زراعة الأعضاء

د. عبد الحكيم هاشم*

 حين خلق الله آدم ـ أبا البشر ـ في أكمل صورة وأحسنها وأعدلها وأقومها قال لملائكته المسبحة بحمده في علياء ملكوته: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين)(1)، ولقد استحق خلق الإنسان في أحسن تقويم أن يقسم الله عليه بقوله:(والتين والزيتون . وطور سنين . وهذا البلد الأمين . لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)(2) وأن يمن عليه المولى الخالق سبحانه بقوله:(يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم. الذي خلقك فسواك فعدلك)(3) ولا يستشعر هذا المخلوق نعمة تسوية خلقه إلا حين يقدر الله عليه نقصاً في أحد أعضائه أو تشوهاً أو تلفاً، حينها يثوب لرشده ويفزع طالباً الدواء ساعياً وراء الشفاء. وإن مما أنعم الله على عباده من أنواع التداوي ما يعرف باسم: (زراعة الأعضاء) الذي يلجأ إليه الطبيب ويحتاج إليه المريض وهي قضية تتعلق مسائلها بالأموات والأحياء كما أنها حلول طبية تحتاج إلى دراسات وفتاوى فقهية.

ولم تغفل المجامع الفقهية المحلية والإقليمية والدولية هذه القضية حيث درستها وأصدرت بشأنها مجموعة من القرارات والفتاوى الفقهية نذكر منها في هذا العدد ما صدر عن المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ، وفيما يلي نصه :

الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم. أما بعد :

فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الثامنة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 28 ربيع الآخر 1405 إلى يوم الاثنين 7 جمادى الأولى 1405هـ الموافق 19 ــ 28 يناير 1985م وقد نظر في موضوع أخذ بعض أعضاء الإنسان وزرعها في إنسان آخر ، مضطر إلى ذلك العضو ، لتعويضه عن مثيله المعطل فيه ، مما توصل غليه الطب الحديث ، وأنجزت فيه إنجازات عظيمة الأهمية بالوسائل الحديثة، وذلك بناء على الطلب المقدم إلى المجمع الفقهي من مكتب رابطة العالم الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية .

واستعرض المجمع الدراسة ، التي قدمها فضيلة الأستاذ الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام في هذا الموضوع ، وما جاء فيها من اختلاف الفقهاء المعاصرين ، في جواز نقل الأعضاء وزرعها ، واستدلال كل فريق منهم على رأيه بالأدلة الشرعية التي رآها .

وبعد المناقشة المستفيضة بين أعضاء مجلس المجمع ، رأى المجلس أن استدلالات القائلين بالجواز هي الراجحة ، ولذلك انتهى المجلس إلى القرار التالي :

أولاً: إن أخذ عضو من جسم إنسان حي، وزرعه في جسم إنسان آخر، مضطر إليه لإنقاذ حياته، أو لاستعادة وظيفة من وظائف أعضائه الأساسية ، هو عمل جائز، لا يتنافى مع الكرامة الإنسانية، بالنسبة للمأخوذ منه، كما أن فيه مصلحة كبيرة ، وإعانة خيرة، للمزروع فيه ، وهو عمل مشروع وحميد، إذا توافرت فيه الشرائط التالية :

1. أن لا يضر أخذ العضو من المتبرع به ضرراً يخل بحياته العادية، لأن القاعدة الشرعية (أن الضرر لا يزال بضرر مثله ولا بأشد منه)، ولأن التبرع حينئذ يكون من قبيل الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، وهو أمر غير جائز شرعاً .

2. أن يكون إعطاء العضو طوعاً من المتبرع دون إكراه .

3. أن يكون زرع العضو هو الوسيلة الطبية الوحيدة الممكنة لمعالجة المريض المضطر .

4. أن يكون نجاح كل من عمليتي النزع والزرع محققاً في العادة أو غالباً .

ثانياً: تعتبر جائزة شرعاً بطريق الأولوية الحالات التالية :

1. أخذ العضو من إنسان ميت لإنقاذ إنسان آخر مضطر إليه، بشرط أن يكون المأخوذ منه مكلفاً، وقد أذن بذلك في حال حياته.

2. وأن يؤخذ العضو من حيوان مأكول أو مذكى مطلقاً، أو غيره عند الضرورة، لزرعه في إنسان مضطر إليه.

3. أخذ جزء من جسم الإنسان لزرعه أو الترقيع به في جسمه نفسه، كأخذ قطعة من جلده، أو عظمه لترقيع ناحية أخرى من جسمه بها عند الحاجة إلى ذلك.

4. وضع قطعة صناعية، من معادن أو مواد أخرى في جسم الإنسان، لعلاج حالة مرضية فيه، كالمفاصل، وصمام القلب، وغيرهما. فكل هذه الحالات الأربع يرى المجلس جوازها شرعاً بالشروط السابقة .

وقد شارك في هذه الجلسة فريق من الأطباء لمناقشة هذا الموضوع، وهم : د. السيد محمد علي البار، د. عبد الله باسلامه، د. خالد أمين محمد حسن، د. عبد المعبود عمارة السيد، د.عبدالله جمعه، د. غازي الحاجم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. والحمد لله رب العالمين(4).

_____________________________________

* للراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.eajaz.org

المراجع:

1) سورة ص : 72 .

2) سورة التين: 1 ـ 4.

3) سورة الانفطار: 6 ، 7 .

4) قرارات المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإٍسلامي ، الدورة الثامنة ، القرار الأول.