حكاية “العلق” مع طبيب غير مسلم

بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف*

 

يحكي الدكتور إبراهيم خليل في كتابه ” لماذا أسلم صديقي… ” (…) قصة طبيب مصري غير مسلم قرر أن يكتب كتابًا يردّ فيه على تحدي القرآن، يعنون له بعنوان: ” وانتهت تحديات القرآن “.

و قد كتب الطبيب المصري رسالة، وأرسل صورة منها إلى ألفي عالم ومعهد وجامعة ممن تخصصوا بالدراسات العربية والإسلامية في مختلف أنحاء العالم، وكان مما سطره في خطابه قوله: ” القرآن يتحدى البشرية في جميع أنحاء العالم في الماضي والحاضر والمستقبل بشيء غريب جداً، وهو أنها لا تستطيع تكوين ما يسمى بالسورة باللغة العربية… كالسورة رقم 112، و هي من أقصر سور القرآن، ولا يزيد عدد كلماتها عن 15 كلمة، ويتبع ذلك أن القرآن يتحدى البشرية بالإتيان بـ(15) كلمة لتكوين سورة واحدة كالتي توجد في القرآن… سيدي: أعتقد أن مهاجمة هذه النقطة الهامة والخطيرة، وذلك بالإتيان بأكبر عدد ممكن من السور كالتي توجد، أو – آمل أن تكون – أفضل من تلك الموجودة بالقرآن سيسبب لنا نجاحاً عظيماً لإقناع المسلمين بأنا قبلنا هذا التحدي، بل وانتصرنا عليهم… فهل تتكرم يا سيدي مشكوراً بإرسال 15 كلمة باللغة العربية أو أكثر من المستوى البياني الرفيع مكوناً جملة كالتي توجد في القرآن…”.

و قد أثبت إبراهيم خليل العناوين الألفين التي أرسل لها الخطاب، وتكررت محاولة الطبيب المسيحي أربع مرات طوال سنة 1990م. فكانت محصلة ثماني آلاف رسالة أرسلها أن وصلت إليه ردود اعتذار باهتة عرض صورها إبراهيم خليل، منها: اعتذار كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن فقد كان ردها:” آمل أن تتفهم أن كليتنا وأعضاؤها يرفضون الخوض في المنازعات الدينية، وبالتالي فإنه لا يمكننا إجابة طلبك”. وأما رد إذاعة حول العالم (مونت كارلو) فكان ” الموضوع الذي طرحته موضوع هام، لكننا كإذاعة لا نحب أن ندخل في حمى وطيس هذه المعركة، إذ لا نظن أنها تخدم رسالة الإنجيل، فرسالتنا هي رسالة محبة، وليست رسالة تحدي…”.

و أما رد الفاتيكان فقد جاء فيه ” بوصفنا مسيحيين فنحن لا نقبل بالطبع أن يكون القرآن هو كلام الله على الرغم من إعجابنا به حيث يعتبر القمة في الأدب العربي… ولقد أخبرني زميل مصري بأن أفضل أجزاء القرآن تذكره بأجزاء من الكتاب المقدس، ولكن هذا بالطبع لا يعني أنه أوحي به من عند الله كما هو الحال في الكتاب المقدس. وهناك نقطة عملية تعوق مسألة الإتيان بسورة من مثل القرآن، وهي: من ذا الذي سيحكم على هذه المحاولة إن تمت بالفعل…”.

ولذلك اعتذروا عن إجابة طلبه، فأعاد المراسلة جميع معاهد ومؤسسات الفاتيكان طالباً إجابة التحدي، وعرض أن يكون هو الحكم بين القرآن والفاتيكان، وطلب من الأب ” ليو” في الفاتيكان أن ينقل أي جزء مكون من (15) كلمة من الكتاب المقدس ليعارض بها القرآن، فكانت الإجابة مشابهة لإجابة المئات الذين لم يردوا على الطبيب، بل صمت مدقع.

وكنموذج للإعجاز القرآني عرض إبراهيم خليل لكلمة ” علق ” الواردة في قوله تعالى {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق: 2] فلمادة ” علق ” في اللغة واحداً وثلاثين معنىً ذكرها ابن منظور في قاموسه ” لسان العرب “، وهذه المعاني كما يرى إبراهيم خليل تنطبق جميعاً على الإنسان فقد “وصفت جميع صفات الإنسان التشريحية والفسيولوجية والنفسية والعاطفية والاجتماعية منذ كان جنيناً في بطن أمه حتى صار رجلاً يحب و يكره…فالإنسان بحق من علق قد خلقه الله من السائل المنوي (العلوق)، وعلقت بأمه (حملت به)، فأصبح علقة كدودة حمراء تكون في الماء تعلق بالبدن وتمتص الدم ثم إذا خرج من بطن أمه احتاج إلى الشراب واللبن والطعام (العليق والعلوق)، ويطلق العلق أيضاً على ما يتبلغ به من العيش. والإنسان شديد الخصومة محب للجدل (علاقي معلاق) يكره (امرأة علوق) ويحب (علقت منه كل معلق)… إلى آخر تلك المعاني التي فصلت خصائص الإنسان و أطوار حياته الأولى.

