هل للشتائم تأثير وضرر على النفس؟

د. أسماء محمود*

كثيرًا منا يتعرض لمواقف يكون فيها شتائم أو سباب ولكن السؤال هنا هل تتأثر نفسيتنا بهذه الألفاظ؟

السب أو اللعن أو الشتائم هي تعبير لفظي منطوق أو مكتوب عن لحظات الغضب المفاجأة بخلفية من العنف أو الاحباط. وهو الفعل الذي يوصم به الشخص كفئة أقل من الناحية الاجتماعية.

في السطور القادمة سوف نتعرف على ماهية تلك الكلمات وتأثيرها على المُلقي والمُتَلَقّي على حد سواء.

يستخدم بعض الناس هذه الرموز?#@*&%!! …… كتابة على الكثير من مواقع التواصل الإجتماعي بشكل يرمز للكثير من الألفاظ النابية، فكيف تشعر بمجرد رؤية هذه الجمل؟!

يتفاوت السبب الحقيقي وراء كره الكثير من الناس لهذه الكلمات ما بين وقع الكلمة سواء مكتوبة أو منطوقة على المستمع وبين المعنى الحقيقي اللفظي لكل كلمة من تلك الكلمات.

هل يتزايد الضرر من سماع أو قول تلك الألفاظ بالنسبة للأطفال ؟

يكتسب الأطفال الألفاظ النابية بدءاً من سن السنتين وتصبح أكثر نضوجًا وتشبُّهًا بالبالغين عند سن الحادية عشر تقريبًا. وعند سن دخول المدرسة يصبح الطفل لديه قاموس خاص به مكون من 30-40 لفظ نابي. ولكن لا نستطيع إثبات مدى ادراكهم للمعنى الحقيقي وراء تلك الكلمات أم أنهم يتخذونها عادة اكتسبوها عن الكبار، والتي تتطور لتصبح أكثر عنفًا وتعبيرًا عن الغضب بمر السنين. ولكن عند دراسة حالات لأطفال أكبر سنًا أثبتت الدراسات أن الطفل يكتسب هذه الألفاظ من والديه وأقاربه وزملاء الدراسة بشكل أكبر من وسائل الإعلام المختلفة. ومع الوقت يتطور استخدام الطفل لهذه الألفاظ ليصبح لها الإتيكيت الخاص بمتى وكيف وأين يمكن التلفظ بها، وهو نفس الإتيكيت المُحَدِّد للمعنى وراء الكلمة سواء بالإيجاب أو بالسلب.

ارتباط الشتائم بالحالة النفسية:

يرتبط استخدام الشتائم بشكل مباشر بأنواع معينة من الشخصية وتُعتبر معبرًا عن الحالة النفسية والعصبية والقيم الدينية بشكل كبير، حيث لوحظ على سبيل المثال أن الأشخاص ذوي القيم الدينية يبتعدون عن استخدام ألفاظ ذات دلالات دينية بينما لا يجدون ضررًا في استخدام ألفاظ أخرى كالجنسية أو العنصرية أو خلافه. لذا وُجِدَ أنه من الضروري دراسة أبعاد تلك المشكلة مع مراعاة أبعاد كل شخصية على حدة من حيث الاضطرابات الشخصية كالانفصام واضطراب ثنائي القطب لبحث الأسس النفسية العصبية المتحكمة في الانفعالات والسيطرة على الذات.

أنواع الألفاظ النابية:

تنقسم معظم الألفاظ النابية أو الشتائم كما أوضحنا سابقًا إلى ألفاظ جنسية، أوصاف عنصرية أو صفات ذميمة. ولكن اثبتت الدراسات أن الأنواع المرتبطة بالجنس أو الأفعال أو الاعضاء الجنسية تُعد الأكثر شيوعًا بين باقي الأنواع الأخرى في مختلف الثقافات. ولكن مجرد استخدام لفظ يدل على أي معنى جنسي لا يجعله ضمن السُباب النابية فمثلاً استخدام كلمة F*ck التي ترد في الأفلام والمسلسلات الأجنبية لها وقع مختلف تمامًا على المستمع عن أي فعل آخر مساوٍ لها بشكل علمي.

