الإسلام وئام وانسجام

رئيس التحرير

العدد السادس والعشرون – صيف 2013

 

يدخل المسجد متجهماً وكأنه يخفي نظرة استعلاء على الناس، يتأخر حين تقام الصلاة وينظر يمنة ويسرة ليختار مكاناً بين اثنين يروقان له، وحين يقف في الصف يفتح رجليه لمسافة تزيد على عرض كتفيه أو ردفيه، مما يدفعه إلى التأرجح إلى الأمام وإلى الخلف طيلة الصلاة.

ولكي لا يدع للشيطان فرجة بينه وبين جاريه يلصق قدميه بقدميهما، وكلما عادا للتفكر في الصلاة وكزهما بخنصري قدميه، وكأنه يفرض نفسه عليهما ويذكرهما بوجوده فيشغلهما عن الصلاة بالتفكر فيما يبغيه هذا الجار المتطفل. وفاته أنه فتح بين رجليه نفقاً عريضاً يتسع للشيطان ولبنيه. كما فاته أن لكل امرئ حيّز مكاني ونفسي خاص به فبأي حق يحك قدمه بقدم غيره كأنه استفزاز.

يعبث بثيابه ولحيته طيلة الصلاة وكأنه لم يسمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق رجل كان يعبث بلحيته في الصلاة فقال فيه: “لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه”.

وحين يرفع الإمام والمصلون أيديهم ليقنتوا في الصلاة، يخفض يديه بإصرار وكأن الآخرين ضالون، فتخسر الجماعة بفضله إجماعها وانسجامها.

هل بلغ مثل هذا الرجل أن الإمام الشافعي حين أمّ الناس في مسجد الإمام أبي حنيفة ، لم يقنت أدباً مع الإمام الذي كان قد سبقه إلى رحمة الله؟ مظهراً سعة في المذهب وسعة في الأدب والأخلاق. وهل علم أخونا هذا أن من جمال الإسلام أن ينصاع القلة للكثرة، فإذا قنت الإمام قنتوا وإذا تجاوز تجاوزوا.

لا يتبشبش في وجه الناس، والعبوس غالب عليه، أما طريقته في نصح الناس وإرشادهم فهي أقرب إلى التوبيخ منها إلى التواضع واللين.

الإسلام وئام وانسجام وتوافق وألفة، الكل كالواحد والواحد مثل الكل ومن فارق في الصغيرة كان إلى الفراق في الأهم أميل، ومن الأهم وحدة الكلمة والتزام البيعة وعدم الخروج على أولي الأمر إلا لكفرٍ بواح.

والتمايز لا يكون في صلاة الجماعة ولا في الأداء بل حين يخلو بربه في قيام الليل وحين يسر الصدقات فلا تعلم شماله ما تنفق يمينه. والتسابق يكون في فعل الخيرات وترك المنكرات.

قال عليه الصلاة والسلام: ” سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، وَحَاذُوا بَيْنَ مَنَاكِبِكُمْ، وَلِينُوا فِي أَيْدِي إِخْوَانِكُمْ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِيمَا بَيْنَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْحَذَفِ “. فالمحاذاة تكون عند الأكتاف لا عند الأقدام، وسد الخلل يكون بالسماح بدخول مصلٍ جديد في الصف بلا حرج ولا ضيق وليس بانفراج الأرجل فتتباعد الأكتاف. سامحنا يا رب.