عمرو بن العاص بن وائل السهمي

رضي الله عنه

عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ. ويكنى أبا عبد الله. وأمه النابغة بنت خزيمة من عنزة وأخوه لأمه عروة بن أبي أثاثة.
أسلم بأرض الحبشة عند النجاشي ثم قدم المدينة على رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم – مهاجرًا في هلال صفر سنة ثمان من الهجرة. وصحب رسول الله ص. واستعمله على غزوة ذات السلاسل. وبعثه يوم فتح مكة إلى سواع صنم هذيل فهدمه. وبعثة أيضًا إلى جيفر وعبد ابني الجلندا وكانا من الأزد بعُمَان يدعوهما إلى الإسلام فقبض رسول الله ص. وعمرو بعمان فخرج منها فقدم المدينة فبعثه أبو بكر الصديق أحد الأمراء إلى الشام فتولى ما تولى من فتحها وشهد اليرموك. وولاه عمر بن الخطاب فلسطين وما والاها. ثم كتب إليه أن يسير إلى مصر فسار إليها في المسلمين وهم ثلاثة آلاف وخمس مائة ففتح مصر و. ولاه عمر بن الخطاب مصر إلى أن مات. وولاه عثمان بن عفان مصر سنين ثم عزله واستعمل عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح.
فقدم عمرو المدينة فأقام بها. فلما نشب الناس في أمر عثمان خرج إلى الشام فنزل بها في أرض له بالسبع من أرض فلسطين حتى قتل عثمان. رحمه الله. فصار إلى معاوية فلم يزل معه يظهر الطلب بدم عثمان. وشهد معه صفين. ثم ولاه معاوية مصر فخرج إليها فلم يزل بها واليًا وابتنى بها دارًا ونزلها إلى أن مات بها يوم الفطر سنة ثلاث وأربعين في خلافة معاوية. ودفن بالمقطم مقبرة أهل مصر وهو سفح الجبل.
يعتبر من دهاة العرب: قُضَاةُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَرْبَعَةٌ: عُمَرُ وَعَلِيُّ وَزَيْدٌ وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ. وَدُهَاةُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَرْبَعَةٌ: عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَزِيَادٌ.
وحين هاجر ضعفاء المسلمين مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى أَرْضِ النَّجَاشِيِّ بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا فَبَعَثُوا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ. إلى النجاشي يحرضونه على المسلمين. وقصته في الحبشة ومكيدته بالمسلمين معروفة.
في غزوة أحد: قاتل عمرو بن العاص على الخيل في صف المشركين.
وفي غزوة الخندق: كان المشركون يتناوبون بينهم فيغدو أَبُو سُفْيَان بْن حرب فِي أصحابه يوما ويغدو خالد بْن الوليد يوما ويغدو عَمْرو بْن العاص يوما ويغدو هبيرة بْن أَبِي وهب يوما ويغدو ضرار بْن الْخَطَّاب الْفِهْريّ يوما. ولما انهزمت الأحزاب أقام عَمْرو بْن العاص وخالد بْن الوليد فِي مائتي فارس ساقة للعسكر وردءا لهم مخافة الطلب.
إسلام عمرو:
قدم عمرو من الحبشة وقد نوى الإسلام بعد أن نصحه النجاشي بذلك فأسلم عمرو مع خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة في يوم واحد حين قدموا المدينة معاً بعد عمرة القضاء.
