وضع الشباب أيديهم على الجرح

رئيس التحرير

العدد الثامن عشر – صيف 2011

 

كثر الدعاة والداعون، وتعددت القنوات الفضائية الملتزمة، وتنوعت برامج الفقه والتفسير والتوعية، والهوة لا تزال مع ذلك واسعة بين المحدّثين وبين فئة هامة من الجماهير على أهميتها وحماستها، ألا وهي فئة الشباب.

فقد كشفت الأحداث المتنقلة في أرجاء العالم العربي، وحتى في إيران، أن الشباب وهم رمز النشاط والحيوية والعطاء والحركة، باتت لهم وسائلهم الخاصة للتواصل ولتبادل الرأي والتعبير والتحرك.

وقبل إطلاق الأحكام، والخروج بالنظريات، تطرح أمامنا علامة استفهام كبيرة: من الذي يوجّه ومن الذي يحرّك، ومن الذي ينسّق؟ ما هو الحد الفاصل بين أفكار مستوردة وبين حاجات ملحة ومطالب محقة؟

ونخرج سريعاً إلى استنتاج هام: هل أولينا شبابنا وطلابنا الاهتمام اللازم والمناسب، منذ نشأتهم وخلال تربيتهم، وحين حان وقت توعيتهم؟ كيف تركنا غيرنا ممن نعرف وممن لا نعرف، يدرس واقعهم، ويعزز علاقته بهم، ويستغل قوتهم وهمتهم ونشاطهم وحماستهم.

هل سنبقى ننتظر القلة القليلة من الشباب الواعي والمدرك التي تأتينا لطلب النصح والإرشاد، أم علينا أن نذهب نحن إلى الكثرة الكثيرة منهم ونتردد نحن عليهم، ونعرض بضاعتنا ونحفّزهم ونستحثّهم؟

ما هي الوسائل التي عرف سوانا كيف يستعملها وعجزنا عن مجاراتهم بها؟ مثل “الفايس بوك” و”التويتر” وسواهما، بينما لا نزال نرفض التعاطي مع مثل هذه الأدوات مدعين بأنها “أدوات إستعمارية” لنخفي عجزنا عن خوض غمارها وحسن استخدامها؟

استسهل الشباب التخاطب والكتابة باللغة الأجنبية عبر تلك المواقع، وظهر ضعفهم جلياً في إتقان اللغة العربية إنشاءً وكتابة. وتتراوح المواضيع التي يطرحونها بين سطحي وعميق، وبين منفتح وغريب، وبين ألم وضياع، وبين جد وهزل. يتعارفون بينهم لكنهم مخترقون وبينهم مجهولون بأسماء مستعارة، يدسون السم بالدسم، ويروجون أفكاراً مستوردة، ويطرحون شعارات مستساغة، ومع ذلك نجد بينهم نخبة واعية لكنها تحتاج إلى دعم ومؤازرة.

نشاطاتهم المجدية قليلة وممارستهم للرياضة وللأعمال الاجتماعية محدودة؟ فهل تساءلنا أين يتواجدون في بقية الأوقات المتسعة؟

رحم الله الإمام محمد عبده فقد كان يتعقب تلامذته في المقاهي ويخوض غمار الدعوة في كل مكان، ورضي الله عن كل داعية تخلّى عن كرسيه وموقعه ليعرض نفسه ومعتقده على الشباب حيث يكونون.

من يجب أن يخدم من؟ ومن يجب أن يسعى وراء من؟ الداعي أم المدعو؟ ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل وفي المواسم والأسواق؟ متى يتكفل بعض أولي الشأن بالاقتراب من الشباب ودراسة أوضاعهم ومعرفة هواجسهم، وطرق اجتذابهم؟

وكما يحتاج الشباب إلى توجيهه في فتوته، وإلى مواكبته في مراهقته، فهو يريد بعد ذلك أن يتعاطى مثلنا في الشأن العام، وله رأيه وتطلعاته، فهل نشركه معنا طوعاً وبإيجابية، أم يقحم نفسه قسراً وبمنتهى السلبية؟

الشباب يريدنا أن نستمع إليه قبل أن يستمع إلينا، فهل سنبقى مصرين على أن نسمعهم ما نريد على أن نسمع منهم ما يريدون. يريدون اجتهاداً لا ترداداً، ويملكون قوة وطاقة يقتضي تصويبها. هم المستقبل وفي حل مشاكلهم نؤسس لحل لمشاكل أمتنا .