أهمية وتأثير الرضاعة “الطبيعية” في عملية نمو الوجه والفكين عند الأطفال

د. وليد صادق*

 

بسم اﷲ الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، يقول الله تعالى في سورة البقرة الآية 233:{والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعه وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} …صدق اﷲ العظيم.

تشغل الرضاعة من ثدي الأم ﺇحدى الوظائف الأساسية للجهاز الماضغ مثلها مثل عملية المضغ التي تليها من الناحية الزمنيه والتي تحضر لها، وتستعمل عملية الرضاعة الطبيعية قوة عضلية كبيرة جدًا حيث أن عملية النمو الشكلي تسرَّع بشكل كبير في عملية النمو الكبيرة لما بعد الولادة وباستعمال عضلات الوجه والفكين خلال الرضاعة.

وعملية الرضاعة تساعد على نمو الفكين بصورة صحيحة، كما تساعد على نمو أقواس الأسنان من الناحية العرضية وتوسع نمو مجرى التنفس العلوي وتساعد على تصحيح تراجع الفك السفلي التلقائى الخلقي عند الولادة. أما تناول الحليب بالقنينة فترسم ٳستعمال قوة عضلية معينه مختلفة جداً من حيث الحركة، والنوعية والقوة، عن التي تستعمل في عملية اﻹرضاع.

يمكن أن تؤدي هذه الخصائص الوظيفية لكل من الطريقتين ٳلى نتائج مختلفة تماماً تاركة أثرها على نمو الكتلة الوجهية.

لفهم كل هذا علينا شرح كيف تتم الرضاعه الطبيعية، حيث يقوم الطفل بالتمسك بواسطة شفتيه ومن ثم شفط ثدي والدته ووضعه في فمه بعملية تقديم الفك السفلي واللسان ٳلى الأمام، ثم يضغط بصورة قوية جدًا على الحلمة بحيث يقوم اللسان بعصرها باتجاه سقف الحلق وبعدها يقوم بحركات تموّّجيه أمامية خلفية بلسانه حيث ينضم الفك السفلي ٳلى هذه السمفونية ليشد صدر والدته أيضاً باتجاه فمه وبصورة متتالية، في هذه الأثناء تكون الشفاه ملتصقة بالثدي بطريقة محكمة جداً مثل المضغة (Ventouse) مما يؤدي ٳلى انخفاض لضغط داخل الفم يُكمل عملية ٳبقاء ثدي الأم داخل فم الطفل، مما يجبره على التنفس من أنفه طول الوقت ويوسع نمو مجرى التنفس العلوي.

ﺇن الرضاعه من ثدي الأم تتم بعملية معقدة جدًا ومنتظمة، حيث يستعمل الطفل أكثر من 15 عضلة خلال تناوله لحليب أمه، هذه القوة التي تنتج من ٳستعمال للعضلات تساعد وبشكل ٳيجابي في نمو الفكين والكتله الوجهية.

علاقة الرضاعه بالوظائف الأخرى:

تساعد الرضاعة وبشكل كبير على ٳنتظام وتتابع الوظائف، ففي الثواني الأولى، ثم الساعات والأيام الأولى من الحياة تبدأ الوظائف الأساسية: كالتنفس، والمص والبلع، حيث تنتظم حول وظيفة الرضاعة. ٳنها مرحلة من النمو والنضوج العصبي الوظيفي الأساسية (Maturation neurofonctionnelle)، علينا التنبه جيداً لهذه المرحلة وتجنيب الطفل سلوك أي طريق خطأ. ولكي يستكمل عملية التعلم وانتظام الوظائف التي بدأت منذ وجوده في رحم الأم، يجب على الرضيع أن ينظم علاقة ما بين الضغط على ثدي أمه وكمية الحليب التي يحصل عليها. ٳن الأطفال الذين يتناولون الحليب بواسطة الرضاعة بشكلها الطبيعي، يستطيعون وبصورة أسرع تسريع عملية ٳنتظام وظائفهم من أولئك الأطفال الذين يتناولون قنينة الحليب لأنهم يتحكمون بكمية تدفق الحليب وقوته بخلاف الأطفال الذين يتناولون قنينة الحليب حيث أن كمية الحليب المتدفقة من القنينه تعتمد على درجة ميلانها، وعلى سعة ثقب القنينه. إذًا بصورة نهائية هذه المقدرة عند الرضع عبرالمراقبة والتحكم بنبع غذائهم تكون الخاصية الوظيفية الأساسية للرضاعة.

