التوزيع العادل للثروة بالإسلام

الإمام الغزالي يحدد ربح التجار ويذكرهم “سوق الآخرة” وابن قدامة يؤطر انتقال المال

 

  تشكل مسألة التوزيع المشكلة الاقتصادية الثانية التي تواجه عادة خبراء الاقتصاد حول العالم بعد معضلة الإنتاج، وينقسم التوزيع إلى قسمين، الأول ابتدائي، ويتعلق بنشوء حقوق الملكية، وقد يكون ذلك بالتبرع أو البيع أو الاستصلاح. والثاني وظيفي، ويرتبط بتوزيع الموارد جراء عملية الانتاج نفسها.

ويقول الباحث العراقي المتخصص في الاقتصاد الإسلامي، عبد الجبار السبهاني، إن التوزيع هو عملية قسمة قيمة الناتج المتحقق بين المساهمين في العملية الإنتاجية كل بحسب إسهامه (وظيفته)، ويميز اقتصاد السوق بين أربع حصص توزيعية هي: أجور العمال وريوع الأراضي وفوائد رأس المال وهذه المكافآت الثلاث تتحدد عقدياً، أما المكافأة الأخيرة فهي الربح، وهي فائض مائدة التوزيع بعد دفع المكافآت العقدية.

ويعتبر العمل من بين أبرز طرق توزيع الانتاج، إذ يحصل العامل على “أجر” وقد حرص النبي محمد صلى الله عليه وسلم على دعوة أرباب العمل إلى المسارعة لتسديد أجور العاملين لديهم بقوله: “أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه”، وفي تعجيل الأجر “حفز للطلب الفعال لأن الأجر أهم عناصر الطلب الاستهلاكي” وفقًا للسبهاني.

ويلفت الباحث العراقي إلى وجود “حديث قدسي” يحذر من أكل أموال الأجراء إذ جاء فيه: “قال الله ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته: رجل أعطى بي (عهداً) ثم غدر ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه (الخدمة) ولم يوفه (الأجر) ورجل باع حراً فأكل ثمنه”.

ويقول الدكتور عبدالعظيم إصلاحي، أستاذ قسم الباحثون معهد الاقتصاد الإسلامي جامعة الملك عبدالعزيز بالسعودية في كتابه الصادر بالإنجليزية حول “إسهام العلماء المسلمين في مجال الفكر والتحليل الاقتصاديين” إن الفقهاء في عصور الإسلام الأولى تحدثوا عن عدة طرق لتوزيع الثروة، ولكنهم استثنوا منها على الدوام الفائدة الربوية، باعتبار أن رأس المال يجب أن يترافق دائما مع مشاريع تجارية أو استثمارية تقوم بتنميته مع تحمل مخاطر الربح والخسارة.

وقد أكد الفقهاء، وفي مقدمتهم الإمام الغزالي، على ضرورة أن تكفل أنظمة التوزيع على الدوام حماية الطرف الضعيف في العقود (الأجراء) إذ يحض الغزالي في أحد مؤلفاته التجار على ألا “يستغنوا بسوق الدنيا عن سوق الآخرة” بل إن الغزالي يحدد ما يراها نسبة مقبولة لأرباح التجار بحيث لا يتعرض الزبائن على صعيد التوزيع، فيقول إن النسبة العادلة تتراوح بين خمسة وعشرة في المائة من السعر الأصلي.

ويوضح ذلك في كتابه المعروف “إحياء علوم الدين” إذ يقول: “هذا إحسان في ألا يربح على العشرة إلا نصفًا (5 %) أو واحداً (10%) على ما جرت به العادة في مثل ذلك المتاع في ذلك المكان، ومن قنع بربح قليل كثرت معاملاته واستفاد من تكررها ربحًا كثيرًا، وبه تظهر البركة.”

أما مبرر الربح الذين يجنيه التجار، وهو طريقتهم في الحصول على حصتهم من التوزيع الاقتصاد، فيكمن في استعدادهم لتحمل مخاطر الخسارة، وفقًا لما يوضحه الفقيه الحنبلي، ابن قدامة.

ويحدد الإسلام طرقًا أخرى لتوزيع الثروات، وبينها آليات الإرث التي تحدد أنصبة خاصة لكل شخص بحسب قرابته، وكذلك الزكاة، التي تمثل جزءًا أساسيًا من النظام الاقتصادي في الإسلام، كما يلفت ابن قدامة المقدسي في كتابه المعروف “المغني” إلى وجوه أخرى للتوزيع بينها الصدقات التي ترافق الصوم والحج والمساقات والإجارة وإحياء الأرض الموات والعقود المتوافقة مع الشريعة، مثل السلم والوكالة والقرض والرهن والوقف.

______________________

* بريد القراء نقلاً عن الشبكة الإلكترونية 4/9/2014، دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN).