هل كان زواج النبي وعائشة غير متناسب مع عصره؟

سارة ميري*

أكثر المستشرقون ومن اتّبعهم من توجيه النقد لدين الإسلام بشكل عام وللنبي صلى الله عليه وسلم بشكل خاص، فقد نسبوا إليه كتابة القرآن الكريم زوراً، وحاولوا أن يظهروا تناقضاً بين أحاديثه وبين نصوص القرآن الكريم، وبحثوا في أدق تفاصيل سيرته الشريفة وحاكوا حولها الكثير من النقد والتجريح وزاد بعضهم بتأويل مواقف للنبي بحسب هواهم ومبتغاهم.

ومن التهم التي حيك حولها الكثير من اللغط كانت قضية زواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها. فقد استند بعض المستشرقين إلى أحد مصادر الحديث بأن النبي عقد على عائشة وهي بنت ست سنوات ودخل بها بعد أن بلغت الحلم وهي بنت تسع، وهذا الحديث موضع شك [1]. والتهمة هي دخوله على فتاة صغيرة وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، ونيتهم في نهاية المطاف اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بشغف جنسي وهذا الكلام مردود على مروجيه لأسباب ثلاثة:

أولاً- لم يكن هذا هو السن الحقيقي للسيدة عائشة بدلائل ثلاثة:

الدليل الأول ما أورده ابن هشام في السيرة أن عائشة كانت من أوائل من أسلم وهي صغيرة،[2] قال: (وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ. وَعَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَهِيَ يَوْمئِذٍ صَغِيرَةٌ. وَخَبَّابُ …). وبحساب أبسط تكون السيدة عائشة قد ولدت قبل البعثة بسنوات قليلة حتى تتمكن من مبايعة النبي ولو بصحبة أبيها وبإيعاز منه، أي أنها عند الهجرة تخطت الثالثة عشرة بالتأكيد. إذ أن الفترة بين البعثة والهجرة بلغت ثلاث عشرة سنة.

والدليل الثاني ما روته السيدة عائشة نفسها عن وعيها لما كان يدور بين أبيها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنوات الأولى للبعثة، قالت رضي الله عنها في حديثها عن الهجرة إلى الحبشة:( لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ، بُكْرَةً وَعَشِيَّةً،…).[3]

والدليل الثالث وهو ان عائشة تزوجت بعيد زواج علي من فاطمة رضي الله عنهما، وزواجهما كان في السنة الثانية للهجرة، فتكون عائشة قد بلغت عند زواجها الخامسة عشرة وذلك في شوال بعد غزوة بدر.

ثانياً- أما السبب الثاني الذي يظهر ترفع النبي صلى الله عليه وسلم عن الميول الجنسية الجارفة كما يدعون، هو في أنه تعفف في شبابه باعتراف المشركين والمؤمنين، وأمضى زهرة عمره، من سن الخامسة والعشرين إلى السن الواحدة والخمسين، وفياً للسيدة خديجة مع أنها كانت تكبره بخمس عشرة سنة، ولم يتزوج غيرها إلى أن توفيت. ولا ضرورة هنا لذكر أعمار السيدات اللواتي تزوجهن بعد ذلك لنعلم أن زيجاته كانت سياسية أو اجتماعية كزواجه من أم حبيبة بنت أبي سفيان أو من أم سلمة رضي الله عنهن جميعا.

ثالثاً- وأما السبب الثالث أو الحجة الثالثة فقد أتت من علماء الغرب الذين درسوا معدل سني الزواج المبكر في العصور الوسطى والحديثة فجاءت النتائج صادمة لمن أصم أذنيه عن مفاهيم القرون الوسطى والقديمة وعاداتهما.

حقائق تاريخية

كان من الطبيعي جداَ أن تتزوّج النساء في عمر مبكر. وهذه حقيقة تاريخية، وحتى عقود قليلة قبل الآن كان سن الزواج للبنات في أوروبا و أفريقيا و أميركا بين 9 و 14 سنة.

ومن التاريخ القديم ثم من العصور الوسطى نجد على سبيل المثال، أن القدّيس أوغستين سنة 350 بعد الميلاد قد تزوج من فتاة تبلغ من العمر 10 سنوات. وتزوّج الملك ريتشارد الثاني سنة 1400 بعد الميلاد فتاة في السابعة من العمر. وتزوّج هنري الثامن سنة 1500 بعد الميلاد فتاة في السادسة من العمر. حتّى في الإنجيل يُذكر:”إختر لنفسك من البنات البكر”. ووفقاَ للموسوعة الكاثوليكية “كانت مريم أم يسوع في سن 12 من العمر عندما تزوّجت جوزيف ذي الـ 99 سنة” [4].

