آخر صيحات أطباء الغرب الصحية: صم يومًا وأفطر يومًا

د. هند فوّاز[1]

مقدمة

أثبتت الإحصائيات التي يجريها مهتمون ومتخصصون بالمجال الصحي أن مرض السكري هو من أكثر الأمراض التي تجتاح العالم في وقتنا الحاضر؛ فبحسب كتاب صدر في العام 2011[2]بلغ عدد المصابين بالسكري حول العالم 230 مليون شخص. ففي النروج وحدها أحصوا مئتي ألف إصابة في بلد يبلغ تعداد سكانه 4،5 مليون نسمة. والخطير بالموضوع أن مرض السكري آخذ بالتفشي بين الأولاد والمراهقين بعد أن كان لا يصيب إلا من هم فوق الستين من العمر. لقد بلغت نسبة المصابين بالسكري في مدارس الإمارات العربية المتحدة 15% أما السبب فهو انتقال هذه الأجيال إلى المأكولات الغربية السريعة الغنية بالسكر.

ما هو مرض السكري؟

        هناك نوعان من السكري؛ النوع الأول (تعريفه العلمي سكري 1)، يعتمد المصاب به على حقن الأنسولين. أما سببه فهو تلف يلحق بخلايا البنكرياس فلا تعود تفرز مادة الأنسولين، فيعطى مريض السكري هذه المادة بواسطة الحقن مدى الحياة. أما النوع الثاني من السكري (تعريفه العلمي سكري 2) يكون إفراز الأنسولين مضطربًا أو مفرطًا إلى درجة أن خلايا الجسم تعجز عن استهلاكه، ذلك لأن خلايانا جعل لها الخالق قدرة استيعاب محددة لا تستطيع أن تتخطاها. وهذا النوع من السكري هو الأكثر انتشارًا في العالم، كما أنه يمكن الشفاء منه.

أسباب السكري2

        ينجم السكري2 عن اتباع نظام غذائي واسلوب عيش يبقيان معدل السكر في الدم مرتفعاً جداً بصورة متكررة مما يجبر الخلايا المسؤولة عن إفراز الأنسولين على إفراز كميات كبيرة من الأنسولين تتدفق في مجرى الدم من أجل تنقيته من السكر ونقله إلى الكبد والعضلات. ولكن سبق وذكرنا أن خلايانا لها قدرة استيعاب محددة نتجاهلها نحن في كثير من الأحيان ونقبل على طيبات الطعام بنهم. من هنا يبدأ خطر احتمال إصابتنا بالسكري، ثم يصبح هذا الاحتمال حتمياً إذا استمرينا في التهام ما لذ وطاب بطريقة غير مسؤولة. هذا المرض الذي جلبناه لأنفسنا بأيدينا، من حسن الحظ أن الشفاء منه سيكون بأيدينا أيضاً وما يجدر بنا ذكره في هذا الصدد أنه نتيجة لما أظهرته هذه الحمية من نتائج جيدة ألف الدكتور James Johnson وهو أستاذ في الجراحة التجميلية في كلية الطب في جامعة لويزيانا كتاباً سماه Alternate Day Diet أي حمية اليوم المتناوب.

بعضالمضاعفات التي يصاب بها مريض السكري2

أمراض القلب بما في ذلك ارتفاع ضغطالدم وارتفاع نسبة الكولسترول وازدياد خطر الإصابة بجلطة أو سكتة قلبية، أمراض تصيب الكلى، مرض العصبي الذي يؤدي إلى فقدان الإحساس بالأطراف وبرودتها مما يستدعي بترها في النهاية، أمراض العين أو ما يسمى اعتلال الشبكية، الماء الزرقاء1، أمراض تصيب الفم واللثة وتؤدي إلى تلف الأسنان، ضعف أو فقدان الذاكرة، مرض الزهايمر، الاكتئاب، تراكم الدهون في الكبد، تيبس المفاصل، الفشل الكلوي المزمن، ترقق العظام، داء الشقيقة، الصدفية، الربو، وأنواع التهابات كثيرة أخرى، البدانة أو السمنة الزائدة. مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن البدانة أو السمنة الزائدة هما وراء الإصابة بالسكري2، أو لنقل من أهم مسبباته.

