في معالجة تردّي الأمّة

(كلام من ذهب في التزكية)

قال الداعية محمد أحمد الأنصاري، أستاذ الإسلاميات بجامعة بهاولبور في  باكستان: 

إن اليهود وسواهم قد غزوا أرضنا… والشيطان وجنوده غزوا قلوبنا.

ولن يعيد الله تبارك وتعالى لهذه الأمة أرضها وكرامتها حتى تعود تلك الأمة بقلبها، لربها… 

فما دامت القلوب بحب الدنيا معتلّة، فستبقى الأمة مشرذمة… والأرض محتلّة.

 ومن بدأ المعالجة بعدو القلب (أي محاربة الشيطان، والنفس، والهوى) قبل محاربة عدو الأرض، فستظهر فيه أربع صفات إيجابية، وتُضبط مضاداتها الأربع الأخرى، فيتربى على:

1- الرحمة قبل الغضب، (فينضبط عنده الغضب)

2- الحب في الله قبل البغض في الله، (فينضبط عنده البغض في الله)

3- الذلة على المؤمنين قبل العزة على الكافرين، (فتنضبط عنده العزة على الكافرين)   

4- الولاء قبل البراء، (فينضبط عنده البراء)

 بعد هذا الإجتهاد، ستنشأُ فيه أربع صفات ربانية، هن مفاتيح القلوب، ومغذيات الدين، فيصبح من الغرباء، كما نشأت في الصحابة الكرام، رضي الله  عنهم (غرباء أول الزمان):

1-  يعفو عمن ظلمه 

2-  يعطي من حرمه 

3-  يصل من قطعه 

4-  يحسن إلى من أساء إليه 

 فيمشي في الناس داعيًا، لا قاضياً، يضحّي بمراده من الناس لمراد الله منهم (وهي الهداية). فيهدي به الله من شاء من عباده؛ غرباء آخر الزمان الذي يصلحون ما أفسد الناس من سنة النبي، صلى الله عليه وسلم.

 أما من  بدأ محاربته لعدو الأرض قبل عدو القلب فستنعكس عنده التربية:، فيتربّى على:

  • الغضب قبل الرحمة، (فيختل عنده ضبط الرحمة)
  • البغض في الله قبل الحب في الله، (فيختل عنده ضبط المحبة)
  • العزة على الكافرين قبل الذلة على المؤمنين، (فيختل عنده ضبط الذلة على المؤمنين)
  • البراء قبل الولاء، (فيختل عنده الولاء على المؤمنين)

 فتنشأ فيه أربع صفات سلبية هي:

  • التفسيق
  • التبديع
  • التكفير
  • التفجير

 … فيمشي في الناس قاضياً، لا داعياً! فتختل عنده الموازين، ويضطرب اضطراباً خطيراً. حتى أنه، ربما، يكون آلة في أيدي الأعداء، من حيث لا يشعر، فيفسد أكثر مما يصلح، ويخرب أكثر مما يبني، ويضر أكثر مما ينفع… وكل هذا، وهو يظن أنه يُصلح، ويبني، وينفع.

عبرة عن عبد الله بن الزبير ومعاوية، رضي الله عنهما

        كان لعبد الله بن الزبير- رضي الله عنه- مزرعة في المدينة، مجاورة لمزرعة يملكها معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما- خليفة المسلمين في دمشق…

وفي ذات يوم دخل عمال مزرعة معاوية إلى مزرعة ابن الزبير، وقد تكرر منهم ذلك في أيام سابقة؛ فغضب ابن الزبير وكتب لمعاوية في دمشق، وقد كان بينهما عداوة، قائلاً في كتابه:

من عبدالله ابن الزبير إلى معاوية (ابن هند، آكلة الأكباد)، أما بعد…

فإن عمالك دخلوا إلى مزرعتي، فمرهم بالخروج منها، أو، فوالذي لا إله إلا هو، ليكونن لي معك شأن! 

 فوصلت الرسالة لمعاوية، وكان من أحلم الناس، فقرأها… ثم قال لابنه يزيد: ما رأيك في ابن الزبير، أرسل لي يهددني؟

فقال له ابنه يزيد: أرسل له جيشاً، أوله عنده وآخره عندك، يأتيك برأسه… 

فقال معاوية: “بل خيرٌ من ذلك، زكاةً وأقربَ رُحماً “. 

 فكتب رسالة إلى عبدالله بن الزبير يقول فيها:

من معاوية بن أبي سفيان إلى عبدالله بن الزبير (ابن أسماء ذات النطاقين)، أما بعد…

فوالله لو كانت الدنيا بيني وبينك لسلّمتها إليك، ولو كانت مزرعتي من المدينة إلى دمشق لدفعتها إليك. فإذا وصلك كتابي هذا فخذ مزرعتي إلى مزرعتك، وعمّالي إلى عمّالك؛ فإن جنّة الله عرضها السموات والأرض!

فلمّا قرأ ابن الزبير الرسالة بكى حتى بلّ لحيته بالدموع، وسافر إلى معاوية في دمشق، وقبّل رأسه، وقال له: لا أعدمك الله حُلماً أحلّك في قريش هذا المحل.

 دائماً، تستطيع إمتلاك القلوب بحسن تعاملك، وحبك للغير.. وتذكر دوما بأن:

  • من ابتغى صديقاً بلا عيب، عاش وحيداً
  • من ابتغى زوجةً بلا نقص، عاش أعزباً
  • من ابتغى قريباً كاملاً، عاش قاطعاً لرحمه!

فلنتحمل وخزات الآخرين حتى نعيد التوازن إلى حياتنا.

 إذا أردت أن تعيش سعيدا:

  • فلا تفسر كل شيء
  • ولا تدقق بكل شيء
  • ولا تحلل كل شيء… فإن الذين حللوا الألماس وجدوه ((فحمــا))…

لا تحرص على إكتشاف الآخرين أكثر من اللازم؛ الأفضل أن تكتفي بالخير الذي يظهرونه في وجهك دائماً، واترك الخفايا لرب العباد… فعن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه… (فلو اطّلَعَ الناس على ما في قلوب بعضهم البعض لما تصافحوا إلا بالسيوف)

___________________________

* من بريد القراء<chabek@gmail.com>