ذكر الله تعالى وأثره في الانسان وخاصة في الدماغ

البحث الأول: عموميات عن الأذكار                    

محمد فرشوخ

 

مقدمة: الجسد أرضي مادّي، والروح سماوية، والقلب يتقلب بينهما ولكلٍ منهم غذاؤه الضروري، فكما أن الطعام هو غذاء الأجساد فإن الحب هو غذاء القلوب والذكر هو غذاء الأرواح ، وهو رئة الروح، ومنه تستمد، وبه تطمئن القلوب، وبه ترتقي الروح ترتقي وتتصل بربها. والذكر عامةً هو مخاطبة العقل والقلب والنفس والجوارح للعودة إلى الله ، كل على قدر مسؤوليته، وكثيراً ما نجد ذلك في القرآن الكريم: [ إن في ذلك لآيات لأولي النهى] – [وليتذكر أولوا الألباب] -[لينذر من كان حياُ ويحق القول على الكافرين] – [ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد][1].

أولاً- تعريف بالذكر: الذكر هو التخلص من الغفلة والنسيان والسعي لوعي الحقيقة الكبرى بدوام حضور القلب مع اللّه، سواء ذُكر اسم اللّه تعالى أو ذُكرت صفةٌ من صفاته بالقلب أو باللسان  أو حكمٌ من أحكامه أو فعلٌ من أفعاله أو الاستدلال على شيء من ذلك، بدعوة أو بدعاء أو بقراءة شيء من القرآن الكريم أو بطاعة أو عبادة من العبادات، أو بذكر للرسل أو الأنبياء أو ما يقرب إلى اللّه من قول أو عمل.

وهو تجييش لعقل الإنسان وقلبه وجسده وروحه، ليتذكر الخالق ويذكره:

1- ليتذكر القسم والعهد الذي أخذه على نفسه وهو في عالم الذرّ:[ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172}]، (سورة الأعراف).

2-ليتفكر في عظمة الله تعالى: كيف خلق السماوات والأرض وكيف برأ النسمة ويذهل لعظيم صنعه ودقة إنشائه:[ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ {190} الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {191} ].  (سورة آل عمران).

 وفي قوله تعالى: [ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ {20} وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {21} ]. (سورة الذاريات).

3-ليتفكر لماذا خلق ابن آدم ولماذا خلق هو بالذات؟ وما هو المطلوب منه؟

4- ليتفكر فيما غاب عنه ووصف له وليوقن به ويميل إليه، لأنه مقبل يوماً عليه: [ الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون].(سورة البقرة-3).

5- ليتفكر فيتصرف بالأدب وبمكارم الأخلاق، وبأداء الأمانات، وتطبيق الأحكام..

6- وأهم ما يتفكر فيه هو وحدانية الله عزّ وجلّ وأن لا يشرك به شيئاً.

7- فإذا ذكر الله في كل هذا أو في شيء منه، وقرت في القلب عظمته، وأقرّ العبد بعجزه أمام قدرته، فذكره إجلالاً وتعظيماً، ثم محبةً وشوقاً، عند ذلك يذكره الله عطفاً وعنايةً واصطفاءً. قال تعالى: [ فاذكروني أذكركم .. ] ( سورة البقرة-152).

ثانياً -الذكر في القرآن والسنة:

ورد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم (بصيغة الإسم أو الفعل) بما جاوز المائة مرة بينما ذكرت الصلاة ومشتقاتها بضعاً وتسعين مرة. ونكتفي بذكر الآيات الكريمة التي تحضّ على كثرة الذكر الكثير مدةً واستغراقاً وتنوعاً، (ذكراً كثيرا، قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون، بكرةً وأصيلا، بالعشي والإبكار، تضرعاً ، وخفية، وخيفة، وتبتل إليه تبتيلا…)[2] .

 أما المنافقون فمن صفاتهم أنهم لا يذكرون الله إلا قليلا، قال تعالى فيهم:[ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً {142} ]، (سورة النساء). فإذا كان المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا فكيف بمن لا يعرف الذكر ولم يتعلمه ولم يتعبد به؟ قال الله تعالى:[ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {124}] (سورة طه).

وقد شرع الذكر أولاً قبل الصلاة وقبل الحج بدليل أن الآية قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى هي آية مكية.

