المسلمون المعتدلون

رئيس التحرير

العدد السابع – خريف 2008

 

إستوقفتني عبارة “المسلمون المعتدلون” ضمن مقال أعده كاتب أوروبي، وأثارت في نفسي نوعاً من الاستغراب! لأن مجرد إطلاق صفة الاعتدال على بعض المسلمين توحي وكأن صفة مسلم غير كافية ولعلها غامضة وتحتاج إلى أوصاف توضيحية حتى يصبح المسلم وإسلامه مقبولين.

من تعرف على حقيقة الإسلام وكذلك على أصل كل الأديان السماوية يعرف حقاً أن الدين قائم ويقوم ولن يقوم إلا على الاعتدال، الاعتدال في أغلب الأمور والمسائل والقضايا الشخصي منها والعام، وذلك بنص الكتاب والسنّة:

بدءاً من الاعتدال في المأكل والمشرب: -ح: ” ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه. بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسه “.

وحتى في النوم والراحة، ففي الحديث:” … ولكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني”.‏

والاعتدال في الإنفاق، يقول الله تعالى في سورة الفرقان: { وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}. وفي سورة الإسراء: { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا}.

كما دعا الله تعالى عباده المؤمنين إلى الاعتدال حتى في المشية وفي رفع الصوت فقال:{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ…}.

وفي القرآن الكريم دعوة إلى التمتع بالدنيا وأن لا ينسى المؤمن نصيبه منها وأن يسعى لنيل خيري الدنيا والآخرة:{ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق}، { ولا تنس نصيبك من الدنيا…}،

وإلى الاعتدال في تلبية متطلبات الجسد ومتطلبات الروح: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة}.

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يعتدلوا وأن لا يغالوا في العبادات، قال لعبد الله بن عمرو:-ح: يا عبد الله إن لله عز وجل عليك حقاً وإن لبدنك عليك حقاً وإن لأهلك عليك حقاً ً”. وقد نزع رسول الله صلى الله عليه وسلم حبلاً علقته إحدى زوجاته في السقف لتستند إليه إذا أصابها التعب في قيام الليل.

وأن تتم العبادات بدون مبالغة: { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً } (الإسراء).

وأمر الله تعالى المؤمنين بالتعقل والعدل والاعتدال فلا يؤخذ قوم بجريرة عمل ارتكبته فئة منهم فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ.

ووصل الاعتدال بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى حد الاهتمام بجاره اليهودي الذي يؤذيه فيفتقده إذا غاب ويعوده إذا مرض.

وهكذا فإن الاعتدال في الإسلام يصل إلى درجة وجوب إخفاء السلاح في المدن الآمنة ولا سلاح في المساجد ومن اضطر فعليه توخي الحذر. دون أن ننسى أن الناس سواسية في الإسلام.

وفي الشرع الحنيف من ارتكب جرماً ظلماً فقد خلع عنه ربقة الإسلام:-ح: «لاَ يَزْنِي الزّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ … فَإذَا فَعَلَ ذَلِكَ خَلَعَ رِبْقَةَ الاِسْلاَمِ مِنْ عُنُقهِ …”.

حبذا لو يجدي التوسع في إقناع من لا يريد الاقتناع بأن الاعتدال أس في كل نواحي الإسلام عقيدة وعبادة وممارسة ، في الزواج وفي الوصية وفي الميراث وفي الصداقة وفي التعامل، ومع الحاكم ومع السلطان والسلطات…وأفضل وسيلة للإقناع هي إعطاء المثل والقدوة.

لو ارتكب أحد المسلمين جريمة فهل يقال له مسلم مجرم أو مسلم سارق أو مسلم مدمن؟

أصبحنا عن قصد وغير قصد نعتمد عبارات ومفردات مستوردة دست في أدبياتنا وفي إعلامنا وحتى في حديثنا اليومي: مسلم أصولي ومسلم متطرف ومسلم إرهابي…خرج بها العقل الغربي، نتيجة تطرف ظاهره ديني وجذوره سياسية واجتماعية واقتصادية، بداياتها ظلم وفقر وإجحاف واضطهاد وتعذيب، مما يعزز قرار الانتقام ولا يوفر متنفساً ولا بديلاً لأولئك المقهورين. ولا تحدث بعد ذلك عن النتائج، وهذا ما يقوم به مسلمون وغير مسلمين في شتى بقاع العالم فلماذا التعتيم على غير المسلمين ولماذا التركيز على المسلمين من هؤلاء؟

المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، فلا يكون مسلماً حقاً إلا إذا كان معتدلاً عاقلاً مشاركاً مساهماً إيجابياً صابراً حليماً، ولن يوسع رقعة انتشار المعتقد الصحيح إلا السماحة والعقل واللين والتجاوب…

فهل بالإمكان أن نتوصل يوماً لجعل الناس في شتى أنحاء العالم يقولون عن أغلب المسلمين: إنهم مسلمون حقاً ؟