سرية عَمْرو بْن العاص إلى ذات السلاسل:
وهي وراء وادي القرى وبينها وبين المدينة عشرة أيام. وكانت فِي جمادى الآخرة سنة ثمان مِن مهاجر رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حين بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أن جمعا مِن قضاعة قد تجمعوا يريدون أن يدنوا إلى أطراف رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَدَعَا رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَمْرو بْن العاص فعقد لَهُ لواء أبيض وجعل معه راية سوداء وبعثه فِي ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار ومعهم ثلاثون فرسا. وأمره أن يستعين بمن يمر بِهِ مِن بلي وعذرة وبلقين. فسار الليل وكمن النهار فلما قرب مِن القوم بلغه أن لهم جمعا كثيرا فبعث رافع بْن مكيث الجهني إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يستمده فبعث إِلَيْهِ أَبَا عُبَيدة بْن الجراح فِي مائتين وعقد لَهُ لواء وبعث معه سراة المهاجرين والأنصار. وفيهم أَبُو بَكْر وعمر. وأمره أن يلحق بعمرو وأن يكونا جميعا ولا يختلفا. فلحق بعمرو فأراد أَبُو عُبَيدة أن يؤم النّاس فَقَالَ عَمْرو: إنما قدمت عَلِيّ مددا وأنا الأمير. فأطاع لَهُ بذلك أَبُو عُبَيدة وكان عَمْرو يصلي بالناس وسار حتى وطيء بلاد بلي ودوخها حتى أتى إلى أقصى بلادهم وبلاد عذرة وبلقين. ولقي فِي آخر ذَلِكَ جمعا فحمل عليهم المسلمون فهربوا فِي البلاد وتفرقوا. ثُمَّ قفل وبعث عوف بْن مالك الأشجعي بريدا إلى رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فأخبره بقفولهم وسلامتهم وما كَانَ فِي غزاتهم.
وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إِلَى بَنِي فَزَارَةَ.
سرية عَمْرو بْن العاص إلى سُواع:
ثُمَّ سرية عمرو بن العاص إلى سواع فِي شهر رمضان سنة ثمان مِن مهاجر رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بعث النَّبِيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حين فتح مكّة عَمْرو بْن العاص إلى سواع. صنم هذيل. ليهدمه. قَالَ عَمْرو: فانتهيت إِلَيْهِ وعنده السادن فَقَالَ: ما تريد؟ قلت: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أن أهدمه. قَالَ: لا تقدر عَلَى ذَلِكَ. قلت: لم؟ قَالَ: تمنع! قلت:
حتى الآن أنت فِي الباطل! ويحك وهل يسمع أو يبصر! قَالَ: فدنوت منه فكسرته وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته فلم يجدوا فِيهِ شيئا. ثُمَّ قلت للسادن: كيف رَأَيْت؟ قَالَ: أسلمت لله.
وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عمرو بن الْعَاصِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ إِلَى جَيْفَرَ وَعَبْدٍ ابْنِي الْجُلَنْدَى. وَهُمَا مِنَ الأَزْدِ. وَالْمَلِكُ مِنْهُمَا جَيْفَرُ. يَدْعُوهُمَا إِلَى الإِسْلامِ. وَكَتَبَ مَعَهُ إِلَيْهِمَا كِتَابًا وَخَتَمَ الْكِتَابَ. قَالَ عَمْرٌو: فَلَمَّا قَدِمْتُ عُمَانَ عَمَدْتُ إِلَى عَبْدٍ. وَكَانَ أَحْلَمَ الرَّجُلَيْنِ وَأَسْهَلَهُمَا خُلُقًا. فَقُلْتُ: إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –
إِلَيْكَ وَإِلَى أَخِيكَ. فَقَالَ: أَخِي الْمُقَدَّمُ عَلَيَّ بِالسِّنِّ وَالْمُلْكِ. وَأَنَا أُوصِلُكَ إِلَيْهِ حَتَّى يَقْرَأَ كِتَابَكَ. فَمَكَثْتُ أَيَّامًا بِبَابِهِ. ثُمَّ إِنَّهُ دَعَانِي فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ الْكِتَابَ مَخْتُومًا. فَفَضَّ خَاتَمَهُ وَقَرَأَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى آخِرِهِ. ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى أَخِيهِ فَقَرَأَهُ مِثْلَ قِرَاءَتِهِ. إِلا أَنِّي رَأَيْتُ أَخَاهَ أَرَقَّ مِنْهُ. فَقَالَ: دَعْنِي يَوْمِي هَذَا وَارْجِعْ إِلَيَّ غَدًا. