إشارات إعجازية في تكوين لـبـن (حليب) الأنـعــام

  د. حامد عطيه محمد*

في قوله تعالى : {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً  نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ}. (النحل: 66).

أدرك البشر منذ زمن بعيد العلاقة بين إدرار اللبن وما يتناوله الحيوان من غذاء، ولكنهم لم يعرفوا العملية التي يتم بها تحول هذا الغذاء إلى لبن، ولكن القرآن الكريم قد أشار إلى ذلك منذ أربعة عشر قرنا، وجاء العلم الحديث ليكشف عن مراحل تكوين اللبن خالصاً سائغاً للشاربين مطابقا لما ورد في آيات الله اللطيف الخبير.

 

 فقد استطاع العلماء حديثا معرفة كيف يتكون اللبن في بطون الأنعام بعد اكتشاف أسرار الجهاز الهضمي ومعرفة وظائف أعضائه، وبعد اكتشاف الدورة الدموية وعلاقتها بعملية امتصاص المواد الغذائية من الأمعاء ودخولها في الدم بعد أن اخترعت الآلات التي تم بها إجراء التجارب والأبحاث لتحقيق النتائج الدقيقة.

قبل أن يكتشف العلم آلية تكوين اللبن، هدى الله تعالى بعض المفسرين إلى الفهم الصحيح لمعنى «من بين» وأنها تعني من بعض الفرث ثم من بعض الدم، على الرغم من عدم معرفتهم للكيفية التي لم يطلع عليها البشر إلا بعد قرون من نزول هذه الآية الكريمة.

إن لفظ «خالصاً» في الآية دليل آخر على أن مواد اللبن تخلص من بين الدم بعد أن خلصت من الفرث، وقد ألمح إلى هذا المعنى الطبري بقوله: خلص من مخالطة الدم والفرث فلم يختلطا به.

الإشارات الإعجازية في تكوين لبن الأنعام

     اللبن الذي يعد من أهم الأغذية عند الإنسان يخرج إلينا من بطون الأنعام بعملية مدهشة؛ فهو يتم بالتنسيق المحكم والتدرج الدقيق بين الجهاز الهضمي والجهاز الدوري والجهاز التناسلي عن طريق الغدد اللبنية في الضروع وغيرها من الأجهزة؛ حيث جعل الله لكل جهاز وظيفة وأعمالاً خاصة يقوم بها ليتكون – في نهاية المطاف – اللبن الخالص السائغ للشاربين. ويمكن أن نجمل مراحل تكون اللبن كالآتي:

1- عملية الهضم في الكرش (تحول العلف إلى فرث):

     يتم الهضم على عدة أشكال فمنه الهضم (الحركي) والهضم الكيماوي والهضم الميكروبي بواسطة (خمائر) الميكروبات الموجودة في كرش الأنعام؛ حيث تبدأ عملية الهضم في الفم بنوعيها: الهضم (الحركي) و(الخمائري)؛ حيث يتم تقطيع مواد العلف بالمضغ وخلطها باللعاب الذي يحتوي على إنزيم (الأميليز)، الذي يقوم بهضم مبدئي؛ ثم في المعدة المركبة؛ حيث يتم هضم ميكانيكي وميكروبي وكيماوي ثم يتم اجترار الكتلة الغذائية من الكرش إلى الفم ليعاد مضغها وخلطها باللعاب ثم إعادة بلعها لتعمل عليها بكتريا الكرش فتحلل (السكريات) و(البروتينات) ثم يحدث الهضم (الخمائري) في المعدة الحقيقية (بالببسين والرنين). وبعمليات الهضم هذه يتحول العلف إلى فرث، ويتحول الفرث الصلب بعد هضمه في الأمعاء إلى فرث رائق.