ويغيب عن الرأي العام أن رجال الكنيسة في إنكلترا كانوا قبل العام 1929م، يسمحون بزواج الفتاة عن عمر 12 سنة. وقبل العام 1983م، أباح القانون الكاثوليكي “الكانون” للكهنة أن يزوّجوا الفتيات عن عمر 12 وما فوق. وفي سنة 1880م كان سن الزواج القانوني في ولاية “ديلاوير” الأمريكية 7 سنوات وفي ولاية “كاليفورنيا” 10 سنوات. وإلى الآن سن الزواج القانوني في بعض الولايات الأمريكية على الشكل التالي: “ميامي” 12، “نيو هامبشاير” 13، و “نيو يورك” 14 سنة [5].

تقول الباحثة البروفسورة “مارغريت ويد لابارج” أستاذة التاريخ:

“ينبغي أن نعلم أن الأرامل في العصور الوسطى لم تكن مسنّات بل كن بمعظمهن يفقدن أزواجهن وهن في سن المراهقة، وقد كن يتزوجن بين سن الخامسة والعاشرة”.

سنّ البلوغ يختلف مع اختلاف المكان والزمان

وفقاً لمصادر علميّة ” يمكن للفتيات أن يصلن إلى سنّ البلوغ في أيّ وقت بين التاسعة والخامسة عشر من العمر”. بالإضافة إلى أنّ حرارة المكان تعتبر عنصراّ أساسيّاً بالتأثير على سنّ البلوغ والحيض.

الاستنتاج:

لم تكن السيدة عائشة إذن قاصر؟ كيف؟ والشرع يحرّم الزواج قبل سنّ البلوغ، ورسول الله هو القيّم على تنفيذ هذا الشرع الحنيف.

أليس من اللافت أن أعداء الرسالة في عهد النبي محمّد صلى الله عليه وسلم استغلوا كل الوسائل لتشويه سمعته. إذ كانوا ينتهزون اية فرصة للإعتداء عليه كلامياَ و حتى جسدياَ. كانوا يقولون عنه ساحر، عرّاف و مجنون. ولكنهم لم يذكروا أو ينتقدوا زواجه من عائشة رضي الله عنها. لماذا؟ لأنّ هذا الأمر كان متعارفاً عليه في مجتمعهم آنذاك، ولا يثير الاستهجان كما يفعل مدعو الثقافة اليوم.

يقول البروفسور في علم الاجتماع “جوزف بول كورتيز”: ” بقي مشهد رجل في الخمسين يخالط فتاة دون سن العاشرة غير مخالف للقانون الأميركي حتى أواسط الستينات من القرن العشرين”[6].

أقل ما يقال إذن، واستناداً إلى معدلات سن الزواج في ذلك الزمن أن السيدة عائشة قد تزوجت في السن الطبيعية لفتيات عصرها. وان التهم الموجهة إلى نبينا مردودة على مطلقيها والأولى بهم أن يراجعوا تاريخ حضاراتهم ليجدوا أنهم لم يفقهوا عصور أمتهم فمن الطبيعي ألا يفقهوا عصور غيرها من الأمم.

ما هي الحكمة من وراء هذا الزواج؟

إنّ الله عليمٌ حكيم. تمّ زواج عائشة رضي الله عنها بأمر من الله تعالى. نقلت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من 2200 حديثا. كانت رضي الله عنها ذكيّة بشكل استثنائيّ وملحوظ، وبما أنها قد تزوجت النبي صلى الله عليه وسلم بعمر صغير، فقد كانت قادرة على تعلّم الكثير منه. وقامت عائشة رضي الله عنها باتّخاذ دور المعلّمة، والطبيبة والأديبة والخطيبة والشاعرة والخبيرة والمحللة للإسلام.

فبالتالي، هناك حكمة عظيمة من هذا الزواج! وللذين لا يعرفون نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم ، لم يكن صلى الله عليه وسلم يبحث عن الملذّات الدنيويّة، بل كان يحذّرنا من هذه الملذّات. قال عنه صفوة أصحابه بأنّه صاحب الأخلاق الرفيعة وقالوا أنّه كان أشدّ حياء من العذراء في خدرها. وعندما كان يُسأل صلى الله عليه وسلم سؤال محرجاً كان يغطّي وجهه حياء. وقد علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ لكل دين أخلاقه، وأنّ خلق الإسلام الحياء والتواضع. والحمد لله على نعمة الإسلام.

___________________________________________

*من شابات منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في لبنان.

[1] وعلماء الحديث لا يأخذون بحديث عروة بن الزبير في العراق نظرا لأنه كبرت سنه وخلط في الحديث.

[2] سيرة ابن هشام ت السقا (1/ 254).

[3] أخرجه البخاري عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة.

[4] http://discover-the-truth.com/2013/09/09/age-of-consent-in-european-american-history/

[5]  عن موقع “اكتشف الحقيقة” Discover the truth سبتمبر أيلول 2013

[6] المرجع ذاته.