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَجَعْتُ إِلَيْهِ. قَالَ: إِنِّي فَكَّرْتُ فِيمَا دَعَوْتَنِي إِلَيْهِ. فَإِذَا أَنَا أَضْعَفُ الْعَرَبِ إِذَا مَلَّكْتُ رَجُلا مَا فِي يَدِي. قُلْتُ: فَإِنِّي خَارِجٌ غَدًا. فَلَمَّا أَيْقَنَّ بِمَخْرَجِي أَصْبَحَ فَأَرْسَلَ إِلَيَّ. فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَأَجَابَ إِلَى الإِسْلامِ هُوَ وَأَخُوهُ جَمِيعًا وَصَدَّقَا بِالنَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَخَلَّيَا بَيْنِي وَبَيْنَ الصَّدَقَةِ وَبَيْنَ الْحُكْمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ. وَكَانَا لِي عَوْنًا عَلَى مَنْ خَالَفَنِي. فَأَخَذْتُ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَرَدَّدْتُهَا فِي فُقَرَائِهِمْ. فَلَمْ أَزَلْ مُقِيمًا فِيهِمْ حَتَّى بَلَغَنَا وَفَاةُ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –
في عهد أبي بكر: خرج عمرو بن العاص على رأس جيش تولى فلسطين قبل أن يشارك مع الجمع في اليرموك، وكَانَ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ أَجْنَادِينَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ. فِي خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي جُمَادَى الأُولَى سَنَةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ. ثم تولى فتح مصر وولّاه عمر عليها.
في عهد عمر:
كتب عمر إلى عمرو الأمير على مصر في عام الرمادة (أصابت الجزيرة مجاعة): بسم الله الرحمن الرحيم، مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إلى العاصي بن العاصي. سَلامٌ عَلَيْكَ. أَمَّا بَعْدُ أَفَتَرَانِي هَالِكًا وَمَنْ قِبَلِي وَتَعِيشُ أَنْتَ وَمَنْ قِبَلَكَ؟ فَيَا غَوْثَاهُ. ثَلاثًا. قَالَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: بسم الله الرحمن الرحيم. لعبد اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ. أَمَّا بَعْدُ أَتَاكَ الْغَوْثُ فَلَبِّثْ لَبِّثْ. لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكَ بِعِيرٍ أَوَّلُهَا عِنْدَكَ وَآخِرُهَا عِنْدِي.فبْعَثُ بِالطَّعَامِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بَعَثَ إِلَيْهِ فِي الْبَحْرِ بِعِشْرِينَ سَفِينَةً تَحْمِلُ الدَّقِيقَ وَالْوَدَكَ. وَبَعَثَ إِلَيْهِ فِي الْبَرِّ بِأَلْفِ بَعِيرٍ تَحْمِلُ الدَّقِيقَ.
بعيد مقتل عمر على يد أبي لؤلؤة المجوسي: جن جنون عبيد الله بن عمر فشهر سيفه وقتل بعض الفرس ممن أشهروا إسلامهم. وَأَرَادَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَنْ لا يَتْرُكَ سَبْيًا بِالْمَدِينَةِ إِلا قَتَلَهُ. فَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ عَلَيْهِ فَنَهَوْهُ وَتَوَعَّدُوهُ فَقَالَ: وَاللَّهِ لأَقْتُلَنَّهُمْ وَغَيْرَهُمْ. وَعَرَّضَ بِبَعْضِ الْمُهَاجِرِينَ فَلَمْ يَزَلْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِهِ حَتَّى دَفَعَ إِلَيْهِ السَّيْفَ. وود فريق من الصحابة ان يقتل عثمان عبيد الله ابن عمر بمن قتل من قبلن فخاف آخرون من تبعة ذلك فقالوا :أتريدون أن تتبعوا عمرا بابنه؟ فَكَثُرَ فِي ذَلِكَ اللَّغَطُ وَالاخْتِلافُ ثُمَّ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِعُثْمَانَ: يا أمير المؤمنين إن هذه الأَمْرَ قَدْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ لَكَ عَلَى النَّاسِ سُلْطَانٌ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ. وَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ خُطْبَةِ عَمْرٍو وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُثْمَانُ وَوُدِيَ الرجلان والجارية.