2- عملية استخلاص الأحماض الدهنية من بين الفرث:

     يحدث تخمر وتغيير في تركيب الفرث من جراء هدم قلورا الكرش لهذا السليلوز، والمواد السكرية، مما يؤدي إلى إنتاج ثلاثة أحماض دهنية، وهي حمض الخليك وحمض البيوترك، وحمض البروبيونيك، فتمتص الشعيرات الدموية المنتشرة حول الكرش هذه الأحماض، وذلك دون مرورها في القناة الهضمية إلى الأمعاء، كما هو متبع مع باقي الغذاء، كما بينت الآية الكريمة {من بين فرث ودم}، فتصل إلى الغدد اللبنية.

     وبانتقال الفرث إلى الأمعاء الدقيقة تستمر عملية الهضم فيتعرض الفرث للإنزيمات الهاضمة في الأمعاء والبنكرياس والعصارة الصفراء في الكبد. وبهذا يتم تحليل الأطعمة المحتوية على الجزيئات المعقدة جداً إلى جزيئات بسيطة، فالنشاء والسكريات المعقدة تتحول إلى سكريات بسيطة، والدهون تتحول إلى أحماض دهنية، والبروتينات تتحول إلى أحماض أمينية وببتيدات، أما الفيتامينات والأملاح والماء فلا تحتاج إلى هضم قبل امتصاصها. كما تقوم الخملات في الأمعاء الدقيقة بامتصاص المواد الغذائية المحللة بطرائق عدة، وتصل هذه المواد إلى داخل الأوعية الدموية الصغيرة الواقعة تحت النسيج الطلائي، ومنها إلى الأوعية الدموية الأكبر فتدخل في تيار الدورة الدموية.

3- عملية استخلاص من بين الدم (من بين فرث ودم):

     بعد امتصاص الأحماض الدهنية عن طريق الشعيرات الدموية المنتشرة حول الكرش تصل هذه الأحماض وتسير في الدم ومنه إلى الكبد؛ حيث تتم عمليات معقدة يتحول فيها حمض البروبينك إلى مادة الأوكسال اسيتيت التي تتحول بدورها لإنتاج جزيء جيليكوز الذي يمر عبرالأوعية الدموية التي تغذي الضرع ليتحد مع جزيء الجلاكتوز لينتج جزيء اللكتوز (سكر اللبن).

4- تكوين اللبن في ضروع الأنعام:

يتم تكوين اللبن بواسطة الغدد الثديية أو الضرع عن طريق عمليتين مهمتين:

أ- المرحلة الأولى: ترشيح بعض مكونات اللبن من مجرى الدم.

ب- المرحلة الثانية: تركيب مكونات اللبن الأخرى بواسطة التمثيل الغذائي الخلوي داخل الضرع.

أ-المرحلة الأولى:

ترشيح بعض مكونات اللبن من مجرى الدم:

     يقوم الدم بنقل هذه المواد الغذائية إلى جميع خلايا الجسم والتي منها خلايا الضروع التي يتم فيها امتصاص مكونات الحليب من الدم.

     حمض الخليك يقوم بتكوين دهن اللبن، وحمض البيوترك يقوم بتكوين بروتين اللبن، وحمض البروبيونيك يقوم بتكوين سكر اللبن عن طريق اتحاد جزيء من الجلوكوز مع جزيء من اللاكتوز.

 1- عملية تكوين الأحماض الدهنية في اللبن:

     غالبية الدهون في اللبن تنتج أصلا من الزيوت والدهون النباتية المستمدة من العلف والمهضومة هضما جزئيا في معده الاجترار (الفرث) ثم ينقلها الدم إلى الغدد المفرزة للبن في الضرع وهنا تتكسر إلى رقائق صغيرة  حتى تتمكن من اختراق جدر خلايا تلك الغدد. وعلى ذلك فإن تمام عملية اجترار الأعلاف التي يتناولها الواحد من الأنعام بكفاءة، وعملية تخمرها في معدة الاجترار بكفاءة مسؤولان عن زيادة الدهون في اللبن أو نقصها.

