تحابب المؤمنين فريضة

هارون يحيى*

من أحب الله تعالى أحب عباد الله. والإيمان يولّد رابطة بين المؤمنين. والقرآن الكريم يصوّر هذه الرابطة في قوله تعالى: “إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُوْلُهُ وَالَّذِيْنَ آمَنُوا الَّذِيْنَ يُقِيْمُوْنَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوْنَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُوْنَ” (سورة المائدة، 55).

إنها رابطة الأخوّة، فاللّه تعالى يقول: “إنما المؤمنون إخوة” (سورة الحجرات، 10) فإن هذه الصلة التي تربط بين المسلمين هي بمثابة صلة الأخ بأخيه تمامًا، تتميز بعمق المحبة، يحمي بعضهم بعضًا ويساند بعضهم بعضًا.

هذا الشّعور الجارف من المحبة بين المؤمنين مصدره هو الله تعالى الذي خلقه وهو منبع هذا الشّعور. “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا” (سورة مريم، 96).

الجنة مكان للحبّ

إن جميع المسلمين يأملون دخول الجنّة، لكن من أجل دخولها لابدّ لهم قبل كل شيء أن يحبوا بعضهم البعض، فالمسلمون في الجنة مجتمع متآخ ومتآلف. والله تعالى عند حديثه في القرآن الكريم عن الجنة يذكر دائما أنها مكان للسعادة والرفقة الطيّبة والمحبّة والكلام الطيب والطمأنينة.” وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ” سورة الحجر، 47).

“فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ، وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ، عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ، مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ” (سورة الواقعة، 12-16).

المسلمون مجتمع واحد ولا مكان للاستقطاب، ولا وجود لأناس لا يحب بعضهم بعضا، أو جماعات تنفر من بعضها البعض، فالكل إخوة متحابّون. هذا النموذج المذكور في الآيات القرآنية ينبغي أن يكون هو السائد في الدّنيا، وهو فريضة بين المؤمنين. ورابطة المحبة التي تسود بين المسلمين ينبغي أن تشمل جميع أهل المذاهب والجماعات الأخرى، وجميع ربوع العالم الإسلامي. وجميع المسلمين مهما اختلفت أعراقهم ولغاتهم وأوطانهم ومذاهبهم إخوة. وبالرغم من أن واقع المسلمين اليوم يتميز بالتّقاطع والتشرذم والتباغض فإن الله تعالى بيّن لنا الطريق الذي يقود إلى القضاء على هذه الفتنة. فالله تعالى بين لنا بوضوح النّموذج الذي يحبّه والذي ينبغي أن يكون عليه المسلمون وشرح لنا كونه فريضة مؤكّدة. ” إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ” (سورة الصف، 4).

وحدة المسلمين فريضة

 نبه الله تعالى المسلمين في سورة آل عمران فنهى عن التفرق والاختلاف، وبالعكس من ذلك أمرهم بالاستمساك بحبل الوحدة والتّعاون والتآلف، وفرض عليهم وضع حدّ للفتن بالوسائل الفكرية. “وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْـوَانًا” (ســـورة آل عمران، 103)

ولهذا السبب على كل مسلم أن يبذل كل ما في وسعه من أجل تحقيق الأخوة بين المسلمين، وعليه أن يحثّ على ذلك بكل وسيلة؛ في المسجد الذي يصلّي فيه والمدرسة التي يدرس فيها، ومنتديات الانترنت التي يدخل إليها ويشترك فيها، وفي الوقف الذي هو عضو فيه أو في أيّة مؤسسة أخرى.

على كل مسلم أن يحبّ أخاه المسلم كما ينبغي أن يكون الحبّ. وعليه أن لا يهجر أخاه المسلم لأنه لم يصلّ معه في المسجد أو لأنه لم يلق عليه السلام، أو لأنه لم يقرأ الكتاب الذي ألّفه، أو لأنّه يختلف معه بعض الاختلافات الفكرية البسيطة.

كل مسلم عليه أن يلقي التحيّة والسّلام على أخيه المسلم، ويخفض له جناح الذّل من الرحمة، ويحميه مما يحمي منه نفسه، ويعضده ويشدّ أزره ليكونوا يدا واحدة. وعلى المسلمين أن يتواضعوا لبعضهم البعض ويجتهدوا تمام الاجتهاد في خدمة دين الله تعالى.

المسلمون مدعوّون لكي ينشروا نور الإيمان في الأرض ويعرضوا الجمال الذي جاء به الإسلام للمسلمين ولغير المسلمين، وعليهم أن يبذلوا الوسع والطّاقة من أجل إقامة حضارة الإسلام العظيمة من جديد، هذه الحضارة التي يكون أساسها العدل والسلام. والخطوة الكبرى في سبيل إقامة هذه الحضارة هي تركيز المحبة الحقيقية الصادقة بين المسلمين.

____________________________

* للراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع  www.harunyahya.com