الفرق بين الزوجة والمرأة في القرآن الكريم

متى تكون المرأة زوجاً ومتى لا تكون؟

 

عند استقراء الآيات القرآنية التي جاء فيها اللفظين، نلحظ أن لفظ “زوج” يُطلق على المرأة إذا كانت الحياة الزوجية تامّة بينها وبين زوجها، وكان التوافق والإقتران والإنسجام تامّاً بينهما، بدون اختلاف ديني أو نفسي أو جنسي … فإن لم يكن التوافق والإنسجام كاملا، ولم تكن الحياة الزوجية متحقّقة بينهما، فإن القرآن يسمّيها “امرأة” ولا يدعوها “زوجاً”، عند وجود خلل ما.

ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.

وبهذا الإعتبار جعل القرآن حواء زوجاً لآدم، في قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}. وبهذا الإعتبار جعل القرآن نساء النبي صلى الله عليه وسلم “أزواجاً” له، في قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}.

فإذا لم يتحقّق الإنسجام والتشابه والتوافق بين الزوجين لمانع من الموانع فإن القرآن يسمّي الأنثى “امرأة” وليس “زوجاً”.

فذكر الله تعالى في القرآن: امرأة نوح، وامرأة لوط، ولم يقل: زوج نوح أو زوج لوط، وهذا في قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا}. ومع أن كل واحدة منهما امرأة لنبي، كان ثمة عائق يعطل الحياة الزوجية الكاملة، إذ لم تكونا على توافق تام مع بعليهما، في مخالفتهما وفي عدم وقوفهما إلى جانب رجليهما النبيين في محنتهما. فلم يصفهما المولى تعالى بأنهما زوجتين لهما بل امرأتين “تحتهما”.

وللإعتبار ذاته معكوساً بين فرعون الكافر وامرأته المؤمنة، قال تعالى في القرآن: امرأة فرعون، ولم يقل زوجة فرعون وذلك في قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ}. لأن بينها وبين فرعون مانع هام هو اختلاف العقيدة، فهي مؤمنة وهو كافر، ولذلك لم يتحقّق الإنسجام بينهما، فهي “امرأته” وليست “زوجه”.

ومن روائع التعبير القرآني العظيم في التفريق بين “زوج” و”امرأة” ما جرى في إخبار القرآن عن دعاء زكريا، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، أن يرزقه ولداً يرثه. فقد كانت امرأته عاقرًا لا تنجب، وطمع هو في آية من الله تعالى، فاستجاب الله له، وجعل امرأته قادرة على الحمل والولادة. عندما كانت امرأته عاقراً أطلق عليها القرآن كلمة “امرأة”، قال تعالى على لسان زكريا: { وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا }. وعندما أخبره الله تعالى أنه استجاب دعاءه، وأنه سيرزقه بغلام، أعاد الكلام عن عقم امرأته، فكيف تلد وهي عاقر، قال تعالى: { قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء}. وحكمة إطلاق كلمة “امرأة” على زوج زكريا عليه السلام أن الزوجية بينهما لم تتحقّق في أتمّ صورها وحالاتها، رغم أنه نبي، ورغم أن امرأته كانت مؤمنة، وكانا على وفاق تامّ من الناحية الدينية الإيمانية. ولكن عدم التوافق والإنسجام التامّ بينهما، كان في عدم إنجاب امرأته، والهدف “النسلي” من الزواج هو النسل والذرية، فإذا وُجد مانع بيولوجي عند أحد الزوجين يمنعه من الإنجاب، فإن الزوجية لم تتحقّق بصورة تامّة. ولأن امرأة زكريا عليه السلام عاقر، فإن الزوجية بينهما لم تتمّ بصورة متكاملة، ولذلك أطلق عليها القرآن كلمة “امرأة”. وبعدما زال المانع من الحمل، وأصلحها الله تعالى، وولدت لزكريا ابنه يحيى، فإن القرآن لم يطلق عليها “امرأة”، وإنما أطلق عليها كلمة “زوج”، لأن الزوجية تحقّقت بينهما على أتمّ صورة. قال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ}. والخلاصة أن امرأة زكريا عليه السلام قبل ولادتها يحيى هي “امرأة” زكريا في القرآن، لكنها بعد ولادتها لسيدنا يحيى صارت “زوجته” .

فسبحان العليم العلام الذي عرّفنا بهذا الفرق الدقيق في التعبير القرآني بين “زوج” و”امرأة”، قال تعالى: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) (سورة الزخرف). حتى يتأكد المترددون والمتهوّكون، أن كلام القرآن الكريم ليس حروفاً تصف ولا كلاماً ينسج، بل هو قرآن مجيد في لوحٍ محفوظ، تنزيلٌ من حكيم حميد.

____________________

*من بريد القراء mhdnaffi@hotmail.com