     أثبتت الدراسات الحديثة أن وجود الدهن في اللبن هو السبب في وجود الطعم المستساغ له وكلما قلت نسبة الدهن قل استساغة طعم اللبن عند الشرب. كما وجد أيضاً أنه كلما زادت نسبة السليلوز في الغذاء زادت نسبة حمضي الخليك، و بذلك تزيد كمية الدهن في اللبن و بالتالي تزداد استساغته وصدق الله القائل: {لبنا خالصا سائغا للشاربين}.

2- تكوين المواد البروتينية في اللبن:

     أما المواد البروتينية فتنتج في الخلايا المفرزة للبن من الأحماض الأمينية التي يحملها إليها الدم من معدة الاجترار (الفرث) هذا باستثناء كل من المواد الزلالية، والجلوبينات المناعية التي ينقلها الدم مباشرة إلى الخلايا المفرزة له. واللبا الذي يتكون في الفترات المتأخرة من الحمل في أماكن أخرى من جسم الحيوان وينقله الدم مباشرة إلى ضروعه.

3- تكوين الأملاح المعدنية والفيتامينات:

     في اللبن العديد من آثار العناصر التي من أهمها الكالسيوم، والفوسفور، والبوتاسيوم، والمغنيسيوم، ويليها في الأهمية كل من الصوديوم، والكلور وكلها مستخلصة من غذاء الحيوان (العلف) بعد تخمره في معدة الاجترار (الفر ث).

ب-المرحلة الثانية:

تركيب مكونات اللبن الأخرى بواسطة التمثيل الغذائي الخلوي:

     بعض مكونات اللبن الأخرى تتكون داخل الضرع بواسطة التمثيل الغذائي الخلوي داخل الأسناخ؛ حيث تمر المواد الغذائية المستخدمة في تكوين اللبن من الدم خلال جدار الخلية فقد وجد أن بروتينات اللبن تنتج من الترشيح والتركيب معاً؛ حيث إن الكازين واللاكتوالبيومين واللاكتوجلوبيولين غير موجودة في الدم؛ ولذلك يجب تركيبها من طلائع الأحماض الأمينية المتواجدة في الدم، وتمثل هذه البروتينات 94% تقريباً من النيتروجين البروتيني في اللبن البقري. أما الجلوبيولينات المناعية وألبيومين السيرم فهي مصنفة في الدم واللبن؛ ولذلك نجد أن انتشارها ظاهرياً في اللبن لا يتغير عنه في الدم. أما الكربوهيدرات الأساسية في اللبن هي سكر اللاكتوز الذي يتكون من جزيء جلوكوز وجزيء جالاكتوز ويحتوي الدم على سكر الجلوكوز أما اللاكتوز فلا يوجد في الدم؛ ولذلك يتم تركيبه في الغدة الثديية.

     وقد وجد أن الجلوكوز يتم أخذه بواسطة الأنسجة الثديية؛ مما يؤدي إلى فقدان حوالي 25٪ من محتوى جلوكوز الدم الشرياني، من ناحية أخرى وجد أن حوالي 70 – 80٪ من الكربون في اللاكتوز يتم الحصول عليه من جلوكوز البلازما (كما ينتج سكر اللاكتوز أيضاً من الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة، وبالنسبة للدهن فقد وجد أن 75٪ من دهن اللبن تقريباً يصنع في الغدد الثديية وفي المجترات يكون الخلات وهي الطلائع الأساسية للأحماض الدهنية ذات سلسلة الكربون الطويلة.

ويمثل الماء معظم تركيب اللبن (87٪) حيث يتم ترشيحه من الدم إلى اللبن وهو يختلف عكسيا مع محتوى المواد الصلبة اللبن.