دوره في استخلاف عثمان بعد استشهاد عمر:
عن أم بَكْرِ بِنْتِ الْمِسْوَرِ عَنْ أَبِيهَا قَالَ: لَمَّا وَلِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الشُّورَى كَانَ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ أَنْ يَلِيَهُ. فَإِنْ تَرَكَهُ فَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. فَلَحِقَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ:
مَا ظَنُّ خَالِكَ بِاللَّهِ أَنْ وَلَّى هَذَا الأَمْرَ أَحَدًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُ. قَالَ فَقَالَ لِي مَا أُحِبُّ. فَأَتَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: مَنْ قَالَ ذَلِكَ لَكَ؟ فَقُلْتُ: لا أُخْبِرُكُ. فَقَالَ: لَئِنْ لَمْ تُخْبِرْنِي لا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا. فَقُلْتُ: عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فو الله لأَنْ تُؤْخَذَ مُدْيَةٌ فَتُوضَعَ فِي حَلْقِي ثُمَّ ينفذ بها إلى جانب الآخَرِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ.
أزمة الخليفة عثمان: بعد أن كثر انتقاد الخليفة عثمان وطال عهده وملّت الناس، جاء المتآمرون بسيل من التهم، وجلها افتراء ومبالغة، فلم يجد عمرو بداً من إخراج عثمان من مأزقه بعد أن سيطر المتآمرون على المدينة وعجز أحد عن ردهم. فقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِعُثْمَانَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: يَا عُثْمَانُ إِنَّكَ قَدْ رَكِبْتَ بِهَذِهِ الأُمَّةِ نَهَابِيرَ مِنَ الأَمْرِ فَتُبْ وَلْيَتُوبُوا مَعَكَ. قَالَ فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ. وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ.
الفتنة بين المسلمين:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: إِنَّنِي لأَسِيرُ مَعَ مُعَاوِيَةَ فِي مُنْصَرَفِهِ عَنْ صِفِّينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: يَا أَبَتِ [سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ لِعَمَّارٍ وَيْحَكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ؟] قَالَ: فَقَالَ عَمْرُو لِمُعَاوِيَةَ: أَلا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا تَزَالُ تَأْتِينَا بِهَنَةٍ تَدْحَضُ بِهَا فِي بَوْلِكَ. أَنَحْنُ قتلناه؟
إنما قتله الذين جاؤوا به.
ذكر علي ومعاوية وتحكيم الحكمين:
ثم خرج يريد مُعَاوِيَة بْن أبي سُفْيَان ومن معه بالشام. فبلغ ذلك معاوية فخرج فيمن معه من أَهْل الشّام والتقوا بصفين فِي صفر سنة سبْعٍ وثلاثين. فلم يزالوا يقتتلون بها أياما. وقتل بصفين عمّار بْن ياسر. وخزيمة بْن ثابت. وأبو عمرة الْمَازِنِيّ. وكانوا مع عليّ. ورفع أَهْل الشّام المصاحف يدعون إِلَى ما فيها مكيدة من عَمْرو بْن العاص أشار بِذَلِك على مُعَاوِيَة وهو معه. فكره النّاس الحرب وتداعوا إِلَى الصلح. وحكموا الحكمين فَحَكَّمَ عَلِيُّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. وَحَكَّمَ مُعَاوِيَة عَمْرو بن العاص. وكتبوا بينهم كتابًا أن يوافوا رأس الحول بأذرح فينظروا فِي أمر هَذِهِ الأُمّة. فافترق النّاس فرجع مُعَاوِيَة بالألفة من أَهْل الشّام وانصرف عليّ إِلَى الكوفة بالاختلاف والدغل. وخرجت عليه الخوارج من أصحابه إلى حروراء فسموا بالحرورية…
وفي اذرح قدم عمرو أبا موسى بعد ان اتفقا على خلع علي ومعاوية وترك الأمر شورى للمسلمين، قال عمرو: فَتَكَلَّمْ يَا أَبَا مُوسَى. فَأَتَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَخَلا بِهِ فَقَالَ: أَنْتَ فِي خُدْعَةٍ. أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لا تَبْدَأْهُ وَتَعَقَّبْهُ فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ أَعْطَاكَ أَمْرًا خَالِيًا ثُمَّ يَنْزِعَ عَنْهُ عَلَى مَلإٍ مِنَ النَّاسِ وَاجْتِمَاعِهِمْ. فَقَالَ الأَشْعَرِيُّ: لا تَخْشَ ذَلِكَ. قَدِ اجْتَمَعْنَا وَاصْطَلَحْنَا.
