طريق العلم والعقل والانفتاح

أ. صلاح سلام

 

في يوم سياسي مشهود وعاصف، طرق باب مكتبي صديقي العميد المتقاعد بصحبة صديقه الشاب الدكتور المهندس.

فدار في خلدي أن جلستنا ستكون كالعادة عند الشدائد، تدقيقًا لتفاصيل الحدث وتحليلاً لأسبابه وتوقعًا لنتائجه.

لكن الذي فاجأني هو طرح جديد علمي ووجداني وقرآني في آن واحد!

قال ما رأيك بمحاولة العودة إلى منابع الحلول؟

وطفقنا نستعرض معًا فكرة كيف بمكن معالجة الإفلاس الروحي لعله يوقف حالة الإفلاس السياسي.

انقطعنا عما حولنا لساعة من الوقت وخرج صديقاي القديم والجديد لأنفرد مع عميد اللواء ونعيد تقييم جلستنا تلك.

كانت اللواء وما زالت ومنذ سنوات طويلة تنفرد في صفحاتها الإسلامية بمثل هذه المواضيع “الإعجازية”، وكانت دائمًا تلقى صدى طيبًا لدى شريحة عريضة من القراء، وتكونت لديها علاقات ممتازة مع عدد من العلماء والباحثين على امتداد العالم الإسلامي.

وأذكر في هذا المجال أن أولى مناقشة لي في مواضيع الإعجاز العلمي كانت مع البحاثة الإسلامي اليمني المعروف الشيخ عبد المجيد الزنداني، وذلك في أواسط الثمانينات من القرن الماضي، يوم كان رئيسًا لإدارة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم في رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة.

أبحرنا يومها بعيدًا في آيات مشهودة من “الكتاب المكنون”، حول حركة الشمس والقمر ونظام الكواكب الشمسية والقمرية، وولوج الليل بالنهار، ومكونات الأرض والسماء، إلى نشأة حياة الإنسان وتكوين أعضائه بهذه الدقة الإعجازية، وبث الروح فيه، والتي ما زالت الشغل الشاغل للعلماء في مشارق الأرض ومغاربها.

وتبين نتيجة ذلك النقاش الذي امتد نحو ساعتين أن ثمة ماية وعشر آيات تتضمن إشارات جيولوجية مباشرة ما زالت موضع اهتمام الكثير من العلماء في العالم تفسيرًا وتحقيقًا.

وثمة أكثر من ألف آية تتحدث عن قدرة الخالق عزّ وجلّ في خلق السموات والأرض وترتيب عناصرها المتعددة وظواهرها المختلفة، مع التركيز طبعًا على القدرة الإلهية في خلق الكون.

وهناك حوالي 460 آية في وصف الكرة الأرضية وقشرتها الصخرية الخارجية والتربة الواقعة فوق تلك القشرة، فضلاً عن الآيات التي تركز على الغلافين المائي والجوي اللذين يذكر القرآن الكريم بشكل واضح أنهما أخرجا من الكرة الأرضية، وهي حقيقة لم يكتشفها علماء الجيولوجيا إلا حديثًا.

ورغم كل الجهد الذي بذلناه، وما زلنا، مع الزملاء في “اللواء الإسلامي” لكشف خفايا الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، كان دائمًا يراودني شعور ما بالتقصير، وأن هذا الجانب العلمي إلهام من الرسالة السمحاء يحتاج إلى نشاط مكثف ودائم من أهل الاختصاص، لبلوغ الأهداف الإيمانية الكبيرة لظاهرة الإعجاز في المصحف الشريف.

ها هي ثلة جديدة من إخوتنا وأبنائنا تحاول أن تعبر الطريق الذي بدأناه وتحاول أن تطور في مسعاه.

وضعت اللواء كل إمكانياتها بتصرف هذه المجموعة الطيبة المباركة أملاً في توظيف هذا المنبر الجديد لخدمة أمتنا ووطننا، ولإنارة طريق العلم والعقل والانفتاح أمام شبابنا، بعيدًا عن ظلمات الجهل والتطرف.

والله من وراء القصد والله الموفق.