التحنيك يا أهل القرن الواحد والعشرين

أ.صالح غلاييني[1]

تحت عنوان “جل السكر يساعد الأطفال الخدج” (ولادة مبكرة)، نشر باحثون من نيوزيلنده نتيجة أبحاثهم حول أهمية تحنيك الأطفال حديثي الولادة بهلام (معجون) سكري تداركاً لأخطار تصيب الدماغ بالتلف.

فمن أصل 15 مليون طفلاً يولدون قبل الأوان في العالم سنوياً، يتعرض واحد من كل عشرة منهم لأضرار دائمة بسبب نقص السكر في الدم.

نشر الباحثون أعمالهم في مجلة لانسيت [2] مؤخراً، (25 أيلول /سبتمبر 2013)، وقد أجروا نتائج اختباراتهم بوضع 242 طفلاً تحت رعايتهم وتبين لهم أن هذا العلاج يجب أن يتم قبل أية معالجة أخرى وبصورة مبكرة، ويقولون: “ينبغي أن يكون الآن علاج الخط الأول”.. 

طريقة العلاج:

تجنباً لتلف الدماغ يفرك هلام من سكر العنب في داخل الخد وهو وسيلة رخيصة وفعالة لا يزيد ثمنه على جنيه استرليني واحد للطفل الواحد وهي طريقة أبسط وأسرع من جرعات محلول الجلوكوز بطريقة التنقيط كما تقول البروفسورة جين هاردينغ وفريقها في جامعة أوكلاند[3].

ويقول د. نيل مارلو من معهد صحة المرأة في جامعة لندن (UCL)، أنه يجب اعتماد هذا الأمر كعلاج حقيقي ناجع بعد أن ثبت نجاحه وفعاليته بأدلة علمية قاطعة.

ويقول أندي كول، الرئيس التنفيذي لقسم الولادة المبكرة في مستشفى “بلس” الخيري، أن هذا العلاج سيخفف من إدخال عدد كبير من الأطفال إلى غرف العناية المركزة. وبالتالي سيخفف من نفقات المعالجة لعدد كبير من الأطفال. (إنتهى مقال بي بي سي)[4].

هذا العلاج معروف في الإسلام ويدعى “تحنيك المولود”، وهي سنة متبعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتطابق بشكل لافت مع نتائج الأبحاث الطبية الأخيرة، فالتحنيك في الإسلام يتم من التمر ومن الرطب بالتحديد وهو ألطف انواع التمر بسبب لزوجته وسهولة امتصاصه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بأطفال الصحابة فيضع كلاً منهم في حجره ويضع بعض معجون الرطب على إصبعه ويدخله إلى فم المولود فيحنك لثته وداخل خده متيمناً بالقراءة والدعاء، ويحرص علماء المسلمين أن يكون هذا العلاج أول ما يدخل فم الرضيع من الطعام بعد لبن الأم وقبل أي طعام آخر.

وتحنيك المولود ثابت في كتب الصحاح بلا أدنى شك وافرد له علماء الحديث باباً يدعى “باب تحنيك المولود عند ولادته”، وفيما يأتي باقة من هذه الأحاديث:

فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: كان رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه ِوَسَلَّم َيُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِم ْوَيُحَنِّكُهُمْ،…[5].

وعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «وُلِدَ لِي غُلاَمٌ، فَأَتَيْتُ بِه ِالنَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َفَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ، فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَدَفَعَهُ إِلَيَّ»[6].

ولئن تعذر وجود الرطب الطري في موسمه كان عليه الصلاة والسلام يلوك التمرة بريقه الشريف حتى إذا لانت ادخلها في فم الرضيع.

فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: ذَهَبْتُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َيَوْم َوُلِدَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَبَاءَةٍ يَهْنَأُ بَعِيرًا لَهُ، فَقَالَ: «مَعَكَ تَمَرَاتٌ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، فَنَاوَلْتُهُ تَمَرَاتٍ فَلَاكَهُنَّ، ثُمَّ فَغَرَ فَا الصَّبِيِّ، وَأَوْجَرَهُنَّ إِيَّاهُ، فَتَلَمَّظَ الصَّبِيُّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُبَّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ»، وَسَمَّاهُ: عَبْدَاللَّه”[7].

ولما حَمَلَتْ (أسماء بنت أبي بكر) بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ فَأَتَيْتُ المَدِينَةَ فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ «دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ ثُمَّ دَعَا لَهُ، وَبَرَّكَ عَلَيْهِ وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ»[8].

وفي الختام نسأل من أين أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا العلم في عصر الجهل والجاهلية؟ إنه علم السماء من رب السماء أوحى به إلى عبده المصطفى، فقال تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}. صدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم.

هل سنسمع بعد هذا الاكتشاف من يتحدث مستهزئاً عن سنة تحنيك المولود في الإسلام؟

وقانا الله من الجهل ومن ادعاء العلم بلا علم فهو قرين الغفلة والبعد عن الله.

 



[1]من أصدقاء منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في لبنان.

[2] http://www.thelancet.com/journals/lancet/article/PIIS0140-6736(13)61645-1/abstract

[3]http://www.ucl.ac.uk/news/headlines/0913/250913-sugar-gel-helps-premature-babies.

[4]http://www.bbc.co.uk/news/health-24224206

[5]رواه مسلم في صحيحه (1/ 237)، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.

[6]صحيح البخاري (7/ 83) عن أبي موسى الأشعري، حديث متفق على صحته.

[7]عن أنس في الأدب المفرد،[قال الشيخ الألباني] :  صحيح.

[8]صحيح البخاري (5/ 62) عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.