من كرامات الشهداء والصالحين حفظ أجسادهم

د . محمد جميل الحبال*

بسم الله الرحمن الرحيم

ربما لا يعرف الكثيرون قصة نقل رفات الصحابيّين الجليلين سيدنا حذيفة بن اليمان وعبدالله بن جابر الأنصاري رضي الله عنهما عام 1932 بموكب عسكري مهيب يتقدمه الملك غازي وكبار شخصيات العراق ومنهم مفتي الديار العراقية وكبار العلماء حيث تم نقل الجَسدين الطاهرين من ضفة دجلة بالمدائن إلى جوار قبر سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه المدفون في منطقة المدائن (سلمان باك) … وأن الجسدين الطاهرين كانا طريين وكأنهما دفنا للتوّ. 

clip_image771صورة تاريخية نادرة تظهر التشييع المهيب لنقل الجثمان الطاهر للصحابيين الجليلين حذيفة بن اليمان وعبد الله بن جابر الأنصارى رضى الله عنهما فى عام 1932م

والصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه هو أمين سر الرسول عليه الصلاة والسلام  الذى أسرّه عن أسماء المنافقين وقد شهد أحد مع والده وروى حذيفة الكثير من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر رضى الله عنه. و روى عنه الكثير من الصحابة والتابعين. استعمله عمر على المدائن فلم يزل بها حتى مات  وذلك في سنة ست وثلاثين. شهد حذيفة الحرب بنهاوند  فلما قتل النعمان بن مقرن أمير ذلك الجيش أخذ الراية وكان فتح همذان والري والدينور على يده وشهد فتح الجزيرة ونزل نصيبين وتزوج فيها. و كان رضيالله عنه أعلم الناس بالفتن الكائنة إلى يوم القيامة. 

أما الصحابي الآخر فهو عبدالله بن جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي السلمي من بني سلمة، يكنى أبا عبد الله وأبوه هو عبدالله بن عمرو الصحابي الجليل الذي استشهد في غزوة أُحد. كان ممن أسلم مبكرًا وهو أحد الستة الذين شهدوا العقبة وذلك حينما لقي رسول الله عند العقبة نفرًا من الأنصار، كلهم من الخزرج فدعاهم رسول الله إلى الإسلام، فأسلموا ثم رجعوا إلى المدينة فدعوا إلى الإسلام ففشا الإسلام فيها حتى لم تبق دار إلا وقد دخلها الإسلام. وكان جابر من المُكثرين الحفّاظ للسنن أسلم جابر وأبوه عبد الله -رضي الله عنهما- مبكرين، ونال جابر من عطف النبي وحنانه الكثير. ولقد اهتم به النبي اهتمامًا كبيرًا، وكان يسأله عن حياته ومعاشه وأحواله كلها، ويوجِّهه دائمًا نحو الخير  

clip_image772

صورة للواجهه الأمامية لمسجد سيدنا سلمان الفارسى رضى الله عنه فى قضاء المدائن الواقع حوالى 20 كيلومتر جنوب بغداد 

يروي سادن مرقد سيدنا سلمان الفارسي أن والده كان ايضاً سادن القبر ومن الصالحين، وقد رأى بمنامه في عام 1932 رؤيا  ان سيدنا حذيفة أتاه في المنام يشكو الغرق، وكان قبر الصحابيين الجليلين حذيفة وعبدالله بن جابر الأنصاري على ضفة نهر دجلة، وحين زار قبرهما وجد أن مياه النهر باتت تأكل من جرف القبرين، وأنهما مُهدّدان بالإنجراف مع النهر، فقام بإبلاغ مفتي الديار العراقية آنذاك، والذي قام بابلاغ الملك غازي بالأمر، وبعد قيام مهندس الأوقاف بالكشف على القبر أكد في تقريره أنه معرض لخطر التجريف، ونصح بضرورة نقلهما.

وحضر الملك مراسيم فتح القبر والتشييع والدفن، بنفسه حيث جرى تشييع عسكري مهيب لنقل الجثمانين الطاهرين وبحضور حشد كبير من المواطنين.

 المعجزة بل الكرامة التي حدثت ورواها السادن ويعرفها أهالي المدائن ممن حضروا التشييع المهيب انه عند فتح القبرين لاحظوا ان جسدي الصحابيين حذيفة بن اليمان (الذى أسلم الروح الطاهرة لبارئها في العام الهجري السادس والثلاثين بالمدائن، وذلك بعد مَقْتلِ عثمان بن عفان بأربعين ليلة)وعبدالله بن جابر الأنصاري (الذى استشهد في معركة القادسية) مازالا على وضعهما بل أن الدم مازال طرياً، بحيث وقعت قطرات الدم على ملابس السادن واحتفظ بقطعة القماش المعطرة بدم الصحابي الجليل ومازال ولده يحتفظ بها.

