كلاب في البيوت

أ. خالد حنون*

        لا يخلو رصيف من آثارهم، ولا يخلو حي من طربهم، عند سماع عواءٍ تحسبه يصدر من كلب “شيان لو”، فيفاجئك بأنه لا يتعدى حجم الهرة. ينامون مع أصحابهم في الفراش نفسه، ويجلسون في أحضانهم، فاستغنى بهم البعض عن الولد وحتى عن الزوج. يأكلون ما لذ وطاب من الطعام المعلب الذي كان ينبغي أن يصرف على الأطفال الفقراء، يتنزهون كل صباح، وقبل الغروب، جارين أصحابهم معهم، يلبسون قطعاً من القماش وجوارب وشرائط من الزينة وأطواقاً براقة ثمينة، يلاطفهم الأصحاب ممالئة، ويداعبهم الأغراب سخرية، حتى بات العقلاء من الناس يتساءلون باستهزاء، أين هو الزمن الذي كان فيه الكلب كلبًا؟ كنا نادراً ما نرى هذه الأنواع، فصار الناس يتنافسون في ثقافة تسمية الكلاب وتربيتها، وصرنا نرى أحجاماً مختلفة من “إكس إكس سمول” حتى “إكس إكس لارج”، تسير في الشوارع أو تقف على شرفات المنازل زهواً وخيلاء، ونكاية بالمعوزين والفقراء.

وتربية الكلاب مشروطة شرعاً، فقد أباح الدين للناس اقتناء الكلاب وتربيتها بأضيق الحدود. فقال عليه الصلاة والسلام: “مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ”.(سنن النسائي). فالمقصود هنا من الإباحة دفع الضرر ليس إلا. فلا نوم، ولا أكل، ولا تقبيل، ولا عناق معه.

وقد زيد في عصرنا ” لمهام الكلاب” المباحة: كقيادة الأعمى واقتفاء اثر المجرمين واكتشاف المخدرات والمتفجرات… وهذه لا تقل أهمية عن “المهام القديمة”، إذ أنها تدفع الأذى عن الناس وعن الأرزاق.

وما أمرنا بإبعاد الكلاب عن بيوتنا وعن أطفالنا إلا لأضرار يعلمها خالق الخلق جلّ وعلا، نبّه إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يكشف العلم والطب أن الكلاب تحمل أمراضاً معدية وتنقلها إلى غيرها من إنسان وحيوان ونبات.

        فقد أكدت الاختبارات العلمية الحديثة وجود عشرات الأمراض التي ينقلها الكلب للإنسان، ولهذا وضعت السلطات الصحية في معظم دول العالم قيوداً مشددة على اقتناء الكلاب ، وألزمت أصحابها بوجوب تلقيحها، والحصول على ترخيص باقتنائها، بعـد إجـراء فحوص بيطرية لها للتثبت من خلوّها من تلك الأمراض.

وتأتي العدوى من الكلب عند ملاطفته أو مداعبته دون الاهتمام بحماية الجلد من لعابه وقد حذرنا الرسول الأكرم من ذلك ودلنا على طريقة بسيطة لتلافي ذلك فقال: ” طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَهُنَّ بِالتُّرَابِ “. (رواه مسلم )

وقد تبين طبياً وبعد وقت طويل أن غسل الآنية لا يكفي إلا بمنظفات قوية، لأن لعاب الكلب يحتوي على جرثومة دقيقة بشكل شريط لعابي سائل، تعلق بجدار الإناء ولا تزال إلا بالحك، كما ” أن التراب يحتوي على مادتين قاتلتين للجراثيم هما (تتراكسلين) و (التتاراليت) وتستعملان في عمليات التعقيم ضد بعض الجراثيم”.

يبقى لاقتناء الكلاب في البيوت أثر خطير أبلغ من كل ما سبق، تعلمناه من رسول السماء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم القائل:” لَا تَدْخُلُ المَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةُ تَمَاثِيلَ “.

وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت: ((واعد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم جبريل عليه السلام في ساعة أن يأتيه فجاءت تلك الساعة ولم يأته، قالت: وكان بيده عصا فطرحها من يده وهو يقول: “ما يخلف اللَّه وعده ولا رسله”، ثم التفت فإذا جرو كلب تحت سريره، فقال: “متى دخل هذا الكلب؟” فقلت: (والله ما دريت به)، فأمر به فأخرج فجاءه جبريل عليه السلام، فقال له رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: “وعدتني فجلست لك ولم تأتني”، فقال: “منعني الكلب الذي كان في بيتك؛ إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة”)). (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).‏

وبوجود الملائكة تغمر البيت الرحمة والسكينة والصفاء والصحة والإيمان، فإن غابت الملائكة خلا البيت للشياطين، ومعنى ذلك أن البيئة مهيئة للغفلة والمعصية والسؤم والقلق والبؤس والتعاسة، حتى ولو كان البيت مفروشاً مزيناً بأثمن الأثاث. وإذا كان وجود الكلب في المنزل محضرة للشياطين فإن “الكلب الأسود شيطان” بذاته، كما أخبر سيد المرسلين، صلى الله عليه وسلم. هكذا فهمنا معنى حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم عن مقتني الكلب بقوله: ” نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ “.

أمر آخر وأخير، لمن أراد أن يتعظ وينتهي عما نهى عنه الشرع الحنيف، هو ما يوحي به الحديث الشريف القائل: “إن إبليس له خرطوم كخرطوم الكلب واضعه على قلب ابن آدم يذكره الشهوات واللذات ويأتيه بالأماني ويأتيه بالوسوسة على قلبه ليشككه في ربه، فإذا قال العبد أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وأعوذ بالله أن يحضرون إن الله هو السميع العليم خنس الخرطوم عن القلب(الديلمي عن معاذ رضي الله عنه).

والمعنى أن خطم (بوز) الكلب يذكرنا بخطم الشيطان فنجاسة الأول مادية ونجاسة الثاني روحية، فهل من يود أن يستأنس في بيته وفي سيارته وفي فراشه بشيطان أو بما يستحضر الشياطين؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.

 clip_image560 

clip_image559

___________________________

* khaled-hanoun@hotmail.com

المراجع:

1-    موقع: نادي محبي الحيوانات الأليفة.

http://ourpetclub.com/vb/showthread.php?t=61632&page=1

2-    الموسوعة العربية العالمية.

3-    موقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة. نجاسة الكلب: بحث من إعداد فراس نور الحق.