إذًا ما السر وراء الوقع السيئ لتلك الكلمة على قريناتها؟ وما الذي جعلها مكروهة اجتماعيًا وأخلاقيًا؟!

لعلنا نجد إجابة هذا السؤال في التعريف المجتمعي لكلمة taboo: والتي تتضمن العادات الاجتماعية أو الدينية التي تُجَرِّم أو تمنع أي ممارسة أو فعل أو وصف له ارتباط وثيق بشكل سلبي بأي شخص أو مكان أو شيء. في البداية يجب استيعاب اللفظ منذ الصغر ككلمة مكروهة وربطها بمواقف تحدد معناها المقصود لاستدعائها عند الحاجة. وذلك يفسر لنا تلك الظاهرة التي تحدث عند تعلم أحد الأشخاص لأي لغة كلغة ثانية نجد أن هذا الشخص في مواقف الغضب أو الإنفعال المرتبطة بشيء أو بشخص سبق تسجيله في ذاكرته سابقًا فإنه يلجأ لاستخدام ذلك اللفظ بلغته الأولى التي نشأ عليها وليس اللغة الجديدة الوليدة. في نفس السياق تتم معاقبتنا كأطفال من قبل الوالدين عند التلفظ بأحد هذه الألفاظ فيتم ربط هذا اللفظ تدريجيًا بالعقاب وتصنيفه كجمل يجب تجنبها والابتعاد عن التلفظ بها، تلك الرابطة التي تتطور تدريجيًا مع العمر ليُضاف إليها متى وأين يجب تجنب هذه الألفاظ . (…)

ولكن على مستوى المخ و الأعصاب … ما تأثير تلك الألفاظ؟

بعد القيام بعدة دراسات استطاع علماء النفس والاعصاب من تحديد الجزء المسؤول عن التفاعل مع تلك الكلمات في مخ الإنسان. فقد وجد أن النواة العصبية اللوزية (Amygdala)الموجودة في المخ، تتفاعل بشكل نشط عند التعرض لكلمات التهديد والتي تُعد مكونًا أساسيًا في الجزء العصبي المسؤول عن المشاعر والذاكرة. ووجد أيضًا تفاعلها بشكل نشط فقط في حالات الكلمات والمشاعر السلبية. فقد يتسبب تنشيطها في نوبات هلع وتصرفات عنيفة، بينما في حالة تدميرها أو تأثرها بأي مرض بأعراض التبلد، لذلك من السهل إثبات ارتباطها الوثيق بكلمات السباب وربطها بالذاكرة مع الأشخاص أو الأشياء أو الأفعال المقترنة بتلك الصفات. على الرغم من المحاولات المستميتة من العلماء لفهم تأثير سماع الشتائم أو التلفظ بها على المخ ووظائفه مازالت مستمرة فقد توصلت الدراسات المتتالية على أطفال تلقوا مكالمات هاتفية تحتوي على تلك الألفاظ العنيفة والنابية أن هؤلاء الأطفال عانوا فيما بعد من أعراض واضطرابات نفسية مختلفة مع استمرار الاختلاف حول دور تلك المكالمات بشكل منفرد في التسبب بتلك الآثار النفسية السلبية. ولكن يظل المؤكد أن استخدام تلك الألفاظ يستدعي نشاطًا ملحوظًا في النواة اللوزية التي سبق الإشارة إليها مما يثبت التأثير السيئ لها. كما تثبت الدلائل استمرار الأذى الفعلي والنفسي المصاحب للشتائم على الرغم من انتهاء الموقف الذي تم ذكرها فيه. وعند دراسة رد فعل الجمهور لكلمات السباب المسيئة لوحظ أن الأطفال يستقون رد فعلهم من رد فعل آبائهم عند سماعهم للجملة المسيئة قبل إمكانية إدراكهم للمعنى الفعلي للكلمة. إذا اعتدنا الشعور بعدم الراحة في استخدام أحد هذه الكلمات أو الجمل سيحولها ذلك إلى جمل مكروهة مجتمعيًا بشكل تدريجي و ليس بالضرورة أن تكون الجملة مسيئة في معناها الأصلي، ولنا في أسماء الأعضاء التناسلية أو الوظائف الجنسية خير مثال على ذلك.