البدانة والسكري يتضافران معاً للتسبب بأنواع عديدة من السرطان

بما في ذلك سرطان الثدي والقولون. وهذه كلها أمراض متفشية في كل دول العالم. وعدا ما تزهقه هذه الأمراض من أرواح، فإنها تستنزف أموالاً طائلة للمعالجة منها وليس لمكافحتها والحد من انتشارها. فكلفة رعاية مرضى السكري فقط – من دون كلفة باقي الأمراض خصوصًا المتفرعة عنه- حوالى 180 بليون جنيه استرليني سنويًا وهذا الرقم لا يشمل تكاليف الأمراض الأخرى الناجمة عن السكري من إعاقة ونتائج أخرى مماثلة.

كيف يتطور السكري إلى أمراض متفرعة

        قلنا سابقًا أن مادة الأنسولين مهمتها تحويل السكر إلى طاقة يستفيد منها الجسم إذا ما كانت الأمور سائرة باعتدال. أما في حالات اسرافنا في تناول السكريات والنشويات والدهون، فإن ارتفاع معدل الأنسولين في الجسم لحرق الكميات الكبيرة من دون قدرة الخلايا على استيعاب كميات الأنسولين، فإن الفائض منه يتحول إلى عبء كبير يلحق الضرر بكافة أنواع أنسجة الجسم خصوصاً الشرايين والعينين والكليتين والدماغ. هذه الإضطرابات الداخلية في الجسم تعرف بمتلازمة الأيض Metabolisme فعندما تضطرب علمية الأيض وتزداد نشاطًا بسبب كثرة الطعام من جهة ووجود الأنسولين بكميات مفرطة من دون أن يتمكن من السيطرة على كل كميات السكرمن جهة أخرى، نقع في ما يسمى متلازمة الأيض والتي أطلق عليها تسمية “الإحتباس الحراري الداخلي”. من هنا تبدأ رحلتنا مع مرض السكري. فخلايا الدم الحمراء وكذلك باقي خلايا الجسم تصبح مغطاة بالسكر. ويمكن لهذا السكر المتكدس أن يطال خلايا العين فتبدأ مشاكل النظر، أو خلايا الكليتين فتعجزان عن ممارسة عملهما فيحتجز الماء والأملاح في الجسم، مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، أو ربما الفشل الكلوي.عندئذ يصاب الجسم بحالات إلتهابات، فتظهر المزيد من المشاكل الصحية كأمراض القلب وآلام المفاصل ويرتفع معدل الكولسترول الضار والتريغليسريد وضغط الدم، بينما تنخفض الطاقة ومعدل الكوليسترول الجيد، ويسوء المزاج وتضعف الذاكرة ويتشوش النظر.

سبل التخلص من السكري2

        هناك ثلاث وسائل اعتمدها الأطباء والمتخصصون في مجال الصحة والغذاء في مساعيهم للقضاء على السكري2، وقاموا في سبيل ذلك بعدة تجارب وأبحاث، أما السكري1 فلا أمل في الشفاء منه وإنما يمكن التخفيف من وطأته.

الوسيلة الأولى: الأدوية والعقاقير:

        يفرد مؤلف كتاب “وداعًا لمرض السكري” ما يزيد على عشر صفحات، يذكر فيها كل أنواع أدوية السكري، حسناتها وسيئاتها، حيث ذكر بالتجربة خطورة الأضرار الجانبية لكل دواء. ثم يخلص إلى نتيجة مفادها أن علاج السكري2 بالأدوية والعقاقير لا يحل المشكلة بل يزيد من تفاقمها، وأن كل الأدوية ليست إلا علاجًا وقتياً، وأن عواقبهستكون وخيمة أكثر من مرض السكري بحد ذاته.

الوسيلة الثانية: إعتماد نظام الحمية الغذائية:

