العادة الثامنة – من الفعّاليّة الى العظمة

بقلم: جمال صبحي القعقور*

 في ظل ما يشهده العالم من تطورات سريعة واكتشافات علمية في كافة المجالات اشتدّت حدّة المنافسة بين بعض الدول للسيطرة على الموارد الطبيعيّة واشتد الصراع أيضًا للسيطرة على السوق لتعزيز الموقع الاقتصادي الذي تسعى اليه الدول المتنافسة. وضمن الاطار الضيّق يمكننا القول أنّ التنافس مستمر ويزداد حدّة يومًا بعد يوم بين الشركات التي تسعى الى الحصول على نسبة جيّدة في السوق موضوع خدماتها أو منتجاتها أو السلع التي تقدّمها للمستهلك، لا بل ان الكثير من الشركات التي تعتبر نفسها في وضع مريح لجهة حصتّها من السوق ترغب أيضًا في تحسين وضعها الاداري والتنظيمي من أجل الحفاظ على الريادة في نوعيّة خدماتها ومن أجل مواكبة التطورات والتكنولوجيا الفنيّة والمفاهيم الاداريّة التي قد تضمحل بسبب التغيرات في المصطلحات والمعايير الاداريّة التي تتبدّل من جيل الى جيل.

واذا كانت التطورات التي تحدّث عنها الكاتب ستيفن كوفي[1]، والتي حدثت منذ العام 1989 ولغاية العام 2006 لجهة تغيّر العالم وتعقيدات الحياة المهنيّة والمؤسساتيّة قد أدّت الى اصداره لكتاب العادة الثامنة[2] بعد كتاب العادات السبع، من أجل الوصول الى العظمة والأداء الاداري والفنّي المنجز بحماس وبمشاركة في تحقيق أهداف الشركة بجهد مفعم بالأمل والزكاء، وبالتالي تطوّر بحثه من عادات تحقق الفعاليّة في العام 1989 الى عادة تحقق العظمة وأساسها البعد الأخلاقي والانساني. وبمقارنة عامة سريعة بين التطورات والأحداث التي حصلت منذ العام 2006 ولغاية العام 2014 يبدو ان الأمر أصبح يتطلّب مجلّدات تتحدث عن عنصر الأخلاق والشفافيّة والأمانة في الاداء نظرًا الى الانهيارات الكبيرة في القيم والعادات الفضيلة التي حدثت وتحدث في ايّامنا الحاليّة في الكثير من مجالات الأعمال المهنية والسياسية والعسكرية.

ان الخيرات والموارد الطبيعيّة تضمحل يومًا بعد يوم والصراع يشتد حول الموارد النفطيّة والمائيّة وغيرها، والمنافسة أصبحت غير مشروعة تعتمد على السلب والسطو ومصادرة حقوق الغير، والغش والتدليس يزدادان يومًا بعد يوم والحاجة والطمع أعميا قلوب الكثيرين الذين أصبحت تجارتهم “تجارة نفوس طمعًا بالفلوس”، والمعايير تبدّلت والاخلاص والشفافيّة في العمل بدءًا من الفرد وصولاً الى المؤسسة أصبحا عملة نادرة في هذا الزمن الرديء، وبالتالي فاننا بحاجة اليوم الى تعميم مفاهيم العمل الصالح من أجل المحافظة على عادات ومفاهيم لم تعد تدخل ضمن حسابات الكثيرين.

لقد لفت انتباهي في بداية كلمات الشكر التي كتبها المؤلف ستيفن كوفي قوله:” أحد الدروس العظيمة التي علمتني ايّاها الحياة هو أنّك اذا أردت أن تقوم بمساهمة جديدة فعليك أن تعدّها اعدادًا جديدًا بالكامل” وهذا ما يمكن أن نطلق عليه ” اتقان العمل” أي الاعداد والتنفيذ بمهارة وابداع،  وهذا ما أمرنا به الله سبحانه وتعالى في كثير من الآيات التي حثّت على التزام الإتقان والإحسان في العمل، ومبيّنة الثواب العظيم لهذا الإتقان… حيث يقول سبحانه {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور}، ويقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم ” إن الله يحب إن عمل أحدكم عملاً أن يتقنه “.  كما لفتني قول المؤلف في ختام كلمات الشكر التي سطّرها في كتابة قوله” الشكر للبارئ عزّ وجل الذي خلقنا ودلّنا جميعًا الى طريق السعادة”.

لقد تضمن كتاب العادة الثامنة 550 صفحة تحليليّة ركّزت على أهمية الأخلاق والكفاءة والضمير في العمل واطلاق روح الحماس والانضباط ومشاركة العامل أو الموظف في عمليّة التغيير والتطوير في المؤسسة والتصرّف بحكمة لخدمة الآخرين، هذه العوامل التي تجعل العامل وأصحاب العمل يشعرون بالسعادة والنجاح وتبعث شعور العظمة في نفوسهم ونفوس الآخرين.

وقد ذُكِر العمل في القرآن الكريم 274 مرّة منها 51 آية تضمّنت تلازماً بين الإيمان والعمل الصالح، ومنها قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }، وهذا ما يضيف عامل مهم على الشعور بالعظمة والسعادة يتجاوز حدود الدنيا التي نسعى ونجهد فيها من أجل الفوز بالجنّة حيث العظمة والسعادة الدائمة.

كم نحن بحاجة في هذه الأيام الصعبة الى العمل الصالح في النشاط الخاص وفي الدولة ومؤسساتها وفي العلاقات بين الدول والشعوب التي لا تنتج اليوم الا حروبًا وصراعات تحصد يوميًا الدمار والقتل والخطف من أجل مصالح وماديّات لن تدوم لأحد، وأُذكّر المفسدين في الأرض بقوله تعالى: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ }.

________________________________________________________________

[1] كتاب العادات السبع للناس الأكثر فعالية، The Seven Habits of Highly Effective People نشر لأول مرة في عام 1989، وهو كتاب عن الاعتماد على الذات لستيفن كوفي. وقد بيعت أكثر من 15 مليون نسخة ترجمت ل38 لغة.

[2] العادة الثامنة: The 8th habit By Stephen R. Covey. من الفعالية إلى العظمة، تكملة لكتاب العادات السبع نشر في عام 2004.

 * نشر هذا المقال في مجلة الاقتصاد والأعمال اللبنانية ( ت1 / ت2 2014).