وأما في الحديث الشريف فقد ورد الذكر في مواضع كثيرة ومواقف متعددة حتى في الحج والقتال، ومن قوله صلى الله عليه وسلم:-ح:”سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله، قال: الذاكرون الله كثيرا” [3]، وعن عمر رضي الله عنه في مسنده: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعثا قِبَل نجد فغنموا غنائم كثيرة، وأسرعوا الرجعة، فقال رجل ممن لم يخرج: ما رأينا بعثا أسرع رجعة ولا أفضل غنيمة من هذا البعث فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” ألا أدلكم على قوم أفضل غنيمة وأسرع رجعة؟ قوم شهدوا صلاة الصبح ثم جلسوا في مجالسهم يذكرون الله حتى طلعت الشمس، فأولئك أسرع رجعة، وأفضل غنيمة”، وفي لفظ: ” أقوام يصلون الصبح، ثم يجلسون في مجالسهم يذكرون الله حتى تطلع الشمس، ثم يصلون بركعتين، ثم يرجعون إلى أهاليهم فهؤلاء أعجل كرة، وأعظم غنيمة منهم”.).

ثالثاً- الذكر وسائر العبادات: الذكر موجود في كل عبادة فالتسبيح مثلاً ذكر وليس التسبيح كل الذكر، لقوله تعالى: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيراً {41} وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا {42} ]، (سورة الأحزاب). وفي قوله تعالى: [ قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ {41} ]، (سورة آل عمران).

والقرآن ذكر وليس كل الذكر، فقد ميّز الله تعالى بين الذكر والقرآن، فقال: [ إن هو إلا ذكر وقرآن مبين] (سورة يس~ 69). والصلاة ذكر وليست الصلاة كل الذكر، لقوله تعالى: :[ قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى] (الأعلى 15). وقوله تعالى: [ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر] (العنكبوت 45). أي أن ذكر الله أكبر أثراً في النهي عن الفحشاء والمنكر. والذكر أيضاً مختلف عن الصدقة وعن الصوم لقوله جلّ وعلا: [ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا {35}]، (الأحزاب).

والاستنتاج أن أية طاعة قد تكون ذكراً (حتى الدعاء) ، ولكن الذكر ليس منحصراً في هذه الطاعة دون سواها. فالذكر لب العبادات وروحها وهو الذي يساعد على الإخلاص في كل عبادة وجعلها خالصة متوجهة لوجه الله الكريم.

رابعاً-الذكر في حياة الصحابة والصالحين وأثره في حياة العامة:

عن أنس بن مالك قال: سأل معاذ النبي صلى الله عليه وسلم:” أي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال: أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله “. وعن عثمان قال:( لو أن قلوبنا طهرت لم تمل من ذكر الله). وعن ابن مسعود قال: ( أكثروا ذكر الله عز وجلّ ،ولا عليك أن لا تصحب أحداً إلا من أعانك على ذكر الله). وكان عبد الله بن رواحة إذا لقي الرجل من أصحابه يقول تعال نؤمن بربنا ساعة فقال ذات يوم لرجل فغضب الرجل فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم:” يرحم الله ابن رواحة إنه يحب المجالس التي تباهي بها الملائكة عليهم السلام”.(مسند الإمام أحمد).

خامساً-الحث على الذكر:

-ح: “ألا أنبئُكمْ بخيرِ أعمالكُمْ وأزكاهَا عندَ مليكِكُمْ وأرفعها في درجاتكمْ وخير لكمْ مِن إنفاقِ الذَّهبِ والورقِ وخيرٍ لكم من أنْ تلقُوا عدوَّكمْ فتضربُوا أعناقهُم ويضربوا أعناقكُم؟ قَالَوا بلى، قَالَ ذِكرُ اللَّهِ” [4]. ويقول أيضاً: إن الله تعالى يقول: ” أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه” [5]. ونجد في الحديث الشريف أيضاً: ” إن لكل شيء سقالة ( أو صقالة، أي جلاء)، وإن سقالة القلوب ذكر الله، وما من شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله، ولو أن تضرب بسيفك حتى ينقطع ” [6].