ويروي أحد شيوخ المدائن المعمرين مايلي:  لقد شاهد كل الحضور من اهالي المدائن، الكرامة التي في جثمان الصحابيين حيث أنه عند فتح القبرين كان الجسدان بحالة طرية جداً وكأنهما دفنا للتوّ… حتى ان احد الجسدين كان فيه جرح بيده مشدود بقطعة قماش والدم موجود عليها كأنه مجروح قبل يومين،  وكانت رائحة الجسدين رائحة زكية عطرة … وقد تم نقلهما وتشييعهما تشييعاً عسكرياً وملكياً ضخماً في قضاء المدائن بحضور الملك غازي نفسه، وكبار علماء العراق وأهالي المدائن، وتم دفنهما بالقرب من مرقد الصحابي سلمان الفارسي في قضاء المدائن.

يقول العلماء: الثابت عند أهل العلم أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء وهذا هو ما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” إن الله عز وجل قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء “. رواه النسائي (1374)، وأبو داود (1047)، وابن ماجة (1636)، وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/196.  وأما غيرهم من الناس فإن الأرض تأكل أجسادهم ولكن هناك بعض الناس تكون لهم كرامات بأن لا تأكل الأرض أجسادهم وهذا أمر وقع قديماً وحديثاً في أشخاص بأعيانهم.

فمن ذلك ما رواه البخاري عن جابر رضي الله عنه قال : لما حضر أحد دعاني أبي من الليل فقال : ما أراني إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإني لا أترك بعدي أعز عليَّ منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن عليَّ ديناً فاقض واستوص بأخواتك خيراً فأصبحنا فكان أول قتيل ودفن معه آخر في قبر ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته هنية غير أذنه . فتح الباري 3/273 . وذكر الحافظ ابن حجر أن ذلك كان كرامة لوالد جابر :[ وكرامته بكون الأرض لم تبل جسده مع لبثه فيها والظاهر أن ذلك لمكان الشهادة ] فتح الباري 3/277 . 

وذكر ابن عبد البر أنه قد روي في أجساد الأنبياء والشهداء أن الأرضة لا تأكلها، وساق رواية بسندها أنه لما أراد معاوية أن يجري العين التي في أسفل “أحد” أمر منادياً فنادى أنه من كان له ميت فليأته فليخرجه وليحمله، قال جابر – رضي الله عنه-:”فذهبنا فأخرجناهم رطباً ينثنون”، وقال أيضا- :”فأصابت المسحاة إصبع رجل منهم فتقطر الدم” انظر ما رواه مالك في الموطأ (1023)، وانظر التمهيد لابن عبد البر (18/174)، وذكر الزرقاني أن ذلك وقع بعد ست وأربعين سنة من دفنهم، ونقل الزرقاني عن بعضهم أنه ألحق بهم الشهداء والصديقين والعلماء العاملين والمؤذنين المحتسبين وحاملي القرآن العاملين به والمرابطين والميت بالطاعون صابراً محتسباً، والمكثر من ذكر الله والمتحابين في الله، قلت وليس ثمة دليل على ذلك؛ وإنما الدليل الثابت في أجساد الأنبياء وأما غيرهم فالأصل بلاءها، والله أعلم.

إذن فمرتين أخرج والد جابر (عبد الله بن عمرو الأنصاري) من قبره بعد  ستة أشهر وبعد ستة وأربعين عاماً ولم يتغير منه شيئا.

وذكر ابن قتيبة في المعارف وغيره أن طلحة بن عبد الله أحد العشرة رضي الله عنهم دفن فرأته بنته عائشة بعد دفنه بثلاثين سنة في المنام فشكا إليهما النز فأمرت به فاستخرج طرياً فدفن في داره بالبصرة قال غيره قال الراوي كأني انظر إلى الكافور في عينيه لم يتغير إلا عقيصته فمالت عن موضعها واخضر شقه الذي يلي النز ] المجموع 5/303 . 