أ-مراحل تكوين اللبن:

     أثبتت الأبحاث عن طريق استخدام النظائر المشعة داخل الضرع أن أهم المكونات الخاصة باللبن يتم تخليقها داخل الضرع في الأبقار. وهناك كثير من مكونات اللبن لم يتم التعرف على طريقة تخليقها في اللبن حتى الآن، وبعض العلماء يعتقد أن هذه المكونات يتم تخليقها على مراحل متتالية ومعقدة من الصعب تتبعها حتى الآن، وفي الواقع فإن عملية انتقال المكونات من الدم إلى اللبن تخضع إلى عوامل عدة منها: ألا يزيد ضغط اللبن داخل البصيلات عن ضغط الدم داخل الشرايين المغذية لها وذلك لضمان استمرارية انتقال المكونات من الدم إلى اللبن بطريقة طبيعية. وتعد عملية الضغط داخل البصيلات من الأمور المهمة التي تؤثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على سرعة عملية الحليب في المزارع.

ب- مرحلة إفراز اللبن:

     تقوم الحويصلات اللبنية بإفراز اللبن.وفيها يفرز اللبن من سيتوبلازم الخلايا المبطنة للحويصلات اللبنية إلى فراغ الحويصلات ويتم الإفراز تحت تأثير هرمونات البرولاكتين والإستروجين والبروجسترون وبعض الإسترولات المفرزة من غدة فوق الكلية فضلا عن هرمون الثيروكسين. ومن أهم العوامل التي تقلل أو تمنع إفراز اللبن أثناء الحمل هو زيادة نسبة الإستروجينات المشيمية أثناء الحمل.

 

ج-مرحلة إخراج اللبن:

      وفي هذه المرحلة يبدأ خروج اللبن من القنوات اللبنية والفجوات الحويصلية (مخزن الضرع) عن طريق الحلمات إلى خارج الضرع. وتنظم عملية الإخراج هذه العضلات اللاإرادية المبطنة للقنوات اللبنية التي تقع بدورها تحت تأثير هرمون الأكسيتوتسين الذي يفرز من الفص الخلفي للغدة النخامية. ويحتاج تفريغ اللبن من الضرع إلى رفع الضغط الداخلي للغدة اللبنية وفتح قناة الحلمة. وتتم هذه العملية بتأثير الجهاز العصبي والهرموني للحيوان؛ حيث يبدأ بتعرض الحيوان عادة للمنبهات المختلفة المصاحبة لعملية الحلب «مثل أصوات جرادل الحليب أو ماكينة الحليب الآلي أو صوت الحلاب وخلافه مما يصاحب عملية الحليب وسبق أن تعود عليها الحيوان»؛ حيث ينقل تأثير هذه المنبهات إلى الهيبوثالاموث الذي ينقلها عن طريق الألياف العصبية إلى النخامية الخلفية التي تفرز بدورها هرمون الأوكسيتوتسين في الدم. ومن ثم يصل هذا الهرمون الأخير إلى الخلايا المغلفة للبصيلات التي تنقبض لتفرغ محتوياتها في الغدة اللبنية؛ مما يزيد من الضغط داخل الغدة ويدفع اللبن بالتالي نتيجة عملية الحلب وفتح قناة الحلمة إلى الخارج، وفي حالة انزعاج الحيوان نتيجة أي مؤثر خارجي فإن ذلك يؤدي إلى انخفاض الضغط داخل الغدة اللبنية؛ مما يستحيل معه تفريغ الضرع للبن. ويرجع ذلك إلى إفراز هرمون الأدرينالين الذي يؤثر على خفض الضغط الداخلي للغدة. وعادة ما يزول إفراز هذا الهرمون بزوال المؤثر؛ حيث يعود الضغط داخل الغدة إلى ما كان عليه في الحالة الطبيعية.

      وبالرغم من أن هذا الجزء من الضرع يختزن كمية لا بأس بها من اللبن يظل جزء كبير من اللبن الكلي موجودا عند الحلب في فراغات التخزين الصغيرة و القنوات الشعرية وتجاويف الاتساخ و الخلايا الطلائية المفرزة. وقد قدرت بعض الدراسات متوسط ما تنتجه كل ربع أمامي بحوالي 20٪ من اللبن، بينما ينتج كل ربع خلفي حوالي 30٪، في حين ينتج النصف الأيمن والنصف الأيسر للضرع كلا على حدة حوالي 50٪ تقريباَ مع وجود تباين فردي من حيوان لآخر.

