أهمية القيلولة

بريد القراء*

مقدمة

          نسمع كثيراً عن أهمّية القيلولة في حياتنا، خصوصاً بعد الغداء. وقد أثبتت الدراسات أنّها تساعد الموظّف على استرجاع نشاطه البدني والذهني ليتمكّن من إكمال عمله بنشاط، ولذلك فإنّ شركات كثيرة باتت تدرج في نظامها الداخلي بنداً يتيح لموظّفيها الحصول على قسط من الراحة، حتّى إن بعضها عمد إلى تجهيز غرفة خاصّة بالقيلولة.

ولكن هل نعلم أنّ القيلولة أنواع! فما هي؟ وما هو النوع الأنسب؟

إتّكلَ عباقرة كثيرون، طبعوا لمساتهم الخاصّة في التاريخ، على القيلولة ليُكملوا نهارهم بنشاط وحيوية، ومنهم نابوليون، آينشتاين، ليوناردو دا فينشي وبيكاسو. وقد أظهر استطلاع شمل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين الـ25 والـ40 سنة، أنّ “النوم أقلّ من 90 دقيقة أي ما يعادل الساعة والنصف خلال النهار يُعيد النشاط إلى الجسم والذهن”.

“فالقيلولة مهمّة جدّاً، خصوصاً لأولئك الذين يعانون نقصاً في النوم”، وفقَ ما أكّدت خبيرة النوم في مركز النوم واليقظة في جامعة “أوتيل- ديو” في فرنسا، بريس فارو التي ميّزت بين أنواع القيلولة، مُبيّنةً أهمّية كلّ منها.

بين 20 و30 دقيقة

أوضحت فارو أنّه “يُخالجنا جميعاً خلال النهار شعور قويّ بالنعاس، إلاّ أنّه يقوى بين الظهر والساعة الرابعة من بعد الظهر”، مؤكّدةً أنّ سبب النعاس لا يعود إلى سوء الهضم، مثلما هو شائع، بل إلى المكان الذي نجلس فيه.

وقالت: “حتّى لو لم نتناول الغداء، وجلسنا في مكان هادئ، سنلاحظ أنّنا بدأنا التثاؤب، وأنّ عيوننا تغمض بطريقة غير إرادية”. ودعت الجميع إلى الحصول على قيلولة لمدّة نصف ساعة، تكون كافية لإعادة شحن الطاقة الداخلية للإنسان، حيث بيّنت الدراسات أنّ إنتاجية الموظّفين ازدادت بعد حصولهم على 30 دقيقة من النوم، ذلك أنّ القيلولة تحسّن الأداء المعرفي، والقدرة على التركيز، ناهيك عن المزاج.

5 دقائق

“5 دقائق تكفيني لأرتاح وأسترجع طاقتي التي فقدتها خلال النهار”. كثيراً ما نسمع هذه العبارة تتردّد على أفواه عدد كبير من الأشخاص. وقد أثبتت الدراسات العلمية أنّ الإنسان الذي لا يملك وقتاً طويلاً للراحة، يكتفي ببضع دقائق من الاسترخاء وتكون مفيدة جدّاً له، ذلك أنّ هورمون الكورتيزول الذي يُعتبر مؤشّر الإجهاد، ينخفض بسرعة بعد الحصول على قسط قليل جدّاً من الراحة.

أمّا أكثر من يمارسون القيلولة القصيرة ويلجؤون إليها في اعتبارها وسيلةً تضمن إسترجاع النشاط والطاقة، فهم اليابانيّون الذين يقطعون مسافات كثيرة ويعملون ساعات طويلة ومكثّفة. ومنهم من يحصلون على هذه القيلولة في مكاتبهم، لأنّها تخفّف نسبة الإجهاد وتساعد في تحسين معدّل التركيز.

بين الـ80 والـ100 دقيقة

حتّى لو كنت تحبّ الحصول على قيلولة طويلة، إلّا أنّ عليك عدم تجاوز الـ80 دقيقة من النوم خلال النهار، لأنّ تجاوز هذه المدّة يدخلك بما يسمّى بـ”القصور الذاتي للنوم”، وهي ظاهرة فيزيولوجية تترافق مع شعور بالخدر والدوار والخلط بين الأمور، وصعوبة في الاستيقاظ. ولكنّ عوارض القيلولة الطويلة السلبية لا تلغي منافعها، خصوصاً بالنسبة الى الأشخاص الذين يعملون ساعات طويلة ومكثّفة ويكونون مضطرّين إلى القيادة ليلاً.

فقد أكّدت دراسة يونانية شملت 23000 موظّف تتراوح أعمارهم بين الـ30 والـ50 سنة ويعانون نقصاً في النوم، أنّ حصولهم على قيلولة تتراوح بين 30 دقيقة وساعة يوميّاً، تُخفّض لديهم معدّل الموت. وإذا كنت من محبّي القيلولة الطويلة، حاول الحدّ منها لكي لا تعوق نومك أثناء الليل.

صُوَر

        عندما نحصل على قيلولة قصيرة تتراوح بين الـ5 دقائق والنصف ساعة، فإننا لا نحلم، لأنّنا نكون قد دخلنا في مرحلة النوم الخفيف وليس العميق، إلاّ أنّنا نشعر كأنّ أحلاماً كثيرة راودتنا، فما هو السرّ وراء هذا الشعور؟ “إنّها ليست أحلاماً” على حدّ تعبير فارو، بل “رؤى وصُوَر جميلة خلاّقة تمتّ إلى الحقيقة”. (انتهى المقال).

قال النبي صلى الله وسلم : “قيلوا، فإن الشياطين لا تقيل “[i].

وعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: ” كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ، ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَقِيلُ “، اخرجه الإمام أحمد.

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كُنَّا نُبَكِّرُ بِالْجُمُعَةِ وَنَقِيلُ بَعْدَ الجُمُعَةِ» أخرجه البخاري.

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَعِينُوا بِرُقَادِ النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ، وَاسْتَعِينُوا بِأَكْلَةِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ» . رواه ابن ماجه وابن خزيمة زالطبراني في الكبير والبيهقي في الآداب.

فمن علّم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الهدي الذي لم يعلم الغرب فوائده إلا بعد 1400 سنة من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عنه.



* نقلاً عن جريدة الجمهورية (بتصرف) 26/8/2013.

[i]  أخرجه الطبراني في الأوسط و أبو نعيم في الطب عن أنس تصحيح السيوطي: حسن، كما حسنه الألباني (صحيح الجامع الصغير 4431). معاني الألفاظ: قال الجوهري: هي النوم في الظهيرة. والمعروف أنه من شروطها أن تكون قصيرة.