يوشك المغالي في الدين أن يخرج منه

د. محمد فرشوخ

العدد الثالث والثلاثون – ربيع 2015

 

أمة الاعتدال والكلمة السواء لا ينفع فيها التطرف لأنه ينشيء حوله حاجزاً من الكراهية والحقد والنفور والعزلة،  من المسلمين قبل غيرهم حتى إذا جاء وعد نهايته لم يجد له ولياً ولا نصيرا.

الأمور في تفاصيلها منفّرة وفي خواتيمها أكثر تعقيداً وتنفيرا. فقد فتِح باب الرق من جديد بعد أن نجح الإسلام في تجفيف منابعه وروافده، والإسلام دين دعوة وحكمة وموعظة حسنة والفظاظة ليست من شيمه. لقوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [آل عمران: 159]، والإسلام دين حوار لقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] والسيف ليس لغة حوار ولم يكن رحمة أبداً إلا عند الاقتصاص من المجرم لاسترداد الحق والأمان إلى الأمة والفرد.

ليست غاية المعركة القتل، ومتى خرج المقاتل من الميدان أو أخرج فقد حققت المعركة غايتها. ولا يحق لأحد أن يعامل الجندي الأسير معاملة المجرمين، لا في قوانين الدول ولا في قوانين الحرب في الإسلام. ومتى كان السيف رحمةً للعالمين؟ ومتى كانت أنهار الدماء وسيلةً للإقناع ودعوةً إلى الله؟ وبأي حق ترتكب مجازر جماعية بالمئات في البلدات والقرى المسلمة وبعيداً عن الإعلام بينما يبرع الإخراج الهوليودي في تصوير أعمال الذبح بحق الأجانب، لتنشر على فضائيات العالم كله. لقد حققوا بذلك كراهية العالمين العربي والإسلامي وكذلك الرأي العام الدولي.

المتطوعون المغرر بهم يتهافتون من أقطار العالم ليقضوا نحبهم صيداً وبالعشرات، يحملون بنادق خفيفة تعجز عن مواجهة الصواريخ المجهزة بالأشعة الخفية. وها ان أهلهم ورفاقهم في بلاد الغرب يتعرضون بسببهم لأبشع حملات المطاردة والاضطهاد والتنكيل.

تماثيل النمرود لم تعد للعبادة وليست كاللات والعزّى بل للعبرة فهي ذاكرة الأمم الغابرة، تمثلاً بقوله تعالى: { أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوّةَ} [فاطر: 44]، ولا يدل تدميرها إلا على جهل بالدين وعلى جهل حضاري عقيم.

أين هذا المشهد من المدينة الفاضلة التي بناها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصارت مثلاً يحتذى وشعّ نورها في أقطار الدنيا طيلة 14 قرنا؟ لكأن المطلوب أن تصبح كلمة مسلم مرادفة لكلمة سفاح حتى يحل دم جميع المسلمين، فبمن يا ترى هؤلاء يأتمرون ومن يا ترى يخدمون؟ كل شيء إلا الإسلام.