الزلازل والبراكين…رؤية إيمانية

د. أحمد حسنين حشاد*

    

     (…) يقول الله عزّ وجلّ في القرآن الكريم:{إذا زلزلت الأرض زلزالها، وأخرجت الأرض أثقالها{1-2}} (سورة الزلزلة) حيث يربط ظاهرتين عرفهما الناس في حياتهم الدنيا، واعتبروهما من الكوارث الطبيعية… الزلازل والبراكين؛ نظرًا لما تحدثانه من هلاك ودمار وما تبثانه من هلع وذعر. وواضح من السياق أنّ ما سيحدث يوم القيامة سيكون أكثر هولاً وأشد وقعًا وأنّه لا وجه لتشبيه ما سيحدث في ذلك اليوم بما ألفه الناس أو عرفوه في دنياهم. ومن المثير للتأمّل والتدبر أنّ أوّل آيتين في السورة قد أوردتا إشارتين علميتين في غاية الأهمية، لم يتوصل العلم إليهما بشكل قطعي إلاّ في منتصف هذا القرن وبعد تجميع كم هائل من القياسات والبيانات من كافة أنحاء العالم، استخدم في الحصول عليه أدق الأجهزة العلمية وأكثرها حساسية، وما كان يمكن لبشر في زمن [سيدنا] محمد عليه الصلاة والسلام أن يصل إلى أيّ منها.

الإشارة العلمية الأولى: هي الربط بين ظاهرتي الزلازل والبراكين.

الإشارة العلمية الثانية: هي أن مكونات جوف الأرض أثقل من مكوناتها السطحية.

     بالنسبة للإشارة الأولى فكلنا سمع في السنوات الحديثة عمّا يسمى بشبكات الرصد الزلزالي المنتشرة في كل بقاع العالم، وكلنا يقرأ بين الحين والآخر أن مرصد حلوان في مصر ومرصد كذا في فرنسا وكذا في أمريكا وكذا في اليابان قد سجّل الزلزال الذي وقع في منطقة كذا والتي قد تبعد آلاف الأميال عن تلك المراصد، وأنه قد تم بفضل تعاون هذه المراصد تحديد بؤرة الزلزال وشدته بدقة كبيرة، كما وأننا جميعًا نسمع بين حين وآخر عن حدوث انفجار أو نشاط بركاني في منطقة كذا من العالم، وربما شاهد بعضنا ما تعرضه أجهزة التلفاز عن هذه الأنشطة البركانية ورأى الحمم أو سحب الرماد البركاني تخرج من فوهات البراكين أو من تشققات الأرض، وما تحدثه من دمار وهلع وذعر(…).

     ولكن الذي لا يعرفه الكثيرون هو أنّ هناك فئة ليست بالقليلة من العلماء المتخصصين تعكف على هذه الأحداث والبيانات لتوقعها على خرائط أساس (أي خالية من أي بيانات) للكرة الأرضية، فهذه مجموعة توقع بؤر الزلازل (…) والتي حدثت خلال المائتي عام الماضية على خريطة تسمى خريطة مواقع الزلازل الحديثة، وهذه مجموعة أخرى توقع أماكن الأنشطة البركانية الحديثة خلال نفس الفترة الزمنية على خريطة أساس مماثلة وتسمى خريطة النشاط البركاني الحديث.

