يختص برحمته من يشاء

رئيس التحرير

العدد الحادي والعشرون – ربيع 2012

 

يأتي عدد من الناس يشكون متعجبين متعبين، يقول أحدهم أعياني أمر إبني وفشلت في إقناعه بالمواظبة على الصلاة، وتشكو سيدة صوامة قوامة أن زوجها لا يمر عليه يوم دون أن يشرب شيئأً من الخمر عند كل مساء، وبكى شاب أمامي مرة وهو يحكي لي كيف يستهزيء به أبوه حين يراه قائماً في الصلاة.

طبعاً ليست كل البيوت هكذا والحمد لله، ولكنها تبقى مشكلة، والشاكي يريد حلاً ويبحث عن أمل في أن يجد من يحب وقد عاد إلى رشده واهتدى. فما من أحد منا إلا ويتمنى أن يعيش في بيت صالح تقام فيه الصلاة ويدندن أهله بالقرآن، وتغمره السكينة وينعم قاطنوه بالهدوء والصفاء.

بدايةً، يجدر بكل واحد منا، صلح أمره وصلح أهله، أن يحمد الله تعالى على هذه النعمة التي ليس فوقها نعمة، فقيراً كان أم غنياً، صحيح الجسم كان أو مريضاً، وأن يسأل الله الثبات إلى الممات. وليتعظ من قول الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} ، ثم ليسأل هل لمثل هذه المسائل حل؟ والجواب: نعم ولا!

نعم، بوسيلتين: الأولى أن ينصح المؤمن ويصبر على غفلة حبيبه وقريبه ونسيبه، فلا يفقد الأمل. والرجاء من الله تعالى لا ينقطع، فلا ينساه من الدعاء ولا يقطعه فيتركه فريسة للشيطان. والوسيلة الثانية أن يجهد بجمعه بأهل الصلاح والتقوى من الصحبة الصالحة ومن الدعاة، ولا يفرضن عليه داعٍ محدد بالإكراه، فالناس أجناس وليصبر حتى يعثر على من يناسبه ويتفاهم معه والقوالب الجامدة في الدعوة إلى الله قلما تجدي.

ثم نقول لا، ليس لنا من الأمر شيء، ليس يأساً من رحمة الله، معاذ الله، وإنما لأن بعض الغافلين أيسوا من رحمة الله، فلا يرعوون عن ارتكاب المعاصي، ولا يرجون توبة ولا هدى، بل ويتجرؤون على المولى تعالى بشتم وكلام قبيح، وليتهم سكتوا وهم يرتكبون. وفي أمثالهم قال الله تعالى: { أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا؟ لَا يَسْتَوُونَ}. ومع ذلك فإن لله تعالى في خلقه شؤون، وعنده أسباب لا نعرفها وقد لا نفقهها حتى لو عرفناها، ومن ذلك إهتداء أصعب العاصين بقدرة قادر وبطرفة عين، ولعل السبب قد يعود لعمل نبيل قام به ذلك الغافل في لحظة توفيق نزلت عند الله في موضع القبول فقرّبه وغفر له، مثل صنيع المعروف، وبر الوالدين ومد يد المروءة، وكفالة اليتيم وكلها قيمٌ في داخل الانسان قد تنقذه وتأخذ بيده في يوم من الأيام.

ولا أجد أبلغ من حديث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذه السانحة إذ يقول:«إِنِّي لَأَرَى أُمَمًا تُقَادُ بِالسَّلَاسِلِ مِنَ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ» .