أ. صلاح سلام

تعيش الأمة في هذه الأيام ظروفاً غير عادية، لم يشهد التاريخ مثلها من قبل. حراك مذهل، ينتابه قلق يقارب اليأس أحيانا. بانتظار أن يأتي الفرج من الغير، وعود كثيرة وكلام قد لا ينطلي إلا على السذّج من الناس. ثم أمل كبير في الله تعالى وفي فتحه ونصره بعد سلسلة من الهزائم استمرت قرناً من الزمن، وبعد فشل قادة الصف الأول، على مر السنين ، في إعداد برامج حقيقية وفاعلة للتنمية والتطوير كي نلحق بسوانا من الأمم.

أدركت الجماهير أن عليها أن تصنع معجزتها بيدها وأن تخرج رجالها الأفذاذ من رحم الأزمة ومن قلب الشعب. وعامة المؤمنين يدركون حقائق ثابتة أنزلها المولى تعالى في كتابه الكريم وشرحها الرسول المصطفى في حديثه الشريف.

قال تعالى: {وما النصر إلا من عند الله}، وقال: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}، في إشارة واضحة إلى أن التحرك الأول غير كافٍ ويجب أن تتبعه أعمال تثبّت الإنجاز، وتحفظ المسيرة، فلا تذهب دماء الشهداء هدرا، ولا يسمح للانتهازيين ولا للوصوليين باستغلال النجاح، يبيعون القضية ويتاجرون بالعرق والدماء.

ومن سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم نتعلم أن الدولة الأولى لم تقم إلا بعد ثلاث وعشرين سنة من الإعداد والتوجيه والإرشاد الفردي والجماعي، برزت خلالها القدرات الفكرية والكفاءات الشخصية، واختبرت الأمة بذلك رجالاتها الكبار في امتحانات خطيرة ميّزت بين المنافقين وبين المخلصين، بين المتخاذلين وبين أصحاب الإرادات والعزائم.

في هذه الأيام نشعر بأشد الحاجة إلى أهل الاختصاص ليقوم كل بدوره وعلى كل الصعد، ويأتي في المقام الأول إختصاص نادر: إختصاص الوعي والإرشاد، فالمسيرة قادرة على كشف رجال الغد وقادة المستقبل، لكنها تحتاج إلى من يوجهها ويوجههم، فيرشد إلى ما ينبغي وإلى ما لا ينبغي عمله، ليس بمقتضى الواقع السياسي فحسب بل بمقتضى الشرع الحنيف كي يحظى العمل بالتوفيق والثبات والتطوير.

فللإرشاد متخصصون وهم قلة يقتضي أن يكونوا مجتمعين متفانين لا يريدون لأنفسهم علواً في الأرض ولا مكاسب شخصية، جلّ همّهم هو زرع الإخلاص وتقوية العزائم وتهيئة القلوب ، حتى يتمكن المقتدون بهم من مخالفة ميول نفوسهم ونبذ الأنانيات ومواجهة المغريات، وحتى لا يأبهوا لا لترغيب الآخرين ولا لترهيبهم.

ما نريد قوله أن للوعي معلميه ومرشديه كما لسائر الحقول. وبدون هؤلاء يخشى أن تنحرف المسيرة بإيعاز من أعدائها أو بجهل من مؤيديها، فتعود إلى النزاعات الطائفية والمذهبية والصراعات المناطقية، فيفشل العمل ويعترينا اليأس ونعود إلى الإحباط من جديد فنلقي باللائمة على من لا حول له ولا قوة.

وبكل إخلاص وبلا مواربة تجدر بنا المصارحة بأن صاحب الدين الحنيف والعقل الحصيف، فقيه الدنيا والدين، العلامة المجدد، هو من الندرة بحيث يتوجب علينا أن نبحث عنه ونتحرى، وأن نهيئ أمثاله للمستقبل، وإذا وجدناه فهل نعترف بوجوده؟ وناخذ بإرشاداته؟ ونذعن لآرائه؟ فنحن لم نتعود على ذلك وقد فقدنا سمة الإصغاء والطاعة لأولي الأمر منذ وقت طويل.

عندما يوافق الناس وخاصة أهل العلم والرأي على الانتظام عمودياً وشرعياً يصبح بالإمكان تحقيق النصر وتثبيته، وإلا فإننا سنستمر في اتباع كل ناعق ومبتدعٍ وجاهلٍ وفاسق.

وعينا يحتاج إلى وعي ومصارحتنا لبعضنا تحتاج إلى صراحة.