     فأظهرت خريطة المجموعة الأولى أنّ توزيع بؤر الزلازل على مستوى الكرة الأرضية ليس عشوائيًا بل إنّه يتّبع نمطًا معينًا، وأنّ هناك مناطق تخلو تمامًا من تلك البؤر مثل الصحراء الكبرى بينما هناك أخرى تتركز فيها هذه البؤر مثل اليابان وإندونيسيا والساحل الغربي لأمريكا الجنوبية والتي أطلق عليها مجازًا أحزمة الزلازل.    وأظهرت خريطة المجموعة الثانية أن توزيع الأنشطة البركانية ليس عشوائيًا أيضًا بل يتبع نمطًا معينًا، وأنّ هناك مناطق تخلو تمامًا من النشاط البركاني مثل الصحراء الكبرى وأخرى تكثر فيها هذه الأنشطة مثل اليابان وإندونيسيا والساحل الغربي لأمريكا اللاتينية وأطلق عليها حزام النار. تُظْهِر أية مقارنة بين تلك الخرائط أن هناك تطابقًا كاملاً بين المناطق التي تحدث فيها الزلازل (أحزمة الزلازل) وتلك التي تكثر فيها الأنشطة البركانية (أحزمة النار) مما يؤكد وجود علاقة وثيقة لا يشوبها أي شك بين الزلزلة والانفجارات البركانية (…).

     أمّا بالنسبة للإشارة العلمية الثانية والتي وردت في الآية الثانية من سورة الزلزلة {وأخرجت الأرض أثقالها} فهي تفيد أنّ مكونات الأرض في جوفها أثقل من مكوناتها عند سطحها. والسؤال هو: ما نصيب هذه المعلومة من الصحة ومتى وكيف أمكن للعالم أن يعرفها؟ أما أن هذه المعلومة صحيحة فهذا أمر مؤكد لا يختلف عليه اثنان من علماء الأرض الآن بل إنه أمكن تحديد كثافة تلك المكونات فمتوسط الثقل النوعي لمواد الأرض السطحية هو حوالي 2.5 وتزيد هذه القيمة تدريجيًا لتصل إلى حوالي 3.5 في الوشاح على عمق يبدأ من حوالي 60 كم إلى حوالي 2900 كم ثم يصل الثقل النوعي إلى حوالي 12 في لب الأرض الذي يمتد لمسافة 3000 كم أخرى حتى مركز الأرض. أما متى عرف العلماء هذه الحقائق؟ فالمعلومات كلها تؤكد أن ذلك تمّ كله في القرن الحالي بعد أن أمكن قياس سرعة انتقال الموجات الزلزالية في جوف الأرض وتحديد النطاقات التي تتغير عندها هذه السرعات، ثم تحديد تركيب هذه النطاقات من المضاهاة التجريبية لسرعة انتقال أنواع الموجات في المواد المختلفة، كما ساعدت دراسة النيازك الحديدية التي تتساقط على الأرض والتي يعتقد أنها مماثلة لمكونات الأرض الداخلية أيضًا في الوصول إلى تصوّر عن التركيب الداخلي للأرض والصور التي يمكن أن تتواجد عليها المادة هناك كما أمكن الاستفادة أيضًا من قوانين الجاذبية في حساب متوسط كثافة الأرض حوالي 5.5م/سم والذي أعطى مصداقية لكل هذه التقديرات.

    والآن نعود فنسأل لو لم يكن وحيًا فكيف كان لمحمد، صلى الله عليه وسلم، أن يعرف هذا التدرج في ارتفاع كثافة مكونات الأرض وأنه عندما تحدث الزلزلة الكبرى ستلقي الأرض بأثقالها مما هو في أعماق أعماقها، ثم نوجه الانتباه إلي هذا التوافق الرائع مع ما ذكره الحقّ في موضع آخر من كتابه الكريم {الله الذي جعل لكم الأرض قرارا{64}} (سورة غافر). فقد جعلها بهذا التوزيع الداخلي للأثقال والجاذبية ملائمة تمامًا للحياة والاستقرار عليها سواء من البشر أو الحيوان أو النبات، فإذا أراد الله أن ينهي هذه الحياة بكافة صورها فما على الأرض إلاّ أن تتخلى عن مسئوليتها وتلقي ما بداخلها تصديقًا لقوله تعالى {وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت{3-4}} (سورة الانشقاق). وبهذا تنتهي الحياة على الأرض (…).

 



*  أستاذ بهيئة المواد النووية. للراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.nooran.org