وصدق العلماء الذين درسوا إعجاز القرآن حين قالوا:” إن القرآن رغم إيجازه المعجز في عدد كلماته، بل وفي عدد حروفه إلا أن المعاني التي تجيء بها كل كلمة فيها إرباء وإنماء وزيادة، أي أن كل كلمة تولد، وتعطي من المعاني ما لا حصر له “.

ومرة أخرى سارع الطبيب غير المسلم إلى مراسلة كليات ومعاهد العالم طالباً منهم أن يأتوا بكلمة بديلة لـ ” علق ” تقوم مقامها أو تعطي نصف المعاني التي تعطيها كلمة “علق “، و مرة أخرى لا مجيب!

قصة ابن المقفع ومحاولة تقليد القرآن الكريم (أ)

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:{قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً }[الإسراء : 88].

إن أول خاصة يتنبه إليها الباحث في العلوم القرآنية هو ذلك التحدي الصريح إلى الناس كافة، منذ أربعة عشر قرنًا، وبخاصة أولئك الذين ينكرون رسالة القرآن، ولم يستطع أحد من عباقرة البشر أن يردّ التحدي إلى الآن. لقد أعلن القرآن بصوت عال، لا إبهام فيه ولا غموض : قال تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة : 23].

إنه أغرب تحد في التاريخ، وأكثره إثارة للدهشة، فلم يجرؤ أحد من الكتاب في التاريخ الإنساني – وهو بكامل عقله – أن يقدم تحديًا مماثلاً، فكم من مؤلف يمكن أن يضع كتابًا، يستحيل على الآخرين أن يكتبوا مثله، أو خيرًا منه… إذ من الممكن إصدار مثيل من أي عمل إنساني في أي مجال، ولكن حين يدعى أن هناك كلامًا ليس في إمكان البشر الإتيان بمثله ثم تخفق البشرية على مدى التاريخ في مواجهة هذا التحدي، حينئذ يثبت تلقائيًا أنه كلام غير إنساني وأنها كلمات صدرت عن صميم المنبع الإلهي Divine origin، وكل ما يخرج من المنبع الإلهي لا يمكن مواجهة تحدياته.

وفي صفحات التاريخ بعض الوقائع، غرّ أصحابها الغرور فانطلقوا يواجهون هذا التحدي. ومن هذه الوقائع قصة ابن المقفع(1) فقد أوردها المستشرق ” ولاستن” في كتابه وعلق عليها قائلاً:(. . . إن اعتداد محمد بالإعجاز الأدبي للقرآن لم يكن على غير أساس، بل يؤيده حادث وقع بعد قرن من قيام دعوة الإسلام(2). والحادث كما جاء على لسان المستشرق هو أن جماعة من الملاحدة والزنادقة أزعجهم تأثير القرآن الكبير في عامة الناس فقرروا مواجهة تحدي القرآن، واتصلوا لإتمام خطتهم بعبد الله بن المقفع(727م)، وكان أديبًا كبيرًا وكاتبًا ذكيًا. يعتد بكفائته فقبل الدعوة للقيام بهذه المهمة. وأخبرهم أن هذا العمل سوف يستغرق سنة كاملة واشترط عليهم أن يتكفلوا بكل ما يحتاج إليه خلال هذه المدة.

ولما مضى على الاتفاق نصف عام عادوا إليه لمعرفة ما حققه أديبهم لمواجهة تحدي رسول الإسلام؛ وحين دخلوا غرفة الأديب الفارسي الأصل، وجدوه جالسًا والقلم في يده وهو مستغرق في تفكير عميق، وأوراق الكتابة متناثرة أمامه على الأرض، بينما امتلأت غرفته بأوراق كثيرة كتبها ثم مزقها.

لقد حاول هذا الكاتب العبقري أن يبذل كل مجهود عساه أن يبلغ هدفه، وهو الرد على تحدي القرآن المجيد… ولكنه أصيب بإخفاق شديد في محاولته هذه، حتى اعترف أمام أصحابه، والخجل والضيق يملكان عليه نفسه أنه، على الرغم من مضي ستة أشهر حاول خلالها أن يجيب على التحدي، فإنه لم يفلح في أن يأتي بآية واحدة من طراز القرآن! وعندئذ تخلى ابن المقفع عن مهمته مغلوبًا مستخذيًا. (3).

____________________________

* ماجستير في علوم القرآن والتفسير. وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.55a.net

(أ)- المصدر: نقلا عن كتاب الإسلام يتحدى لوحيد الدين خان.

الهوامش:

(1) أبو محمد عبدا الله المعروف بابن المقفع، مؤلف وكاتب من البصرة تقول بعض المصادر أن والده كان من أصل فارسي مجوسي لقب أبوه بالمقفع لأنه اتهم بالاختلاس لمال الخراج، فضرب على يده فتشنجت

(2)Mohammad: His Life & Doetrinep.143

(3) وردت فى التاريخ أمثلة أخرى حاول أصحابها مواجهة هذا التحدي , غير أنهم أخفقوا إخفاقًا ذريعًا ومن هؤلاء مسيلمة بن حبيب الكذاب , وطلحة بن خويلد الأسدي والنضر بن الحارث وأبو الحسين أحمد بن يحيى المعروف بابن الراوندي , وأبو الطيب المتنبي , وأبو العلاء المعري , صاحب كتاب ” الفصول والغايات فى مجاراة السور والآيات ” أنظر للتفصيل كتاب الرافعى : إعجاز القرآن ـ المترجم .