تعامل الإنجليز بدينار من ذهب يشهد بنبوة محمد

كمال قبيسي *

يصادف هذا العام مرور 1325 سنة على سك أول دينار باللغة العربية، وهو المعروف بدينار 77 الذي أصدره الخليفة الأموي الخامس عبدالملك بن مروان عام 77 للهجرة، أي 690 ميلادية. وللمناسبة نتذكر ملكًا في إنجلترا القديمة، قد يكون مهمًا التعرف إليه، لأن بعضهم يعتقد أنه “اعتنق الإسلام” بسبب سكه لدينار نقش فيه قبل 1241 سنة عبارات غريبة عليه وعلى رعاياه معًا، وكانت عربية وإسلامية الطراز بامتياز، وفوق ذلك أرّخه بعام هجري أيضًا.

clip_image736الملك كما تخيلوه والشهادة مقلوبة حين قراءة أوفا ريكس بوضوح

كان من ذهب، صغيرًا وخفيفًا بوزن 4 غرامات، لكنه أثار جدلاً كبيرًا، ولا يزال، ولولا العثور في   العام1841 على قطعة من الدينار المحفور اسم Offa Rex عليه، وعرضها في المتحف البريطاني ليراها الراغبون، لما صدق أحد بأن “أوفا” حفر عليه  “لا إله إلا الله وحده لا شريك له”  مع معظم الآية 33 من سورة  “التوبة”  بالقرآن، والتي تقول{أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله} إضافة لشهادة  “محمد رسول الله”  المكررة على الوجهين.

وسط  “لا إله إلا الله وحده لا شريك له”  التي جاءت في 3 أسطر، حفر الملك اسمه Offa بين السطر الأول (لا إله) والثاني (إلا الله وحده) وبينه وبين الثالث (لا شريك له) حفر كلمة Rex ومعناها ملك بلاتينية ذلك الزمان. لكن الناقش ارتكب خطأ دل بأنه، لا هو ولا الملك، كانا يعرفان معنى العبارات، لذلك يذكر المتحف البريطاني في موقعه الذي تجولت فيه “العربية.نت”  أن الغرض من سك ذلك الدينار “غير أكيد” في رد منه غير.مباشر على المعتقدين بأن سبب سكه قد يكون اعتناق “أوفا”  للدين الحنيف.

الاسم ينقلب “احتراما”  لشهادة التوحيد

ونرى الخطأ الذي ارتكبه الناقش من نظرة على الدينار، حيث نجد الكلمات العربية مقلوبة رأسًا على عقب حين قراءة اسم الملك واضحًا بالحرف اللاتيني، أو ينقلب اسمه إذا ما أردنا للكلمات العربية أن تكون واضحة للقراءة، وهذه حجة تمسك بها المؤكدون بأن  “أوفا”  لم يصدر ديناره لأنه اعتنق الإسلام، وإلا لنقش الكلمات العربية وتحتها اسمه اللاتيني بطريقة تتم قراءتهما معًا بوضوح، بل لسبب آخر.

clip_image737

الى اليمين، دينار أبو جعفر المنصور من 4 غرامات ذهب، ثم تفاصيل دينار أوفا، وهو بالوزن نفسه

ويرد المعارضون بأنه تعمد قلب اسمه  “احترامًا للآية القرآنية وللشهادة بنبوة محمد”  حين تبدوان واضحتين للقراءة، فقلبه كي لا يختلط اسمه بهما، مع أنه باللاتينية وليس بالعربية، وهو ما نراه في الصورة حيث يظهر Offa  مقلوبًا على الدينار المؤرخ بعبارة:  “بسم الله ضرب هذا الدينار سبع وخمسين ومائة”  وهو عام 774 ميلادية.

