الحلم سيد الأخلاق

رئيس التحرير

العدد الخامس والعشرون – ربيع 2013

 

تجاوزت الستين بثلاث ولست أندم على شيء فعلته في حياتي كندمي على زلات لساني وتفوهي عند الغضب بكلام وددت لو اني ابتلعته يومها ودفنته إلى الأبد في أعماقي.

لست هنا بصدد بث لواعجي الخاصة على مسمع الخاص والعام من الناس، ولكنها مدخل لمناشدة كل شابٍ أو شابة، يرسم مستقبله ويعد نفسه سواء لتقلّد وظيفة عامة أو منصب رفيع، أو للتعاطي بالشأن العام أو حتى إن كان طموحه أدنى من ذلك أو أكبر.

ولن أستعين إلا بكلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. يقول المولى عزّ وجلّ: { وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)} [سورة الشورى: 37]، ويقول أيضاً: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} [سورة آل عمران: 134]، ويحذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في خروج المرء عن طوره طرف من النفاق، فيعدد من علامات المنافق: “وإذا خاصم فجر”، أي فقد اتزانه وأخرج كل ما في جعبته من فجور وضغائن.

والحلم والغضب ضدان يغلب أحدهما الآخر فالحلم من شعب الإيمان والغضب من الشيطان، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: “إِنَّ الغَضَبَ مِنَ الشَّيْطانِ، وَإِنَّ الشَّيْطانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وإنَّمَا تُطْفأُ النَّارُ بالمَاءِ، فإذَا غَضِبَ أحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأ”. ويقول: “ألا إن الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم؛ ألا ترون إلى حمرة عينيه، وانتفاخ أوداجه؟ فإذا وجد أحدكم شيئا من ذلك فالأرض الأرض. ألا إن خير الرجال من كان بطيء الغضب سريع الرضا، وشر الرجال من كان سريع الغضب بطيء الرضا؛…”.

فالغضوب تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه وتتغير سحنة وجهه ويفقد بشاشته، ويستنفد هيبته ويقل خلانه ويكثر الرعاع من حوله. ولا عذر لمن قدِر شياطين الإنس على استفزازه وإخراجه عن طوره، فأهبطوه إلى منزلتهم، وما أجمل قول الله تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)}، [سورة الفرقان: 63، 64]، وقوله جلّ وعلا: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127)}، [سورة النحل: 127].

ومن كظم غيظه وألزم نفسه الصمت، كاد خصمه وحافظ على مكانته وترفّع عن النقائص ، وأوكل أمره إلى ربه فدفع عنه ودافع عنه، لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا (38)}، [سورة الحج: 38]. فالحلم يمنح المعتدى عليه فرصةً للتفكر، ويعطي الناس وقتاً ليحكموا له بدلاً من أن يحكموا عليه. الحلم أيها الشباب سيّد الأخلاق، وصدق القائل: (كاد الحليم أن يكون نبيا).