التيامن

د. محمد السقا عيد*

 

التيامن لغة:

في المعجم الوجيز ” يَمَنَ ” ، و” تَيَمَنَ ” أي توجه تلقاء اليمن، وتيمن أي بدء عمله باليمين …

أما لفظة التيامن اصطلاحاً فهي تعني عند الفقهاء: بدء كل عمل باليمين .

 وهو مستحب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حث على بدء كل عمل باليمين ، وقال: “تيمنوا فإن في اليمين بركة “.

والتيامن معروف في الديانات السماوية السابقة ومذكور في التوراة والانجيل (…) ويعني موضع التبريك والصلاح.

التيامن في الإسلام

تعريفه لغة:

 جاء في [ مختار الصحاح ] أيمن الرجل ويمن ويامن .. إذا أتى اليمين وكذلك إذا أخذ في سيره يميناً ..
يقال يامن يا فلان بأصحابك، أي خذ بهم يمنة ولا تقل تيامن .
اصطلاحاً:

 قال ابن الأثير: التيمن: الابتداء في الأفعال باليد اليمنى والرجل اليمنى والجانب الأيمن .
وقال ابن حجر: قال النووي قاعدة الشرع المستمرة استحباب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزيين وما كان بضدها استحب التياسر

ومن الآيات الواردة في التيمن :

{ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَأُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} (الإسراء:71)، {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً} (مريم:52).
ومن الأحاديث الواردة في التيمن :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ” إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين وإذا نزع فليبدأ بالشمال ليكن اليمنى أولهما تنعل وآخرهما تنزع ” أخرجه البخاري .
وعن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ” إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله ” أخرجه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله تعالى : { يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } قال: ” يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه، ويمد له في جسمه ستون ذراعاً، ويبيض وجهه، ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ، فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون: اللهم ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا، حتى يأتيهم فيقول: ابشروا لكل رجلٍ منكم مثل هذا ” . أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب.

المثل التطبيقي من حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في التيمن، ففي الاغتسال:
 عن عائشة قالت: ( كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اغتسل بدأ بيمينه فصب عليها من الماء فغسلها، ثم صب الماء على الأذى الذي به بيمينه وغسل بشماله، حتى إذا فرغ من ذلك صب على رأسه ) . أخرجه البخاري ومسلم .
وقالت أيضًا: ( كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله في طهوره وترجله وتنعله ) .أخرجه البخاري ومسلم .

فهذه المجموعة من الأمثلة التي ساقها لنا الحديث الشريف في الطهارة والترجل والتنعل… يقاس عليها ما يستجد في عالم الحياة؛ لأنه كل ما كان مستحسنا يبدأ به باليمين؛ ولذلك أصبحت قاعدة كما ذكر النووي وابن حجر وغيرهم “ما كان من الأشياء المستحسنة يبدأ به باليمين، وما كان من الأشياء المستقذرة يبدأ به بالشمال” مثل دخول دورة المياه والخلاء عمومًا، وأيضا إزالة الأذى والاستطابة تكون بالشمال. وإذا دخل الأماكن الطيبة بدأ بالرجل اليمنى وإذا خرج منها خرج بالرجل اليسرى، ويكون العكس لدخول الخلاء.

نظام التيامن في الجسم البشري:

ثبت علمياً أن كل حركة في جسم الإنسان تدور حسب نظام دقيق، بحيث تبدأ الحركات من الجهة اليمنى إلى الجهة اليسرى، ثم تتلاشى وتنتهي .. من ذلك

حركة الدم التي تبدأ أول نقطة فيها داخل جهاز الدورة الدموية من القلب، عندما تتقلص العضلات القلبية، لتضخ الكتلة الدموية، فيبدأ سير الدم النقي من تجاويف البطين إلى الشريان الأبهر الذي يتجه بشكل مقوس من الجهة اليمنى إلى الجهة اليسرى، بحيث يجعل جريان الدم سائراً بهذا الاتجاه، مبتدئاً من اليمين ومنتهياً في اليسار، بعد أن تتشعب الأوعية الدموية من الدقيق إلى الأدق، حتى تتلاشى حركة الدم، وتصبح غير منظورة لا تبصرها العين إلا بمساعدة العدسات المجهرية المكبرة، حيث تشاهد حركة الكريات الدموية وهى تؤدى وظائفها في تغذية وإرواء الأنسجة بمساعدة السوائل الدموية.