التحكم الهرموني لإفراز اللبن:

     من المعروف حدوث تغييرات حيوية نتيجة تأثير هرمونات مختلفة تفرز و ينظم إفرازها بواسطة التأثيرات التي يلاقيها الجهاز العصبي في الحيوان الحلوب. وهناك مجموعة من الغدد الصماء يكتمل نموها في مناطق عديدة من جسم الحيوان المدر للبن نتيجة شعور الحيوان بضرورة أدائه لبعض الوظائف الحيوية التي تحددها طبيعة حياته، ومجموعة الغدد المهمة في عملية إفراز اللبن من الحيوان المدر لللبن وهي:

1- الغدة الكظرية أو الجار كلوية:

     وهي مهمة لوظائف الجسم الطبيعية، وتعمل على إفراز هرمون الأدرينالين الذي يساعد على اكتمال النضج الجنسي ولكن معدلاته العالية تخفض إفراز اللبن، وهرمون استيرويدات القشرة الذي ينشط عملية تكوين اللبن.

2- المبايض:

     وتفرز هرمونات تساعد على اكتمال النضج الجنسي مثل هرمون الأستروجين الذي يحفز نمو و تطوير جهاز القنوات وهرمون البروجستيرون الذي يحفز نمو وتطوير القنوات الدقيقة و الجهاز السنخي الفصيصي. وتفرز الهرمونات الجنسية تحت تأثير الهرمون الليوتيني والهرمون الخاص للحويصلات والمفرزان من الغدة النخامية.

3- الغدة الدرقية:

     وتوجد على جوانب النهاية العليا للقصبة الهوائية، وتفرز هرمون الثيروكسين وتأتي أهميته للحيوان المدر؛ حيث يزيد الشهية ومعدل ضربات القلب وسريان الدم إلى الغدد الثديية ومعدل إفراز اللبن، كما يعد المنظم الأساسي في عمليات التمثيل الغذائي وعند توفر هذا الهرمون بطريقة كافية يزداد استهلاك خلايا الجسم للطاقة، وتعمل في أعلى معدل؛ مما يحفز إفراز اللبن. وقد وجد أن معدل الإفراز اليومي لهذا الهرمون بواسطة حيوانات اللحم يكون نصف ما يفرز بواسطة الحيوانات المدرة للبن. كما أن معدل إفرازه في الشتاء يكون أكثر من الصيف وذلك يفسر جزئيا بطء إفراز اللبن في الطقس الحار. وعند إزالة هذه الغدد يقل إفراز اللبن بصورة واضحة حتى 75٪ كما يقل إفراز هرمون الثيروكسين نتيجة لنقص التغذية، ويفرز هرمون الثيروكسين تحت تأثير الهرمون الحاث للغدة الدرقية والمفرز من الغدة النخامية.

     وهناك الغدة الجار درقية وهي عادة أربع غدد، وتفرز هرمون الباراثيرويد الذي يتحكم في مستوى أملاح الكالسيوم والفسفور في الدم.

4- الغدة النخامية:

وتقع عند قاع المخ، وتفرز الهرمونات الآتية:

أ- هرمون النمو:

     ويفرز من الغدة النخامية الأمامية وبالرغم من كونه أساسا في معدل النمو للحيوانات الصغيرة وجد تجريبياَ أنه ذات تأثير واضح على إفراز اللبن وهو مهم في عملية تكوين اللبن؛ حيث يؤدي إلى زيادة جلوكوز الدم و الأحماض الأمينية والدهنية في خلال الغدد الثديية كما يساعد على استمرارية إفراز اللبن في الأبقار و الماعز.

