متى أخذ الله تعالى العهد علينا وأين؟

رئيس التحرير

العدد الثالث والعشرون – خريف 2012

 

بسم الله الرحمن الرحيم: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)} [سورة الأعراف].

آية كريمة ما قرأها أحد إلا استوقفته لعِظَم المسؤولية فيها، يأخذ الله تعالى ذرية بني آدم جميعاً من ظهور آبائهم الأوائل، ويأخذ عليهم العهد بالربوبية: “ألست بربكم” فيستجيبون، ويشهدهم على أنفسهم أن لا ينكروا هذا الموقف بعد ذلك أبدا…

ولو أخذ الله الذرية من ظهر آدم وحده لقلنا أن العهد ربما حصل عند الخلق او بعد ذلك في الجنة، أي قبل الإنجاب، ولكن الآية واضحة فالذرية أخذت من ظهور بني آدم وليس من آدم. إذاً بعد أن أهبط آدم وزوجه إلى الأرض. ولكن متى كان ذلك ومع أي جيل؟

والتساؤل الثاني: أما وقد جرى العهد في الأرض فأين حصل؟ في مكان مقدس أم في مختلف أصقاع الأرض؟

متى وأين سؤالان لن يغيرا في المعتقد شيئا، فقد آمنا بالقرآن كله، ولكن التفكر فيهما واجب، والعثور على دلائل علمية عليهما إعجاز.

ومن خلال بحوث عبر الحمض النووي أجراها علماء في بريطانيا والبرتغال[1]، تبين أن الجنس البشري جميعه يحمل في جيناته الوراثية آثاراً عربية، وتؤكد مروره بلا استثناء في غربي جزيرة العرب( لعلها مكة؟) في هجرته الأولى من شرق أفريقيا قبل أن ينتشر بعد ذلك في سائر أصقاع العالم.

ويؤكد الفريقان العلميان البريطاني والبرتغالي، عبر تحاليل دقيقة للحمض النووي لعينات من كل الأمم، أن هذه الهجرة الأولى حصلت قبل ستين ألف عام.

وكان العلماء يتساءلون لماذا المرور بجزيرة العرب، ولماذا لم يمر الناس الأوائل إلى الشرق الأدنى عبر وادي النيل إلى مصر ثم سيناء، ولماذا لم يمروا إلى أوروبا عبر شمال غرب أفريقيا من طنجة إلى إسبانيا؟ ونحن نسأل: هل هي وصية أبيهم آدم أن يحجوا بيت الله الحرام قبل أن يتفرقوا في الأرض وتصعب عليهم العودة بعد ذلك إليه؟

ألم يرد في الخبر، أن الملائكة قالت لآدم بعد أن أدى فريضة الحج إلى “أول بيت وضع للناس” بمكة: “بورك حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام”.

أيعقل في القرن الواحد والعشرين أن تشهد الذرية (السلسلة الوراثية) على نفسها بأنها مرت وأقامت بالأرض المقدسة؟ وأن تخبرنا بوقت مرورها ذاك؟

سؤال مطروح والإجابة علمية وموثقة ظهرت على يد علماء من الغرب، {إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}. فالتوحيد مزروع في جينات الجنس البشري ولا يحتاج إلا لمن يوقظه من أعماق النفس البشرية، فمتى نستفيق ونستقيم؟

ها هي بعض آيات القرآن الكريم يجري تفسيرها عبر أبحاث الحمض النووي (DNA) لبني البشر، علمٌ لم يكن معروفاً إلا منذ بضع سنوات. ومع ذلك لا نزال نجد بيننا من يعرض عما جاء في كتاب الله، ويتولى وينكر ويتأفف، ويتمسك بعلومٍ انقرضت وصارت إلى الظنون أقرب. ثم نراه يعيش في أجواء من القلق والحزن والخوف والمرض، ولم يدرك بعد أن النفس إذا لم تدرك الحقيقة الإلهية الساطعة مرضت وتآكلت وتهاوت، قال المولى تعالى في سورة طه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) }. فالمعرِض هو الذي اختار لنفسه العمى في الدنيا عن حقيقة الخلق والخالق والعهد والميثاق، فحرم نفسه من نوري الدنيا والآخرة.



[1]  راجع في هذا العدد مقال: شيء من العرب في كل آدمي على وجه الأرض.