شهر الأنين

خالد حنون

clip_image550

كنت في حرم إحدى الجامعات لقضاء بعض الأمور وأثناء سيري في إحدى ساحاتها المشّجرة استرعى انتباهي وانتباه بعض الطلاب الذين في هذه الساحة سماع أنين وعنين من خلف بعض الشجيرات القريبة. دفع الفضول ببعض الطلاب للتقدم إلى مصدر الأنين والعنين هذا لجلاء غموضه. وما هي إلا لحظات حتى ارتفع التصفيق والضحك. اقتربت أنا ومن انتبه لتلك الجلبة وإذ بنا نرى زوجًا من القطط في” ليلة دخلتهما ” وفي آخر انسجام ولما لا، فنحن في شهر شباط. لكن مع تكاثر الصراخ قرر العريسان الفرار.

ركض طالب وبيده جهاز خليوي مع كاميرا خلف “العريسين” لعله يلتقط بعض الصور فيما لو عاودا فعلتهما. إلا أن أمله قد خاب. فالقطان دفعتهما الغريزة إلى تأجيل ما بدآ به خوفًا من المتطفلين وبدوا وكأنهما يقولان للإنس الذين هتكوا حرمة خصوصياتهما ” إننا لسنا للفرجة”.

القصة انتهت وبدأت أتساءل: إذا كان هذان القطان حرين في الاجتماع والغرام في الشوارع والأزقة والحدائق … فلأنهما لا يملكان لا عقل ولا بيوت. فما بال بعضنا يعانق ويقّبل ويشبك الأيادي مع الرؤوس في الشوارع والأماكن العامة؟

وإذا كان القطان “العاشقان” فرّا لما أحسّا بالعيون تراقبهما فما بال بعضنا لا يستحي ولا يخجل حين تلاحقه العيون ويبقى يتابع رجولته وتتابع أنوثتها في الشوارع والأماكن العامة؟

وإذا كان أي قط وأي قطة حرين في التنقل والتنطنط من واحدة إلى أخرى وواحد إلى آخر فلأن الله اذا أخذ ما أوهب أسقط ما أوجب فما بال بعضنا لا يروق له الحلال والاستقامة مع أن الله أوهب ولم يسقط ما أوجب. أليس ذلك أمرًا معيبًا؟ وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال: ليس منا من عمل بسنة غيرنا.

وفي حديث آخر: يأتي على الناس زمان لا يتبع فيه العالم ولا يستحى فيه من الحليم ولا يوقر فيه الكبير ولا يرحم فيه الصغير يقتل بعضهم بعضًا على الدنيا قلوبهم قلوب الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا يمشي الصالح فيهم مستخفيًا أولئك شرار خلق الله ولا ينظر الله اليهم يوم القيامة.