في نفس السياق قام الدكتور جيفري بويرز و دكتور كريستوفر بليديل _ باحثين بجامعة بريستول للدراسات والاختبارات النفسية_ بعمل تجربة باستخدام عدة أشخاص وثلاث قوائم مختلفة من الكلمات: واحدة بها كلمات شتائم مباشرة، وأخرى بها وصف لتلك الكلمات، وثالثة بعدة كلمات ليس لها علاقة بتلك الشتائم. وقد وجدوا أن الأشخاص قد تفاعلوا بشكل جدي عند قراءة الشتائم بشكلها الصريح المباشر عن تلك القائمة المحتوية على وصفها، مما يؤكد التأثير العصبي الفعلي لتلك الكلمات بشكل سلبي على مخ الإنسان. و قد فسر الدكتور بويرز ذلك لارتباط تلك الكلمات بمشاعر سلبية وذاكرة مسجلة في المخ يتم استدعاؤها عند قراءة تلك الكلمات بالذات بغض النظر عن معناها العميق أو وصفها الدقيق. في الواقع نجد أن استخدام تلك الألفاظ يشكل ضغطًا عصبيًا على مراكز الوعي والإدراك لدى الشخص لتغيير طريقة تفكير الشخص فيم يفكر وفيم يتكلم, حيث لوحظ تجنب الأشخاص لمواضيع عدة لمجرد احتوائها وارتباطها بتلك الكلمات والجمل بشكل مباشر. وأثبتت الدراسات بشكل قاطع ارتفاع مستوى العرق والمؤشرات الفسيولوجية المختلفة في الدم لدى الشخص المستخدم لتلك الجمل، ولكن وجد أن تأثيرها بشكل أكبر على الشخص المُتَلَقِّي أكثر من المُلقِي.

وعلى الجانب الآخر أثبتت جامعة ديفيد مكاي للتعليم David O. McKay School of Education أن تلك الجمل والألفاظ لها تأثير سلبي على معدلات الثقة بالنفس والفرص في التوظيف والتعليم، كما اقترحت تدريس الآثار السلبية للشتائم للأطفال في المدارس بتصنيفها كنوع من أنواع العنف الجسدي غير المقبول اجتماعيًا. الكلمة سلاح ذو حدين, قد يلجأ لها الطفل لجذب الانتباه، مثلها كمثل كل الأفعال السلبية التي تهدف لجذب اهتمام الآباء، ولكن رد فعل الوالدين في تلك المواقف أمر في غاية الأهمية حيث أن الطفل يسجله في مراكز الذاكرة للربط أن تلك الجمل غير مقبولة بشكل أو بآخر. يظل الدور الأبرز لتنمية التحكم الذاتي في الانفعالات يبدأ من المنزل، حيث أنه من المهم الشعور بإمكانية اقتراف الأخطاء بالمنزل للتعلم منها مستقبلاً مما يساعد في تطوير التحكم والتصحيح الذاتي للأفعال لدى أطفالك. يجب التركيز مع الأطفال على أننا لا نخطئ و حسب بل نستطيع أن نتحمل مسؤولية أفعالنا وأقوالنا وتقبل ذاتنا وتقبل اختلاف الآخرين لنستحق احترام ذاتنا واحترام الآخرين لنا. في النهاية يظل اعتبار أي تصرف سلبي أو مكروه اجتماعيًا على نفسك أو على الآخرين مثل استخدام تلك الألفاظ والشتائم شيء مكروه بغض النظر عمن يستخدمونها وعن عددهم ومكانتهم, فالطبيعة البشرية تتلخص فيما يستطيع كل فرد منها التأثير والتأثر بها بشكل ايجابي ومساعدة المجتمع في التعايش بسلام.

_______________________________

*وللراغبين بمتابعة البحث بكامله العودة الى الموقع  http://www.dailymedicalinfo.com