في ذلك العام كان  “أوفا”  بأوج حكمه الذي طال 39 سنة، انتهت بوفاته في 796 وتوريث ابنه الذكر الوحيد  “ايكغفيرث”  مكانه، لكن الابن لم يعش بعد توليه العرش سوى 141 يومًا، وبموته انتهت السلالة  “الأوفية”  وطوى الزمن التداول بذلك الدينار، إلا أن السؤال المحير بشأنه استمر:  ما الذي دفع ملك في بلاد غارقة بالمسيحية ذلك الوقت إلى إصدار نقد يبشر بالإسلام؟

الرأي والرأي الآخر

المعروف عن “أوفا” أنه كان أقوى ملوك إنجلترا في عهدها الأنغلوسكسوني المبكر، وبدأ ملكه أولاً على Mercia ، التي كانت واحدة من 7 ملكيات بحسب ما جمعت “العربية.نت” ما تيسر عنه من معلومات، ومعظمها يشير إلى أنه وسع حكمه بفتح ملكيات أصغر، وقام بتزويج ابنتيه إلى .حاكمي “وسيكس” و”ساكسون” فشمل نفوذه معظم إنجلترا، وعقد معاهدتين: مع ملك فرنسا شارلمان، والبابا أندريان الأول.

clip_image738كل ما بقي من أوفا هو آثار سوره القديم في انجلترا، وقطعة من ديناره في المتحف

ولم يبق مما ترك  “أوفا”  إلا أثر لسور معروف باسمه الآن، إضافة للدينار الذي خرجوا في شأنه بأهم 4 تفسيرات:

1- أن يكون اعتنق الإسلام.

2- أواستعمل الكلمات العربية والآيات للزخرفة من دون أن يفهم معناها.

3- أو لأن المعاهدة التي عقدها مع البابا عام 787 تضمنت مادة يدفع بموجبها فدية سنوية معلومة إليه، فراح يسددها بدينار ذهبي.

4- أو ربما لأنه كان عاجزًا عن سك النقود فاستعان بخبراء الدولة العباسية ذلك الوقت.

ويقول معتقدون باعتناقه للإسلام، ومنهم ابن الكلبي الذي اشتهر زمن  “أوفا”  كمؤرخ وعالم بالأنساب، إن الفرضية الثانية لا تتفق مع المنطق، فمن المستحيل أن ينقش عبارات لا يعرف معناها، ولو سأل وعرف لرفضها لأنها شهادة إيمان بدين آخر، أي ليست للزخرفة كيفما كان. ويرد المعترضون أن ديناره نسخة تقريبًا عن دينار الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، لكن المنقوش عليه ليس كل المحفور على الدينار العباسي، وهذا يؤكد أنه لم يكن مهتمًا بنوعية العبارات، لذلك فما حفره على ديناره كان زخرفة وديكورًا.

مسلم من دون أن يدري بإيمانه أحد؟

أضاف آخرون أن بعض ملوك أوروبا  “ممن بهرتهم الحضارة الإسلامية”  كتبوا أسماءهم بالعربية على نقود كثيرة سكوها، ومنهم  “ألفونسو الثامن”  وبعض أمراء النورمان، حتى إن امبراطور الدولة الرومانية المقدسة، هنري الرابع  “سك نقدًا معدنيًا ممهورًا باسم الخليفة العباسي المقتدر بالله، فقط لمجرد إعجابه به”، وفق تعبيرهم.

ويرد المعتقدون باعتناقه للإسلام بأنه لا يوجد ملك أوروبي حفر مثله شهادة التوحيد الإسلامية على أي نقد أصدره، وبأنه من غير المعقول نقشه لشهادة تعترف بنبوة الرسول على نقد ليدفع به جزية للبابا، لأن الحبر الفاتيكاني لن يقبل بالتعامل مع نقد يتضمن عبارات تروج لدين آخر، كما هناك الأهم، وهو أن تاريخ سك الدينار سابق لعقده الاتفاق مع البابا بحوالي 13 سنة.

أما اعتماده على خبراء بالسك من بلد إسلامي ذلك الوقت، فاعتبروه أضعف الحجج، لأن “أوفا” كان هاويًا لسك النقود على أنواعها، ففي أرشيفات راجعت  “العربية.نت”  بعضها وموجودة  “أون لاين”  نجده سك نقودًا معدنية كثيرة ونقش عليها اسمه وصورته، كما وصورة زوجته الملكة سينيثريث أيضًا، لذلك فالجدل مستمر ومعه السؤال المحير: هل كان  “أوفا”  مسلمًا يخفي إيمانه، ومات ولم يدر بإسلامه أحد؟

______________________________

*  للراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة موقع قناة العربية الثلاثاء 5 جمادي الأول 1436 ه – 24 فبراير 2015 م