الأخوّة في الله

محمد فرشوخ

 العدد الثالث عشر – ربيع 2010

بانتظار موعد الجلسة مع المعلم، اشترى أحد الأحبة بعض الحلوى وجعل يوزعها على الشباب، ولم يخل الأمر بالطبع من بعض التعليقات اللطيفة والنكات الظريفة من صاحب البادرة وعليه.

فوجئ الجميع بأن المعلم كان ينظر إلى الجمع من الشرفة مبتسمًا مستحسنًا هذا المشهد اللطيف والوديع. ثم استوى الجمع في القاعة وتبين أن ذلك المشهد قد أثر في المعلم فقرر النفاذ عبره إلى لب الموضوع قال:

ما الفرق بين الأخوة في الله وبين سائر أنواع العلاقات؟

وشرع يستمع إلى كل مجيب ليردف قائلاً: أحسنت وما أصبت. مما زاد في عطش الحضور لمعرفة الإجابة الصحيحة.

الأخوة في الله أيها، قال الحكيم، الأحبّة مذكورة في الكتاب الكريم وفي صريح الحديث الشريف وصحيحه. في سورة الكهف:{…إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى(13)}، وفي سورة الحشر:{…يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ…(9)}، وفي سورة المائدة:{… أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ…(54)}، إلى آخر الآيات.

وفي الحديث الشريف:”… ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه…” (صحيح البخاري، 629).

الفرق أيها الأحبة أن لكل إنسان نديم وصاحب وصديق يجمعهما هدف معين وغاية مخصوصة، بريئة كانت أم دنيئة، موهبة منسجمة أو تجارة مشتركة وحتى هوىً في النفس واحد وما أكثر المعاصي التي تجمع أقرانها وخلاّنها.

لكن الأخوة في الله هي التي تجمع الإثنين والثلاثة وأكثر على غاية واحدة وهي محبة الله ورسوله، التعرّف على ما يهذّب النفس ويفتّح مساري العقل، ويقرّب إلى الله ويعزز محبة رسوله.

هي اشتراك في الطاعات والعبادات ومساهمة في الأعمال والعادات وجهد لبلوغ أسمى الأهداف والغايات.

في الأخوة في الله لا يسأل الواحد ماذا يجني بل يسعى لأن يقدم طالما أنه يشعر بأن خدمته للآخرين تزيده قربًا إلى الله.

في الأخوة في الله جهد يبذل ومالٌ ينفق ووقت يصرف لكن في مرضاة الله وبما يصلح أحوال العباد والبلاد.

في الأخوة في الله لا ينتظر العبد من أحد جزاءً ولا شكورا بل يعمل ويكد تحت شعار{…إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ…}(سورة الإنسان، الآية 9).

الأخوة في الله ليست تصنعًا ولا ابتذالاً بل تصبح سجيّة ومنوالاً.

الأخوة في الله لا تتوقف ولا تنقطع ولا تنقضي فهي تزداد مع الوقت ترابطًا واتصالاً.

الأخوة في الله خفة عن الآخرين وتعفف عما في أيديهم وتورع عما عندهم من أهل ومقتنيات.

ينطلق الأخ في الله من أبسط القواعد والعادات. يوقظ أخاه على صلاة الفجر ويرافقه إلى مجلس العلم، ويذكره بالله، وينصحه إذا رأى منه ما ينكر. يتغاضى عن سيئاته ويشجعه على عمل الخير، لايبخل عليه بما تناهى إليه من علم ومعرفة، يحببه إلى المعلم ويذكره عند المعلم بخير، يقدمه أمامه ويرفع من شأنه ويدافع عنه.

الأخ مرآة أخيه فإذا أحسن الإعتناء فيه كان نسخة طيبة عنه وإذا أهمله كان كالشوكة في خاصرته.

وكم من معلم تعلّم واكتسب خلال تعليمه لغيره.

للأخوة الحقيقية علامات، يرتاح القلبان إذا اجتمعا ويشتد الشوق إذا افترقا، إذا غاب افتقدته وإذا حضر غمرتَه.

وليعلم كل منا أنه حين يعثر على أخيه في الله وينسجم معه في مشوار العمر على طاعة الله أن الله تعالى هو الذي جمع بينهما وألّف بين قلبيهما. قال تعالى:{… لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ…}(سورة الأنفال، الآية 63).

قالوا فيه:(رب أخٍ لك لم تلده أمك)، فلربما ساد العلاقة بين أخوة النسب غيرة أو ملل. ولربما كان نسب الدم عاجزًا عن تحقيق وحدة الغايات وانسجام العقليات، وتشابه العادات.

أخوة المصلحة تنتهي عند انتهاء المصلحة والأخوة في الله تستمر حتى يصلان إلى:{ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى}(سورة النجم، الآية 42).

الأخوة في الله لا يعكرها مال ولا جاه فكلما رأيت له ارتقاءً ايقنت أن الله قدره له وقضاه.

تفرح لفرحه وتحزن لحزنه، تواسيه في مصابه وتخدمه في أفراحه.

الأخ في الله فرصة ومنحة تصقل عبره معارفك، وتهذب بتهذيبه نفسك. قد لا تجد من أخيك في الله مثوبة ولكنك تجد في قلبك راحة ومن الله عناية ورفقة.

دعاء الأخ لأخيه في غيابه مستجاب لأنه دعاء خالص لا رياء فيه. ولك مثله.

أما في الآخرة فهناك الفرحة الكبرى، يوم يفر المرء من أخيه ابن أمه وأبيه تجده تجاهك وبانتظارك {…يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ…}(سورة يونس، الآية45)، لا يدخل إلا معك ويدًا بيد، يفديك بحسناته ويطلبك من الله تجلسان على منابر من نور يغبطكم النبيون والشهداء.

صداقة من نوع آخر وصفها المولى تعالى في سورة الصافات يسأل أحد الناجين {…إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51)} ويريد أن يعرف عنه شيئًا {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ(55)} فيخاطبه حامدًا ربه {…تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ (56)} لو استمر في صحبته لكان من الهالكين.

{…فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ}(سورة المؤمنون، الآية 101) اذ لا نسب إلا نسب التقوى يقول الله تعالى:{ الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}(سورة الزخرف، الآية 67).

وأين المتقين يومئذٍ؟ أجاب من نص القرآن الكريم:{عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}(سورة الصافات، الآية44) {يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ}(سورة الدخان، الآية 55).

ساد القاعة صمت رقيق وغشت الأرواحَ سكينةٌ والقلوبَ طمأنينة. وإذا بصوت المؤذن يصدح بالأذان ويعيد الجمع إلى واقع الحال، فقال المعلم: اسمعوا ما قاله الرسول الأعظم ونفذوا قوله:”تآخوا في الله أخوين أخوين” وخذوا الطريقة من الإمام عليّ كرّم الله وجهه: أبطئ في اختيار الصديق وأبطئ في تركه، وقوموا إلى الصلاة يرحمني ويرحمكم الله.