ب – هرمون البرولاكتين:

     ويفرز من الغدة النخامية الأمامية وزيادة كميات الأستروجين التي تفرز في مراحل الحمل الأخيرة بواسطة المشيمة يعد منبها لإفراز البرولاكتين الذي يساعد في بدء إفراز اللبن والمحافظة عليه في معظم الحيوانات فيما عدا الأبقار والماعز. أما بعد الولادة فيعمل الحلب أو الرضاعة كمنبه على إفراز ذلك الهرمون الذي يخزن في الغدة النخامية الأمامية وينبه الحلب الجهاز العصبي مسبباَ تفريغ البرولاكتين في مجرى الدم الذي يسير إلى الغدد الثديية.وقد وجد أن هرمون البرولاكتين يزيد النشاط الإنزيمي للخلايا الطلائية التي تحول المكونات المختلفة للدم إلى مكونات لبنية.ومن ناحية أخرى لوحظ أن الحيوان المدر المرضع ينتج كميات من اللبن أكثر من الحيوان الذي يتم حلبه بواسطة ماكينة الحلب؛ حيث إن رضاعة الحيوانات الصغيرة تؤدي إلى تحرر كميات كبيرة من البرولاكتين.

ج-هرمون الأوكسيتو سين:

ويفرز من الغدة النخامية الخلفية ويؤثر على الأعضاء الملساء والخلايا الطلائية العضلية.

 وجه الإعجاز في تكوين اللبن

     ما كان أحد يعلم قبل اكتشاف أجهزة التشريح في القرنين الماضيين أسرار ما يجري في الجهاز الهضمي عند الحيوان والإنسان ووظائف ذلك الجهاز المعقد وعلاقته بالدورة الدموية ومراحل تكون اللبن في بطون الأنعام.فلما تكاملت صناعة الأجهزة والتجارب العلمية عبر قرون عرف الإنسان أن مكونات اللبن تستخلص بعد هضم الطعام من بين الفرث وتجري مع مجرى الدم لتصل إلى الغدد اللبنية في ضروع الإناث التي تقوم باستخلاص مكونات اللبن من بين الدم دون أن يبقى أي آثار في اللبن من الفرث أو الدم وتضاف إليه في حويصلات اللبن مادة سكر اللبن التي تجعله سائغاً للشاربين.

     هذه الأسرار كانت محجوبة عن البشر فلم يكتشفوها إلا بعد رحلة طويلة من التجارب والبحوث العلمية التي استغرقت قروناً، واستعملت فيها أجهزة صنعت لأول مرة على أيدي الباحثين لم يكن لها وجود عند البشر قبل ذلك. ولكن القرآن الكريم كشفها أمام قارئيه بأجمل عبارة وأوجز لفظ قبل ألف وأربعمائة عام. فمن علم محمداً صلى الله عليه وسلم من بين سائر البشر في ذلك الزمن أسرار الجهاز الهضمي والجهاز الدوري ودقائق ما يجري في غدد اللبن؟ إلا الذي يعلم السر في الأرض والسماء، ويعلم أسرار ما خلق من الكائنات، وكذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيمة اللبن الغذائية المتميزة في زمن لم يكن يدرك الناس وقتئذ تركيب اللبن وما يحتوي عليه من عناصر ومركبات الغذاء الحيوية المهمة التي لا تجتمع في شراب غيره. ثم لمّا تقدم العلم وتوفرت الأجهزة توصل العلماء والباحثون إلى اكتشاف هذه المواد الغذائية التي يحتوي عليها اللبن من البروتينات والكربوهيدرات، والسكريات، والدهون، والمعادن والفيتامينات، وغير ذلك.كل ذلك يكون شاهداً على أن القرآن نزل بعلم الله وأن محمداً رسول الله. قال تعالى: {لَّكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ  أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ  وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ  وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (النساء:166).

______________________________

* جامعة الزقازيق. وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مع المراجع كاملة العودة الى الموقعwww.al-forqan.net