ٳن ثبات وضعية الثدي في فم الطفل بواسطة الشفط داخل الفم، يجبر الرضيع على التنفس من أنفه، وبالتالي فمن الناحيه المنطقية يفترض أن عملية اﻹرضاع من الثدي تساهم بدون أدنى شك بتعليمه التنفس من الأنف (التنفس الأنفي الطبيعي). لهذا كلما طالت فترة الرضاعة كلما كانت أفضل عملية البرمجة النخاعية لهذه الوظائف. ٳذا ٳن غياب ٳستعمال التنفس من الفم و المريء هو الذي يؤدي قسراً ﺇلى تنفس أنفي صحيح. ( ٳن ٳنسداد مجرى التنفس الأنفي بسبب الزكام مثلاً يجبر الرضيع على التنفس من فمه لفتره معينة، في هذه الحالة عليه ترك ثدي والدته لكي يتمكن من التنفس مما يجعله يعيد نفس الجهد لكي يتمكن من ٳلتقاط ثدي والدته مجدداًً).

وبصورة عكسية فإن الطفل الذي يتناول قنينة الحليب يمكنه أن يتنفس ويبلع من فمه بتقطع لأن هذا لا يتطلب ٳغلاق مثالي للشفاه ولا ٳنخفاض للضغط داخل الفم بصورة مستمرة، ولا حتى عمل عضلي مهم وهنا تكمن الخطورة ٳذا ٳستمر التنفس الفموي لفترة طويله بحيث يصبح عادة، مما يؤدي ٳلى نشفان الفم وقلة اللعاب مع احتمال كبير لكثرة وتزايد أمراض الفم، والأسنان واللثة .

كما أن أطباء التقويم يعلمون جيداً خطورة التنفس من الفم على نمو الوجه والفكين وبالأخص تأثيره السلبي على توجيه النمو للفكين مما يؤدي ٳلى نمو طولي أمامي للوجه والفكين وكذلك قصور في النمو العرضي للفك العلوي، فيجب التنبه ٳلى ذلك جيداً.

أهمية الرضاعة :

أ‌- أهمية الرضاعة بالنسبة للطفل:

1- تؤكد جميع الدراسات أن نموالأطفال الذين يرضعون يتم بصورة أسرع وأكمل.

2- نمو نفسي سليم ومريح للطفل الرضيع.

3- نوعية حليب الأم لا مثيل له مقارنة مع حليب الأبقار والأغنام واﻹبل.

4- يقوي مناعة الطفل: ففي الأيام الثلاثة الأولى يفرز الثدي ما يسمى باللبأ، وهو سائل خفيف أصفر يحتوي على كميات مركزه من البروتينيات المهضومة باﻹضافة الى مواد مضادة للجراثيم والميكروبات مما يضيف مناعه ٳضافية للوليد ضد الأمراض.

5- حليب الأم معقم وجاهز لتناوله مباشرة، اما حليب القنينة فيولد نزلات معوية في معظم الأحيان كما أنه يحتاج الى وقت لتجهيزه.

6- أهمية خاصة في سرعة نمو الفكين باﻹتجاه الصحيح ومن الصنف الهيكلي العظمي الثاني الى الصنف الهيكلي العظمي الأول أي تطابق وتجانس في القواعد العظميه للفكين.

ب‌- أهمية الرضاعة بالنسبة للأم:

1- أثناء الرضاعة تفرز الغدة النخامية مادة الأوكسيتوسين Oxytocine حيث تؤدي الى ٳنقباض فعلي لعضلات الرحم مما يؤدي الى عودة الرحم الى وضعه الطبيعي بسرعة.

2- تجنب الأورام وخاصة سرطان الثدي، فجميع الدراسات تؤكد على انخفاض كبير لنسبة هذا المرض عند الأمهات المرضعات.

3- سعادة ما بعدها سعادة في ٳطعام مولودها أو مولودتها وٳعطائهما جرعات من الحنان مما يؤدي الى ٳشباع اﻹرتباط النفسي والعاطفي واﻹحساس بالسكينة واﻹطمئنان.

 

وبمقارنه علمية وعملية موضوعية للرضاعة ولتناول الحليب بالقارورة، نذكر ما يلي:

تناول  الحليب من خلال الرضاعة:

– ٳجبار الطفل على التنفس من الأنف بسرعه.

– توسيع مجرى التنفس.

– تصحيح التراجع في الفك السفلي بتوجيه نموه الى الأمام.

– توسيع عرض الفك العلوي مع التقليل من حدوث ووجود عضة معكوسة من الجهة الأمامية والخلفية.

– ٳنخفاض كبير في ٳمكانية  مص الأصبع لاحقاً.

– تسريع عملية ٳنتظام الوظائف ما بين التنفس و المص و البلع …    

– تحكم في منبع غذائهم وكميته.

– عمل عضلي وجهد كبير جداً لعضلات الفكين.

– نمو طبيعي للكتلة الوجهية والفكين.

تناول  الحليب من خلال القنينه:

– التنفس من الفم نتيجة عدم إغلاق مثالي للشفاه.

– ضيق في مجرى التنفس.

– صعوبه في تصحيح التراجع الخلقي للفك السفلي و ذلك بتوجيه نموه الى الخلف.

