِ يُدْفَنُ إِلَيْهِ. يَعْنِي مَنْ مَاتَ مِنْ بعده. وأعلم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قبره بحجر، وكان يزوره.

عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ: رَأَيْتُ قَبْرَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَعِنْدَهُ شَيْءٌ مُرْتَفِعٌ. يَعْنِي كَأَنَّهُ عَلَمٌ.

ظن عمر بابن مظعون:

أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَفَاةً لَمْ يُقْتَلْ: هَبَطَ مِنْ نَفْسِي هَبْطَةً ضَخْمَةً فَقُلْتُ انْظُرُوا إِلَى هَذَا الَّذِي كَانَ أَشَدَّنَا تَخَلِّيًا مِنَ الدُّنْيَا ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُقْتَلْ فَلَمْ يَزَلْ عُثْمَانُ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ مِنْ نَفْسِي حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم – فقلت وَيْكَ إِنَّ خِيَارَنَا يَمُوتُونَ. ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ فَقُلْتُ وَيْكَ إِنَّ خِيَارَنَا يَمُوتُونَ. فَرَجَعَ عُثْمَانُ فِي نَفْسِي إِلَى الْمَنْزِلَةِ الَّتِي كَانَ بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ.

-واوصى عَبْد اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ اولاده قَالَ: ادْفِنُونِي عِنْدَ قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ.