الحكم ملح الأرض

أ. صلاح سلام

لو أن كل الناس مؤمنون ملتزمون متحلّون بمستوى عالٍ من الحس الاجتماعي والوعي الوطني، لما كفاهم ذلك، إذ لاشيء يعوّض عن غياب الدولة وعن مهابة الحكم الحازم القادر.

حين يكون الحكم برأس واحد واعٍ ومسؤول وتحيط به زمرة من الخبراء والمثقفين تسهل القيادة ويسهل الإشراف على حسن سير الأمور من عدل وأمن وسلام وازدهار بحيث تطبق الدولة والناس خطة إنمائية اجتماعية وطنية واضحة يرسمها الكبار وتشاركهم في تطبيقهاكل الشرائح والطبقات، ويتقيد بها الخاص قبل العام.

أما حين يكون الحكم للفوضى وللعصبيات والقبليات بالمناصرة والمناحرة والمكايدة، فعندئذٍ تختفي المراقبة والمحاسبة وتضمحل الهيبة وتسيب الأمور، فيتعالى البناء في أملاك الغير وتحتل الشواطئ وتصادر الأرصفة، وتقفل الطرق، وتوضع الحواجز، ويتهجم راكبو الدراجات على سائقي السيارات، وتفتح أبواب التهريب وتصنّع الممنوعات، وتكثر التعديات والاعتداءات، وتخطف العصابات الناس ولا تطلقهم إلا بفدية، وتطلق النيران فوق رؤوس الناس كأنهم الطيور المهاجرة، ويتفلت القريب والبعيد والصغير والكبير إذ لا رقيب ولا حسيب.

بينما الحكم رؤية ثم مشروع ثم خطة ثم تكليف فإشراف فتوجيه وتطبيق ثم رعاية ومحاسبة فثواب أو عقاب. الحكم تصويب للخلل وتشجيع للمبادرات وللطاقات ورعاية للكفاءات الواعدة. الحكم تعاقب يبني على ما بناه السابقون ومن أخطاء هؤلاء يتعلمون ولإنجازاتهم يطورون.

الحكم يحكمه قانون العيب ويراقبه الحساب والتدقيق، ويعدله استقلال السلطات، فيقوّمه القضاء ويردعه الحجز والتغريم والسجن.

الحكم تبصر وتحسب واستباق للأزمات والكوارث واستعداد لمعالجة متطلبات النمو السكاني والطلب العمراني، وقراءة متبصرة لأحداث قادمة وتداعيات مرتقبة، الحكم ثقافة واطلاع، وخبرة واقتداء.

فإذا غاب الحكم ولو بقيت هامات الحكام منتصبة غابت الكرامة وانقرضت الهيبة وفقد الحسّ الوطني وحل مكانه الحسّ العصبي والقبلي والمناطقي وحيث تكمن مثل هذه التفاصيل والتفرعات يكمن الشيطان. وقد لمسنا ذلك في الأيام والسنوات الماضية.

حاكم مستبد خير من حاكم ضعيف ودولة قادرة قاهرة خير من دولةٍ يسيّرها الخفاء والظلام، لم يبق منها إلا الهيكل وفي الهيكل يلعب الصغار.

في شرعنا ينبغي على الحكم أن تكون له مقاصد خمسة: أن يحفظ على الناس دماءهم ودينهم وأعراضهم وأموالهم وعقولهم. ولا تحفظ هذه إلا بالعدل والقصاص الذي يحفظ الحياة قال تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب}. صدق الله العظيم.

فبدون الملح لا يطيب الطعام وبدون الحكم لا وئام ولا سلام. الحكم أيها السادة ملح الأرض.