فَقَامَ أَبُو مُوسَى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ نَظَرْنَا فِي أَمْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ فَلَمْ نَرَ شَيْئًا هُوَ أَصْلَحُ لأَمْرِهَا وَلا أَلَمُّ لِشَعَثِهَا مِنْ أَنْ لا نَبْتَزَّ أُمُورَهَا وَلا نَعْصِبَهَا حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ رَضًى مِنْهَا وَتَشَاورٍ. وَقَدِ اجْتَمَعْتُ أَنَا وَصَاحِبِي عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ. عَلَى خَلْعِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ وَتَسْتَقْبِلُ هَذِهِ الأُمَّةُ هَذَا الأَمْرَ فَيَكُونُ شُورَى بَيْنَهُمْ يُوَلُّونَ مِنْهُمْ مَنْ أَحَبُّوا عَلَيْهِمْ. وَإِنِّي قَدْ خَلَعْتُ عَلِيًّا وَمُعَاوِيَةَ فَوَلُّوا أَمْرَكُمْ مَنْ رَأَيْتُمْ. ثُمَّ تَنَحَّى. فَأَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا قَدْ قَالَ مَا قَدْ سَمِعْتُمْ وَخَلَعَ صَاحِبَهُ وَإِنِّي أَخْلَعُ صَاحِبَهُ كَمَا خَلْعَهُ وَأُثْبِتُ صَاحِبِي معاوية فإنه ولي ابن عَفَّانَ وَالطَّالِبُ بِدَمِهِ وَأَحَقُّ النَّاسِ بِمَقَامِهِ. فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: وَيْحَكَ يَا أَبَا مُوسَى مَا أَضْعَفَكَ عَنْ عَمْرٍو وَمَكَائِدِهِ! فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَمَا أَصْنَعُ؟ جَامَعَنِي عَلَى أَمْرٍ ثُمَّ نَزَعَ عَنْهُ. وانفض الجمع بلا نتيجة.
نجاة عمرو ومعاوية واستشهاد الإمام عليّ:
انْتُدِبَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ مِنَ الْخَوَارِجِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مُلْجَمٍ الْمُرَادِيُّ. وَهُوَ مِنْ حِمْيَرَ. وِعِدِادُهُ فِي مُرَادٍ. وَهُوَ حَلِيفُ بَنِي جَبَلَةَ مِنْ كِنْدَةَ. وَالْبُرَكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ. وَعَمْرُو بْنُ بُكَيْرٍ التَّمِيمِيُّ. فَاجْتَمَعُوا بِمَكَّةَ وَتَعَاهَدُوا وَتَعَاقَدُوا لَيُقْتَلَنَّ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةَ: عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَمُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَيُرِيحَنَّ الْعِبَادَ مِنْهُمْ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ: أَنَا لَكُمُ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَقَالَ الْبُرَكُ: وَأَنَا لَكُمْ بِمُعَاوِيَةَ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ بُكَيْرٍ: أَنَا أَكْفِيكُمْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ. فَتَعَاهَدُوا عَلَى ذَلِكَ وَتَعَاقَدُوا وَتَوَاثَقُوا لا يَنْكُصُ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَنْ صَاحِبِهِ الَّذِي سَمَّى وَيَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ أَوْ يَمُوتَ دُونَهُ. فَاتَّعَدُوا بَيْنَهُمْ لَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ. ثُمَّ تَوَجَّهَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى الْمِصْرِ الَّذِي فِيهِ صَاحِبُهُ.
