أهل الذمة…أي أهل وأية ذمة؟

أ. صلاح سلام

 

“أهل الذمة” عبارةٌ يمتعض منها البعض ولا يفهمها البعض الآخر وقد لا يعرف معناها كثيرٌ من الناس.

الذمة في الاسلام، لمن يرغب في الاطلاع على معناها، ليست تكليفًا ومسؤولية فحسب بل عبء وحساب يحاسب عليه المسؤول في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وأقسى.

بداية نأخذ من الحديث الشريف قول النبي صلى الله عليه وسلم: “المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم…” ومعنى الحديث أن أي مسلم يمكنه أن يعاهد غير المسلمين فرادًا كانوا أو جماعة قرية أو مدينة وعلى الحاكم المسلم والقائد المسلم أن يلتزم بهذا العهد ولو أخذته على نفسها امرأة مسلمة واحدة من أقصى الأرض.

ولو دخل جيش عرمرم مدينة أخذت من قبل عهدًا من فرد واحد من عامة المسلمين لوجب عليه أن يخرج من المدينة وأن يعسكر خارجها وأن يرد ما أخذه من أهلها. وعليه إذا أراد جنوده أن يدخلوا المدينة لبعض حاجاتهم أن يدخلوها على دفعات وبأعداد صغيرة يسهل ضبطها وانضباطها وعليهم ان يشتروا حاجاتهم بأموالهم ووفق أسعار أهل المدينة وبرضى هؤلاء، ولا تدخلها الدفعة التالية من الجند قبل أن تخرج منها الدفعة التي دخلتها من قبل.

هذا إذا كان التفوق في بلد ما لأهل الاسلام، أو كانت الأكثرية مسلمة والأقلية من غير المسلمين. فيكون على المسلمين أن يدخلوا غيرهم في ذمتهم ويتولوا حماية أرواحهم وممتلكاتهم ولهؤلاء أن يمارسوا شعائرهم بكل حرية وأمان. وعلى الحاكم المسلم أن يعاقب كل من يخرق إحدى هذه الحرمات لأن الأمن والأمان فرض على كل مسؤول ومن أولى واجباته.

هذا ما تعارف عليه أهل العلم وأهل الفقه في الاسلام، لكن الذي لا يعرفه الناس أن هذه العبارة تنطبق بالمعنى ليس على غير المسلمين فقط بل على بعض المسلمين أيضًا.

فالأقلية المسلمة في بلد غير مسلم يجب أن تكون في ذمة أهل تلك البلاد وفي ذمة حكامها. وعليهم أن يؤمنوا لهم الأمن والأمان والعيش الكريم ويضمنوا لهم حرية العبادة وحرية الرأي بشرط إلتزام تلك الأقلية بقوانين البلاد وأن تحترم مشاعر أهل تلك البلاد وأعرافها وأديانها وطقوسها.

ما ينبغي معرفته أننا جميعًا أهل ذمة إذا صح التعبير، فكل مواطن يعيش في ذمة دولته التي تحميه وترعى حقوقه. وكل مسلم يعيش في بيئة غير مسلمة ينبغي أن يكون من أهل ذمة تلك البيئة.

ومما يؤسف قوله وينبغي قوله أن على كل مواطن أن يفهم أن الأقلية التي تعيش في منطقته ليست رهائن يبتز بها الدولة ساعة يشاء بل إن هؤلاء سواء كانوا من غير دين أو عرق أو مذهب هم في ذمته من غير أن يوقع على ذلك ومن يخفر احدى هذه الذمم فانما يدل أنه غير أهل للمواطنة وأن دينه لم يرتقِ باخلاقه وأن معاييره الانسانية أقرب إلى الوحوش منها إلى البشر.

ولمن لا يريد أن يفهم فإننا في لبنان جميعًا أهل ذمة. كل طائفة فينا قد دخلت في ذمة الدولة وفي ذمة بقية الطوائف وتكون بذلك قد عاهدت سواها على العيش المشترك، وهذه معاهدة لا يحق لأيٍ كان أن ينقضها، تحت طائلة قيام بقية الطوائف ومعهم الدولة بالتصدي له بالطرق التي يرونها مناسبة وممكنة.

الآن ربما صار بامكاننا أن نفهم معنى قول الله تعالى في سورة الحجرات مخاطبًا كافة الناس دون استثناء: { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} صدق الله العظيم.