        تحت عنوان “القواعد العشر الذهبية للتخلص من السكري” وعنوان آخر “عشر طرق للوقايةمن السكري أو التخلص منه” يقدم المؤلف نصائح وإرشادات من شأنها أن تعمل ليس فقط على التخفيف من حدة السكري2، وإنما تقضي عليه تماماً بشرط المواظبة على النصائح والإرشادات الغذائية كما يشرحها في الكتاب. يتناول المؤلف هذه الوسيلة الفعالة ويشرح كيفية اتباعها، من الصفحة 99 حتى الصفحة 387. والحق يقال أن وصفات المؤلف د. باتريك هولفورد في التغذية المتعلقة بمرضى السكري لا تخلو من التشويق والإثارة لما تتضمنه تلك الوصفات من ابتكارات في مجال التغذية. هذا فضلاً عن أن هذه الوصفات أعطت نتائج ثبتت فعاليتها على مرضى السكري2 إلى أقصى الحدود. لقد تم شفاء أشخاص كثر من هذا الداء بعد أن اتبعوا ارشاداته وتوجيهاته ووصفاته بحذافيرها. ولكن المفاجأة هي أن هذه الحمية أظهرت عوارض جانبية كان من الصعب على هؤلاء المتعافين من السكري2 تخطي معاناتها؛ لقد تبين أن هذه الحمية تتسبب في تبطيء عملية الأيض Metabolisme لكي يعوض الجسم عن النقص في الطعام، ذلك لأن الحمية المنصوح بها لا تفي بحاجات الجسم من الغذاء. والنتيجة هي أن الجسم يستعيد الوزن الذي خسره بسرعة أكبر مما كان عليه الحال قبل اتباع الحمية. هذا بالإضافة إلى مشاكل أخرى مثل شعور الذين يتبعون هذه الحمية بالحرمان وعدم الإكتفاء من الطعام بشكل دائم، وإصابتهم بنوبات جوع متواصلة، بالإضافة إلى انخفاض الرغبة الجنسية عندهم، وإحساسهم الدائم بالبرد. كما أن هذه الحمية ستشكل خطورة على مرضى السكري خصوصاً السكري من النوع الأول “السكري1” لأنها ستقلل السعرات الحرارية إلى أكثر مما يجب، وينخفض بالتالي معدل السكر بالدم كثيرا.

ولدى دراسة الجانب المادي لهاتين الوسيلتين، العلاج بالأدوية، أو اتباع الحمية، تبين أن العلاج بالأدوية تبلغ كلفته على المريض 29000 دولار أميركي سنويًا. وأما كلفة الحمية الغذائية فهي ثمانية آلاف دولار أميركي فقط.

الوسيلة الثالثة: إعتماد نظام عيش جديد يقوم على مبدأ ما سماه أصحاب الإختصاص نظام “المجاعة والولائم”. إنه أحدث ما توصل إليه الباحثون الغربيون في أبحاثهم للقضاء على السكري2. تقضي هذه النصيحة بأن يصوم مريض السكري يوماً ويفطر يوماً، إذ بدأت تجاربهم على فئران حقنت بكمية من السكر، فأصبحت مصابة بالسكري2. وقسموا هذه الفئران إلى ثلاث مجموعات؛ المجموعة الأولى عالجوها بالأدوية، فزادت حالتها سوءاً. المجموعة الثانية عالجوها بحمية غذائية دقيقة. أيضا تركت هذه الحمية أضراراً جانبية. أما المجموعة الثالثة فطبقوا عليها نظام “المجاعة والولائم”. والذي حصل أن أصحاب هذه التجربة عمدوا إلى حجب هذه الفئران عن الطعام في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني تركوها تأكل كل ما تشاء. وكانت النتيجة أن كمية السكر في الدم اعتدلت وشفيت الفئران من السكري تماما من دون أية عوارض أخرى.

        اكتشفت فوائد هذا النظام الغذائي في العام 2003، وبعد تجارب عديدة كان يتبادلها جلة من الأطباء والمتخصصين في مجال الصحة وناشطين في مجال مكافحة السكري. ولكن منذ مايزيد على أربعة عشر قرنًا جاءنا من نصحنا باتباع هذا الأسلوب من العيش، خالين من كل الأمراض، خصوصًا تلك الناجمة عن الأساليب غير الصحية في الطعام والشراب. والحديث هو “صم يوماً وأفطر يوماً”

        قصة هذا الحديث أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بلغه أن عبد الله بن عمرو بن العاص يقضي كل أيامه صائماً، فذهب النبي إليه ونبهه إلى خطورة أن يظل المرء صائمًا كل أيامه، ونصحه بأن يكتفي بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ولكن عبد الله بن عمرو بن العاص أبدى استعداداً أكبر بكثير، ودخل الإثنان في نقاش؛ بدأ النبي بوصيته له بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، فرغب عبد الله بأكثر، فقال له النبي “خمساً” أي خمسة أيام في الشهر، أيضا أبدى عبد الله رغبة بصيام أكثر من ذلك، فراح النبي يقترح وعبد الله يرغب بأن ينصحه النبي بصيام المزيد من الأيام قائلاً إن به قوة. فكانت آخر نصيحة من النبي لعبد الله بن عمرو أن يصوم يوماً ويفطر يوم. ثم قال عليه الصلاة والسلام “لا صوم فوق صوم داود عليه السلام، شطر الدهر، صم يوماً وأفطر يوماً”، ذلك أن نبي الله داود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوماً[3].