فقتل علي وجرح معاوية جرحا أبلّ منه.ونجا عمرو بان أرسل إلى المسجد مكانه قاضيه خَارِجَةُ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ غَانِمِ ليصلي بالناس. فتقدم الخارجي فضرب خارجة بالسيف وهو يظن أنه عمرو بن العاص فقتله. فأخذ فأدخل على عَمْرو. وقالوا: والله ما قتلت عمرًا. وإنما ضربت خارجة. فقال: أردت عمرًا وأراد الله خارجة. فذهبت مثلًا.
توتر علاقته بمعاوية:
لَمَّا صَارَ الأَمْرُ في بدي مُعَاوِيَةَ اسْتَكْثَرَ طُعْمَةَ مِصْرَ لِعَمْرٍو مَا عَاشَ وَرَأَى عَمْرٌو أَنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ قَدْ صَلُحَ بِهِ وَبِتَدْبِيرِهِ وَعَنَائِهِ وَسَعْيِهِ فِيهِ. وَظَنَّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ سَيَزِيدُهُ الشَّامَ مَعَ مِصْرَ فَلَمْ يفعل معاوية. فتنكر عمرو لمعاوية فاختلفا وتغالظا وَتَمَيَّزَ النَّاسُ وَظَنُّوا أَنَّهُ لا يَجْتَمِعُ أَمْرُهُمَا.
فَدَخَلَ بَيْنَهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ فَأَصْلَحَ أَمْرَهُمَا وَكَتَبَ بَيْنَهُمَا كِتَابًا وَشَرَطَ فِيهِ شُرُوطًا لِمُعَاوِيَةَ وَعَمْرٍو خَاصَّةً وَلِلنَّاسِ عَلَيْهِ. وَأَنَّ لِعَمْرٍو وِلايَةَ مِصْرَ سَبْعَ سِنِينَ. وَعَلَى أَنَّ عَلَى عَمْرٍو السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ لِمُعَاوِيَةَ. وَتَوَاثَقَا وَتَعَاهَدَا عَلَى ذَلِكَ وأشهدا عَلَيْهِمَا بِهِ شُهُودًا.
ثُمَّ مَضَى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى مِصْرَ وَالِيًا عَلَيْهَا وَذَلِكَ فِي آخر سنة تسع وثلاثين. ومَا مَكَثَ بِهَا إِلا سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا حتى مات.
احتضاره ووفاته:
حين حَضَر عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ الْمَوْت، حَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْحَائِطِ يَبْكِي طَوِيلا وَابْنُهُ يَقُولُ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِكَذَا؟ أَمَا بَشَّرَكَ بِكَذَا؟ قَالَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَبْكِي وَوَجْهُهُ إِلَى الْحَائِطِ. قَالَ ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إِلَيْنَا فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مِمَّا تَعُدُ عَلَيَّ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَلَكِنِّي قَدْ كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلاثٍ. قَدْ رَأَيْتُنِي مَا من الناس من أَحَدٌ أَبْغَضُ إِلِيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَلا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَسْتَمْكِنَ مِنْهُ فَأَقْتُلَهُ. فَلَوْ مِتُّ عَلَى تِلْكَ الطَّبَقَةِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. ثُمَّ جَعَلَ اللَّهُ الإِسْلامَ فِي قَلْبِي فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لأُبَايِعَهُ فَقُلْتُ: ابسط يمينك أبايعك يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ فَبَسَطَ يَدَهُ ثُمَّ إِنِّي قَبَضْتُ يَدِي [فَقَالَ: مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟ قَالَ فَقُلْتُ:
أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ. فَقَالَ: تَشْتَرِطُ مَاذَا؟ فَقُلْتُ: اشْتَرِطُ أَنْ يُغْفَرَ لِي. فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ يَا عَمْرُو أَنَّ الإِسْلامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنُّ الْهِجْرَةُ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟] فَقَدْ رَأَيْتُنِي مَا مِنَ النَّاسِ أُحُدٌ أَحَبُّ إِلِيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَلا أَجَلُّ فِي عَيْنِي مِنْهُ. وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَنْعَتَهُ مَا أَطَقْتُ لأَنِّي لَمْ أَكُنْ أُطِيقُ أَنْ أَمْلأَ عَيْنِي إِجْلالا لَهُ.
فَلَوْ مِتُّ عَلَى تِلْكَ الطَّبَقَةِ رَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. ثُمَّ وُلِيِّنَا أَشْيَاءَ بَعْدُ فَلَسْتُ أَدْرِي مَا أَنَا فِيهَا أَوْ مَا حَالِي فِيهَا. فَإِذَا أَنَا مِتُّ فَلا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلا نَارٌ. فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَسُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ سَنًّا. فَإِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ قَبْرِي فَامْكُثُوا عِنْدَ قَبْرِي قَدْرَ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا فَإِنِّي أَسْتَأْنِسُ بِكُمْ حَتَّى أَعْلَمَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي.
ودعا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ حَرَسَهُ فَقَالَ: أَيُّ صَاحِبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: كُنْتَ لَنَا صَاحِبَ صَدْقٍ تُكْرِمُنَا وَتُعْطِينَا وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ. قَالَ: فَإِنِّي إِنَّمَا كُنْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ لِتَمْنَعُونِي مِنَ الْمَوْتِ. وَإِنَّ الْمَوْتَ هَا هُوَ ذَا قَدْ نَزَلَ بِي فَأَغْنُوهُ عَنِّي. فَنَظَرَ القوم بعضهم إلى بعض فقالوا: لا نُغْنِي عَنْكَ مِنَ الْمَوْتِ شَيْئًا. فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ قُلْتُهَا وَإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لا تُغْنُونَ عَنِّي مِنَ الْمَوْتِ شَيْئًا وَلَكِنْ الله لأَنْ أَكُونَ لَمْ أَتَّخِذْ مِنْكُمْ رَجُلا قَطُّ يَمْنَعُنِي مِنَ الْمَوْتِ أَحَبَّ إِلَى مِنْ كَذَا وَكَذَا. فَيَا وَيْحَ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ إِذْ يَقُولُ حَرَسُ أُمَرَاءِ أَجَلِهِ. ثُمَّ قَالَ عَمْرٌو: اللَّهُمَّ لا بَرِيءَ فَأَعْتَذِرُ وَلا عَزِيزَ فَأَنْتَصِرُ وإلا تدركني برحمة أكن من الهالكين.
وكان عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَقُولُ: عَجَبًا لِمَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ وَعَقْلُهُ مَعَهُ كَيْفَ لا يَصِفُهُ. فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ قَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: يَا أَبَتِ إِنَّكَ كُنْتَ تَقُولُ عَجَبًا لِمَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ وَعَقْلُهُ مَعَهُ كَيْفَ لا يَصِفُهُ فَصِفْ لَنَا الْمَوْتَ وَعَقْلُكُ مَعَكَ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ. الْمَوْتُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُوصَفَ وَلَكِنِّي سَأَصِفُ لَكَ مِنْهُ شَيْئًا. أَجِدُنِي كَأَنَّ عَلَى عُنُقِي جِبَالُ رَضْوَى. وَأَجِدُنِي كَأَنَّ فِي جَوْفِي شَوْكَ السِّلاءِ. وَأَجِدُنِي كَأَنَّ نفسي يخرج من ثقب إبرة.