سادساً-الذكر بأنواعه:

استناداً إلى الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي وردت سابقاً يتضح أن الذكر ليس أمراً عابراً في الدين وخاصة فيما يتعلق بالحالة الروحية لكل مسلم استمراراً وارتقاءً، فهو للمبتدئين جذب وهو للمتوسطين تثبيت وهو للمتقدمين كمال، والذكر أنواع: منها ذكر الجهر والذكر الخفي، وهو ذكر النقاء(التزكية) والصفاء (التبتل والانقطاع والتوحيد) والارتقاء (السلوك: [ وأن إلى ربك المنتهى] [7] ). وهو يفوق ذكر الجهر لمن أراد التزكية لأن أحداً لا يطلع عليه إلا الله فهو دليل الإخلاص. وهناك أذكار اليوم والليلة: وهي أذكار الحفظ  (أن تبقى في ذمة الله فلا تنساه بل تستعينه) وأذكار المراقبة (تذكره على كل حال) وأذكار الصلة (أن تناجيه مع كل حركة وسكنة). وأذكار الأوراد: وهي أذكار الأنس (تذكرها فترسخها فتدخرها لتعود فتذكرك وتؤنسك في وحشتك) وأذكار الأجر والثواب ومنها الباقيات الصالحات ( في درجات جنة النعيم). وأذكار الاستعداد للقيام بالعبادات.(هي أذكار التذكير والتحضير) مقدمة لحضور الفكر وخشوع القلب وخضوع الجوارح. وفي الحديث: ح: “إن النفس ملولة، وإن أحدكم لا يدري ما قدر المدة فلينظر من العبادة ما يطيق، ثم ليداوم عليه، فإن أحب الأعمال إلى الله ما ديم عليه وإن قل” [8]. فكلما ملّت النفس نوعاً من الذكر عرض عليها لون آخر يشغلها.

والذكر حتى في المعركة أي في سبيل الله، يرفع المعنويات ويثبت الأقدام ويستنفر الملائكة،

 قال تعالى: [ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون] [9]. 

سابعاً: القرآن الكريم ذكرٌ مبارك:

-قال تعالى:[ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا {82}]. (سورة الإسراء). ومن الأحاديث الشريفة: “إذا أحب أحدكم أن يحدث ربه فليقرأ القرآن” [10]. والحديث: ” اقرؤوا القرآن، فإن الله تعالى لا يعذب قلبا وعى القرآن” [11]. والحديث: “من جمع القرآن متعه الله بعقله حتى يموت” [12].

ثامناً-الذكر الجهري: وله أنواع كثيرة منها أثناء الوضوء، وقبيل الصلاة، وفيها وبعدها، ومن أراد حضور القلب في الصلاة فليحافظ على الصلوات في أوقاتها  وأشد الصلوات على المنافقين الصبح والعشاء. وكان النبي صلى الله عليه وسلم ” إذا نودي بالأذان كأنه لا يعرف أحدا ” [13]. لأنه مشغول بربه.

تاسعاً-الذكرالخفي: هو من أصعب الأذكار وأدقها تكرهه النفس الأمارة ويضيق به صدر الغافل ويخشى الشيطان منه لأنه عصمة للذاكر ولأنه يبطل مكائده ومصائده. من تذوّقه داوم عليه ومن أدمنه تلذذ وصفا وارتقى وتزكى وتقرب، يقول الله تعالى:

-[ وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ {205} ]، (سورة الأعراف). وفي الحديث الشريف :”خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي” [14].

وقد ثبت الذكر كذلك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً: فعن أَنسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “مَنْ صَلَّى الفَجرَ في جماعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذكُرُ الله حتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ ثُمَّ صَلَّى ركعَتَينِ كَانتْ لَهُ كأَجرِ حَجَّةٍ وعُمْرَةٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تامَّةٍ تامَّةٍ تامَّةٍ” [15]. وروى سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” من صلى الصبح ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس جعل الله بينه وبين النار سترا”.

عاشراً-فوائد الذكر:

 قال ابن القيم: ” الذكر نور للذاكر في الدنيا ونور له في قبره ونور له في معاده ، يسعى بين يديه على الصراط فما استنارت القلوب والقبور بمثل ذكر الله تعالى”.[16] قال تعالى: [ أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها]، (الأنعام- 122).

والذكر يؤدي إلى تحسين الألفاظ وتهذيب الأخلاق وتواضع النفوس. ويعين على السيطرة على النفس وعلى طرد الوسوسة، وفي الحديث الشريف: ” إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر الله تعالى خنس، وإن نسي الله التقم قلبه” [17].

وللذكر فوائد طبية: يخفف ضغط الدم، ويطيل النفَس، ويوسع الصدر والرئتين ، وينشط الدورة الدموية، ويزيد في الهمة وفي نشاط الجسم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أذيبوا طعامكم بذكر الله ولا تناموا عليه فتقسوا قلوبكم” [18].