وقد روى الترمذي في قصة أصحاب الأخدود حديثاً طويلاً وذكر في آخره :[ فأما الغلام فإنه دفن قال : فذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب وإصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل ] وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب ، سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 9/186 وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/130 . ونقل المباركفوري عن ابن إسحق قال : وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه حدث أن رجلاً من أهل نجران كان زمان عمر بن الخطاب حفر خربة من خرب نجران لبعض حاجته فوجد عبد الله بن التامر تحت دفن فيها قاعداً واضعاً يده على ضربة في رأسه ممسكاً عليها بيده فإذا أخذت يده عنها انبعث دماً وإذا أرسلت يده ردت عليها فأمسكت دمها وفي يده خاتم مكتوب فيه ربي الله فكتب فيه إلى عمر بن الخطاب يخبره بأمره فكتب عمر إليهم أن أقروه على حاله وردوا عليه الذي كان عليه ففعلوا ] تحفة الأحوذي 9/186 .

وخلاصة الأمر أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء فقط وأما الشهداء فتأكل الأرض أجسادهم كغيرهم من الأموات ولكن هنالك كرامات لبعض الشهداء بأن الأرض لا تأكل أجسادهم . وهذا الكلام لا يعني أن من أكلت الأرض أجسادهم ليسوا شهداء . 

وسيدنا حمزه بن عبد المطلب رضى الله عنه عم النبي عليه الصلاة والسلام لم يتغير جسدة ففى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه أدى هطول الأمطار بشكل كبير إلى تجريف بعض قبور شهداء أحد وكان من بين تلك القبور هو قبر سيدنا حمزة بن عبد المطلب وتطلب هذا نقل أجساد الشهداء رضوان الله عليهم جميعا من أماكنها الى مكان آخر وهو الموقع الموجودة به الآن. ووجدت جثة سيدنا حمزة كما هي وقت دفنها بل الغريب في ذلك أنه عند تحريك يده التى تغطى جرح بطنه نزفت الدماء منه مجددا وفاحت رائحة المسك الزكية لتعطر المكان  فسبحان الله…

وقد تحدثت أنا شخصيا مع عمنا الشيخ محمد محمود الصواف (أبو مجاهد) رحمه الله عندما ألتقيته فى حج عام 1972م وكنت جالسا بقربه فى الحرم المكى مقابل الكعبة المشرفة بمكانه الذى اعتاد الجلوس فية تحت موقع إذاعة الحرم السابقة وحدثنى أن هذه الحادثة حقيقية ووقعت فى زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه وانه عند نقل هذه الجثامين الطاهرة  كانت الاجساد طرية وكانت الدماء تقطر من جروحهم وأن رائحة المسك الطيبة تفوح فى المكان  والشيخ محمد محمود الصواف هو أحد كبار علماء العراق المعروفين ولد في الموصل 1915م وتوفي في 1992م ودفن فى مكة المكرمة.

أما فى العصر الحاضر فهناك الكثير من الحالات التى لا حصر لها فى شتى بلاد المسلمين وقد وثقتها الكتب والفيديوهات والروايات المتواترة وشهود العيان (…).

يقول الله تعالى : وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ. 154- سورة البقرة.

وبتدبر عبارة “بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ” سنجد إعجازاً رائعاً لأن مصيرنا الفناء إلا أجساد الأنبياء كما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داوود والنسائي. وكذلك هنالك كرامات لبعض الشهداء بأن الأرض لا تأكل أجسادهم . وهذا لا يعني أن من أكلت الأرض أجسادهم ليسوا بشهداء.  يقول الدكتور عبد الحميد القضاة فى كتابه “الميكروبات وكرامات الشهداء”  يقول الله تعالى : وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ. 154- سورة البقرة. ويقول ايضا : وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . 169 – سورة آل عمران . والميكروبات من مخلوقات الله التى تأتمر بأمره فتتعامل مع أجسادهم وفق هذا التصنيف الربانى ووفق مشيئتة بدليل انها تفعل الشىء وعكسة فى الموقف الواحد فمثلا جسد سليمان عليه السلام ظل بحالته بينما عصاه تآكلت وتحللت وكذلك الطعام والشراب الذى لم يتسنه بينما تحلل جسد الحمار فى قصة الرجل الذى مر على قرية وهى خاوية فقال انى يحى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه) انتهى قوله. 

اللهم أكرمنا وأنزلنا منازل الشهداء والصالحين ولا تحرمنا مرافقة النبيين والصادقين والشهداء والصالحين فى الجنة وحسن أولئك رفيقا.

والحمد لله رب العالمين

__________________

* استشاري في الطب الباطني في مستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام – المملكة العربية السعودية، وباحث في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.alhabbal.info/dr.mjamil