الأطفال يولدون مؤمنين بالله

م. محمد خير أبو خشبة*

هذا ما توصل إليه الباحث الأكاديمي د. جاستن باريت من مركز الانتروبولوجيا والتفكير في جامعة أوكسفورد[1]. ومما جاء في بحثه أن لدى الأطفال وأحداث السن استعداداً مسبقاً للإيمان بالإله القادر المطلق لاعتقادهم بأن هذا الكون لم يخلق عبثاً وإنما لأهداف معينة[2].

ويؤكد هذا العالم أن لدى الأطفال الصغار إيماناً فطرياً حتى ولو لم يتم تلقينه لهم عن طريق الأهل أو المدرسة، حتى أن الطفل ولو نشأ وحيداً وفي بيئة قاحلة، فإنه لا بد وأن يغدو مؤمنا بوجود الخالق.

ويشير، بعد أبحاث استمرت عشر سنوات، أن النمو الطبيعي لعقول الأطفال يؤدي إلى إيمانهم بـأن هذا الكون المادي مصمم لغاية محددة وان ثمة ذكاء يقف خلف هذا الخلق.

وفي محاضرة يعدها الدكتور باريت ليلقيها في مؤسسة فاراداي التابعة لجامعة كامبريدج، سيعرض مشاهد لتجارب بسيكولوجية أجراها على أطفال ليثبت أنهم فطرياً يعتقدون بأن لكل خلق غاية.

وفي إحدى هذه التجارب سأل الباحث أطفالاً بعمر السادسة والسابعة: لماذا وجد أول طائر في العالم؟ فكانت الأجوبة التقائية مثل: “ليعطي موسيقى جميلة” و”لكي يبدو العالم جميلاً”.

ولدى عرض مشهد أعد خصيصاً، وجد الدكتور باريت أن أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم اثني عشر شهراً فوجئوا وعجبوا من كرة متحرجة أقدمت على ترتيب كومة مبعثرة من المكعبات. أي أنهم لم يتقبلوا الفكرة.

وفي سن الرابعة يستطيع الأطفال التمييز بين أشياء من صنع الانسان وبين المخلوقات الطبيعية، مما يدل على أنهم يؤمنون بفكرة الخلق لا بنظرية النشوء والتطور، على عكس ما يخبرهم به أهلهم ومعلموهم.

ويقول الدكتور باريت أن العلماء وجدوا أن لدى الأطفال ميلاً للإيمان بالله حتى ولو نشأوا في بيئة ملحدة او في بلاد يمنع فيها التعليم والوعظ الديني.

ويخلص د. باريت إلى القول، أنه من خلال النمو الطبيعي للأطفال نجدهم يميلون إلى الإيمان بالخالق وبالإبداع الإلهي في تكوين الأشياء، بينما يصعب عليهم تقبل التطور التلقائي للمخلوقات.

ويجدر بالذكر في هذا المجال أن الإسلام قد أكد ذلك منذ 1400 سنة، فعندما أراد رجل أن يعتق فتاة صغيرة شرط أن تكون مؤمنة أتى بها إلى رسول الله صلى الله عليه  فسألها “أين الله فأشارت إلى السماء، ثم قال لها: من أنا قالت: رسول الله. قال: اعتقها فإنها مؤمنة”.

وفي الحديث الشريف: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُشَرِّكَانِهِ» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ»[3]. ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: واقرأوا إن شئتم قول الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)} [سورة الروم].[4]

ومما تعنيه الفطرة أن بني آدم قد أرشدوا إلى التوحيد من قبل تكوينهم وهم لا يزالون في عالم الذر، ومصداق ذلك قول الله عزّ وجلّ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ } [الأعراف: 172].

مرة جديدة يلحق العلم بما جاء في القرآن الكريم والحمد لله رب العالمين.



*مهندس، من منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في لبنان.

[1]  Children are born believers in God, academic claims – The Telegraph Thursday 22 August 2013.

[2]  يقول الله تعالى عن غاية الخلق: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56].

[3]  صحيح مسلم (4/ 2048)، عن أبي هريرة.

[4]  الإمام أحمد والبيهقي في القضاء والقدر والبخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة.