العودة إلى الكتّاب

أ. صلاح سلام

 

أتذكر من طفولتي حين كان جدي ورفاقه يتسامرون ويحدثون عن مآثرهم وعن قصصٍ من طفولاتهم وصباهم.

ومما كانوا يذكرونه ما كان يفعله شيخ الكتاب بهم حين لم تكن مدرسة ولا جامعة، كيف كان القرآن والحديث محور دراساتهم وكيف كانت قصص بطولات الصحابة وأخلاقهم ومرؤتهم وإيثارهم ومحبتهم وصدقهم تغلب على بقية الدروس، وكيف كانت أمثلة القواعد والعلوم والاجتماع تستقى من جمل القرآن والحديث؛ ومنها: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد)، (إن الله لا يحب كل مختال فخور)، (إنما نطعمكم لوجه الله) إلى آخر الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة.

ولست هنا بصدد تذكر الطرائف والنوادر التي جرت معهم، والتي لم تكن بعيدة عن التمثل بالآيات والأحاديث كأن يقول أحدهم لصاحب الدعوة: يا فلان اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم، فيرد عليه الداعي: أخرج منها فانك رجيم؛ أو أن يذكّر شيخ الكتاب من يعلو صوته في الحصة بقول الله تعالى: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير…

الذي استوقفني هو الفارق في الطريقة بين إعداد الفتيان في تلك الأيام وبين هذه الأيام التي كثرت فيها المدارس وتراكمت فيها الكتب وتشعبت بها العلوم. واذا بنا نجد العنصر البشري يمشي القهقرى في أخلاقه وفي أدائه وفي نظرته الى الأمور.

اختفت البشاشة عن الملامح والبشر عن الوجوه والابتسامة عن الشفاه وغاب تبادل السلام بين الناس.

وصار الناس يمرون بصاحب الحاجة أو بالمصاب فلا يكترثون فحسب، بل يتوقفون للشماتة وليس لتقديم المساعدة.

صارت الناس تسأل عن دين المحتاج ومذهبه قبل أن تفكر بتقديم المساعدة إليه. وصار المحتاج ينظر إلى المقتدر على أنه الغريم والعدو والعلة التي أوصلته إلى طلب الحاجة.

صار الفتيان يهزأون بالعاجز والمعوّق والعجوز. ولم يعد للطريق حرمة ففيها القاذورات وعبرها تتعرض الفتيات لشتى انواع المضايقات.

لم نعد نسمع بالأمانة فمن عثر على محفظة أخفاها، ولم يعد للمروءة مكان فلا منقذ ولا من ينقذون.

صارت السرقة تسمى شجاعة والاعتداء يسمى إقدامًا.

ما السبب يا ترى؟

هل هي الحرب الأهلية؟ أم المناهج المدرسية حيث اختفت من كتب القراءة كل مشاهد القيم والمثل العليا ليحل محلها وصف الطبيعة وهطول الامطار وخرير الانهار؟

أم هل هو فقدان المربين؟ لأن لا حاجة لأحد بهم بعد اليوم. أم هو العالم المادي الذي نراه في المسلسلات الفضائية والأفلام السينمائية. أم هو ذلك الشحن الطائفي والمذهبي الذي يؤجج النفوس ويلهب المشاعر حتى نسي الناس العدو الحقيقي وصار ابن الحي والبلدة والبلد خصمًا عنيدًا وعدوًا لدودًا.

رحم الله أيام الكتّاب فقد كان المربي على بساطته وفطرته يستند إلى كلام الله وكلام رسول الله لاعداد الناشئة فعلام يستند المعلمون والأهلون اليوم؟