وللذكر فوائد نفسية: يخفف التوتر ويهديء الأعصاب، يعالج القلق والإحباط،  يزيد في الحلم وفي ضبط اللسان، يعين على الصبر والتحمل وقوة الإرادة. كما أن  إطالة مدة الذكر والمداومة عليه تقوّي القدرة على الدخول إلى الطبقات الباطنة، فتتدخل في اللاوعي ويمكنها معالجة العقد الدفينة التي حفرت فيه والتي مضى عليها وقت طويل.

وله فوائد من الناحية العقلية إذ يؤدي إلى تنشيط الدورة الدموية في مختلف مناطق الدماغ، فيوسع الذاكرة، ويرفع درجة الذكاء، وينشط المبادرة وسرعة البديهة، ويقوي المنطق وملكة الربط والقدرة على استحضار الأفكار والحجج التي تعزز الحديث. 

ومجلس الذكر مغفرة مباشرة للذنوب ورفعة في المقام يوم القيامة، وفي الحديث: “ما من قوم اجتمعوا يذكرون اللّه لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفوراً لكم، قد بدلت سيئاتكم حسنات” [19] ، والبيت الذي لا يذكر الله فيه كالقبر، ففي الحديث: “مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت” [20] والذكر مؤونة وذخر لليوم الآخر، ففي الحديث: ” ليس يتحسر أهل الجنة في الجنة إلا على ساعة مرت عليهم في الدنيا لم يذكروا الله فيها ” [21].

الخلاصة: بطهارة البدن والروح تخضع الجوارح وبالذكر الجهري يحضر الفكر والعقل، وبالذكر الخفي يخشع القلب، وفي الحديث الشريف: ” من توضأ وأسبغ الوضوء وصلى ركعتين لم يحدث فيهما نفسه بشيء من الدنيا (وفي رواية أخرى: لم يسه فيهما) خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه” [22]. وبمثل هذه الأذكار يكون ذكر الليل والنهار وكلما ازددنا لله تعالى ذكرا ازددنا منه قربا وحفظا،  وفائدة هذه الأذكار أنها تذكرنا بالله ذكر الحاجة مرة وذكر المخيفة مرة وذكر المراقبة مرة وذكر الشكر مرة وذكر التوكل مرة … حتى يترسخ في يقيننا أنه هو الذي خلقنا والذي خلقنا لا ينسانا بل يرزقنا ويتولانا ويحفظنا.. وأنه هو الذي أحيانا وهو الذي يميتنا وهو الذي يبعثنا وهو الذي يحاسبنا… وهو الذي يكافئنا. وفي الحديث الشريف: “من اضطجع مضجعا لم يذكر الله فيه كان عليه ترة ( أي نقصا أو تبعة) يوم القيامة، ومن جلس مجلسا لم يذكر الله فيه كان عليه ترة يوم القيامة، ومن مشى ممشى لم يذكر الله فيه كان عليه ترة يوم القيامة “[23].

وفي البحوث التالية سوف يتضح بعض مما ورد آنفاً، والله الموفق.

 ________________________________________

[1]   سورة طه، 128- سورة يس 70- سورة ص 29- سورة ق 50.

[2]    سورة البقرة 200-سورة آل عمران، 41و190و191- سورة النساء،103- سورة الأنفال 45- سورة   الأعراف 55 و205-سورة الأحزاب 33و41- سورة الشعراء 227-سورة طه 34-سورة الجمعة 10- سورة المزمل 8.

[3]   رواه مسلم عن أبي هريرة.

[4]   رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء

[5]   أحمد في مسنده وابن ماجة والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة

[6]   رواه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر.

[7]  سورة النجم 42.

[8]   رواه الطبراني في الأوسط عن ابن عمر.

[9]   سورة الأنفال 45.

[10]  الخطيب في التاريخ والديلمي في مسند الفردوس عن أنس

[11]  تمام في فوائده عن أبي تمام.

[12]  إبن عدي في الكامل عن أنس.

[13]  إبن عساكر عن سويد بن غفلة.

[14] أخرجه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والبيهقي في شعب الإيمان عن سعد

 [15]  الترمذي عن أنس.

[16]  إبن قيم الجوزية الوابل الصيب ص46.

[17]  إبن أبي الدنيا عن أنس.

[18]  الطبراني في الأوسط وابن عدي في الكامل وابن السني و أبو نعيم في الطب البيهقي في شعب الإيمان عن عائشة

[19]  أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني من حديث أنس.‏

[20]   رواه مسلم عن أبي موسى.

[21]  الطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان عن معاذ‏

[22]  متفق عليه من حديث عثمان بن عفان.

[23]  البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة.