بر الوالدين تمنٍ أم فرض؟

أ. خالد حنون*

 لا ندعي أن الإسلام تفرد بطلب الإحسان للوالدين, لكن الإسلام هو الدين الوحيد الذي أمر ولم يتمنَ على أتباعه ببر الوالدين. وربط رضاهما برضى الله, وجعل برهما من الأعمال التي تقرب العبد من ربه, وعقوقهما من الأعمال التي تدخل النار, وإن صام المسلم وإن صلى. لا بل قدمه النبي عليه الصلاة والسلام على الجهاد (عندما يكون فرض كفاية). “…قال عَبْدِ اللَّهِ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا قَالَ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قَالَ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي” . (رواه البخاري ومسلم).

 clip_image538

وقد ذكر القرآن الكريم أربع آيات قرن الله تعالى فيها الأمر بالإحسان إليهما بعبادته التي هي توحيده :

• وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (البقرة 83)

• وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً(النساء 36)

• قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (الانعام 151)

• وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (الإسراء23)

والآية الأخيرة تشير بوضوح إلى أن الله تعالى نهى أن يقال لأحدهما “أُفٍّ” حرصا على مشاعرهما التي تزداد حساسية مع العمر ولو كان في اللغة العربية أقل من كلمة “أُفٍّ” لأنزلها الله تعالى مكانها.

clip_image539

بر الوالدين في الصين سيصبح إجباريًا

الملفت للنظر في موضوع الوالدين في العالم اليوم ما ستقدم عليه الصين وهي الدولة الشيوعية العظمى في العالم إذ أنها ستسن قانونًا تحاكم فيه كل من سيعق والديه لأن التمني والتراث والثقافة ودور الرعاية الاجتماعية – كما سيأتي – لم تعطِ نتيجةً مرضية.

الخبر جاء في وسائل الإعلام العالمية ونقله موقع BBC في مطلع هذه السنة عارضًا الأسباب التي دعت إلى تلك الخطوة وقد عنون التقرير: في الصين رعاية الآباء تصبح واجبًا قانونيًا. وفي التفصيل أن السلطات الصينية تدرس حاليًا مشروع قانون، يجعل زيارة الناس لآبائهم المسنين ورعايتهم لهم أمرًا واجبًا من الناحية القانونية. وبموجب مسودة القرار، الذي أعلن عنه عبر وسائل الإعلام الحكومية، سيكون بإمكان المسنين الطلب من المحاكم والقضاء فرض حقهم في الحصول على رعاية معنوية وفعلية من أبنائهم.

يشار إلى أن الصين تواجه مشكلة تنامي فئة المسنين والمتقاعدين. ويقول مراقبون إن العناية بالآباء هو جزء من التراث والثقافة الصينية، إلا أن موجات الهجرة المتعاقبة وضغوط العمل زادت من التفكك الأسري. وتشير الأرقام إلى إن نحو ثمن سكان الصين هم ممن تزيد أعمارهم على 60 عامًا، وأكثر من نصف هؤلاء يعيشون وحيدين.

وقد تسبب قانون تقييد الأسرة الصينية بإنجاب طفل واحد فقط، والمطبق منذ عشرات الأعوام، في تضاؤل عدد العمال والموظفين أمام تزايد عدد الآباء المحتاجين للرعاية. وعلى الرغم من ارتفاع عدد دور الرعاية الاجتماعية في الصين، إلا أن السلطات شعرت بالقلق من القصص المتكررة عن المسنين الذي يموتون من دون أن ينتبه إليهم أحد في شققهم.

وقال أحد المحامين الصينيين المتخصصين في الشؤون الأسرية، في تصريحات لوسائل الإعلام الحكومية، أن قانونًا مثل هذا سيكون صعب التطبيق أو الفرض. ويوجد في الصين حاليًا نحو 176 مليون نسمة ممن هم فوق الستين من العمر، منهم قرابة مليون شخصًا تجاوز الثمانين. (…)

___________________________

* khaled-hanoun@hotmail.com