حركة الأمعاء تبدأ من باب المعدة الاثنى عشر بحيث يكون اتجاه الحركة للمواد الغذائية من الجهة اليمنى، ثم تنعطف الحركة باتجاه اليسار .. وإلى أنحاء منطقة الامتصاص الشعرية في الأمعاء الدقيقة.

حركة القولون في منطقة الأمعاء الغليظة، تبدأ من نقطة الجهة اليمنى باتجاه الناحية اليسرى إذ تتقلص لدفع المواد المتبقية من عملية الامتصاص إلى الجهة اليسرى المقابلة بعد أن تجمعت في الخزان الأعور الكبير، فتتحرك المواد من الجهة اليمنى إلى اليسار .. وإلى القولون المستعرض المتوازي وهكذا.

 حركة التنبيهات العصبية العجيبة الصنع في المراكز العصبية، والأسلاك الحسية والحركية المتصلة بها، تبدأ دورتها من الجهة اليمنى، وتنتهي في الطرف الأيسر عند أداء وظائفها الطبيعية الفسيولوجية.

وهكذا أظهر الحديث الشريف تلك الظاهرة العلمية في الكيان البشرى، مما جعلها انطلاقة علمية لم تكتشف إلا بعد بضعة قرون من قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( الإعجاز العلمي في الإسلام – السنة النبوية للأستاذ : محمد كامل عبد الصمد).
وكما نعلم فان المخ ينقسم إلى قسمين أيمن وأيسر والجزء الأيمن منه مسؤول عن الحركات الصادرة من الجزء الأيسر في الجسم كذلك الجزء الأيسر من المخ هو المسؤول عن الحركات الصادرة من الجزء الأيمن من الجسم.
وقد اكشتف الأطباء مؤخراً أن الجزء المسؤول عن العنف والشر في الإنسان يقع في الجزء الأيمن من المخ وأن استخدام الجزء الأيسر من الجسم يقوي دافع العنف والشر الموجود مركزه في الجزء الأيمن من المخ .لذا نجد العبرة و الجواب الشافي فيما امرنا به رسولنا الكريم (محمد صلى الله عليه وسلم) قبل1400 سنه ويزيد حينما قال ” تيمنوا فإن في اليمن بركة”…

فوائد التيامن :
1- أنه من أدلة الإيمان وحسن الإذعان .

2- أن فيه القوة والبركة .
3- أنه من حسن الإتباع .
4- أنه من شعائر الإسلام .
5- فيه مخالفة لأهل الشرك، إذ أن شعارهم استعمال الشمال، وكذا مخالفة الشيطان .
6- فيه مرضاة الرب ومحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- .

ومن السنة التيمن فيما يلي:
1- عند دخول المسجد: البدء بالرجل اليمنى، وعند الخروج البدء بالرجل اليسرى .
2- في الوضوء: في غسل اليدين أو الرجلين .
3- في التنعل: يرتدي النعل الأيمن أولاً ثم الأيسر، ويخلع النعل الأيسر أولاً.
4- البدء في الغسل بالشق الأيمن .
5- استحباب الصلاة عن يمين الإمام وفي ميمنة المسجد عند تساوي الطرفين .
6- في الأكل والشرب .
7- أن يعطي الإنسان الإناء – عند شربه منه – من يجلس عن يمينه حتى ولو كان الجالس الذي عن يساره أعلى منزلة ، أو أكبر سناً.

 


*  ماجستير وأخصائي جراحة العيون. عضو الجمعية الرمدية المصرية. للراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع  www.55a.net