– فك علوي ضيق مع ٳمكانية حدوث أو وجود عضه معكوسه من جهه واحدة أو من الجهتين.

– ٳستعداد كبيرﻹمكانية مص الأصبع لاحقاً.

– عدم التسريع في عملية ٳنتظام الوظائف.

– عدم التحكم بمنبع غذائهم.

– عمل عضلي خفيف جداً لعضلات الفكين.

– كمية من النمو أقل للكتلة الوجهية بأبعادها الثلاثة.

شخصياً لا ننصح بتاتاً باستعمال الطريقتين في آن واحد مما يؤدي الى ٳضطراب الرضيع حيث تنتهي الأمور وبسرعة بترك الثدي لصالح القنينه لأنها أسهل للرضيع، لكن عند بدء فطامه ممكن جدًا.

 

المدة الزمنية التي ننصح بها الأم للرضاعة:

 

ليس أقل من ٳثني عشر شهراً، أما ٳتمام الرضاعة فهو أربع وعشرون شهراً أي سنتان مصداقاًً لقول رب العالمين في الآية رقم 232 من سورة البقرة: {والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعه وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}.

 

ﺇستنتاج:

 

أظهرت التجارب الشخصية أن الأطفال يولدون بتراجع للفك السفلي (صنف ثاني عظمي) ومع عملية الرضاعة من ثدي الأم حيث يتم ﺇستعمال لعضلات الوجه والفكين مما يؤدي الى تجانس ما بين الفكين أي تسريع لنمو الفك السفلي وتصحيح التراجع فيصبح (صنف أول عظمي) في السنوات الأولى للحياة.

 

أما الآن فلنفترض أن جميع الأطفال يولدون بدون هذا التراجع الخلقي أي أن الفك العلوي والسفلي بتجانس تام منذ الولاده (صنف أول عظمي) أي بدون أي تراجع للفك السفلي ومن ثم تم ترضيعهم، فماذا يحصل للفك السفلي حين ذاك؟ سيتقدم أكثر بفعل الرضاعة ليصبح الأطفال جميعهم (صنف ثالث عظمي) أي بروز الفك السفلي للأمام. ٳذاً كل شيء مقدر ومحسوب، فاﷲ تعالى هو الذي خلق فسوى، وهو الذي أحسن كل شيء خلقه، و{هوالذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء} ( آل عمران 6).

 

خلاصة:

 

لايمكننا تجاهل أهمية العمل العضلي في عملية الرضاعة من ثدي الأم ونتائجها اﻹيجابية على عملية النمو للوجه والفكين كما يجب اﻹشارة الى عدم توفر أي قارورة أطفال للحليب تشبه الخصائص الميكانيكية التي تكلمنا عنها سابقاً. أما حليب الأم فمن المؤكد أنه لا يوجد مثيل له على اﻹطلاق لصحة ونمو الرضيع. ٳن عملية اﻹرضاع هي عمليه بسيطه جداًً للأم وجنينها، غير مكلفة ووقائيه حيث تقلل من ظهور مشاكل عظمية للفكين والكتله الوجهية أومشاكل وظيفية، أو مشاكل في عدم صحة اﻹطباق تكون خطيرة لاحقاً و تحتاج الى معالجة.

 

وفي الختام لا يسعنا الا أن نقول سبحان اﷲ عز وجل، الذي أعطانا خلاصة الدراسات العلمية الحديثة قبل صدورها بـ 1400 سنة، في كتابه العزيز وعلى لسان سيد الخلق والمرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .

 

 _________________________________________________

 * الدكتور وليد صادق: طبيب إستشاري متخصص في تقويم الأسنان و الفكين متخرج من جامعة بوردو – فرنسا عضو نقابة أطباء الأسنان في لبنان. رئيس سابق لقسم تقويم الأسنان والفكين (اﻹمارات). عضو الجمعية اللبنانية للأطباء التقويم (لبنان). عضو الجمعية العربية ﻷطباء التقويم (الأردن). عضو الجمعية الفرنسية ﻷطباء التقويم (فرنسا). عضو الفدرالية العالمية ﻷطباء التقويم (أمريكا).

 Centre Diar / les cliniques privées / Rue Mar Elias / Téléfax: (01) 375819 e-mail: Dr_SADEK@Cyberia.net.lb

 

المراجع:

 

1- القرآن الكريم.

 2- محاضرة للدكتور وليد صادق أعطيت بالأردن في مؤتمر أطباء التقويم الأردني الخامس تحت عنوان:.Orthopedics in Orthodontics سنة 2006

 3- مجلة أطباء التقويم الفرنسية L’Orthodontie Francaise

 حجم:77، رقم:1،صفحة:101، أذار 2006 تحت عنوان: Influence de l’allaitement sur le developpement maxillofacial /Raymond, Bacon.

4- خلق اﻹنسان بين الطب والقرآن، الدكتور محمد علي البار، الدار السعودية للنشر والتوزيع.