الإكتشافات العلمية لنظام “الولائم والمجاعة” أو “صم يوماً وأفطر يوماً”

        مبدأ هذه الحمية هو أن تصوم يومًا عن الطعام وتفطر يوماً، وأن يكون طعامك ليوم صومك كمية قليلة من الطعام، وأن تأكل في يوم فطرك ما تشاء وبالكمية التي تريدها ثم تصوم اليوم التالي وهكذا دواليك.

بناء لما يرد ذكره من محاسن حمية اليوم المتناوب، أمكننا إحصاء تسعة نتائج إيجابية من دون العثور على نتيجة سلبية واحدة. وهذه النتائج هي:

1 – تخفيف أعراض مرض الربو

2- خسارة 8% من وزن الجسم خلال شهرين

3- إنخفاض معدل الجذور الحرة الضارة بنسبة 90%

4- إنخفاض نسبة الإلتهابات بنسبة 70% وبالتالي إنخفاض نسبة خطر الإصابة بالسرطان وأمراض القلب الأخرى

5- تحسن كبير في عملية الأيض Metabolisme

6- زيادة فاعلية عمل الكبد والقلب والشرايين بسبب احتراق الدهون المخزنة نتيجة الجوع في يوم الصوم

7- زيادة معدلات بروتين يحمل إسمAdiponectin ، وهو بروتين يخفض الدهون الخطرة حول الخصر تحديدًا مما يجعل الكبد أكثر نشاطاً

8- إنخفاض معدل التريغليسرريد الضار في الدم

9- زيادة نشاط جينة تسمى DAF 16 وهي جينة مسؤولة عن إضفاء الحيوية وإبعاد مظاهر الشيخوخة.

        وما يجدر بنا ذكره في هذا الصدد أنه نتيجة لما أظهرته هذه الحمية من نتائج جيدة ألف الدكتور James Johnson وهو أستاذ في الجراحة التجميلية في كلية الطب في جامعة لويزيانا كتاباً سماه Alternate Day Diet أي حمية اليوم المتناوب.

وأما نحن المسلمون فباستطاعتنا أن نضيف نتيجة جديدة لهذه الحمية ونعطيها الرقم 10 وهي أن المسلم الذي سيعتمد حمية “صم يوماً وأفطر يوماً” فإنه سيترتب على ذلك الفوز بصحة جيدة في الدنيا ونيل رضى الله ورسوله في الآخرة. فهنيئاً لكل من يسمع ويطيع.

وقد ينتاب الواحد منا شعور بنوع من الوجل إذا ما فكر بأنه سيضطر إلى تغيير عادات كثيرة ملازمة له إذا ما اعتمد صيام يوم وإفطار يوم، ولكن لن يلبث المرء أن يعتاد على منهاج الحياة الجديدة. فيقول د. باتريك هولفورد إن التخلص من أي عادة يتطلب ثلاثة أسابيع، وإن اكتساب العادة يتطلب ستة أسابيع، وإن ترسيخ العادة يتطلب ستة وثلاثين أسبوعاً. وهذا يعني أنك إن استمريت في مجاهدة نفسك مدة ستة وثلاثين أسبوعًا – أي تسعة أشهر تقريبًا- لاكتساب عادة تفيدك في الدنيا والآخرة ستصبح هذه العادة جزء من حياتك، ولن تعود تجد أية صعوبة أو غرابة في ملازمتها والمداومة عليها.

آخر كلامنا: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، أرسله رحمة للعالمين.      

_____________________________________________________

[1]د. هند فواز عضو الهيئة العامة لمنتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في لبنان.

[2]- “وداعا لمرض السكري” مؤلفه د. باتريك هولفورد، وهو مترجم عن اللغة الإنجليزية Say No to Diabetes, copyright PatricHolford 2011, Piatkus, 2011, Great Britain والترجمة العربية صادرة عن دار الفراشة للطباعة والنشر، بيروت 2013

[3]- صحيح البخاري، ج 1 ص 343. كتاب الصوم، حديث رقم 1131.