وأوصى ابنه عَبْد اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: يَا بُنَيَّ إِذَا مِتُّ فَاغْسِلْنِي غَسْلَةً بِالْمَاءِ ثُمَّ جَفِّفْنِي فِي ثَوْبٍ. ثُمَّ اغْسِلْنِي الثَّانِيَةَ بِمَاءٍ قُرَاحٍ ثُمَّ جَفِّفْنِي فِي ثَوْبٍ. ثُمَّ اغْسِلْنِي الثَّالِثَةَ بِمَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ من كافور ثُمَّ جَفِّفْنِي فِي ثَوْبٍ. ثُمَّ إِذَا أَلْبَسْتَنِي الثِّيَابَ فَأَزِرَّ عَلَيَّ فَإِنِّي مُخَاصِمٌ. ثُمَّ إِذَا أَنْتَ حَمَلْتَنِي عَلَى السَّرِيرِ فَامْشِ بِي مَشْيًا بَيْنَ الْمَشْيَتَيْنِ وَكُنْ خَلْفَ الْجَنَازَةِ فَإِنَّ مُقَدَّمَهَا لِلْمَلائِكَةِ وَخَلْفَهَا لِبَنِي آدَمَ. فَإِذَا أَنْتَ وَضَعْتَنِي فِي الْقَبْرِ فَسُنَّ عَلَيَّ التُّرَابَ سَنًّا. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَنَا فَرَكِبْنَا وَنَهَيْتَنَا فَأَضَعْنَا فَلا بَرِيءَ فَأَعْتَذِرُ وَلا عَزِيزَ فَأَنْتَصِرُ وَلَكِنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. مَا زَالَ يَقُولُهَا حتى مات.
تُوُفِّيَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَوْمَ الْفِطْرِ بِمِصْرَ سَنَةَ ثلاث وَأَرْبَعِينَ وَهُوَ والٍ عليها.
مما روي عن عمرو:
-عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ. قُلْتُ: إِنَّمَا أَعْنِي مِنَ الرِّجَالِ. قَالَ: أَبُوهَا] .
-قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنِّي لأَرْجُو أَلا يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مَاتَ يَوْمَ مَاتَ وَهُوَ يُحِبُّ رَجُلا فَيُدْخِلَهُ اللَّهُ النَّارَ. قَالَ: فَقَالُوا قَدْ كُنَّا نَرَاهُ يُحِبُّكَ وَكَانَ يَسْتَعْمِلُكَ. قَالَ فَقَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ أَحَبَّنِي أَمْ تَأَلَّفَنِي. وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَاهُ يُحِبُّ رَجُلا. قَالُوا: فَمَنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ.
قَالُوا: فَذَاكَ قَتِيلُكُمْ يَوْمَ صِفِّينَ. قَالَ: قَدْ وَاللَّهِ قَتَلْنَاهُ.
قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالا: أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ قَالَ: قِيلَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُحِبُّكَ وَيَسْتَعْمِلُكَ.
قَالَ: قَدْ كَانَ وَاللَّهِ يَفْعَلُ فَلا أَدْرِي أَحُبٌّ أَمْ تَأَلُّفٌ يَتَأَلَّفُنِي…
كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَسْأَلُهُ عَنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ. قَالَ فَكَتَبَ عَمْرٌو إِلَيْهِ يَقُولُ: دُودٌ عَلَى عُودٍ فَإِنِ انْكَسَرَ الْعُودُ هَلَكَ الدُّودُ. قَالَ فَكَرِهَ عُمَرُ أَنْ يَحْمِلَهُمْ فِي الْبَحْرِ. قَالَ هِشَامٌ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلالٍ: فَأَمْسَكَ عُمَرُ عَنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ.
كان بعض النفر يَسِيرُونَ بَيْنَ يَدَيْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَأَثَارُوا الْغُبَارَ فَجَعَلَ عَمْرٌو طَرَفَ عِمَامَتِهِ عَلَى أَنْفِهِ. ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا الْغُبَارَ فَإِنَّهُ أَوْشَكُ شَيْءٍ دُخُولا وَأَبْعَدُهُ خُرُوجًا وَإِذَا وَقَعَ عَلَى الرَّيَّةِ صَارَ نَسَمَةً. فَقَالَ بَعْضُنَا لأُولَئِكَ النَّفَرِ: تَنَحَّوْا. فَفَعَلُوا إِلا واحد فَقِيلَ لَهُ: أَلا تَتَنَحَّى يَا فلانٍ؟ فَقَالَ عَمْرٌو: دَعُوهُ فَإِنَّ غُبَارَ الْخَصِيِّ لا يَضُرُّ.